بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر فقه العبادات
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحريّ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين؛ نستعين بالله عز وجل في شرح هذه الفوائد المتعلقة بعلمٍ من العلوم الشرعية، وهو: علم الفقه.
وسنقتصر على ذِكْرِ ما في المسألة من خلافٍ يسير، ونذكر القول الراجح والدليل عليه، إذ إن هناك درسا موسعا في هذا العلم قد استوفينا فيه ما ذَكَره العلماء من خلافٍ حول هذه المسائل الفقهية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب المياه و إزالة النجاسة ]
مسألة/ [ الماء ينقسم إلى قسمين: طَهور ونجس ]
الشرح/ هذه المسألة هي أولى المسائل من كتاب الطهارة،
وهذه المسألة وهي مسألة ” انقسام الماء ” قد اختلف فيها العلماء
فقد قال بعض العلماء: إن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طَهور وطاهر ونجِس
وقال بعضهم: وهو القول الراجح: أن الماء ينقسم إلى قسمين: طَهور ونجِس، وذلك لعدم وجود الدليل على القسم المسمى بالطاهر، فإن النصوص الشرعية جاءت بذكر الطَّهور والنجس،
والأدلة كثيرة من بينها قوله ﷺ كما في السنن: ( إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ )
ومن ثَمَّ فإن الماء إذا بقي على مسماه: فإنه يجوز أن يُتوضأ به،
فلو اختلط به شيء طاهر ولم يغير مُسماه لكن الماء تغير كأن يتغير لونُه أو ريحُه لكننا نقول إنه ماء متغير: فيجوز الوضوء به، فالله عز وجل قال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]
ولم يقل فلم تجدوا ماءً صافياً أو ماءً مشوبًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ النجاسة على نوعين: نجاسة عينيّة ونجاسة حُكميّة، والحكمية هي التي يتكلم عنها الفقهاء ]
الشرح/ النجاسة نوعان: النوع الأول: نجاسة عينية
مثل: روثة الحمار وروثة الكلب ” فهذه لا تطهُر لو صببتَ عليها الماء صبًّا.
النوع الثاني: النجاسة الحكمية: وهي النجاسة الواقعة على شيء طاهر، فيُمكن أن تُطَهَّرَ هذه النجاسة عن هذا الشيء الطاهر، وهذه هي النجاسةُ التي يتحدث عنها الفقهاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ النجاسة متى ما أُزيلت بأي مادة طهرت، وهي من باب التروك لا تفتقر إلى نية ]
الشرح/ النجاسة لا تُشترط فيها النية، مثال ذلك: لو أن ثوبك تنجس وجاء شخص فغسَلَه وهو لا يعلم بنجاسته فإنه يطهر، وذلك لأن النجاسة من باب التروك، ومتى ما زالت بأي مادة فإنها تَطهُر.
ومن الأمثلة: لو تنجس الثوب أو تنجست الفرشة أو البساط فأزيلت هذه النجاسة بمطهر من غير ماء فإن هذا البساط وهذا الثوب يطهُر، وذلك لأن النجاسة: [عين مستقذرة متى مازالت زال حكمُها ]
ولذا النبي ﷺ ” أمر بتطهير النَّعل المُتَنَجِّس بِدَلْكِه في التراب “
ولكن استعمال الماء يكونُ أسرع وأبلغ في التنظيف مِن غيرِه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ قال بعض الفقهاء يُكره ماء بئر ذروان وبرهوت وآبار ديار ثمود غير بئر الناقة ]
الشرح/ هذه المسألة ذكرها الفقهاء،
فبئر ذَروان: “هي البئر التي جُعل فيها شُعيرات النبي ﷺ التي سُحر بها “
وبئر بَرْهَوت: هي بئر بحضرَمَوت، قيل: ” تُلقى فيها أروح الفجار “
وآبار ديار ثمود: وهم قومُ صالح عليه الصلاة والسلام
ولكن الصحيح في هذه المسألة: أن ماء بئر ذَروان لا يُكره لعدم الدليل،
وأن ماء بئر بَرهَوت لا يُكره لعدم الدليل، ولا مستند لابنِ الأثير فيما ذَكَرَه،
وأما آبارُ دِيارِ ثمود: فالصحيح أنه يحرم، لأن النبي ﷺ: ” أمر الصحابة رضي الله عنهم أن يريقوا المياه التي استقوها منها واستثنى بئرَ الناقة ” ومعلوم أن إراقةَ الماء تضييع له، فدل على أن الأمر ليس مقتَصَراً فيه على الكراهة،
لكن البئر التي وردت عليها الناقة يجوزُ الاستسقاء منها هذا إن كانت معلومةَ الموقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الماء المتغير بمجاورة ميتة طهور، وكذا المسخن بالشمس، وكذا المستعمل في طهارة سابقة ]
الشرح/ الماء المتغير بمجاورة ميتة: طَهور، وذلك كأن يكون هناك إناء وبجواره ميتة فتأثرت رائحتُه بمجاورتها فهذا الماءُ طَهور لعدم الدليل على النجاسة.
وكذلك الماء المُسَخّن بالشمس: طَهور، وما ورد من أحاديث من أنه ( يورث البرص ) فإنها أحاديث معلولة لا تصح.
أما الماء المستعمل في طهارة سابقة: فقد قيل إنه طاهر، والصحيح أنه طَهور، فيصح الوضوء به لعدم الدليل على خروجه عن مسماه.
والمراد من الطاهر عند من يقول بأن هناك قسماً ثالثاً من أقسام المياه يسمى بالطاهر:
مراده أن هذا الطاهر لا يصح الوُضوء به، ولكن الصحيح: كما أسلفنا أن الماء إما طَهورٌ وإما نجِس ومِن ثَم/ فإن صورة هذه المسألة: لو أن إنساناً توضأ وكلما غَسَلَ عضوًا تساقط الماء في إناء،
هذا الماء قد استُعمل في طهارة سابقة، فهل يصح الوضوء به أم لا يصح؟ الراجح أنه يصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ ماء زمزم كغيره من المياه على الصحيح، وكذا ماء البحر، وكذا الماء المتغير بطول المُكث ]
الشرح/ ماء زمزم: ورد في المسند: ” أن النبي ﷺ توضأ منه وشرِب ” لذا فهو كغيره من المياه، وأقصى ما قيل فيه: إنه يُكره الاغتسالُ به،
وقال بعض العلماء: يكره إزالة النجاسة به، ولكن الراجح: أنه كغيره من المياه، ولا دليل على الكراهة.
أما قول العباس رضي الله عنه: ( لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ) يعني: ماء زمزم، فهو أثرٌ ضعيف.
وكذلك ماء البحر: مِياهُ البَحر ولو كانت شديدةَ المُلُوحَة فيَصِحُّ الوضوءُ بها والِاغتِسال
ولذلك النبيُّ ﷺ سلّم كما ثَبَتَ في المُسْنَدِ والسُّنَن سُئِلَ عن ماءِ البحر فقال:
” هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيَتَتُهُ”.
وكذلك الماء المتغيرُ بطول المكث: فقد يكون الماء في قِربة فتُغير طعمَه أو لونَه، فهو كغيرِه من المياه، لأن غالب أسقية الصحابة رضي الله عنهم من الجلود، وهي في الغالب تغيرُ طعمَ الماءِ ولونَه ورِيحَه، وما كانوا يتورعون عن استخدامه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يلزم من علم بنجاسة شيء إخبار من يريد أن يستعمله ]
الشرح/ إذا علمتَ بأن هذا الماء نجِس وأراد أن يستخدمه شخص فيجب أن تُخبره لقوله ﷺ كما عند مسلم ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن الماء لا ينجس قلَّ أم كثر إلا إذا تغير أحد أوصافه بنجاسة ]
الشرح/ الماء إذا تغير طعمُه أو ريحُه أو لونُه بطاهر: مثل أوراق الشجر، ومثل الزعفران:
فهذا كما قلنا (طَهور) يجوز أن يُتوضأ به، ما لم نَقُلْ إن هذا الشيء ليس بماء، كما لو خُلط الماء بمسحوق القهوة فهنا سنسمي هذا الشيء بأنه قهوة، فلا يجوزُ الوُضوء به.
الشاهد من هذا: أن الماء إذا تغير بطاهر ولم يُخرِج الماءَ عن مسماه فيصح الوُضوء به،
لكن إن تغير الماء بنجاسة وهي مسألتُنا:
وقعت النجاسةُ في ماء، فنحكُم بأن هذا الماء طَهور، إلّا إذا أثّرَت هذه النجاسةُ في الماء، إن غيرت لونَه أو غيرت طعمَه أو غيرت ريحَه أو غيرت جميعَ هذه الأوصاف: فإنه نجِس.
