شرح كتاب التوحيد
( 24 )
[ باب ما جاء في السحر]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=eqpI-gan8So&index=25&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾
[البقرة: 102]
من الفوائد:
1 ـ أن السحر في اللغة: «هو ما خفي ولطف سببه».
2 ـ أن الساحر اختلف العلماء في حكمه ، هل هو كافر أم أنه غير كافر؟
والصحيح أنه يختلف باختلاف السحر، فإن كان السحر يُستعان فيه بالشياطين فإنه كفر، وأما إن كان عُقد ينفث فيها بروحه الخبيثة ، كما تتكيف نفس العائن الخبيثة في الضرر بالمعين، فإنه وسيلة من وسائل الشرك ولا يكون كافرا، ولكن ينبغي إذا سئلت عن حكم الساحر فنقول هو كافر حتى تسد الأبواب التي تفضي إلى الشرك، حتى لو تاب فإن مصيره إلى القتل، فإن حكمه في الدنيا لا تقبل توبته فينفَّذ فيه القتل، وأما توبته فبينه وبين الله عز وجل في الآخرة ، فإن كان صادقا فإن الله عز وجل يقبل توبته أما في الدنيا فلا، لأنه من المفسدين في الأرض، والمحاربون في الأرض إذا قُبِض عليهم تنفذ فيهم الأحكام، وحتى لا ينفتح باب الشر، كل من قبض عليه قال لنا تبت كذباً ، فلربما يعود إلى ما كان عليه من السحر.
3 ـ أن ما ذكره المؤلف رحمه الله جزء من آية ذكر فيها سحر اليهود، إذ إنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، فيكون السحر موجودا في الأمم السابقة.
4 ـ أن قوله تعالى:﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ [البقرة102] أي ما له من نصيب، وهنا ﴿خَلَاقٍ﴾ نكرة في سياق النفي فتعم، لكن قد يكون فيه نفي للخلاق كله، وذلك لأن سحره كفر، أو يكون فيه نفي لبعضه إذا كان سحره ليس بكفر كما سبق، لكن في هذه الآية كفر، فيكون لا خلاق له مطلقا، ولذا أكَّد العموم بـ ﴿مِنْ﴾ الزائدة ﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ [البقرة102] الأصل : ما له في الآخرة خلاقٌ ، وذلك لأن هذا السحر استُعين فيه بالشياطين قال تعالى ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة102].
5 ـ أن قوله : ﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ [البقرة102] يدل على أن الشراء يكون من رغبة من المشتري والبائع، فهؤلاء اشتروا السحر برغبة جامحة ، وهذا من باب تزيين الشيطان قال تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾ [فاطر8].
6 ـ أن الساحر لو حصل على الخير في الدنيا فإنه لا يعني أن يكون له خير في الآخرة ولذا قال:﴿مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾.
7 ـ أن قوله:﴿ لَمـَنْ اشْتَرَاهُ ﴾ «مَنْ»: اسم موصول، فتفيد العموم بقطع النظر عمن اشترى هذا السحر من عَلَت منزلته أو من دنت.
8 ـ أن صدر هذه الآية هو قوله : ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة102] جاءت بعد آية فيها ﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة101].
فيستفاد من هذا أن من نبذ الكتاب وأعرض عنه فإن مصيره إلى شر، فلما تُرِك الكتاب ونُبذ من هؤلاء ﴿اتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة102].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء51]. قال عمر: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان ، وقال جابر: الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد
من الفوائد:
1 ـ أن السحر موجود في أهل الكتاب لأن هذه الآية جاءت في أهل الكتاب، قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً ﴾ [النساء51].
وقد سبق ذكرها في الأبواب السابقة.
2 ـ أن عمر رضي الله عنه كما ذكر المؤلف رحمه الله هنا قال: « الجبت : هو السحر، والطاغوت : هو الشيطان».
فقوله: إن الطاغوت هو الشيطان يعارض في الظاهر ما فسَّر به ابن القيم رحمه الله الطاغوت بأنه: «ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع»
فيقال: لا تعارض، لم ؟ لأن عمر رضي الله عنه فسر الطاغوت بتفسير المثال ، من باب تقريب معنى الطاغوت ، وذلك لأن الشيطان من أكبر الطواغيت لأنه متبوع فقد تجاوز حدَّه ؛ ولذا فإن جابراً رضي الله عنه فسَّر أيضا الطاغوت بتفسير آخر قال: «الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد».
ولا شك أن الكهان إذا نُزِّل على تعريف ابن القيم أنهم تجاوزوا حدودهم، والتفسير بالمثال كثير في النصوص.
3 ـ أن القرآن يُفسَّر بطرق:
أولا: تفسير القرآن بالقرآن.
ثانيا: تفسير القرآن بالسنة.
ثالثا: تفسير القرآن بأقوال الصحابة، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولغتهم قد سلمت من اللحن فهم أقرب الناس من غيرهم في معرفة مراد الله عز وجل .
رابعا: تفسير القرآن بأقوال التابعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ »
من الفوائد:
1 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم حلَّى كلمة «السحر» بالألف واللام فيدل على أن السحر بجميع أنواعه من الموبقات المهلكات.
2 ـ أن ذكر السحر بعد الشرك يدل على أن السحر شرك، وإن لم يكن فيه استعانة بالشياطين فإنه وسيلة إلى الشرك، والقاعدة «أن الوسائل لها أحكام المقاصد».
