شرح كتاب التوحيد
( 29 )
[ باب ما جاء في التنجيم ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=prplBS4k7Uw&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=30
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذا العنوان:
أن التنجيم على نوعين:
النوع الأول: علم التأثير، وينقسم هذا العلم من حيث الحكم إلى أقسام:
أولاً: أن يدعو هذه النجوم، فهذا شرك بالله وهذا الشرك شرك في توحيد الألوهية.
ثانياً: أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة ، فهذا مشرك بالله عز وجل شركاً أكبر في توحيد الربوبية .
ثالثاً: أن يجعل هذه النجوم وسيلة لمعرفة ما يكون في الأرض ، فهذا شرك بالله عز وجل شركاً أكبر، لم؟ لأنه يدعي علم الغيب، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل ، قال تعالى:﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل65].
رابعاً: أن ينسب ما حدث في الأرض بعد وقوعه إلى النجم، كأن يقول هذا الحادث في الأرض إنما وقع بسبب أن النجم الفلاني قد طلع ، فهذا شرك أصغر، لم؟ لأنه جعل سببا لم يجعله الله سببا.
النوع الثاني: علم التسيير: وهو من حيث الحكم ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول: أن يتعلم هذه النجوم لمعرفة القبلة فهذا واجب عليه.
الثاني: أن يتعلمها لمعرفة الجهات الأخرى فهذا جائز.
الثالث: أن يتعلمها لمعرفة الأوقات ومعرفة الفصول متى يدخل فصل الشتاء وفصل الصيف، وهذا كما سيأتي معنا كرهه قتادة، وأراد من ذلك ألا يفتح الباب فلربما توصل به الأمر إلى الأمور الشركية فقد يظن أن فصل الشتاء هو الذي يأتي بالبرد، وأن فصل الصيف هو الذي يأتي بالحر، ولكن أجازه الإمام أحمد رحمه الله وهو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال البخاري رحمه الله في صحيحه :
قال قتادة رضي الله عنه : «خَلَقَ الله هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ» ا.هـ
وكره قتادة تعلمَ منازل القمر ولم يرخص ابن عيينة فيه ذكره حربٌ عنهما، ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق
من الفوائد تحت قول قتادة رضي الله عنه :
2 ـ أن هذا الأثر مختصر إذ إن له سبباً، فإن هناك من قال: إذا حصل كذا – كولادة شخص – يربطونه بدخول نجم أو خروج نجم، فقال قتادة: «فلعمري ما هناك نجم إلا ويولد فيه الجميل والقبيح، والطويل والقصير والأسود والأبيض»
3 ـ أن قوله : «لعمري» أنها ليست من صيغ القسم، إلا إذا أراد بذلك القسم جمعاً بين الأدلة، وهذا هو القول الوسط لأن كلمة لعمري ليست من صيغ القسم لعدم وجود حرف من حروف القسم، فإذا لم يقصد اليمين فلا تكون حلفا بغير الله عز وجل ، ولذا قالها قتادة.
وقالت عائشة رضي الله عنها : «فَلَعَمْرِى مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال – كما في سنن أبي داود قال للرجل الذي قرأ على المعتوه – قال: «كُلْ فَلَعَمْرِي مَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ» .
أما إذا كان المقصود اليمين فإنه شرك بالله عز وجل ، لأن هذه الكلمة قد تكون يمينا إذا قصد فيها اليمين كقوله تعالى : ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر72]
فأقسم جل وعلا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم .
4 ـ أن النجوم خلقت لهذه الأغراض الثلاثة :
الحكمة الأولى : قال: زينة للسماء ، والمراد من هذه السماء، السماء الدنيا ، كما قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: 5].
الحكمة الثانية : رجوما للشياطين ، كما قال تعالى : ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ﴾
الحكمة الثالثة: علامات يهتدى بها ، ولذا قال تعالى : ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 16].
