شرح كتاب التوحيد ( 15 ) [ باب قول الله تعالى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [الأعراف191 ، 192]]

شرح كتاب التوحيد ( 15 ) [ باب قول الله تعالى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [الأعراف191 ، 192]]

مشاهدات: 431

شرح كتاب التوحيد

( 15 )

باب قول الله تعالى :

{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ( 192) }

[الأعراف191 ، 192].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=_F1z5-FvDDY&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=16

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

لعل مراد المؤلف من عقد هذا الباب أن يذكر البراهين القطعية على بطلان عبادة المعبودات التي تُعبد من دون الله عز وجل .

 من الفوائد تحت هذه الآية :

1 ـ أن من البراهين القطعية على بطلان عبادة غير الله عز وجل  ما يأتي:

أولا:  أنهم لا يخلقون شيئاً، فمَن ليس بخالق كيف يُعبد؟

ثانيا: أنهم مخلوقون إذ كانوا من عدم فأوجدهم الله عز وجل .

ثالثا : أنهم لا ينصرون عابديهم.

رابعا: أن هؤلاء المعبودين لا يستطيعون دفع الضر عن أنفسهم فكيف يدفعونه عن غيرهم؟ فدل على أن المتصف بأضداد هذه الصفات هو الذي يستحق العبودية وهو الخالق عز وجل الذي ينصر عباده والممتنع من أن ينال بسوء .

2 ـ أنهم لا يخلقون شيئاً و«شيئاً» نكرة في سياق النفي فتعم أي شيء، بل بيَّن عز وجل  ضعفهم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج73].

 

وقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾  [فاطر13].

 من الفوائد:

1 ـ أن هذه الآية ذكرت أدلة قطعية على أن المستحق للعبادة هو الله  عز وجل ، وذلك لأن هؤلاء المعبودين لا يملكون القطمير، والقطمير: هي «القشرة البيضاء التي تحيط بنواة التمرة»  ثم إن هؤلاء لا يملكون ولو أقل من القطمير لأن النكرة في سياق النفي تعم، بل إن النفي هنا أُكِّد، فهذا العموم الذي جاء في سياق النفي مؤكد بـ «مِن» قال: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾  [فاطر13] فـ «مِن» زائدة يعني ما يملكون قطميراً.

ولو قال قائل: إنهم يملكون في الدنيا ما هو أعظم من هذا؟

فالجواب: أن ملكهم إنما هو بتمليك الله عز وجل  لهم، ثم إن ملكهم ملك قاصر، فلا يجوز للعبد أن يتصرف في هذا الشيء إلا على الضابط الشرعي وإلا كان معرضاً للعقاب .

2 ـ أن الجملة الفعلية عند البلاغيين تفيد التجدد والاستمرار ، ولذا قال:﴿مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾  [فاطر13] يعني أن نفي ملكهم متجدد ومستمر في كل حين وفي كل زمان.

3 ـ أن من الأدلة القطعية، أن هؤلاء المعبودين لا يسمعون دعاء من دعاهم وحتى لو سمعوا فإنهم ليسوا بقادرين على إجابتهم .

4 ـ أن هؤلاء المعبودين يكفرون بشرك من أشرك بهم، وهذا المعنى موجود في نصوص كثيرة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه  قال:

« شُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ فَقَالَ:«كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ» فَنَزَلَتْ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران128]

 من الفوائد:

1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم مع ما له من المكانة عند الله عز وجل  فإنه لا يملك شيئاً، فإذا كان لا يملك شيئاً وهو النبي الكريم عظيم المنزلة عند الله فغيره من باب أولى، فكيف يُعْبد من هو دون النبي صلى الله عليه وسلم ؟! أو يُعبد هو  صلى الله عليه وسلم ؟!، ولذا شج رأسه وكسرت رباعيته، أي كسرت سِنُّه الرباعية.

