شرح كتاب التوحيد (22) [باب ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد وسَدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك ]

شرح كتاب التوحيد (22) [باب ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد وسَدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك ]

مشاهدات: 506

 

شرح كتاب التوحيد

(22)

[ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم 

جناب التوحيد وسَدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=uv_jsTBmogs&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=23&spfreload=10

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هذا الباب له مناسبة بما سبق وذلك أن المؤلف  رحمه الله لما ذكر أمثلة من الغلو بيَّن حرص النبي صلى الله عليه وسلم  على سد أبواب الشرك وذكر من حرصه أمثلة على ذلك

وقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ  ﴾   

[التوبة128].

 من الفوائد:

1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم   من جنس البشر،  فليس من الجن ولا من الملائكة، وفي آية أخرى قال:﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾   [آل عمران164] وفي آية أخرى قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾   [الجمعة2]، فآية ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾   يعني أنه رسول لجميع البشر وأن المِنَّة قائمة على جميع البشر، وأما قوله تعالى ﴿مِنْهُمْ﴾   فالمنة تتأكد في حق العرب، ولذا فإن العرب مأمورون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم  مرتين، مرة على وجه الخصوص، ومرة على وجه العموم.

2 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  وصفه الله عز وجل  بأنه يُحِبُ زوال المكروه عن الخلق وحصول المطلوب لهم قال تعالى : ﴿عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّمْ﴾   يعني يشق عليه عنَتكُم وقال:﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾  [التوبة : 128].

3 ـ أنه يجوز أن يتسمى بأسماء  الله عز وجل   بشروط تتبين في باب «التسمي بقاضي القضاة».

4 ـ أن مفهوم المخالفة في قوله:﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾  أنه بالكفار المحاربين ليس رؤوفاً رحيماً ، ولذا قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾   [التوبة73]

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً، وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات

 من الفوائد تحت هذا الحديث:

1 ـ تحريم دفن الميت في البيوت لأسباب من بينها:

أولا: أن دفنه سبب للغلو فيه.

ثانيا: حرمان هذا الميت من دعوة المسلمين له إذا زاروا المقابر.

ثالثا:  حرمان للورثة من أن ينتفعوا من هذا البيت الموروث انتفاعاً كاملاً.

رابعا: حصول الوحشة في نفوس ساكني هذا البيت لوجود الميت.

خامسا: أضرار على الورثة فيما لو باعوا هذا البيت فإن ثمنه سيقل

ولو قال قائل: لماذا دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها ؟

الجواب: لأسباب:

أولا: محبته لعائشة رضي الله عنها :

ولذا في حديث عمرو بن العاص – كما في الصحيحين – لما سأله «أيُّ الناسِ أحبُّ إليك؟ قال: عائشةُ فقلتُ: من الرجالِ؟ قال: أبُوهَا»  وهذا معلوم لدى نسائه .

ثانيا: أن حجرة عائشة رضي الله عنها قريبة من المسجد، فلعلهJأن يجد نشاطا أو بعضا منه فيصلي بالناس وهذا قد حصل فإنه صلى بهم في مرض موته

ثالثا: أن في مكثه في بيت عائشة من باب التأنيس لأصحابه ولذا في اليوم الذي توفي فيه قال أنس: «فكشفَ النبي صلى الله عليه وسلم سترَ الحجرةِ يَنْظر إلينا وهو قائمٌ كأنَّ وجهَه ورقةُ مصحف»

ولو قال قائل: هذا هو النبي  صلى الله عليه وسلم   فَلِمَ أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؟

الجواب: أن أبا بكر  وعمر رضي الله عنهما لازما النبي صلى الله عليه وسلم  في حياته، ولذا جاء عند البخاري:

«عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»

فأحبا رضي الله عنهما ألا يفترقا عنه صلى الله عليه وسلم  بعد وفاته.

والصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على جواز دفنهما معه  صلى الله عليه وسلم ، ثم إن عائشة رضي الله عنها قالت: «رَأَيْتُ ثَلاَثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حجري، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوفِّي رَسُولُ اللَّهِ ? وَدُفِنَ فِي بَيْتِهَا، قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ، وَهُوَ خَيْرُهَا»

2 ـ أن معنى قوله  صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً»

المعنى الأول: أنه لا يدفن الميت في البيت.

المعنى الثاني: أنكم لا تجعلوا بيوتكم بمثابة القبور لا يصلى فيها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم :  «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِى بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»  ففهم أن المقبرة ليست محلاً للصلاة، وصريح حديث النبي صلى الله عليه وسلم : « الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ الْمَقْبُرَةَ وَالْحَمَّامَ »

3 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  حَمَى جَنَاب التوحيد فنهى أن يتخذ قبره عيداً.

4 ـ أن «العيد»: اسم لما يتكرر ويعود على وجه معتاد كما قال شيخ الإسلام  رحمه الله.

5 ـ أن العيد قد يكون مقيداً بزمن، كأن يتخذ يوم يقام فيه العيد كالأعياد الشرعية، مثل اليوم الأول من شهر شوال فإنه عيد الفطر، واليوم العاشر من شهر ذي الحجة هو عيد الأضحى فهذا عيد مقيد بزمن.