فالنجاسة إذا وقعت في ماء فإننا لا نحكم بنجاسته مع وقوع هذه النجاسة إلا إذا تغيرت أحدُ أوصاف الماء إما الريح وإما اللون وإما الطعم، لقوله ﷺ كمـا في السنن: ” إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ “
وهذا هو القول الراجح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يكره أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة ]
الشرح/ النبي ﷺ كما عند أبى داود: ” نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ “
فالمرأة إذا تطهّرت بماء فيُكره للرجل أن يتوضأ مِن هذا المتبقي في هذا الإناء لهذا النهي،
وليس هذا النهيُ للتحريم لأن النبي ﷺ ( توضأ بفضل ميمونة رضي الله عنها ) كما جاء عند مسلم
فدل على أن النهيَ للتنـزيه.
وكذلك ورد النهي في حقِّ المرأة: ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ – زَادَ مُسَدَّدٌ – وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا ) فيكون هذا الماءُ طَهورا يصح الوُضوء به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجب أن يغسل كفيه ثلاثاً وأن يستنثر ثلاثاً إذا قام من نوم الليل، أما نوم النهار فعلى الاستحباب خلافاً لمن أوجبه ]
الشرح/ الواجب على المسلم إذا استيقظ من نوم الليل أن يغسل كفيه ثلاثاً، لقوله ﷺ كما عند مسلم وعند البخاري بنحوه: ” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِى الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ” ، وقلنا بنوم الليل لما عند ابن ماجه قال عليه الصلاة والسلام:
” إذا استيقظ أحدُكم من نوم الليل فلْيغسل يدَيه ثلاثاً “
وأما نوم النهار: فيُستحب، لأن بعض العلماء أوجبه في نوم الليل وفي نوم النهار،
ولكن الراجح من الوجوب: ما ذُكِر من أنه مُختص بنوم الليل.
وكذلك الاستنثار: فيجب على من استيقظ من نوم الليل أن يستنثرَ ثلاثاً لقوله ﷺ كما في الصحيحين:
” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ “
وإذا أراد الوُضوء فإن استنثار الوُضوء كافٍ لرواية البخاري:
” إِذَا اسْتَيْقَظَ أُرَاهُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ من شك في نجاسة ماء أوفي طهارته بنى على اليقين،
وكذا شكه في طهارة المياه التي تجري في الشوارع والطرقات ]
الشرح/ عندنا قاعدة وهي قاعدةُ: [ اليقين لا يزول بالشك ]
لقوله ﷺ كما في الصحيحين فيمن شَكَّ هل أحدث أم لم يُحدث قال:
( لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا )
فإن تيقنت طهارةَ شيء فلتبقَ على يقينك ولا تلتفت إلى الشكوك،
فلو كان عندك ماءٌ طَهور ثم شككت هل وقعت فيه نجاسةٌ أم لا؟ فنحكم بأنه طَهور.
عندك ماء نجِس شككت هل زالت منه النجاسةُ أم لا؟ فنحكم بأنه نجِس.
فـ [ الأصل بقاءُ ما كان على ما كان ]
أما المياه التي تجري في الشوارع والطرقات:
لو شك الإنسان فيها هل هي من مياه المجاري أومن غسيل المنازل؟
فالأصلُ أنه طَهور، فلو تلوث الثوب به فلا يشمه ولا يتفقده، وإنما يبني على الأصل، وهو أن الأصل في الماء الطهورية، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه كما عند أبى داود: ( كُنَّا لاَ نَتَوَضَّأُ مِنْ مَوْطِئٍ )
يعني: أنهم يخوضون بأقدامهم في مياه الأمطار في الشوارع ولا يغسلونها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضابط/ [ جاف على جاف طاهر بلا خلاف ]
الشرح/ هذا الضابط يتضح بالمثال: لو أن هناك نجاسةً جافة، فمَرَّ ثوبُك الجافّ عليها، فنحكم بأن ثوبَك طاهر، وذلك لأن ثوبَك جاف والنجاسة جافة.
لكن لو كان أحدهما رطبًا: فنقول إنه نجِس إذا رأينا النجاسةَ قد علقت بالثوب.
لكن بما أن هذه النجاسةَ جافة وهذا الثوبَ جاف، فلامسَ هذا الثوبُ أو البساطُ أو الشماغُ لامسَ هذه النجاسة: فإن هذا الشيء يُحكم بأنه طاهر، وهذا مِن غيرِ خِلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إذا اشتبه طهور بنجس فالصحيح يتحرى، فإن لم يجد قرينة يبني عليها يعدل إلى التيمم، وكذا لو اشتبهت ثياب طاهرة بثياب نجسة فإنه يتحرى ]
الشرح/ عندك إناءان طَهورٌ ونجِس، واشتبه عليك الطهور بالنجس، فلم تدرِ أيهما النجس من الطهور،
فماذا تصنع؟
قال بعض العلماء: يعدل إلى التيمم.
ولكن الراجح: أنه يتحرى، بمعنى أنه يجتهد، فإذا غَلَب على ظنه أن هذا الماء هو الطهور فيتوضأ به،
لأن النبي ﷺ أمَرَ بالتحرِّي في الصلاة إذا شَكَّ الإنسانُ في عدد الركعات، قال ﷺ كما عند البخاري:
( وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ )
فإذا كان التحري مأمورًا به في الصلاة ففي هذا المَوضع مِن باب أولى،
فإذا لم تكن هناك قرائن تُغَلِّبُ جانبَ الطهورية مِن النجاسة: فلْيعدل إلى التيمم
وكذلك الشأنُ فيما لو اختلطت ثيابٌ طاهرة بثياب نجِسَة، وأراد أن يصلي فلم يدر ما هي الثيابُ الطاهرة من الثيابِ النجسة؟
فالراجح: أنه يتحرى، فإذا غَلَبَ على ظنه أن أحد هذه الثياب هو الطاهر فإنه يصلي فيه،
خلافاً لمن قال: إنه يصلي بعدد الثياب النجسة ويزيدُ واحدة، مثال ذلك/ يقولون: لو أن عنده خمسة ثياب نجسة، وخمسة ثياب طاهرة فاختلطت، فيقولون: إنه يصلي ستَّ مرات، فيأخذ من هذه الثياب العشرة ستةَ ثياب ويصلي في كل ثوبٍ صلاة.
ولكن الصحيح: أنه يتحرى فإن غلب على ظنه أن هذا الثوب طاهر فيصلي فيه، لأن النبي ﷺ أمر بالتحري في الصلاة، كما أسلفنا قبل قليل ولأن النبي ﷺ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قال:
( لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ أي نجاسة مُغلظة أو مخففة أو متوسطة وقعت على الأرض فيجزئ في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعينها ]
الشرح/ النجاسةُ ثلاثةُ أنواع:
النوع الأول: ” نجاسة مُغلظة ” وهي نجاسة الكلب.
النوع الثاني: ” نجاسة مُخففة ” وهي بول الغلام الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام.
النوع الثالث: ” نجاسة مُتوسطة ” وهي ما عدا النوعين السابقين.
فأيُّ نجاسةٍ وقعت على الأرض سواء كانت مُغلظة أو مُخففة أو متوسطة:
فيتم تطهيرها بِغَسْلَةٍ واحدة إذا ذهبت بعين النجاسة، فإن لم تذهب إلا بثانية فتغسل ثانية، وهَلُمَّ جَرا،
لكن إن تم التطهيرُ بِغَسْلَةٍ واحدة فيكفي، لقول النبي ﷺ كما في الصحيحين لما بال الأعرابيُّ في المسجد: ( دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ )
لكن لو كانت هذه النجاسةُ غائطًا: فيُزال هذا الغائط – أي: يُزال جُرم النجاسة – ثم يُسكب الماء على هذا الموضع من الأرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ نجاسة الكلب مُغلظة تُغسل سبعاً أولاهن بالتراب، وهذا شامل لكل كلب، وما تولد من الكلب فكهو، ومثل لعابه بقية فضلاته، ولا يجزئ غير التراب إلا إذا عُدم أو خشي فساد الإناء، ولا يصح على الصحيح قياس الخنزير عليه، ويُعفى عما صاده الكلب المعلَّم ]
الشرح/ النجاسةُ المُغَلّظَة هي نجاسةُ الكلب،
فإذا نجَّسَ الكلبَ موضعا غير الأرض -لأن الأرض يُكتفى فيها بغسلة واحدة -كما سبق –
فإذا نجس الكلب مثلاً إناء: فإن هذا الإناء يُغسَلُ سبع مرات أولاهنَّ بالتراب لقوله ﷺ كما عند الجماعة: ( طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ )
وهذا شاملٌ لأي كلب على الصحيح، حتى كلاب الصيد،
ويستثنى من ذلك: ” ما صاده الكلب المعلم بفمه ” لأن الشرع تسامح في ذلك، فإذا صاد الكلب المعلَّم صيداً فإن هذا الصيدُ لا يَلزَمُ غَسْلُه لأن الشرع تسامح فيه،
فيكون لعابُ الكلب وريقُه وجميعُ فضلاتِه في هذا الحكم: يُغسل سبع مرات أولاهن بالتراب.