3 ـ أن المذكورات في هذا الحديث مهلكات ، هن في الحقيقة مهلكات للضرورات التي جعلها الشرع من الضرورات التي لا غنى للإنسان عنها، فإن في كلمة «الشرك والسحر» هلاك للدين والعقل، وأن «قتل النفس» هلاك للنفس، وأن «أكل الربا وأكل مال اليتيم» هلاك للمال، وأن «التولي يوم الزحف»، والهروب من ذلك يعد هلاكاً في الدين لأنه يضعف نفسية المقاتلين، وأن «قذف المحصنات الغافلات المؤمنات» هلاك للعرض، ومن الضروريات الخمس: [الدين والعقل والنفس والمال والعرض] .
3 ـ أن معنى «المحصنات» أي النزيهات، ومعنى:
«الغافلات» أي اللاتي غفلن عن هذه الفاحشة فلم تطرأ على بالهن لعدم معرفتهن بهذا الفاحشة، فكيف يقعن فيها؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن جندب رضي الله عنه مرفوعا: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُةٌ بِالسَّيْفِ» رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.
من الفوائد:
1 ـ أن قوله: «حدُّ الساحر» الحد: عقوبة لا تقام على كافر؛ ولذا فإن المرتد لا يقال «حد المرتد» لأن الحدود تطهير، ومن ثَم فإن هذا الأثر دليل على من قال بالتقسيم من أن السحر يختلف باختلاف طرقه، لكن الغالب في السحر أنه يكون بالاستعانة بالشياطين، ثم إن النوع الثاني من أنواع السحر الذي لا يقتضي كفر صاحبه حكمه في الدنيا القتل، فحكم السحرة في الدنيا بقطع النظر عن تباين واختلاف سحرهم، الحكم القتل وذلك لأن السحر فساد وإفساد في الأرض.
2 ـ أن هذا الأثر اختلف فيه : هل هو مرفوع أم أنه موقوف؟ وراويه الترمذي يقول الصحيح أنه موقوف، يعني أن هذا الكلام من قول جندب وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
3 ـ أن الصحابة رضي الله عنهم علموا خطورة السحر؛ ولذا جاءت أحكامهم بأن فاعله يقتل.
4 ـ أن «جندب» ليس هو جندب بن عبد الله، وإنما هو جندب الخير رضي الله عنه ، وسبب كلامه رضي الله عنه : «أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة، فكان يأخذ سيفه فيذبح نفسه ، ولا يضره ، فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه.
ثم قرأ: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء3] .
5 ـ أن السحر له حقيقة فليس هو خيال، وإنما هو خيال بالنسبة إلى ما يراه المسحور، ولذا قال تعالى:﴿فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف116]، فقد يرى المسحور أن هذا الشيء الثابت يتحرك فلا يمكن أن يكون السحر فاعلا في تحريك الثابت أو في تثبيت المتحرك، إنما القادر على ذلك هو الله عز وجل ، وما يراه المسحور إنما هو خيال عند عينيه، لكن السحر أثره واقع وموجود؛ ولذا النبي صلى الله عليه وسلم ، لما سُحِر كان يرى أنه يأتي الشيء وهو لم يأتِه.
6 ـ أن العصمة من السحر تكون بالمحافظة على الأوراد الشرعية ، ولذا قال ابن القيم رحمه الله : «كلما كان القلب ممتلئا بذكر الله عز وجل كان عنه السحر أبعد ، ولهذا أكثر ما يصيب النساء والجهال والأطفال»
ولو اعترض معترض فقال: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ومع ذلك أصيب بالسحر؟.
فالجواب عن هذا :
أولاً: أن هذا السحر الذي نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم من جنس المرض الذي يصيبه ليرفع الله عز وجل به درجته كما سقط من الفرس وكما قال صلى الله عليه وسلم : «إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ » ؛ ولذا قال لعائشة رضي الله عنها : «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي » فدل على أن السحر من المرض .
ثانياً: لكي يعلم الناس كلهم أنه بشر صلى الله عليه وسلم يصيبه ما يصيب البشر، فيكون فيه رد على من غلا فيه صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أن يُعَلِّم أمته كيف يتخلصون من السحر ، وكيف يتعاملون معه، ولذا لما سحر نزلت المعوذتان فجعل يقرأ على هذا الشعر المعقود فيه السحر ، فكلما قرأ آية انحلت عقدة، ولذا لما قالت عائشة : يا رسول الله أفلا أخرجته قال : «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» هو أخرجه صلى الله عليه وسلم من البئر وقرأ عليه ، لكنه لم يخرجه لعموم الناس حتى لا يفتح على الناس شرا ، فلربما يتعلم بعض السفهاء كيفية السحر حينما يرون كيف يعقد ، فكان فعله صلى الله عليه وسلم بعدم إخراجه على وجه العموم من باب سد الذرائع المفضية للشرك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي صحيح البخاري عن بَجَالة بنِ عَبدة قال:
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر» وصح عن حفصة رضي الله عنها : «أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت»
وكذلك صح عن جندب
قال أحمد رحمه الله : عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
من الفوائد :
هذا الحديث وهو حديث «بجالة» رضي الله عنه ليس في صحيح البخاري، هو حديث صحيح لكنه ليس عند البخاري، فتفيد هذه الآثار، عن جندب رضي الله عنه كما سبق وعن عمر رضي الله عنه وعن حفصة رضي الله عنها : أن الساحر يُقتل وأنه يستوي في ذلك كما في أثر حفصة رضي الله عنها يستوي في ذلك الرجل والمرأة وكذلك نص على ذلك حديث عمر رضي الله عنه : «اقتلوا كل ساحر وساحرة».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