عمدة الأحكام ( كتاب الصلاة )
الحديث الثاني عشر
قال المصنف رحمه الله :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ , وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ . فَقَالَ النَّبِيُّ ( وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا . قَالَ : فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ , فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ , وَتَوَضَّأْنَا لَهَا , فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ )
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
أن سب الكفار على وجه العموم جائز كما دل لذلك إقراره عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
جواز حلف الإنسان من غير أن يُستحلف من باب التأكيد على الشيء ، فإنه عليه الصلاة والسلام ما طُلب منه أن يحلف فحلف من باب التأكيد ومن باب طمأنة عمر رضي الله عنه .
ومن الفوائد :
حرص عمر رضي الله عنه على فعل الخير ، إذ بسبب الكفار شُغل رضي الله عنه كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم عن أداء صلاة العصر في وقتها .
ومن الفوائد :
أن الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة .
ومن الفوائد :
أن هذا الوضوء الشرعي قد يكون سببه الصلاة وقد يكون سببه غير ذلك إذ نص هنا فقال ( فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ ) .
ومن الفوائد:
قال جمهور العلماء : إن الترتيب بين الصلوات واجب ،فلو أن شخصا فاتته صلوات فعليه أن يرتبها فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم صلى بعد ذلك المغرب ، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) فقوله عليه الصلاة والسلام ( فليصلها )يشمل الترتيب أيضا لأن الشرع جاء بترتيب هذه الصلوات ، ويستثنون من ذلك في في وجوب الترتيب / إذ قدم صلاة على أخرى جاهلا أو ناسيا أو خشي أن يفوت وقت الصلاة الحاضرة .
باب فضل الجماعة ووجوبها
الحديث الثالث عشر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ) .
الفَذ : المنفرد .
من فوائد هذا الحديث :
فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد .
ومن الفوائد :
أن تفضيل صلاة الجماعة يزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة .
ومن الفوائد :
أن الدرجة المذكورة هنا مُفسَّرة في حديث أبي هريرة الآتي فالدرجة بمعنى ( الضعف ) وجاءت رواية أخرى أصرح من هذا تبين ( أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة ) فمن أداها في المساجد جماعة فكأنه صلى سبعا وعشرين صلاة مقارنة بصلاة المنفرد .
الحديث الرابع عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً , وَذَلِكَ : أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ , فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ . ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ , وَحُطَّ عَنْهُ خَطِيئَةٌ . فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ , مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ, اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ , وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ ) .
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
أن هذا الحديث ذكر فيه فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة بينما الحديث السابق ذكر سبعا وعشرين درجة فلماذا هذا التفاوت ؟
قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالعدد ( خمسا وعشرين ) ثم أخبر بأن الفضل زاد إلى ( سبع وعشرين درجة ) فلا يكون هناك تعارض بين الروايتين .
وقيل وهو أحسنها : إن التفاوت في هذا العدد بحسب تفاوت الاستعداد للصلاة والخشوع لها من شخص إلى آخر ، فالبعض استعداده للصلاة وتهيؤه للصلاة ومسارعته إلى الصف الأول وما شابه ذلك يزيده فضلا على شخص آخر ينال خمسا وعشرين درجة ، ولعل ما يؤيد هذا ما جاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( فإذا صلاها الرجل في فلاة ) أي في صحراء ( فأحسن ركوعها وسجودها كانت له بخمسين صلاة ) ومن ثم فإن مَنْ كان في الصحراء فصلاته في الصحراء تدعوه إلى أن يخفف منها لأن المكان غير مهيأ لأنه ليس هناك مُعِين له ، فإذا قاوم نفسه وصلى هذه الصلاة مع كثرة الشواغل
وصلاها بحضور قلب وتأني فيها ينال في الفضل أكثر من غيره ممن صلاها جماعة في غير الصحراء ، كم ينال ؟ ( خمسين صلاة ) كما في الحديث الثابت في سنن أبي داود
ومن الفوائد :
أن هذا الفضل لا يناله إلا من صلاها جماعة في المساجد ولذا لو صلاها جماعة في منزله أو في السوق مع جماعة ليسوا في مساجد فإنهم لا ينالون هذا الفضل .
ومن الفوائد :
أن هذا الفضل المذكور في هذا الحديث لا يناله إلا مَنْ توضأ في منزله لأنه قال ( وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد ) فحري بالمسلم أن يكون وضوؤه من منزله ولا يؤخر الوضوء إلى أن يأتي إلى دورات المياه في المساجد .