ولا يجوز على الصحيح استخدامُ غير التراب: لأن الشرع نص على التراب، إلا إذا عُدم التراب فتستخدم مواد التطهير الأخرى.
وبعض العلماء يقول: إذا كان الإناء يفسُدُ بالتراب فإنه يُستخدم غيرُ التراب
ولكن الأقرب: أنه لا يُستخدم غيرُ التراب إلا إذا عُدم.
وبعض العلماء قاس الخنزير على الكلب ” فقال: إن نجاسة الخنزير نجاسة مُغلّظة،
والصحيح: أن نجاسة الخنزير نجاسةٌ متوسطة، ولك لأن الخنزير كان موجوداً في عصر النبي ﷺ ولم يُلْحِقْه بالكلب.
والمتولد من الكلب وغيره: حكمه كحكم الكلب فلو نزا – أي وقع بها – كلب على شاة فولدت هذه الشاة فإن هذا المولود الذي حصل بسبب نُزُوِّ الكلب على هذه الشاة: فإن هذا المولودَ نجاستُه نجاسة مغلظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يُرجح شيخ الإسلام رحمه الله طهارة شعر الكلب ]
الشرح/ شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن شعر الكلب طاهر في جميع الأحوال من غير استثناء.
ولكن الذي يظهر: أن شعر الكلب يُتسَامَحُ فيه إذا كانت يدُ الصائدِ رطبةً ولامست شَعرَهُ: فلا يُلزم هذا الصائدُ بِغَسْلِ يدِه، لأن النبي ﷺ قال لعدي بن حاتم كما في الصحيحين:
( وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ )
ولم يأمره بأن يغسِلَ كفّيه إذا كانت رطبةً فلامست شعرَ الكلب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ ما سُبِّل للشرب ونحوه لا يُتوضأ به ما لم يدل عُرف أو قرينة على السماح بالوضوء منه ]
الشرح/ الماءُ المُسبَّل للشرب يجب أن يبقى على الجهة التي سُبِّل عليها،
سُبِّلَ للشرب يكونُ للشرب، ولا يجوزُ الوُضوء به، إلّا إذا دَلَّ عُرف الناس على التسامح بالوُضوء من هذا الماء؛ أو أذِنَ المُسَبِّلُ يعني [الواقف]
فإذا دلت قرينةٌ على أن الواقفَ أو المُسبِّلَ لهذا الماء يتسامحُ فيه: فيجوزُ استخدامُه في غيرِ الشرب،
لكن الأصل أن ما عَيَّنَهُ المُسَبِّلُ مِن جهةٍ كشُربٍ ونحوِه يبقى على ما عيّنَهُ، لقوله ﷺ:
” لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ كره بعض الفقهاء استعمال بئر بمقبرة وكذا شوكها وما اشتدت حرارته أو برودته أو سُخن بنجس، و لا دليل على ذلك إنما مظنة النجاسة أو مظنة عدم إسباغ الوضوء ]
الشرح/ هذه أشياء ذكرها الفقهاء، وقالوا: إن الحكم فيها هو الكراهة،
فالمياه التي في الآبار التي تكون في المقابر، يقولون: يُكره استخدامُها لأنها مَظِنَّةُ النجاسة.
ولكن الصحيح: أنه لا دليل على الكراهة.
وكذلك قالوا: ” إن الماء الذي اشتدت حرارته أو اشتدت برودته: يُكره الوضوء به لأنه مظنة عدم إسباغ الوضوء.
والصحيح: عدم الكراهة لعدم الدليل.
وكذلك مما كرهوه: من أن الإنسان لوسَخَّن ماءً في إناء بروث كلب أو بروث حمار، قالوا: يُكره استخدام هذا الماء، وذلك لأنه لا يُؤمن أن يتطاير من أجزاء ومن دخان هذه النجاسة إلى هذا الماء.
والصحيح: عدم الكراهة لعدم الدليل للقاعدة التي أسلفنا ذِكْرَها [ أن اليقين لا يزول بالشك ].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن النجاسة متى ما زالت بشمس أو ريح تطهر ]
الشرح/ هذه المسألة تابعة لمسألة سابقة، وهي: [ أنَّ النجاسةَ عينٌ مُستَقْذَرَة، متى ما زالت زالَ حكمُها ]
فلو زالت بتراب: طَهُرَتْ
ولو زالت بشمس: طَهُرَتْ
وليس المراد الجفاف – لا – وإنما المراد:
أن تزولَ وأن تَذهبَ عينُ النجاسة، فمتى مازالت زال حكمُها.
ولذا جاء عند البخاري من حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما:
( أن الكلاب كانت تُقبِل وتُدبِر وتبولُ في المسجد، ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بِتَتَبُّعِ بولِها بالماء )
فدل على: أن الشمسَ والريحَ تؤثران في إزالةِ النجاسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يحرُمُ إزالة النجاسة بمطعوم، وقد كره بعض العلماء أن يغتسل الإنسان بطعام ]
الشرح/ الطعامُ نعمة من الله عزّ وجل، وما ذَكَرَهُ الفقهاء من الكراهة فعندي أن فيه نظرًا،
فاستخدامُ المَطعوم في الاغتسال يَحرُم إلَّا إذا وُجِدَتْ حاجة ومصلحة:
وذلك كأن تتجمل المرأة بوَضْعِ بعضِ الأطعمة: فيجوز، كأن تضعَ بعضَ الأطعمة لكي تُصَفّي بشَرَتَها أو شيئاً من ذلك فيجوز، لأن الله عزّ وجل خلقَ لنا ما في الأرضِ جميعا:
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]
لكنَّ استخدامَها مِن غيرِ حاجة ومصلحة: يَحرُم
ومِن باب أولى: أن يكون التحريمُ في استخدام الطعام في إزالةِ النجاسة، ولذا قال ﷺ: ” أَكْرِمُوا الخُبْزَ “
وأحاديثُ إكرامِ الأطعمة كثيرةٌ جداً، لكن من بينها ما ذُكِر من هذا الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الخمر لا تطهر إلا في حالة واحدة إذا انقلبت خلاً بنفسها دون فعل فاعل، خلافاً لمن قال إن الخلال له أن يمسكها حتى تتخلل ]
الشرح/ اللهُ عزّ وجل حرّمَ الخمر عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:
( أَنَّ النبي ﷺ سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ؟ فَقَالَ ﷺ: لاَ ) أخرجه مسلم
فالخمر لو انقلبت بفعل الله عز وجل فأصبحت خَلًّا: فتطهُر،
لكن لو أن الإنسان خلّلها بفعله: فإن هذا التخليل لا يجعلها حلالاً،
فإذا انقلبت بنفسها بفعل الله عز وجل: فالحكمُ أنها تَطهُر،
وإن كانت بفعل فاعل: فإنه لا يجوزُ ولا يَحِلُّ شُربُها حتى لو صارت خَلًّا.
واستثنى بعضُ العلماء [ الخلَّال ] لأن الخل قد ينقلبُ إلى خمر، فيقولون: يجوز أن يُمسكها حتى تُصبح خلاً لكي لا يفسد ماله،
والصحيح: أنه ليس في الشرع خمر محترمة، لا خمرُ خَلَّال ولا غيرِه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصقيل الذي لا يشرب النجاسة كالسكين والسيف الصحيح أنه يطهر بالدلك ]
الشرح/ الذي لا يشرب النجاسة: مثلُ السكين والمرآة والسيف،
هذه تُسمى “صقيلة ” يعني: لا تشرب النجاسة، ليست كالثوب وليست كالبساط.
فهذه الأشياء إذا مُسحت مسحاً فزال أثرُ النجاسة فإنها تطهُر، ولو لم يَغْسِلْها بالماء،
فأيُّ شيءٍ لا يشربُ النجاسة فيمكنُ تَطهيرُه بالدَّلْك حتى يذهبَ أثرُ النجاسة،
لأن هذا هو المأثور مِن فِعل الصحابة رضي الله عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن الدهن مائعاً كان أو متجمدا إذا وقعت فيه نجاسة فإنها تزال وما حولها ويؤكل خلافاً لمن حصر الحكم في الجامد ]
الشرح/ النبي ﷺ كما عند البخاري: ” سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ؟ فَقَالَ: أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ ” ولم يُفرق ﷺ بين السمنِ الجامد والسمنِ المائع.
ولذا/ إذا وقعت الفأرة وما يشابهها من النجاسات في سمنٍ، سواء كان هذا السمن جامداً أو مائعاً:
فتُزالُ النجاسةُ وما حولَها، ويجوزُ أكْلُ هذا السمن.
