عمدة الأحكام ( كتاب الحج ) الدرس الثاني

عمدة الأحكام ( كتاب الحج ) الدرس الثاني

مشاهدات: 522

( عمدة الأحكام )

( كتاب الحج )

الدرس الثاني  

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عَبَّاس رضيَ اللّه عَنْهُما قال:

سَمِعْتُ النَّبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بعَرَفَاتٍ : مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس خُفَّيْن.

وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارَاً فَلْيَلْبَسْ سَراوِيلَ (للمحرم).

من فوائد هذا الحديث:

  • أن ابن عباس رضي الله عنهما صرح بالسماع وهذا يفيد بأن هذا الحديث من جملة عشرين أو أكثر من عشرين قصة رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أما أحاديثه الأخرى فإنها مسموعة من الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم فلو قال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لربما دخل هذا الحديث ممن لم يسمعه رضي الله عنه.
  • مشروعية الخطبة يوم عرفة والسنة فيها تقصيرها وتعجيل الصلاة .
  • أن العالم ينبغي له أن ينتهز فرصة اجتماع الناس ليذكرهم وذلك لأن الناس كلهم ممن حج قد اجتمعوا في ذلك الموطن.
  • أن ما ذكره بن عباس رضي الله عنهما ليس هو الوحيد مما جاء في خطبته عليه الصلاة و السلام بعرفات وإنما هناك أشياء أخرى ذكرت في خطبته عليه الصلاة و السلام في أحاديث أخرى .
  • أن هذا الحديث نص على أن من لم يجد النعلين فليلبس الخفين دون قطع وهذا يخالف الحديث السابق وهو حديث عبد الله بن عمر: (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ،) ومن هنا اختلف العلماء فيمن لم يجد النعلين فوجد خفين أيلبس الخفين دون قطع أسفل الكعبين أو عليه أن يقطعهما؟

الجواب: الصواب أنه لا يلزمه القطع فحديث ابن عباس رضي الله عنهما ناسخ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه لأن حديث عبد الله بن عمر في المدينة و حديث ابن عباس في عرفة و معلوم أن من حضر بعرفة لم يحضر خطبته في المدينة فلو كان قطعهما لازماً لبينه عليه الصلاة و السلام بعرفة لأن الجمع الذي معه بعرفه هو ممن قدم معه وممن لم يقدم معه.

  • أن حديث عبد الله بن عمر (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ،) قد يكون دليلاًً لشيخ الإسلام رحمة الله عليه على أن الخفين الذين دون الكعبين لا يصح المسح عليهما وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك .
  • أن عرفات يطلق عليها(عرفة) كما في أحاديثَ أخرى فلا تناقض بينهما.
  • أن من لم يجد إزاراً فله أن يلبس السراويل, والسراويل من المخيط وهل عليه أن يفتق هذه السراويل حتى ينتفي عنها مسمى المخيط؟

الجواب: قولان والصحيح عدم الفتق لعدم أمره عليه الصلاة و السلام بهذا , وأما من يرى قطع الخفين وفتق السراويل من يرى هذا يقول لو لم يقطعهما أو لم يفتق السراويل فعليه دم ويأثم .

  • أن من وجد نعلين لكنها ضيقة عليه ولم يجد غيرها , فهل له أن يلبس الخفين؟

الجواب: قولان لأهل العلم والصواب أنه لا يلزمه شيء لأنه في الحقيقة عادم للنعلين ليس واجداً لهما.

 

الحديث 212

عَنْ عَبْدِ اللّه بْن عُمَرَ رَضيَ اللّه عَنْهُمَا: أنَّ تَلْبيَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم “لَبَّيْكَ

الّلهُمَّ لَبَّيْكَ. لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لبًّيْكَ. إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ. لا شَرِيكَ لكَ”.

قال: وَكَانَ عَـبْدُ اللّه بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فيها: لَبَّيْكَ. لّبَّيْكَ وَسَـعْدَيكَ وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ.

 

معاني الكلمات:

لبيك: من ألبَّ بالمكان أي إذا أقام فيه و ثنيت للتكرار لا لكونها تقال مرتين فقط لأن التثنية قد تأتي للتكرار لا لحصر العدد كقوله تعالى (ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ] {الملك:4} .