وهناك عيد مقيد بالمكان كما هنا ، قال:«وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً» فالمكان قد يكون متخذاً للعيد، ولذا قال صلى الله عليه وسلم  في قصة ذلك الرجل الذي نذر أن ينحر إبلا ببوانة قال:  «هل كان فيها عيد من أعيادهم»

ومن إطلاق لفظ العيد يطلق أيضا على العمل، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : «شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم »

ومن ثم فإن تحديد وقت معين يعتاد فيه الإنسان لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم  فإنه محرم وبدعة في الدين، وكذلك لو أنه لم يتخذ زمناً معيناً ولكنه يتردد عليه كثيراً، وإنما الزيارة الشرعية أن يُزار لسبب، كمن قدم مسافرا يقصد زيارة المسجد النبوي فإنه يزور قبر النبي  صلى الله عليه وسلم  مرة واحدة، ليتذكر الموت الذي نزل بأفضل الخلق  صلى الله عليه وسلم.

6 ـ أن بعض العلماء استحب السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار «باب استحباب السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم  »

وهذا اجتهاد منه رحمه الله وليس كل مجتهد بمصيب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم  كما جاء في الصحيحين قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى»

 

أما الأحاديث الواردة في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم إما مطلقاً وإما بعد الحج فإنها أحاديث كما قال شيخ الإسلام رحمه الله مختلقة موضوعة، من بينها  «مَنْ حَجَّ فَزَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي»

فهذا السند رجاله متروكون  ثم إن متنه فيه مطعن، فإن هذا الحديث يقتضي أن من زار النبي صلى الله عليه وسلم   بعد حجته أنه نال رتبة الصحبة.

7ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ»

هنا ثلاثة معاني ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح:

المعنى الأول:  «روضة» يعني «كروضة» فحذفت أداة التشبيه، بمعنى أن ما يقع فيها من ذكر ومن طلب للعلم ولاسيما في زمنه صلى الله عليه وسلم أنه روضة من رياض العلم، كما جاء في الحديث: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: ما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر»

المعنى الثاني: أن العبادة فيها تؤدي بإذن الله تعالى إلى دخول الجنة.

المعنى الثالث: أن هذا المكان ينقل إلى الجنة.

ذكر هذه المعاني ابن حجر رحمه الله وقال أقواها ما كان على هذا الترتيب:

  • أنها كحلق الذكر.
  • أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة.
  • أن هذا المكان ينقل إلى الجنة.

وجاءت لفظة «ما بين منبري وقبري» وليست صحيحة ،وإنما هي مروية بالمعنى

 والصحيح «ما بين منبري وبيتي» وعلى فرض صحتها فهذا إخبار من النبيJعلى أنه سيدفن خارج المسجد في حجرة عائشة رضي الله عنها .

8 ـ حرصه  صلى الله عليه وسلم كما سلف على سد أبواب الشرك ولذلك قال:

«صَلُّوا عليَّ، فإنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» كل هذا من باب سد أبواب الشرك.

9 ـ أن زيارة قبر النبي  صلى الله عليه وسلم  منهي عنها للنساء خلافاً لاستثناء الحنابلة، يستثنون من النهي عن زيارة النساء للمقابر يستثنون قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه، ولكن ليس هناك دليل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله زائرات القبور»

10 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم   قال:  «إِنَّ لِله تعالى مَلائِكة سَيَّاحِينَ في الأرضِ يُبَلِّغُوني من أُمَّتي السلامَ» فمن سلم عليه في أي مكان فإن هناك ملائكة توصل السلام إليه  صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ:

«أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيَدْخُلُ فِيهَا، فَيَدْعُو، فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَلاَّ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلاَ بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ َتَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغَنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» رواه في المختارة.

 من الفوائد:

1 ـ فيه دليل لصحة ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله من أن الإنسان لو خَصَّصَ بقعة يعتقد أن لها مزية فضل، من خصصها بعبادة فإنه بذلك شابه المساجد، وهذا سبب من أسباب الشرك، ويستثنى من ذلك ما وردت به الشريعة، وذلك أن يُخَصِّص الإنسان موضعاً في بيته يؤدي فيه الصلاة، فإن النبي  صلى الله عليه وسلم  طلب منه عتبان بن مالك رضي الله عنه أن يأتي إليه في بيته، وأن يصلي في مكان حتى يتخذه موطنا يصلي فيه ؛ لأنه فقد بصره ولا يستطيع أن يصل إلى المسجد.

2 ـ أن هناك ما يسمى عند البلاغيين بـ  [الطَّيّ والنَّشْر] وذلك أن تحذف كلمة لدلالة كلمة أخرى عليها، فقوله هنا: «وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ َتَسْلِيمَكُمْ» ولم يقل صلوا علي فإن صلاتكم، فتكون كلمة «وَصَلُّوا عَلَيَّ» وكلمة «فَإِنَّ َتَسْلِيمَكُمْ» كل منهما تدل على الأخرى، بمعنى أن صلاتكم وتسليمكم يصلني أينما كنتم.

3 ـ حرص السلف على سد أبواب الشرك ، ولذا فإن علي بن الحسين رحمه الله أنكر على هذا الذي يأتي إلى هذه الفُرْجَة فقال له: «ما أنت ومن بالأندلس إلا سواء» لأن السلام عليه صلى الله عليه وسلم يصل إليه سواء كنت قريباً أم كنت بعيداً.

4 ـ أن قوله: «رواه في المختارة» المراد من ذلك كتاب «الضياء» للمقدسي رحمه الله ،   فإن له كتابا بهذا الاسم، وهناك فوائد ذُكِرَتْ في الحديث الذي قبله.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