وبعض العلماء قال: يجوزُ إلقاؤها وما حولَها إذا كان السمنُ جامدا،
واستدلوا بحديث ضعيف، وهو حديث في السنن:
( فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ ) ولكنه حديث ضعيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي في غسل بوله لا غائطه يكفي النضح، وهو الرش،
بخلاف الجارية فيجب غسل بولها،
وكذا إذا أكل الغلام الطعام بشهوة، أما ما يوضع في فمه فيبقى حكم النضح]
الشرح/ هذه هي النجاسة المخففة: ” بولُ الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام “
فإذا بال الغلامُ الرضيع الذي لم يأكل الطعام على مكان مثل الثوب، فيجوزُ أن يُرَشَّ هذا المَوضِعُ بالماء، ولا يَلزَم الغَسل، لأن النبي ﷺ كما في الصحيحين: “لما بال على ثوبه غلام دَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ” وقال ﷺ:” يُغْسَلُ مِنْ بَولِ الجَارِيَةِ، ويُنْضَحُ مِن بَولِ الغُلامِ “
ومِن ثمَّ: فإن النجاسةَ المخففة تكون في بولِ الغلام الرضيع.
أما غائطُه: فهي نجاسة متوسطة يجب غَسْلُها.
وقيؤه: على الصحيح نجاسةٌ متوسطة، لأن الدليل لم يستثنه، خلافاً لمن قال: إنه نجاسة مخففة.
[ بولُ الجارية ] ولو لم تأكل الطعام: نجاستُها نجاسةٌ مُتوسطة،
وقلنا: إن حكم النجاسةِ المتوسطة الغَسْل.
[غائط الجارية]: نجاسةٌ متوسطة.
الغلام إذا أكل الطعام: فبولُه نجاسةٌ متوسطة،
لكن لو كان هذا الطفل يُوضع الطعام في فمه ما تشرئبُّ نفسُه إليه، لكنه يوضع في فمه بعض الأطعمة؟
فإن بوله يبقى على ما كان عليه وهي ” النجاسةُ المخففة “، لأن النبي ﷺ كما جاء في الصحيحين:
” كان يحنِّك الصغار حينما يولدون بتمرة” يمضغُها في فمه ﷺ، ثم يضعها في فمِ الطفل،
فدل على أن الطعام الذي يوضع في فمه من غير اشتياقٍ إليه: أنه لا يؤثر.
ولكن الطفل الذي في هذا العصر الذي يتغذى على الحليب المُصَنّع: نجاستُه نجاسة متوسطة، لأن هذا حليبٌ من الأبقار وليس من الأم، وحديثُنا عن الطفل الذي يرتضِعُ مِن الآدميات لا من البهائم وغيرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن النعل والخف يطهران بالدلك، ويعفى عن يسير النجاسة بعد الدلك،
وكذلك ثوب المرأة الطويل إذا مرت بعد الأرض النجسة بأرض طاهرة ]
الشرح/ جاء في سنن أبي داود أن النبي ﷺ قال: (إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْله الأَذَى)
وفي رواية: ” بِخُفَّيْهِ، فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ”
فالنعل إذا تنجست يتم تطهيرُها بدلْكِها في التراب، فإذا بقي شيء يسير من النجاسة فلا يضر،
كذلك جاء عند أبي داود: أن المرأةَ سألت رسولَ الله ﷺ أنها تمرُّ في المطر بأرضٍ مُنتِنَة ــ يعني: نجسة، فكيف نصنعُ بِذُيولِنا – كانت ثيابُهُنّ طويلة تضرِبُ الأرض-
: ” عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِي أَطْيَبُ مِنْهَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ ﷺ: ” فَهَذِهِ بِهَذِهِ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يكره أن يشم رطوبة يظنها نجاسة، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم
بل ويكره أن يسأل عنها ]
الشرح/ سبق الحديث عنها، فمن كان في عافية فليلزم هذه العافية، لتبقَ على الأصل،
فلو وطئت شيئا رطباً أو ماء بليلٍ فلا تتفقده ولا تشمه، ويُكره أن يتقصَّد الإنسان ذلك،
قال ﷺ: ” إذا شك أحدكم فليطرح الشك وليبن على ما استيقن “
ولذا عمر-رضي الله عنه- لما كان يسير مع صاحبٍ له، فأصابَهما شيءٌ من الماء، فقال صاحبُ عمر:
يا صاحب الميزاب، أماؤكَ نجِسٌ أم طَهور؟ فقال عمر-رضي الله عنه-: لا تُخبِرنا يا صاحبَ الميزاب،
فهنا لا يسأل، لكن لو أن صاحبَ الميزاب أو صاحب الماء عَلِمَ أن ماءَه نَجِس فعليه أن يُخبِر
لقوله ﷺ: ” الدِّينُ النَّصِيحَةُ “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح عند شيخ الإسلام رحمه الله أن النجاسة متى ما استحالت فإنها تطهر ]
الشرح/ هذا رأيٌّ لشيخِ الإسلام رحمه الله -وهو رأيٌّ قويّ- إذ قال رحمه الله:
[ إن النجاسة إذا استحالت -يعني: تحولت إلى شيء آخَر- فإن هذا الشيء َالآخَر يكونُ طاهراً ]
مثال ذلك: لو أنه أحرَقَ رَوْثَ حِمار، فأصبح هباءً، فيقول: إنه طاهر.
ولو أن فأرةً وقعت في سمْن، ومع مرور الأيام استحالت وذهبت أجزاؤها، وصارت سمْناً، ولم يَبقَ للنجاسة أثَر، فيجوزُ أكْلُ هذا السمْن.
ولو أن كلباً وقعَ في ملح، ومع مرور السنين صار هذا الكلب ملحاً، تحللت أجزاؤه: فإنه يجوزُ أكْلُه،
لقوله تعالى: { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } فتحول مِن الخُبث إلى الطهارة.
والله عز وجل قال عن اللبن: {نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الدماء الطاهرة هي: دم السمك وما له دم لا يسيل كالبعوضة والذباب والدم الذي يبقى في المذكاة ودم الشهيد ودم الآدمي غير الشهيد على القول الراجح وعلى القول بنجاسته فيعفى عن يسيره.
أما الدماء النجسة فهي: الدم الخارج من السبيلين والدم المسفوح الذي يخرج من حلق ومريء المذكاة عند الذبح ]
الشرح/ الدماءُ أنواع: فمنها دماءٌ طاهرة، ومنها دماءٌ نجِسَة
فمن الدماءُ الطاهرة: ” دمُ السمك “
وذلك لأن ميتةَ السمك طاهرة، فدمُها من باب أولى،
لقول ابن عمرَ رضي الله عنهما كما عند ابنِ ماجه:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ،
وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ “
ولذا لو تناثر دمُ السمك على ثوبك، وصليتَ بهذا الثوب: فصلاتُك صحيحة.
ـــــــــــــ
النوع الثاني من الدماء الطاهرة: ” دم الحشرات التي لا يسيل دمُها، مثل: الذباب “
فالذباب له دم لكنه لا يسيل، فهذا الدم طاهر، كذلك دم الخنفساء، ودم العقرب، ودم البعوض،
فهي دماءٌ طاهرة، وذلك لأن دماءها لا تسيل، والذي لا يسيل دمه ميتته طاهرة،
قال ﷺ كما عند البخاري:
” إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً “
وغَمْسُه يؤدي إلى موته، فلو كانت ميتتُه نجِسة لما أجاز النبي ﷺ شُربَ ما في الإناء،
ويُقاسُ على الذباب: البعوض وكل مالا دم له سائل.
ــــــــــــــــــــــــ
ومن الدماء الطاهرة: [ الدم الذي يبقى في اللحم مِن المُذَكّاة ]:
فمثلاً نحرتَ جَزوراً، أو ذبحتَ بقرةً، أو شاةً
فالدمُ الذي يَخرُجُ مِن الحُلْقُومِ والمَرِيء: نَجِس، وهو الدمُ المسفوح،
أما الدم الذي يبقى في اللحم: فهو دمٌ طاهر،
لذا لو أن إنسانا يحمل لحماً فتلوَّثَ كلُّ ثوبِه بدم هذا اللحم فصلى: فصلاتُه صحيحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أنواع الدماء الطاهرة [ دمُ الشهيد ]:
لأن النبي ﷺ شَبَّهُ رِيحَه بريحِ المِسك، قال: ” وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ ” كما جاء عند البخاري ومسلم، فذكَرَه في مقام التشريف، ولو كان نجِساً لما شُرِّف وكُرِّم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أنواع الدماء الطاهرة [ دم الآدمي غير الشهيد -على القول الراجح -]:
وذلك لأن ميتة الآدمي طاهرة فكذلك دمه،
ووقائع كثيرة وقعت للصحابة صلوا والدماءُ تنزِفُ منهم، فدل على أن هذا الدم ليس بنجس.
والجمهور يرون: أنه نجس، ومع كونه نجِساً فيقولون: إن اليسير منه يُعفى عنه.
فإن احتاط الإنسان وأزال الكثير منه فهو حسن، وإلا فالأدلةُ تشهدُ بأن هذا الدم طاهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الدماءُ النجسة فهي:
[ الدم الخارج من السبيلين من الذكر أومن الدبر ]
فهذا الخارج مِن ذَكَرِ الآدمي أو دُبُرِه يُعَدُّ نجِسا.