2 ـ فيه الرد على من رفع النبي صلى الله عليه وسلم  فوق منزلته إذ إنهم يستغيثون به حتى قال بعضهم:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به        سواك عند حدوث الحادث العمم 

إن لم تكن في معادي آخذا بيدي       فضــلاً وإلا فقـــل يا زلـــة القــــدم       

فإن من جـودك الدنيا  وضرتهـا       ومن علومـك علم اللـوح والقـلــم

3 ـ أن قوله  صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ» أن هذا استفهام تعجب، وفيه دلالة على أنه لا يملك شيئاً صلى الله عليه وسلم .

4 ـ أن قوله: «فنزلت»  ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران 128]. جيء بحرف «الفاء» الذي يفيد الترتيب والتعقيب، وذلك لأن الأمر خطير وعظيم فلا يتوانى ولا يتأخر في التنبيه عليه، ولذا لما نفى صلى الله عليه وسلم  عنهم الفلاح أنكر عليه عز وجل .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفيه عن ابن عمر رضي الله عنهما :

«أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ الرَّكْعَةِ الأخيرَةِ مِنْ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾

وفي رواية: «يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾

 

 من الفوائد تحت هذا الحديث:

1 ـ أن هذه الآية نزلت لأسباب متعددة منها: ما سبق في حديث أنس رضي الله عنه، ومنها: ما ذكر هنا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما , ولا مانع أن تنزل الآية مرة واحدة عقيب أسباب متعددة.

2 ـ أنه لا يجوز لعن المُعَيَّن حتى ولو كان كافراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم  أنكر عليه ربُّه، وذلك لأن هؤلاء الملعونين قد يُوَفَقُون للدخول في الإسلام، وبالفعل فقد حصل، فإن هؤلاء الثلاثة المذكورين في الحديث قد مَنّ الله عليهم بالدخول في الإسلام ، وهذا هو القول الصحيح ، إذ إن بعض العلماء يقول: يجوز لعن المُعَين مطلقاً سواء كان كافراً أم فاسقاً ، وبعضهم يخص جواز لعن المعين الكافر أما الفاسق فلا يجوز , والصحيح ما سبق.

3 ـ أن القنوت في الصلوات المفروضات بدعة، إلا إذا وجد سبب وهذا السبب أن ينزل بالمسلمين نازلة ، فيجوز لفعله صلى الله عليه وسلم.

4 ـ أن هذا القنوت يكون بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة كما في فعله صلى الله عليه وسلم.

5 ـ بيان أن النبي  صلى الله عليه وسلم  لا يعلم الغيب، إذ لو كان يعلم الغيب ما لعن هؤلاء ، إذ لو كان يعلم أن هؤلاء سَيُسْلِمون ما دعا عليهم باللعن .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: 

«قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شيئاً، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا»

 من الفوائد:

1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  ينفع أقرباءه في حالة واحدة ، وهي إذا أتى هذا القريب له بالإيمان،  قال تعالى:   ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89))  [الشعراء 88 ، 89]، وقال تعالى  ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ﴾ [المؤمنون101].

2 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  لا يملك لأحب الناس إليه نفعاً  كابنته فاطمة  التي قال فيها  صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بَضْعَةٌ مِنِّي» يعني قطعة مني «يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» مع ذلك قال: «لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا» فكيف يملك نفعاً  لغير هؤلاء المحبوبين عنده؟.

3 ـ أن على الداعية أن يبدأ في دعوته بأحب الناس إليه، فيدعو خَوَاصَّه ثم يدعو أقرباءه ثم يدعو عامة الناس، كما فعل  صلى الله عليه وسلم  ولذا قال عز وجل : ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء 214] وقال في آية أخرى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾   [الأعراف 158] وقال تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)  قُمْ فَأَنذِرْ (2)﴾.

4 ـ سرعته  صلى الله عليه وسلم في تنفيذ أمر الله عز وجل ، فإن الآية لما نزلت قام فدعا أقرباءه.

5 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  خاطب عمه وعمته وابنته مما يدل على أنه بدأ من عشيرته بأقرب الناس إليه.

6 ـ أنه صلى الله عليه وسلم  لا يغني عنهم من الله عز وجل  شيئاً كما قال: «لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا»  في حق فاطمة وصفية وقال في حق العباس: «لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا».

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