ومن الفوائد :
أن الوضوء قد يفعله إنسان فتبرأ بذلك ذمته لكن قد يفعله آخر وينال أجرا أعظم وأعظم لأنه قال ( فأحسن الوضوء ) .
ومن الفوائد :
ليس معنى الإحسان في الوضوء أن يبلغ الإنسان مبلغ الوسوسة وإنما الإحسان هو على وفق ما جاء بذلك فعله عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
فضل الصلاة وأن الخارج من بيته إلى الصلاة يريد الصلاة ما حمله على ذلك أمر آخر ، ينال هذا الفضل ولذا جاء في سنن أبي داود وحسنه الألباني رحمه الله ( مَنْ توضأ في بيته ثم أتى إلى الصلاة كان كمثل الحاج المحرم ) فينال بذلك ثواب الحاج المحرم وفضل الله عز وجل واسع .
ومن الفوائد :
فضل الصلاة إذ بها تحط الخطايا وتُرفع الدرجات .
ومن الفوائد :
أن المنتظر للصلاة يعد في صلاة ، ولذا لما سأل عبد الله بن سلام رسول صلى الله عليه وسلم لما ذكر الساعة التي تكون بعد العصر يوم الجمعة قال ( يا رسول الله إنها ليست ساعة صلاة ، وقد ذكرت يا رسول الله أن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي فيسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ) فماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ ( قال : إن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة ) كونه يأتي المسجد ويبقى ويمكث ويدعو الله عز وجل يوم الجمعة بعد العصر وهي ليست ساعة صلاة يكون بذلك حقق ما ذكر في هذا الحديث من كونه دعا الله وهو يصلي لأن المنتظر للصلاة يعد في صلاة .
ومن الفوائد :
حضور الملائكة للمساجد إذ تُصلي على مَنْ مكث في مصلاها بعد الصلاة .
ومن الفوائد :
أن دعوة الملائكة عليهم السلام ( اللهم صل عليه اللهم ارحمه ) يرد ما فسره وبينه بعض العلماء من أن الصلاة من الله على العبد هي الرحمة .
فيقال : هذا الحديث يرد قولكم ، لم ؟ لأنه قال ( اللهم صل عليه اللهم ارحمه ) جمع بينهما فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لاكتفى بجملة واحدة ، فدل على أن معنى الصلاة ليس معناها الرحمة ، وإنما أقرب معانيها / أنها ثناء من الله عز وجل على عبده في الملأ الأعلى ، هذا هو أقربها .
ومن الفوائد :
بيان فضل المداومة على العمل ولو كان قليلا إذ قال ( تصلي عليه ما دام في مصلاه ) والنبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري وغيره ( كان إذا عمل عملا أثبته ) وقال عليه الصلاة والسلام ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ ) .
ومن الفوائد :
أن الأفضل للعبد إذا صلى أن يمكث في مصلاه بعد الصلاة ، ولكن لو انتقل من مكانٍ غير مكانه الذي صلى فيه أيُحجب عنه هذا الفضل ؟ ( لا ) يقول ابن حجر رحمه الله [ لا يعني أن من انتقل من مكانه إلى مكان آخر أنه يحرم من هذا الفضل ] وإنما لأن هذا هو الأمر الغالب أن الإنسان إذا فرغ من الصلاة مكث في مصلاه .
ومن الفوائد :
أن الخارج من منزله إلى المسجد للصلاة هو من حين خروجه إلى الصلاة في صلاة كما جاءت بذلك الأحاديث الأخرى .
الحديث الخامس عشر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلاةُ الْعِشَاءِ , وَصَلاةُ الْفَجْرِ . وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا . وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ , ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ , ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ , فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ) .
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
بيان ثقال الصلاة على المنافقين كما قال تعالى { وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى }النساء142 ، فجميع الصلوات ثقيلة عليهم لكن من أثقلها صلاة الفجر وصلاة العشاء .
ومن الفوائد :
أن ثقل هاتين الصلاتين على المنافقين إما لأنهما في وقت ظلمة فلو لم يحضروا لما عوتبوا ، أو لأنها وقت نوم وراحة وليس لديهم من الإيمان ما يدعوهم إلى ترك هذه اللذة .
ومن الفوائد :
فضل صلاتي العشاء والفجر .
ومن الفوائد :
أن المسلم ينبغي له إذا نودي للصلاة أن يسارع بالقيام إليها وألا يتكاسل حتى ولو كان في نيته أن يقوم وهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما إذ كان ينهى أن يقوم المسلم إلى الصلاة وهو كسلان حتى لا يتشبه بهؤلاء المنافقين .