وأيضا من الدماء النجسة الدم المسفوح: وسبقت الإشارةُ إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ القيء على الصحيح نجس، أما القيح والصديد فعلى الصحيح طاهر، وما يخرج من فم الحيوان الطاهر في الحياة من لعاب ونحوه طاهر ]
الشرح: القيءُ: الذي يَخْرُج مِن الإِنسان، على الصحيح: نجِس، لأنه طعامٌ استحالَ إلى المعدة فَتَغَيَّرَ فأشْبَه الغائط ولذلك تَستَبشِعُهُ النُّفوس إذا رَأَتْهُ.
وأما القيح والصديد اللذان يخرجان من الجروح: فإنها طاهرة لعدم الدليل.
وما يخرج من فم الحيوان الطاهر من لعاب وريق: فهو طاهر، فلعابُ الإبل والبقر والغنم وكل ما كان طاهراً فإن ريقَه ولعابَه طاهر.
وكذلك كلُّ ما يطوف علينا: مثل الهرة قال ﷺ كما في السنن:
” إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: مسألة/ [ يَضُرُّ بقاءُ طعمِ النجاسة، أما بقاءُ اللون والريح عجْزًا فلا يضر ]
الشرح من مختصر الفقه: قد يَغسِلُ الإنسانُ النجاسةَ ويبقى أثرٌ من اللون أو الريح،
فإذا غَسَلَها وبذلَ جُهدَه وبقيَ ريحُها أو لونُها: فيُعفى عنه لقوله ﷺ كما في المسند:
قال عن دم الحيض يُصيب الثوب فتغسلُه المرأة فيبقى أثرٌ منه:
” يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ “
أما طعم النجاسة: فلا يُعفى عنه،
لأن طعمّ النجاسةِ في الغالب لا يبقى، فبقاؤه يدل على تفريطٍ من صاحبه في غَسْلِه.
فإذًا: يُعفى عن ريح وعن لون النجاسة إذا اجتهد الإنسانُ في غَسْلِها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ المغسولات ثلاثة ما يمكن عصره فيعصر، ومالا يمكن عصره فيقلب، ومالا يمكن عصره ولا تقليبه فيدق، والمراد ذهاب أكثر الماء ولوصب عليه ماءً كثيراً طهر ولو لم يُعصر ]
الشرح/ الشيءُ المُتَنَجِّس إذا صُبَّ عليه ماءٌ كثير أو وُضِعَ في نهر: فيَطْهُر ولو لم يُعصر،
لكن إن غَسَلَه بماءٍ قليل، فهنا:
إن أمكن عَصرُه: فيجبُ العَصر.
فإن لم يمكن عصره: كبعض البُسط، فيَقَلَّب حتى يزولَ أكثرُ هذا الماء، وليس المراد كل الماء، وإنما يزولُ أكثرُه، لأن هذا الماء اختلط بالنجاسة.
فإن لم يمكن تقليبه: فيُدَق، مثلُ فرش المساجد لا يمكن أن تُقلّب ولا أن تُعصَر، فتُدَق حتى يزولَ ويذهبَ أكثرُ الماء.
ولكن هذا الترتيب إنما فيما لو لم يَصُبَّ عليه ماءً كثيرا، فإن صَبَّ عليه ماءً كثيرا، أو غَمَسَه في نهر: فإنه لا يلزم العصر.
وتطورت وسائلُ التنظيف في هذا العصر، فقد لا يُحتاج لا إلى عَصر ولا دَقٍّ ولا تقليب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ ( يُرجح شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله أنه يُعفى عن يسير النجاسات مطلقاً في المائعات والأطعمة دفعاً للمشقة )
الشرح/ إذا ابتُلِيَ الإنسان بنجاسة، فإنه إذا طهّرها يُعفى عن يسيرها دفْعًا للمشقة.
مثال ذلك: ما سبق ذِكْرُه مِن تطهيرِ النعل والخُف، فإن الدلك لا يُزيلُها كلية، فلو ألزمناه بإزالتها كلية بالدلك لحصلت له المشقة، والشرعُ تسامح في صيدِ الكلب المعلَّم فلم يأمر الشرع بغَسْلِ هذا الصيد.
إنسانٌ به -مثلاً -سَلَسُ بول، فصاحبُ السلس يَشُقُّ عليه أن يتتبعَ كلَّ مَوضِع، لأنه غيرُ مُستَقِرّ، فهذا يعفى عن يسير النجاسة،
وليس المرادُ أن يرى الإنسانُ نجاسةً مِن بولٍ أو غائطٍ يسيرا، ويَدَعَها دون غَسْل!
لا أظنُّ شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله يريان هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ ما يطوف علينا كالهرة والبغل والحمار فهو طاهر بخلاف فضلاته ودمه ويُستثنى من الطوافين الكلب فهو نجس ]
الشرح/ دليلها ما سلف قوله ﷺ عن الهرة: ” إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ “
فكل ما يطوفُ علينا: فإنه طاهر، والمراد: [ ريقه و لعابه وعرقه [.
أما فضلاتُه من بولٍ وروثٍ وقيءٍ، وكذلك دمُه: فنَجِس.
إذًا/ كلُّ الطوافين طاهر، إلا الكلب حتى لو كان للصيد فإنه نجِس، وقد سبق بيان ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يسيرُ النجاسةِ يُضبَطُ بالعُرف]
الشرح/ يسيرُ النجاسةِ يُضبَطُ بالعُرف، وهو أولى مِن الضابطِ الآخَر الذي قيل فيه:
[إنَّ اليسيرَ ما لا يَفْحُش مِن كلِّ أحدٍ بِحَسَبِه]
فضبْطُهُ بالعُرف أوْلى لأن الناسَ يختلفون، فبعضُهم المتهاوِن فيعِدُّ الكثيرَ يسيرًا، وبعضُهم المُوسوِس فيُعِدُّ اليسيرَ كثيرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الاستجمار مُطهر ولو تجاوز الخارج محله ]
الشرح/ الاستجمار مُطَهِّر لقوله ﷺ كما في مسند الإمام أحمد:
(( إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ ))
فإنه مطهر ولو تجاوز الخارج المَحَل، بمعنى: أنه تجاوز حتى قرب من المخرج،
خلافا لمن قال: إنه إذا تجاوز مَحَلَّ المَخرَج فلا يُجزئ إلا الماء،
ولكن الصحيح: أن الاستجمارَ مطهر ولو تجاوز الخارجُ المَحَل، لأن الشرع لم يفصل في هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الآدمي المؤمن طاهر حساً ومعنى بينما المشرك نجس معنى طاهر على الصحيح حساً ]
الشرح/ الآدميُّ المؤمن طاهر: طاهرُ القلب، وطاهرُ البدن، لقوله ﷺ كما في الصحيحين:
” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ “
وأما الكافر: فإن قلبَه نجِس لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}
وأما بدنُه: فطاهرٌ على الصحيح، لأن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل مِن طعام اليهود والنصارى، وهم يُلامسون أطعمتهم إعداداَ وتهيئةً، وأباح لنا التزوج بنساء أهل الكتاب فدل على طهارة أبدانِهِم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ كل ما يؤكل لحمه فبوله ومنيه وقيؤه وروثه طاهر ما لم يكن أكثر علفه النجاسة، وهو ما يُسمى بالجَلَّالة ]
الشرح/ هذه قاعدة استُفيدت مما جاء في الصحيحين:
” أن النبي ﷺ أمَرَ مَن اشتكى بطنَه، أن يذهبَ إلى إبِلِ الصدقة فيشرَب مِن ألبانِها وأبوالِها “
وموضِعُ الشاهد: ” مِن أبوالِها “
والإبل مأكولُ اللحم، فيُقاسُ عليه – وهو قول الجمهور – يُقاس عليها كلُّ ما يؤُكل لحمُه،
فكل ما يؤكلُ لحمُه سواء كان من الحيوانات الأهليّة أو البريّة، فبولُه وروثُه وقيؤه ومنيُّه: طاهر.
فلو تلوث الثوب ببول بعير، أو ببول بقرة، وصلى به الإنسان: فصلاتُه صحيحة.
إلا إذا كان هذا المأكول يأكلُ النجاسة، فبعضُ هذه الحيوانات المأكولات يأكلُ النجاسة مثل الدجاجة ونحوها، فهذا بولُه وقيؤه وروثه ومنيُّه: نجِس، لأن أكثرَ ما يعتَلِفُه النجاسة، وهذا ما يُسمى بالجلّالة،
وقد نهى النبي ﷺ كما في سنن أبي داود، نهى عن أكْل الجلّالة، وعن شُربِ ألبانِها:
” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا “
“وعن أن تُركب “
إلا إذا حُبست وطاب لحمُها فتعود إلى الأصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ سؤر ما يطوف علينا طاهر، ويستثنى من ذلك الكلب سواء المُرخص في اقتنائه أو غيره، وكذا على الصحيح طهارة سؤر سباع البهائم والطيور]
الشرح/ السؤر: هو الفَضْلةُ من الطعام، بقيّة الطعام يُسمى سؤراً،
فكلُّ ما يطوف علينا سؤره طاهر،
فلو أكلت الهرةُ مِن طعام، أو شرِبَت في إناء: فما بَقِيَ فهو طاهر.