5 ـ ذم التكلف عند السلف ، ولذا قال عمر رضي الله عنه : «نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ» والنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله عز وجل أن ينفي عن نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم التكلف، قال تعالى:﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾[ص :86].
6 ـ أن قول قتادة: «خَلَقَ الله هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ» لا يعني أنه ليست هناك حكم أخرى فقد تكون حكم أخرى لا يعلمها إلا الله عز وجل
7 ـ أن قوله:«فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به» معنى ذلك: أن من عدل عن الشيء الظاهر إلى شيء خفي في النصوص أنه قد تأول ، والتأويل إما أن يكون محمودا ، وإما أن يكون مذموما، فإذا عدل الإنسان عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح بدليل فهو تأويل محمود ، وإن عدل عنه بغير دليل فهو تحريف.
مثال : المحرفين في أسماء الله عز وجل وصفاته ، قالوا : إن قوله تعالى : ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ استولى، فحرفوا وعدلوا عن المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي من غير دليل.
أما إن كان بدليل فيجوز، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجار أحق بالشفعة» فليس المراد من هذا الجار الملاصق، وإنما هو الجار الذي هو الشريك، وعدل عن هذا الظاهر إلى المعنى الخفي لأنه قال «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ». فدل على أن المقصود من هذا الجار «الشريك».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ» رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
من الفوائد :
1 ـ بيان فساد معتقد الخوارج والمعتزلة من أنهم يقولون إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في نار جهنم في الآخرة ، ويقول الخوارج إن حكمه في الدنيا كافر، أما عند المعتزلة فيقولون هو في منزلة بين منزلتين لا مسلم ولا كافر، وأما أهل السنة والجماعة فجمعوا بين النصوص فقالوا: إن صاحب الكبيرة تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء رحمه فضلا منه، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه عدلا منه عز وجل ، ثم مآله إلى الجنة، وأما حكمه في الدنيا عند أهل السنة فهو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
2 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «مدمن الخمر» يدل على خطر الإصرار والاستمرار على المعصية.
3ـ تحريم قطيعة الرحم، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» .
4 ـ أن معنى قوله: «مصدق بالسحر» أي بالتنجيم.
قد يقول قائل: ما علاقة هذا الحديث بالتنجيم، فلم يذكر التنجيم وإنما ذكر السحر؟
فيقال: إن التنجيم كما سبق معنا في باب بيان أنواع من السحر أنه من السحر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» ومن ثمَّ فلو صدق الرجل منجماً فقد صدقه بادعاء علم الغيب، فيكون بذلك كافراً ولا يدخل تحت المشيئة.
5 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «مصدق بالسحر» يشمل ما لو صدقه في الظاهر مع اعتقاده بكذبه في الباطن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«مصدق بالسحر» فلا يجوز أن تصدق بالسحر حتى ولو في الظاهر، وإن كان باطنك ينكر ذلك، وذلك حتى لا تغرر بالناس ولا يقتدى بك .
6 ـ أن التصديق بالسحر إذا كان المقصود منه أن له تأثيراً فإنه لا يدخل في هذا الذنب، لِمَ ؟ لأن تأثير السحر موجود، وقد أثَّر السحر على النبي صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يذهب بصره، أما لو صدَّق أن السحر يقلب الأعيان ويحول الأشياء فهذا كفر بالله عز وجل .
7 ـ أن الذهاب إلى السحرة للتداوي هو تصديق، لأنه ما ذهب إلا لأنه يطمئن إلى كلامهم ويعمل به، ومن ثمَّ فإن المريض مهما كانت أمراضه وأوجاعه لا يجوز له أن يذهب إلى السحرة، حتى ولو خشي عليه من الهلاك لقوله صلى الله عليه وسلم معمما «مصدق بالسحر».
أما قول بعض العلماء: إن السحر يجوز أن يفك بسحر آخر إذا اقتضت الضرورة وخشي عليه من الهلاك، فقد سبق الحديث عنه وما يترتب عليه من المفاسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