سَـعْدَيكَ: مساعدة في طاعتك بعد مساعدة.

الرَّغْبَاءُ: هو التضرع والسؤال.

 

من فوائد هذا الحديث:

  • مشروعية التلبية للمحرم وهل هي ركن أو واجب أو سنة؟

الجواب: خلاف والمشهور في الفتوى أنها سنة لأنها ذكر .

  • أن التلبية لغير المحرم لا تشرع على الصحيح من قولي العلماء إلا إذا وجد لها سبب فإنه جاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا قال(لبيك إن العيش عيش الآخرة ).
  • أن هذه التلبية اشتملت على جميع أنواع التوحيد الثلاثة : (لبيك) تدل على توحيد الإلوهية, (الحمد): تدل على توحيد الأسماء والصفات, (النعمة, الملك) تدلان على توحيد الربوبية.
  • فيه الرد على ما كان يفعله أهل الجاهلية من التلبية الشركية إذ كانوا يلبون في حجهم لكن يشركون فيها مع الله فكانوا يقولون (لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً تملكه وما ملك).
  • أن تنصيص ابن عمر رضي الله عنه على أن هذه التلبية تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه لا يأتي بصيغة أخرى فقد ثبت أنه عليه الصلاة و السلام قال (لبيك إن الخير خير الآخرة) وكان يخلطها عليه الصلاة و السلام أحياناَ بالتهليل (لا إله إلا الله ) لكن الأكثر في تلبيته عليه الصلاة و السلام ما ذكره ابن عمر .
  • أن كلمة (لبيك) تكررت أكثر من مرة وفائدتها استحضار معاني هذا الذكر العظيم.
  • أن (لا) هنا نافية و(شريك) نكرة والنكرة في سياق النفي تعم فيكون المعنى لا شريك لك في أولوهيتك ولا في أسمائك وصفاتك ولا في ربوبيتك .
  • تنطق بكسر همزة (إن الحمد) وتنطق( أن الحمد) فيكون معنى (إن الحمد) أن الحمد والنعمة لك في جميع الأحوال و أما إذا فتحت الهمزة فيكون الحمد والنعمة مقترنين بحال, فيكون المعنى لبيك اللهم لبيك ,لبيك لا شريك لك لبيك لمَ؟ على لغة الفتح (لأن الحمد والنعمة لك) و الأبلغ في ذلك (إن).
  • أن ابن عمر رضي الله عنهما فهم منه أنه كان يرفع صوته بالتلبية عليه الصلاة والسلام ولذا في صحيح مسلم في حديث أبي سعيد (كنا نصرخ بها صراخا).
  • أن الزيادة على التلبية الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام لا بأس بها لصنيع بن عمر رضي الله عنهما ولصنيع الصحابة فإنهم لما خرجوا إلى عرفة فمنهم الملبي ومنهم المكبر وكان يسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكر.

 

 

الحديث 213

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم (لا يحل لامرأة تؤمن بالله ويوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة) . وفي لفظ للبخاري:(تسافر مسيرة يوم إلَّا مع ذي محرم)

 

معاني الكلمات:

حُرْمة: مفسرة برواية البخاري وهو المُحْرِم .

 

من فوائد هذا الحديث:

  • أن إيراد المصنف رحمه الله لهذا الحديث قد يكون من باب بيان أن المحرم شرط لوجوب الحج على المرأة والمسألة فيها قولان والصواب أنه لا يلزمها الحج إذا لم تجد محرماً فتنتظر حتى تجد محرماً ولو كانت من أثرى نساء العالم .
  • أن المحرم لا يلزمه أن يخرج معها لأن وجوب الحج بالنسبة إليها ليس منصرفاً إليه على الصحيح من قولي العلماء لقوله تعالى [وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] {فاطر:18} .
  • أن الحديث لم يأمرها بأن تتزوج من أجل الحج.
  • أن كلمة (لا يحل) أو كلمة (لا يجوز) هي في نفس الحكم كقولك هذا حرام لأنه قال (لا يحل).
  • أن (المرأة ) هنا مطلقة فيكون الصواب أنها لو كانت كبيرة في السن لا تُشتهى لا يجوز لها السفر لا لحج ولا لغيره وكذلك يستفاد من ذلك أنها لو كانت مع رفقة مأمونة أو نساء فإنه لا يجوز لها السفر .
  • أن ذكر جملة (تؤمن بالله واليوم الآخر) للتأكيد ولحثها على الالتزام بالحكم وليس معنى ذلك أن المرأة الكافرة يجوز لها أن تسافر من غير محرم فالحكم شامل للمسلمة والكافرة .
  • أن اختلاف الروايات في الحديث يدل على أن السفر غير محدد بمسافة وإنما ما أطلق عليه سفر في عرف الناس فهو سفر لأنه جاء هنا (مسيرة يوم وليلة) وفي رواية البخاري( يوم ) وفي رواية أخرى (ليلة) وفي رواية أخرى (ثلاثة أيام) وفي رواية أخرى (بريد) يعني نصف يوم , ففهم من ذلك أن السفر غير محدد بمسافة معينة.
  • أن المحرم هو زوجها أو من تحرم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة فمن تحرم عليه بنسب كأبيها و أخيها, ومن تحرم عليه برضاع كأبيها من الرضاع و أخيها من الرضاع, ومن تحرم عليه بمصاهرة كزوج أمها فإنه محرم لها.

ثم قال المصنف رحمه الله(باب الفدية)

الشرح:

مقصوده من ذلك فدية فعل المحظور .

الحديث 214

عَنْ عَبْدِ اللّه بْن مَعْقِلٍ، قال: جَلَسْتُ إلى كَعْب بْنِ عُجْرَةَ فَسَألتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ فقال: نَزَلَتْ

فِيَّ خَاصَّة، وَهِي لَكُمْ عَامَّة:

حُمِلْتُ إلى رَسُولِ اللّه وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلى وَجْهي فقال:

 

“مَا كُنْتُ أرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أرى – أو: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أرَى:-

 أتَجدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لا، قَالَ: فَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِيْنَ، لِكُلِّ مِسْـكِينٍ

نِصْفُ صَاعٍ.

وفي رواية: أمَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسـلم أنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أوْ

يُهْدِي شَاةً، أوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أيامٍ.

 

معاني الكلمات:

الْقَمْلُ: دابة معروفة تأتي في شعر ابن آدم نتيجة الأوساخ .

الْجَهْدَ: يعني المشقة .

أُرَى: بالضم أظن .

أرَى: بالفتح يعني أعلم.

وهذه قاعدة في أرى أو ترى إن فتحت الهمزة فاعلم بأنها (علم) وإن ضممت الهمزة فاعلم بأنها (ظن).فقول النبي صلى الله عليه و سلم (من صنع إليكم معروفاً فكافؤه فإن لم تجدوا ما تكافؤنه به فادعوا له حتى تَروا{تعلموا} أو حتى تُروا{تظنوا} أنكم قد كافأتموه).

الفَرَق: إناء يسع ثلاثة أصواع.

شَاةً: دابة من دواب الغنم وتطلق هنا على الذكر والأنثى من الغنم.

 

من فوائد هذا الحديث:

  • بيان حرص السلف على سؤال من هو أعلم لتحصيل العلم .
  • أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن الآية نزلت في كعب بن عجرة ولم تنحصر فيه وإنما فيه وفيمن شابهه ولذلك إذا نزلت آية في شخص فاعلم بأنها ليست مخصوصة بهذا الشخص إنما هي عامة في كل من يشابهه في هذه القضية .
  • أن القصة جرت في (الحديبية) ويصح أن تشدد فتقول (الحديبيَِّة) ولكن التخفيف أشهر.
  • ورد أنه مر به النبي صلى الله عليه و سلم والقمل يتناثر على وجهه ثم أمر عليه الصلاة و السلام بحمله إليه.
  • أن انتشار القمل دون أن يكون هناك قتل من كعب بن عجرة له قد يؤيد ما ذهب إليه بعض العلماء من أنه يحرم على المحرم أن يقتل القمل ولكن لا شك أنه إذا آذاه وكان قليلاً يندفع بغير الحلق فإنه يجوز قتله.
  • بيان تفقد النبي عليه الصلاة و السلام لأمته وحرصه عليه الصلاة و السلام  عليهم .
  • أن الآية التي نزلت في كعب بن عجره مذكورة في سورة البقرة [فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ] {البقرة:196} قال (صيام) و(صدقة ) ولم يبينها فدل هذا على أن السنة مبينة للقرآن وأنه لا غنى عن السنة في فهم كلام الله عز و جل.
  • أنه أول ما بدأ عليه الصلاة و السلام هنا بذكر الشاة فلما لم يجدها كعب خيره بين أمرين وهما (الصيام والإطعام) بينما في حديث آخر خيره بين الثلاثة ومن هنا قال بعض العلماء إذا وجد شاة فلا يجوز له أن يعدل إلى غيره لهذا الحديث والصواب أنه مخير بين هذه الأشياء الثلاثة وإنما نص عليه الصلاة و السلام على الشاة ابتداءً لأنها أكثر نفعاً وهي الأكمل والأفضل.
  • أن فدية فعل المحظور مخيرٌ فيها بين هذه الأشياء الثلاثة ولذا قد يتجاوز بعض المفتين في حق من فعل محظوراً فيقول اذبح دماً , – لا- ففي فعل المحظور مخير فلا نغلق باب السعة على الناس فقد يكون البعض فقيراً فلنبين له هذا ولنبين له أن الأكمل هو الشاة.
  • أن الشاة يجزئ عنها سُبُع بدنه أو سُبُع بقرة.
  • أن عدم الوجود هنا قد يكون عدم وجود الشاة فهي غير موجودة في الواقع أو تكون موجودة في الواقع ولكنه لا يجد ثمنها .
  • أن الصيام هنا لم يذكر فيه أن يكون متتابعاً أو متفرقاً ومن ثم فأنت بالخيار إن صمت ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة فلك الخيار , ومن هنا في عدم التقييد بالتخيير أو التفريق يستفاد فائدة وهي أن الصيام لما جاز لنا أن نفرقه في الزمن جاز الصيام في أي مكان ولا يلزم في الحرم.
  • أن التنصيص هنا على ستة مساكين وعلى مقدار ما يطعمون يكون واجباً فلابد من ستة و لكل مسكين من الستة يجب أن يصل إليه نصف صاع .
  • أن(ستة مساكين ولكل مسكين نصف صاع ) يكون عندنا ثلاثة أصواع فتبين لنا مقدار الفرق في الراوية الأخرى .فالفرق يساوي ثلاثة أصواع إذاً ما جاء عند البخاري و غيره (أن عائشة رضي الله عنه قالت كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء يقال له الفرق) كم يساوي الفرق؟

الجواب: ثلاثة أصواع.

  • انه يصح أن يقال في الدم المذبوح في فعل المحظور فدية و هدي لأنه قال في الرواية الأخرى (أو يهدي شاة).
  • أن الصاع المقدم إلى هؤلاء الفقراء هو ما يَطْعَمه أهل البلد فيلزم نصف الصاع خلافاً للإمام أحمد في رواية له يقول إذا كان براً فيكفي مد والمد نصف نصف الصاع والصواب: لابد من نصف صاع لأن الحديث أطلق في البر وغيره.
  • أن حلق الرأس محظور من محظورات الإحرام لماذا كان محظوراً من محظورات الإحرام لأنه إذا حلق ترفه وارتاحت نفسه وهذا شيء مشاهد , إذاً هنا عندنا (دفع الأذى والترفه) دفع الأذى يقاس عليه كل محظور يحصل به الأذى فلو تأذى من أظفاره ولا يرتاح إلا أن يقلمها فنفس الحكم, و الحديث نص على الرأس إذاً لو حلق الشعر الذي في أنفه أو في إبطه أو في عانته فقولان: والصواب أنه داخل في ضمن الحكم لأنه يترفه بهذه الأشياء وهذا شيء مشاهد إذا أزيلت هذه الشعور يجد الإنسان راحة.
  • أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر له في هذه الفدية هل تفعل بعد الحلق أو قبل الحلق إذاً من احتاج إلى فعل محظور من محظورات الإحرام فله أن يفعل هذا المحظور قبل أن يقدم الفدية و إن قدم الفدية فهو أفضل وأحسن.
  • أن حلق بعض الشعر مما يحصل به الترفه يكون حكمه كحكم الكل.
  • يحرم على المحرم أن يفعل محظوراً من محظورات الإحرام فإن فعل إثم وعليه هذه الفدية أما إن احتاج إلى فعله فعليه الفدية فقط ولا أثم عليه .