ويُستثنى من ذلك “الكلب”: لأن الشرع لم يُرخِّص في ذلك، وهذا على القول الراجح.
إذا كان هذا الكلب ممن يُقتنى لصيد أو زرع أو حراسة، فقد تسامح فيه بعض العلماء، ولكن الراجح:
أنه غير طاهر، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند الجماعة، والجماعةُ هم:
[ البخاري ومسلم وأصحاب السنن والإمام أحمد ]
قال ﷺ: ” طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ”
وكذلك سِباعُ البهائم والطيور: مثلُ الأسود والذئاب والنُّسُور، هذه على القول الراجح أن آسارَها طاهرة، لما جاء عند ابن ماجه وله طرق يقوّي بعضُها بعضا:
سئل النبي ﷺ عن آسار السباع؟ فقال ﷺ:
” لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ “” مَا غَبَرَ ” أي: ما بقي.
وهذا هو قول أكثر أهل العلم بطهارة آسارِها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مختصر الفقه: مسألة/ [الصحيح أن مني الآدمي: طاهر]
الشرح/ المنيُّ طاهر، هذا هو الراجح، ويستوي في ذلك اليابسُ والرَّطب مِنَ المَنِيّ،
لما جاء في الصحيحين:
” أن عائشة رضي الله عنها كانت تغسِلُ الرطبَ منه، مِن ثوب النبي ﷺ، وكانت تفرُكُ اليابس “
والفَرْكُ لا يُطَهِّر، فدلَّ على أنه طاهر.
والمنيُّ هو: أَصْلُ مادّةِ خَلْقِهِ عز وجل لصفوةِ خَلْقِه مِن الأنبياء والمرسلين والصالحين، وتأبى حكمةُ اللهِ عز وجل أن يكونِ أصلُ هؤلاء نَجِسًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن المذي يُغسل منه الذكر والأنثيان- أي الخصيتان – قبل الوضوء وما أصاب غيرهما من البدن فيُغسل أما الثوب فينضح ]
الشرح/ المذي: سائل أصفر رقيق، يخرج عند تذكر الجماع أو عند مداعبة الزوجة.
وهذا المذي نجاستُه متوسطة إذا وقع على البدن، والدليل ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ:
” يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ “
وفي رواية أبي داود: ” لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ ” يعني: خُصيَتَيه.
فإذا أمذى فيجبُ أن يغسلَ مع الذَّكَر الأنثيين، وكذلك ما أصاب البدن فيغسله،
أما ما يصيب الثوب: فيُكتفى فيه بالنَّضْح، لقوله ﷺ كما عند الترمذي:
” عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً، فَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الْغُسْلَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ” إِنَّمَا يُجْزِئُكَ مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ “، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: ” يَكْفِيكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ”.
فيكون المذي على الثوب نجاسةٌ مُخففة، فيُكتفى فيه بالنَّضْح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب الآنية ]
بابُ الآنية ذُكِرَ بعد أقسام المياه لأن الماء سيّال، فيحتاجُ إلى ما يجمعه، فكان ذِكْرُ الفقهاء رحمهم الله للآنيةِ بعد الماء ذِكْرًا مناسِبًا، لأن الآنية تجمع الماء.
مسألة/ [ آنية وثياب عموم الكفار طاهرة ولو لاقت عوراتهم ما لم تتيقن نجاستها والأولى تركها]
الشرح/ كما أسلفنا [ اليقين لا يزول بالشك]
فالأصل في الثياب الطهارة، [ فكلُّ ثياب الكفار من اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس ونحوِهم: ثيابُهم طاهرة ما لم نتيقن نجاسَتَها ]
فإذا شككنا: فالأصلُ أنها طاهرة، ولذا:
” كان النبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم يلبسون ما نسجه الكفار وما صبغوه ”
حتى لو لاقت عوراتِهم مثل السراويلات، ولكن الأولى تَرْكُ لباس ما لاقى عوراتهم،
ولكن القول بالأولوية لا يدل على التحريم إلّا إذا تيقنّا النجاسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ كل إناء طاهر ولو ثميناً يُباح اتخاذه واستعماله إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما]
الشرح/ قولنا (كل إناء طاهر) يُخرِجُ: النجِس.
فكل إناء طاهر ” يجوزُ أن يُستخدم وأن يُتخذ للزينة حتى ولو كان ثميناً “
مثل: المصنوع مِن الياقوت والزَّبَرْجَد والألماس ونحوِ ذلك، لأن الأصلَ الإباحة، إلا آنية الذهب والفضة وما مُوِّهَ بهما، لقوله ﷺ كما في الصحيحين:
” لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ “
وقال ﷺ: ” الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ “
فالأصلُ [ بقاءُ ما كان على ما كان ] وهو الحِل، إلا ما جاء به النص تحريمًا كالذهب والفضة،
والمموه بهما؛ والمموه: كأن يُطلى الإناء بشيء من الذهب أو شيء من الفضة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يباح عند الحاجة تضبيب الإناء إذا انكسر بضبة يسيرة لغير قصد الزينة ]
الشرح/ يجوزُ أن تُستخدم الفضة فقط دون الذهب فيما لو انكسر الإناء فَلُحِّمَ وضُبِّبَ بِضَبَّةٍ يسيرة من الفضة، حتى ولو وَجَدَ غيرَ الفضة فيجوزُ له، لكن لا يكونُ قَصْدُه في وَضْعِ هذه الضَّبَّةِ اليسيرة لا يكونُ قَصْدُه التجملَ والتزين بها، فإن كان هذا قصده فلا يجوز.
والدليل على جواز استخدام الضبة اليسيرة في الإناء المنكسر:
ما جاء عند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه:
” أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ ﷺ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [الصحيح: أن العلة من تحريم الذهب والفضة أنها تنافي مُقتضى العبودية ]
الشرح/ ما العلةُ في تحريم الذهب والفضة هل هو الإسراف؟ هل هو كسر قلوب الفقراء؟
يقول ابنُ القيم رحمه الله: ” العلة ليست هذه الأشياء، إنما العلةُ لأن الذهبَ والفضة تُنافي مقتضى العبودية فلابسهما أو الآكل أو الشارب في صِحافهما وآنيتهما تُقَلل وتُضَعِّفُ عنده العبودية “
ولذا قال ﷺ: ” فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ” لأنهم خرجوا عن عبوديةِ الله عز وجل قال:
” فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [الجلود على ثلاثة أقسام:
أولاً: ” جلد طاهر مطلقاً ” وهو جلد الحيوان مأكول اللحم المذكى بقطع حلقومه وأوداجه.
ثانياً: جلود نجسة مطلقاً على الراجح وهي جلود ما لا يؤكل لحمه كالنمر مثلاً.
ثالثاً: جلود ما يؤكل لحمه إذا ماتت حتف أنفها فتطهر بعد الدبغ لا قبله وبأي صفة اندبغ فزالت النجاسة طهر]
الشرح/ الجلودُ على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ” مأكول اللحم إذا ذُكِّيَ بِقَطْعِ حُلقومه ومَريئه وأوداجه ” فإن جلدَه طاهر دُبِغ أو لم يُدبغ.
النوع الثاني: مأكول اللحم إذا مات حَتْفَ أنفه فإن جلدَه نجِس ولا يطهُر إلا بالدِّباغ.
و بأي صفةٍ دُبغ طَهُر، حتى لو ألقاه شخص في آلة دبْغٍ وهولا يدري أنه جلد ميتة فطهُر أو زالت منه النجاسة يطهٌر لأن النجاسة كما أسلفنا [ من باب التروك لا تفتقر على نية ].
النوع الثالث: ما لا يؤكل لحمه فجلده نجس على القول الراجح، سواء ذبح مع الحلقوم والمرئ أو مات حتف أنفه، مثل: النمور مثل القطط الفهود والأسود والذئاب ونحوِها، والدليل:
أن النبي ﷺ قال كما عند مسلم: “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- فَقَالَ ” هَلاَّ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا ـ يعني جلدها ـ فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ ” فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: ” إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا “
وقد نهى النبي ﷺ كما عند أبي داود: ” نهى عن جلود النِّمار وعن جلود السباع “
وقال ﷺ: ” دِباغُ الأديمِ ذكاتُه “
فدل على أن ما يطهُر بالدبغ هو الذي يُذَكّى إذا كان مأكولَ اللحم.
فخلاصة القول:
أن ما ذُكِّي مِن مأكول اللحم: فجلده طاهر دُبغ أو لم يُدبغ.
وما ليس بمأكول اللحم: فجلده نجِس مُطلقاً
وما كان مأكول اللحم فمات حتف أنفه: فإن جلده نجس إلا إذا دُبغ وبأي صفة اندبغ طهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إذا مات الطائر وفي بطنه بيض صلب فباطن هذا البيض طاهر، وكذا لو ماتت شاة وأخرج من بطنها جنين حي فهو طاهر ]
الشرح/ الشاة لو ماتت فوُجِدَ في بطنها حيوانٌ حي فهو طاهر.