ومن الفوائد :
أن الأجر والفضل لهاتين الصلاتين مبهم ومخفى في هذا الحديث وذلك لتشويق الناس إلى هاتين الصلاتين ولتفخيم وتضخيم أجرهما وإلا فقد وردت أحاديث في فضل صلاة العشاء كما عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام ( مَنْ صلى صلاة العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ) والأحاديث في فضلهما كثيرة .
ومن الفوائد :
أن إتيان الإنسان إلى شيء لا يتمكن من الوصول إليه إلا حبوا يدل على أن هذا الشيء قد بلغ من الفضل مبلغا كبيرا ، فهنيئا لمن حافظ على هاتين الصلاتين فإنه قد قاوم نفسه وجاهدها ولا سيما إذا قصر الليل في مثل هذه الأيام .
ومن الفوائد :
جهل المنافقين فلانعدام الإيمان عندهم ما تعلموا العلم الشرعي ليدركوا فضل هاتين الصلاتين ( ولو يعلمون ما فيهما ) كما قال عز وجل وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } محمد16 يحضرون كما قال عز وجل { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } المنافقون4 .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما همَّ بإنابة غيره في الصلاة ليصلي بالناس جماعة مع تركه لها مع هؤلاء الرجال لمتابعة من لا يحضر صلاة الجماعة يدل على أن ما يفعله منسوبو هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمتابعة الناس لحضور صلاة الجماعة وصلاتهم بعد ذلك لا يلامون عليه ، لأنه عليه الصلاة والسلام همَّ أن يولي شخصا أن يصلي بالناس جماعة وأن يذهب إلى هؤلاء ثم يصلي بعد ذلك جماعة
ومن الفوائد :
أن ترك صلاة الجماعة كبيرة من كبائر الذنوب ، لأنه لا يهم بحرق هؤلاء إلا لكونهم فعلوا منكرا عظيما ، وهذا يرد قول من يقول بأن صلاة الجماعة مستحبة ، كما أن حديث أبي هريرة السابق يرد قول من يقول: إن صلاة الجماعة شرط من شروط صحة الصلاة ، فلو تخلَّف عن صلاة الجماعة من غير عذر وإنما تكاسل فإن صلاته وهو منفرد لا تصح ، وهذا قول مرجوح ليس راجحا وإن كان يراه شيخ الإسلام رحمه الله لكن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بين أن لصلاة المنفرد أجرا .
ومن الفوائد :
أن صلاة الناس جماعة في بيت أو استراحة أو متنزه وهناك مساجد قريبة أنه محرم ويعد إثما لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( إلى قوم لا يشهدون الصلاة ) فدل على أنهم قوم وأنهم جماعة يصلونها في البيوت ومع ذلك ما عذرهم وهذا يرد قول من يقول : من صلى الصلاة المفروضة جماعة ولو في بيته فقد أتى بالواجب هذا يرده هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد من الرجال وأن هؤلاء الرجال يحملون كثيرا من الحطب يدل على شدة النكير على من صلى في بيته وترك صلاة الجماعة ،لأن هؤلاء يمكن أن يحرقوا بقليل من الحطب ولكن أراد عليه الصلاة والسلام أن يعظِّم هذا الأمر .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن إحراقهم وترك ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ( لا يعذب بالنار إلا رب النار )
وأما ما جاء في بعض الروايات قوله ( لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأحرقتهم بالنار ) فهي رواية ضعيفة ، فالذي منعه أن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل وأنه لم يمنعه من ذلك وجود النساء أو الصبيان .
الحديث السادس عشر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعُهَا . قَالَ : فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ . قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ , فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً , مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ , وَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ : وَاَللَّهُ لَنَمْنَعَهُنَّ؟ وَفِي لَفْظٍ ( لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ )
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
جواز خروج المرأة من بيتها إلى المسجد شريطة أن تكون متسترة كما مر معنا في حديث عائشة ولذا في رواية أبي داود ( وليخرجن تَفِلات ) تفلات : يعني غير متطيبات .
ومن الفوائد :
أيستحب للزوج أن يسمح لامرأته بذلك أم أنه يجب عليه ؟
قولان لأهل العلم :
والصواب / أن المرأة متى ما استأذنته فيجب عليه أن يأذن لها ويأثم إذا منعها لأن النهي هنا يقتضي التحريم ما لم يترتب على ذلك مفسدة فإن المفاسد تُدفع ولذا في القاعدة الشرعية ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) هي خرجت إلى المسجد لمصلحة فإذا ترتب على خروجها أن تخرج لتَفْتِن أو تُفْتتن فتمنع لأن هذه مفسدة ، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها وقد مر معنا ( لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما عليه النساء لمنعهن كما منعت بنو إسرائيل ) .