ثم قال المصنف رحمه الله ( باب حرمة مكة):

الحديث 215:

عَنْ أبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرو الْخُزَاعِي الْعَدَوِي رَضيَ الله عَنْة:

أَنهُ قَالَ لِعَمْرِو بْن سَعِيدِ بْنِ الْعَاص – وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِيْ أُيُّهَا الأمِيرُ

أنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَالَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسـلم الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ

أُذُنَايَ وَوَعَـاهُ قَلْبِي وَأبصَرَتْهُ عَينايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ. أنَّهُ حَمِدَ اللّه وَأثْنَى عَلَـيْهِ ثُمَّ قالَ:

 

“إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله تعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ

لامْرِئ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ أنْ يَسْـفِكَ بِهَا دَماً ولا يَعْضِدَ بِهَا شَـجَرَةً. فَإنْ أحَدٌ

تَرَخَّصَ بِقِتَال رَسُوْلِ الله  صلى الله عليه وسـلم فيها فَقُوْلُوا: إنَّ الله أذِن لِرسُولِهِ وَلَمْ يَأذَنْ

 لَكُمْ، وإنِّمَا أذِنَ لِرَسُـولِهِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرمَتِهَا بالأمْسِ.

فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.

فقيل لأبي شريح: مَا قَالَ لَكَ عَمْروٌ؟ قَالَ: قَالَ أنَا أعْلَمُ بِذلِكَ مِنْكَ يَا أبَا شُرَيْح، إنَ الْحَرَمَ لا يُعِيْذُ عَاصِياً وَلا فَارَّاً بِدَمٍ، وَلا فَارًّا بِخَرَبَةٍ.

معاني الكلمات:

يَبْعَثُ البُعُوثَ: يجهز الجيوش بأمر يزيد بن معاوية لكي يقاتل عبد الله بن الزبير.

يَوْمِ الْفَتْحِ: هو فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة.

أنْ يَسْـفِكَ بِهَا دَما: أي يريق بها دماً.

ولا يَعْضِدَ بِهَا شَـجَرَةً : أي لا يقطعها.

بِخَرَبَةٍ : أي بتهمة.

من فوائد هذا الحديث:

  • بيان أن مكة حرم وهذا الحرم له حدود معروفة فلا يجوز في هذا الحرم ما يجوز في الحل.
  • وجوب تبين العلم من قبل العلماء للناس عامة ولولاة الأمر خاصة.
  • حسن أسلوب أبي شريح لأنه يعرف أن لهذا الأمير قدراً فأحسن معه الخطاب, ولو قال قائل إن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه لما قدَّم الأمير الخطبة يوم العيد على الصلاة وصعد المنبر جذبه فلو قيل إن هذا يتعارض مع ما ههنا فالجواب عن هذا: أن الشدة إذا كانت فيها المصلحة المحققة الراجحة فلتفعل وإن كانت المصلحة وهي الأصل في حسن الأسلوب فليفعل فلا تعارض بين النصوص ولذا قال هذا الأمير لأبي سعيد (ذهب ما تعلم , أي أن الناس لا يجلسون لنا لو قدمنا الصلاة خرجوا ولم يستمعوا للخطبة يوم العيد) فقال أبو سعيد والله ما أعلم خيرٌ مما لا أعلم .
  • تأكيد أبي شريح لسماع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقبله هذا الأمير ولذا قال (سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به {يعني لم أنقله عن غيري و إنما شهدت الواقعة}).