وكذلك الطائر مثل الدجاج لو ماتت الدجاجة فوُجِدَ في بطنها بيض: إن كان هذا البيض صلباً فهو طاهر.
وإن كان رطباً فإن هذا البيض يأخذ حكمَ الأصل الذي هو النجاسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن لبن الميتة نجس، أما صوفها وقرنها وحافرها فطاهر ]
الشرح/ الميتة الأصل فيها النجاسة لقوله تعالى: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }
وهذا شامل ما لم يستثنِ الشرع، والشرعُ قد استثنى الصوفَ والشعرَ لقوله تعالى:
{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ }
فإذا جُزّ جزّاً فيكون طاهراً لأنه بعيدٌ عن الحياة فلا يخالطه الدم، لأن الميتة إنما حُرمت من أجل دمها المحتقن فيها، ومثلُه في الطهارة: القَرن والحافر.
وأما لبنُها: فالصحيح أنه نجِس لأنه في ضرعِها وضرعُها مِن صُلبها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن مصران الميتة إن جُعلت حبالا لا تطهر ]
الشرح/ قال بعض العلماء: إن مصران الميتة إذا مُدّت فأصبحت حبالاً فإنها تطهر
والصحيح: أنها لا تطهُر لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ ما أُبين من حي فهو كميتته طهارة ونجاسة حلا وحرمة، ويُستثنى من ذلك المسك وفأرته والطريدة ]
الشرح/ ما قُطع من حي فحكمه حكم ميتتِه، لقوله ﷺ:
” مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِىَ حَيَّةٌ فَهِىَ مَيْتَةٌ “
فلو قُطعت يدُ شاة وهي حية، بالنظر إلى هذه الشاة: ماذا يكون حكمها إذا ماتت؟
حكمها النجاسة فكذلك ما قُطع منها وهي حية.
والسمكة: لو جُز عضو منها يكون هذا العضو حلالاً طاهراً، وذلك لأن ميتة السمك طاهرة،
وعلى هذا فقس
ويستثنى مما جُز من الحي الذي ميته نجسة: [الطريدة]
والطريدة: مثلُ بعير يَشْرُد ولا يُتَمَكّن مِن الإمساك به، فيقومُ القومُ ويقطعونه قطعةً قطعة، فإذا أجهزوا عليه، فإن هذا اللحم لو بنيناه على القاعدة الأولى لقلنا: إنه نجس، لكنه لا يدخُلُ ضِمنَ ما سبق فيكون هذا اللحمُ طاهراً مباحاً.
لكن لو جُزَّ نِصفه ثم شَرَد: فإن هذا المتبقي نجِس،
ولذلك هواة الصيد ” للضباب ” مُفرد ضب، قد يُرمى فيجزُّون بالرمي شيئا منه ثم يدخل في جُحرِه:
فهذا المقطوع حرامٌ نجِس.
والدليل على استثناء الطريدة: فِعلُ الصحابة رضي الله عنهم، قال الإمام أحمد:
” كان الصحابة يفعلون ذلك في مغازيهم “
ويستثنى: [المسك وفأرته]
(الفأرة) يعني الوعاء، فهناك غزال يُسمى بـ” غزال المسك ” يطردونه طرداً، فينزل من سُرّته قطعةُ دم فيربطونها ربطاً محكما حتى لا تتغذى من دم الغزال، فبعد حين تنفصل فتصبح وعاءً وفيه مِسك.
فهذا المنفصل لو جعلناه على القاعدة الأولى لكان نجساً، لكنه طاهر.
والدليل: أن النبي ﷺ قد أثنى على المسك في عدة أحاديث، من بينها ما جاء عند مسلم:
” وَالْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يُسن تغطية الإناء، ووكاء السقاء بالليل، لأن في السنة ليلة ينزل فيها وباء ]
الشرح/ قال ﷺ: ” إذا كان الليل فأوكئوا السقاء واذكروا اسم الله عليه، وأغلقوا الباب واذكروا اسم الله عليه، وخمروا الإناء ولو أن تعرض عليه عوداً، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء إلا وقع فيه شيء من هذا الوباء “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يُسن إطفاء النار عند النوم ]
الشرح/ لأن النبي ﷺ أُخبِر بأن هناك بيتاً في المدينة قد احترق على أهله، فقال ﷺ:
” إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ “
والذي يظهر: أن الحكم لا يقتصر على السنية، بل يجب،
فلا يجوزُ للإنسان أن يُعرِّض نفسَه وأهلَه للهلاك،
ومِثلُها: وسائلُ التدفئة التي تُشابِهُ النار فيما لو وقعت مثلاً لأحرَقَت البُسُط وما في البيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب آداب الخلاء ]
آداب الخلاء: يعني ” آداب قضاء الحاجة ” ويسميها بعض العلماء: ” آداب الاستطابة “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [يستحب عند الدخول: تقديم الرجل اليسرى، وقول: ” بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث ” وعند الخروج: يقدم اليمنى ويقول: “غفرانك “]
الشرح/ جاء في حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي ﷺ:
” َكَانَ يَجْعَلُ يَمِينَهُ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَثِيَابِهِ وَأَخْذِهِ وَعَطَائِهِ، وَيَجْعَلُ شِمَالَهُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ “
فما كان من باب التكريم فتقدم فيه اليمنى، وما كان سوى ذلك فتقدم فيه الشمال، سواءً كانت يداً أو قدماً.
فإذا أراد أن يدخل إلى الخلاء، فهل الخلاء تكريم؟ ليس بتكريم، فيُقدم اليسرى.
ويقول عند إرادته الدخول: بسم الله ” أعوذ بالله من الخُبْث والخبائث ”
والخبث: هو الشر، والخبائث: هم الشياطين.
فيقول: ” أعوذ بالله من الخبْث والخبائث” أو، وَرَد: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الخُبُث والخبائث ” –
وإذا خرج من الخلاء: فإنه سيخرج إلى تكريم فيقدم رجله اليمنى، ويقول: ” غُفْرَانَكَ “
فإنه لما ذهب عنه الأذى مِن بطنه سأل اللهَ عز وجل المغفرة بأن يُزيل عنه أذى الذنوب في الآخرة الذي هو أشد، وكل هذا على سبيل الاستحباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يستحب ألا يتوضأ في المكان الذي بال فيه ]
الشرح/ النبي ﷺ كما عند أبي داود قال: ” لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ “
وذلك لأنه يورِثُ الوسوسة.
وهذا النهي: يكونُ للتحريم، لأن هذا نهي صريح.
وبعض العلماء يقول: (إن كان الخلاء مُبلطاً فيجوز لأن الماء يُزيلُ هذه النجاسة)
ولكن الحكم عام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا يُستحب نتر الذكر بعد البول ]
الشرح/ لا يُستحب أن ” يُنتَرَ الذَّكَر “
وذلك: ” أن يُحرِّكَ ذَكَرَه مِن الداخل لكي يستدعي البول “
وليس معناه المسح، فمسح الذكر يختلف عن النتر.
فالنتر: ألا يمس ذَكَرَه، ولكنه مِن الداخل يُحركه حتى يستدعي ما بقِيَ وفَضُلَ مِن البول.
والحديث الوارد فيه ضعيف: ” إذا بالَ أَحَدُكُم فَلينتُر ذكرَه ثَلاثَ مرَّاتٍ “
حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” إن نَتْرَه بدعة “
فإذا بال الإنسان يغسل ذكره ثم يقوم، ولا يفتح على نفسه باباً للوساوس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجوز البول قائماً إذا أمن من التلوث، وأمن أن ينظر إلى عورته]
الشرح/ يجوز البول قائما بشرطين:
أولا/ أن يأمنَ مِن أن يرتد إليه بوله.
ثانيا/ أن يأمن من أن ينظر أحد إلى عورته.
والدليل: ما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة رضي الله عنه:
” أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا “
وأما قول عائشة رضي الله عنها عند النسائي: ” مَن حدّثكم أن رسول الله ﷺ بال قائماً فلا تصدقوه “
فهذا منتهى علمها في البيت -رضي الله عنها-، وحذيفة -رضي الله عنه- عَلِمَ ما هو خارج البيت،
فقول حذيفة مُقدم على قولها -رضي الله عنهما-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يُستحب في الفضاء أن يبعد حتى لا يُسمع له صوت، ولا يُشم منه ريح، وأما إذا ترتب على القرب رؤية عورته فيجب البعد ]
الشرح/ الواجب على المسلم أن يحفظ عورته:
لقوله ﷺ كما عند أبي داود: ” احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ “
فإذا أراد الإنسان أن يقضيَ حاجتَه: فيجوز له أن يقضيها وهو قريب من الناس، بشرط: ألا تُرى عورته
فإذا ترتب على القرب رؤية عورته: فيجب عليه أن يبعد.