ومن الفوائد :
أن التنصيص على المسجد هنا يدل على أن للزوج أن يمنعها من الخروج إلى أي مكان آخر حتى نص الفقهاء على أن له الحق أن يمنعها من أن تذهب لزيارة والديها ولكن لا يحق له أن يمنع والديها من زيارتها ، وهذا يدل على عظم حق الزوج .
ومن الفوائد :
لو استأذنت المرأة زوجها لتذهب إلى المسجد من أجل حضور محاضرة لا من أجل الصلاة هل له أن يمنعها ؟
ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها وظاهر الحال من السنة أن له أن يمنعها لأن خروج النساء في ذلك الوقت إنما كن يخرجن من أجل الصلاة ولذلك كن يبادرن بالخروج متى ما انتهت الصلاة .
ومن الفوائد :
أن السب لا يعني منه اللعن فإن ابن عمر رضي الله عنهما لا يدعوه إيمانه إلى أن يلعن ابنه وإنما السب يطلق على اللوم ويطلق على النكير كما أنه يطلق على اللعن ، فكلمة ( السب ) أعم من كلمة ( اللعن ) فالسب كلمة عامة يدخل فيها معاني كثيرة بينما اللعن هو / الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن سب ابن عمر لابنه إنما هو سب غليظ بسبب أن ابنه عارض في ظاهر الأمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن ابنه لا يريد المعارضة وإنما خاف ابنه من الفتنة التي ربما تحصل من النساء لو خرجن إلى المساجد ، فليس في ابنه شر وإنما الذي دعاه إلى هذا القول لما رأى ما على النساء من التبرج والسفور .
ومن الفوائد :
تعظيم السلف رحمهم الله لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن على المسلم ألا يرد في ظاهر الأمر ما جاء به الشرع ولو كانت نيته حسنة .
ومن الفوائد :
أن ابن عمر رضي الله عنهما ما كلَّم ابنه أبدا إلى أن مات بسبب هذا الأمر ، وقد قال ابن حجر رحمه الله: لعل موته كان قريبا إذ لا يليق بابن عمر رضي الله عنهما أن يهجر ابنه مدة طويلة فلعل الفترة كانت قصيرة بين موته وبين ما حدَّث بهذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن في هذا الحديث تنبيها للمرأة ، نُبهت على أنها أمة وعبدة لله عز وجل فلا يليق بها إذا خرجت إلى المسجد أن تخرج عن هذا الوصف ، فالعبد المتقرب إلى الله عز وجل لا يخرج إلا بالضوابط الشرعية ولذا قال ( لا تمنعوا إماء الله ) لم يقل [ لا تمنعوا النساء ] وإنما قال ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) لكي ينبههن على أنهن إماء لله ويجب عليهن أن يخضعن لأمر الله عز وجل .
ومن الفوائد :
أن المساجد لله عز وجل ولا يمنع أن تقول هذا المسجد مسجد فلان كما يقال : مسجد أو جامع [ خليل السبعان ] أضيف إلى البشر فلا بأس بذلك لأن السنة جاءت بذلك كما جاء بذلك الحديث في المسابقة على الخيل إذ جعل النبي صلى الله عليه وسلم بداية لسباق الخيل قال ( إلى مسجد بني زريق ) فدل على أن الإنسان لو سمى مسجدا بناه باسمه أو باسم أبيه أو أمه أو ما شابه ذلك فلا مانع من ذلك ولا يتعارض مع كونه مسجدا لله عز وجل .
الحديث السابع عشر
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : ( صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ , وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ) .
وَفِي لَفْظِ : ( فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ : فَفِي بَيْتِهِ ) .
وَفِي لَفْظٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ . وَكَانَتْ سَاعَةً لا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا ) .
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ نقلوا لنا ما كان يفعله عليه الصلاة والسلام ومن ثم فإن الروافض على خطر عظيم ومعتقد ذميم إذ بسبهم للصحابة سب وقدح في الشرع لأن هذا الشرع بل كلام الله عز وجل ما نقل إلينا إلا عن طريقهم فإذا قدح في هؤلاء فقد قدحوا في الشرع قبحهم الله وأخلى الأمة منهم .
ومن الفوائد :
أن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر في هذا الحديث السنن الرواتب وعددها عشر ركعات ، وهذا يعارض ما جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام ( من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة ) وفي السنن جاء بيان هذه الركعات وهي السنن الرواتب ( أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر ) مجموعها ثنتا عشرة ركعة وهذا يخالف ما جاء في هذا الحديث .
قال بعض العلماء : إن الأولى أن يؤتى باثنتي عشرة ركعة لأنه إذا أُتي باثنتي عشرة ركعة دخلت العشر ضمنها ، بينما لو أتينا بعشر ركعات ما دخلت ثنتا عشرة ركعة في العشر .
والبعض من العلماء يقول : يُنوِّع ، مرة يصلي قبل الظهر مرتين ومرة يصلي أربع ركعات .
والبعض الآخر يقول : إن صلى في بيته كما فعل عليه الصلاة السلام فليصل ركعتين وإن صلى في المسجد فإنه يصلي أربع ركعات ، والأمر في هذا واسع وإن كان الأولى بالمسلم تحقيقا لما جاء في صحيح مسلم من بناء بيت في الجنة ، الأولى به أن يصلي في اليوم ثنتي عشرة ركعة .
وهل كل ما صلى ثنتي عشرة ركعة يبنى له بيت في الجنة أم لابد من الاستمرار ؟
أي بمعنى أنه إذا استمر على هذا الفعل حتى الممات بني له بيت واحد في الجنة أو أنه كلما صلى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة يبنى له في كل يوم بيت في الجنة ؟
بعض العلماء أخذ بظاهر هذا الحديث وقال : كلما صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة .
ولكن الصواب / لما ورد عند ابن ماجة أنه يبنى له بيت واحد في الجنة إذا داوم على ذلك لأنه في سنن ابن ماجة ويصححه الألباني رحمه الله قال عليه الصلاة والسلام ( مَنْ ثابر على ثنتي عشرة ركعة بنى الله بيتا في الجنة ) .
ومن الفوائد :
أن الجمعة لها سنة راتبة بعدية ليست قبلية أي بعد صلاة الجمعة، وقد جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا ) وقد جاء في سنن أبي داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( أنه صلى ست ركعات بعد صلاة الجمعة )
قال بعض العلماء : ينوع مرة هكذا ومرة هكذا .
وبعضهم يقول : إن صلى في المسجد يصلي أربعا أو ستا ، وإن صلى في بيته فليصل ركعتين .
ومن الفوائد :
أن تنصيص ابن عمر رضي الله عنهما على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في سنة المغرب والعشاء والجمعة في بيته يدل على أن الأفضل أن تصلى السنن في المنزل ، ويتأكد ذلك في سنة المغرب والعشاء والجمعة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام على وجه العموم ( أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ولاسيما سنة المغرب فهذه أكَّد عليها عليه الصلاة والسلام بفعله وقوله ففي السنن ( لما زار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحياء لما زارهم ووجدهم يصلون سنة المغرب في المسجد قال : هكذا صلاة البيوت ) بمعنى أنه يتأكد تأكدا عظيما كبيرا في سنة المغرب أن تؤدى في المنزل .
ومن الفوائد :
بيان فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم إذ ينقلن ما يخفى على الصحابة رضي الله عنهم من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في منزله ولذا ماذا قال ابن عمر ؟ قال ( وكان ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ) لكنه يأخذ العلم الذي خفي عليه من أخته حفصة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن سنة الفجر تكون بعد طلوع الفجر الثاني وأن من صلاها قبل أذان الفجر فإنها لا تكون سنة فجر .
ومن الفوائد :
أن السنة في ركعتي الفجر أن تخفف .
ومن الفوائد :
أن هاتين الركعتين عبَّر عنهما عليه الصلاة والسلام بأنهما( سجدتان ) وهذا من باب التعبير عن الكل بالبعض ، وهذه قاعدة إذا رأيت شيئا يعد بمثابة الكل وعُبِّر عنه بجزء منه يدل على أن هذا الجزء ركن منه لا يمكن أن ينفك عنه ولذلك لابد أن يكون في الركعة سجود .
الحديث الثامن عشر
عنْ عائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنْها قالَتْ : ( لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام على شيءٍ منَ النَّوافِلِ تَعاهُدَاً منْهُ على ركْعَتَي الفَجْرِ ) .
وفي لفْظٍ لِمُسْلِمٍ : ( رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها ) .
الشرح
من فوائد هذا الحديث :
حرص النبي على النوافل لكنَّ حرصه يشتد على نافلة الفجر وإذا كانت نافلة الفجر في هذا المقام من الاهتمام فما ظنكم بصلاة الفجر المكتوبة؟ من باب أولى .
ومن الفوائد :
أن فضل ركعتي الفجر أنهما خير من الدنيا وما فيها فيدل على قلة مكانة الدنيا وأنها حقيرة عند أمور الآخرة .
وصلى الله على نبينا محمد و آله وصحبه أجمعين