والسنة أن يبعد حتى لو لم تُر عورته مع القرب: لفعله ﷺ كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة:
” فانطلق حتى توارى عني “
ومقدار أقل هذا البعد أو ضابطه: ألا يُسمع منه صوت، ولا تُشم منه رائحة،
والأفضل أن يتوارى مع بعده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ قال بعض الفقهاء يُكره مس ذكره بيمينه حال البول – والأقرب التحريم – وكذا الاستنجاء والاستجمار بها، ويكره الكلام حال قضاء الحاجة، ويحرم المكث بعد قضاء الحاجة على حاجته]
الشرح/ النبي ﷺ قال كما في الصحيحين:
” لاَ يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَلاَ يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاَءِ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَنَفَّسْ في الإِنَاءِ “
فَمَسُّ الذَّكَرِ باليمين حالَ البول: قال بعض العلماء: يُكره.
وقال بعض العلماء: يحرُم، وهو الأقرب
وكذلك الحكمُ في الاستنجاء باليمين: يكون الكلام فيه كالكلام في مَسِّ الذَّكَرِ باليمين.
ويُكره الكلام حال قضاء الحاجة: لأن النبي ﷺ كما عند مسلم: ” أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ” أي: تيمم.
وكذلك المُكث بعد قضاء الحاجة: الصحيح أنه يحرم، لأن الإنسان إذا قضى حاجته لِيَقُم،
أما بقاؤه مكشوفاً للعورة فهذا ينافي قوله ﷺ: ” احفظ عورتك”
ولأن البقاء على موضع قضاء الحاجة يورث أسقاما وأمراضا،
وحياة وبدن الإنسان ليست ملكا له فيجب عليه أن يُحافظ عليهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/
[ يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء حال قضاء الحاجة أما في البنيان فالأحوط ترك ذلك ]
الشرح/
حال قضاء الحاجة في الصحراء: فإنه يحرم استقبال القبلة أو استدبارها.
أما في البنيان: فقد فقال بعض العلماء: بالتحريم أيضاً، وبعض العلماء: لم يقل به في البنيان.
والأحوط: تركُ الاستقبال والاستدبار في البنيان، لأن الأدلة قوية في هذه المسألة،
وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:
” إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلاَ غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا،
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ “
والدليل على التسامح في البنيان – وإن كان الأحوط تَرْكَ ذلك:
ما جاء في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ” ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ “
فخلاصة القول:
أن الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة في الصحراء: يحرم،
أما في البنيان: فالأظهر الجواز، لكن التورع والأحوط لقوة الأدلة أن يدع ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يحرم أذية الناس بأن يبول أو يتغوط في أماكنهم وطرقاتهم ]
الشرح/ النبي ﷺ كما عند مسلم قال: ” اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” الَّذِى يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ في ظِلِّهِمْ ” فلا يجوز لأحد أن يؤذي عباد الله في طرقاتهم وأماكن جلوسهم،
لا ببول ولا بغائط ولا مخاط ولا شيء من هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يحرم قضاء الحاجة في الماء الراكد وعلى ما نهي عن الاستجمار به وبين القبور ]
الشرح/ النبي ﷺ كما في الصحيحين قال:
” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ”
وعند مسلم: ” ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ” وعند أبي داود: ” ولا يَغْتَسِل فيهِ مِن الجَنَابَة “
والماء الدائم خلاف الجاري.
ومن هنا: فالماء الدائم من خلال هذه الأحاديث يحرم البول فيه، ومن باب أولى التغوط،
ويحرم فيه الاغتسال من الجنابة، ولو لم يبُل فيه.
وهذا هو القول الراجح: أن النهي للتحريم، وليس للتنزيه.
ويُستثنى من ذلك المياه المستبحِرَة: مثل: الغدران الكبيرة، فهي ثابتة في أماكنها، وقد استثنى العلماء من الماء الدائم المياه المستبحرة أما الذي يجري فلا يدخل في هذا الحكم.
وكذلك يحرُمُ أن يقضي حاجته على ما نهي عن الاستجمار به: وسيأتي معنا أشياء يحرم الاستجمار بها مثل ” العظم والروثة والطعام ” فلا يجوز لأحد أن يقضي حاجته على ما يحرم الاستجمار به.
وكذلك يحرم قضاء الحاجة بين القبور: لقوله ﷺ كما عند ابن ماجه:
” وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي، أَوْ وَسْطَ السُّوقِ “
لأن بين القبور هي أماكنُ تزاور الموتى، كما قال ابن القيم رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أنه لا يُكره البول في إناء ]
الشرح/ البول في إناء لا يُكره على الصحيح، لما جاء عند ابي داود:
” كان للنبي ﷺ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ “
فلا وجه للكراهة كما قال بعض العلماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إذا فرغ الإنسان من قضاء حاجته تنظف بالحجر ثم بالماء، وهذا أكمل، وإن اقتصر على الماء فحسن، وإن اقتصر على الاستجمار مع وجود الماء أجزأ مع تركه الأفضل ]
الشرح/ إذا فرغ الإنسان من قضاء حاجته فهو مُخَيّرٌ بين ثلاثة أمور:
أولا/ أن يستجمر ثم يستنجي بالماء: وهذا أكمل من حيثُ التنظيف، وليس هناك دليلٌ صحيح في الجمع بين الاستنجاء والاستجمار، وما ورد عند البزار من الجمع بينهما فلا يصح
ثانيا/ أن يقتصر على الماء: كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام في غالب أحيانه.
ثالثا/ أن يقتصر على الاستجمار ولو كان الماءُ موجودًا: لكن الأفضل أن يستنجيَ بالماء، والدليل على الإجزاء ما مر معنا كما في سنن أبي داود قوله ﷺ:
” إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ ” .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[شروط الاستجمار]
مسألة: [ أن يكون طاهرا منقياً غير عظم وروث وفحم وطعام الآدميين وبهائمهم،
وأن يكون الاستجمار بثلاث مسحات، فإن لم يُنق فبأكثر، ولا يجزئ أقل من الثلاث،
ولا بما نهي عن الاستجمار به على الصحيح]
الشرح/ هذه هي شروط الاستجمار التي لا يصح إلا بها، وهي:
أولا/ أن يكون المستجمر به طاهرًا: ويخرج النجس، لقوله ﷺ عن الروثة: ” إِنَّهَا رِكْسٌ “
ثانياً/ أن يكون منقيًا: لأن مالا يُنقي لا يحصل منه المقصود.
ثالثا/ أن يكون غير عظم وغير روث: لأن النبي ﷺ قال كما عند مسلم للجن:
” لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعَرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ “
وقال ﷺ كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ” لاَ تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلاَ بِالْعِظَامِ “
وكذلك لا يكون الاستجمار بالفحم:
لنهيه ﷺ عن ذلك كما في سنن أبي داود ، وذلك لأن الفحم طعام الجن
رابعًا/ ألا يكون المستجمرُ به طعاما للآدميين ولا طعاماً لبهائمهم:
فإنه إذا نُهيَ عن الاستجمار بطعام الجن ودوابهم فطعام الآدميين وطعام بهائمهم من باب أولى.
الخامس/ أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات فأكثر:
ولا يجزئ أقل من ثلاث -على القول الصحيح- حتى لو حصل التطهير بواحدة أو اثنتين، لما جاء عند مسلم من حديث سلمان رضي الله عنه قال: ” نَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِىَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ “
والمقصود من الثلاثة الأحجار، يعني: المسحات لورود لفظ (المسح) في أحاديثَ أخرى.
ولذا/ لو استجمر بحجر واحد له ثلاث شُعَب، كل شُعبة مسح بها المحل، فحصل المقصود بهذه الثلاث:
فإن الاستجمار يكونُ صحيحًا، فإن لم يحصل التنظيف بثلاثة أحجار: فليزد.
وكذلك/ لا يُجزئ الاستجمار بما نهي عن الاستجمار به -على القول الصحيح-
فلو أنه استجمر بعظم فتنظف المحل: فإنه غيرُ مُجزئ لمخالفة النص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يسن قطع الاستجمار على وتر، وعلامة الإنقاء به: أن يرجع إليك الحجر غير مبلول]
الشرح/ يُسن قطع الاستجمار على وتر:
بمعنى: أنه إذا لم يحصل التنظف والتطهر بثلاثة فحصل بأربعة، يقال له: زِد خامسة،
فإن حصل التنظيف بسادسة، نقول له: زِد سابعة.
فيسن قطعه على وِتر لما جاء في سنن أبي داود قال ﷺ:
” وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ ” حسنه ابن حجر رحمه الله
وعلامة الإنقاء بالاستجمار: أن يرجِعَ إليك الحجرُ غير مبلول.
وقال بعض العلماء: أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء،
فإذا بقي أثرٌ لا يُزيله إلا الماء فهذه هي علامة النقاء في الاستجمار،
لكن الضابط المذكور هنا أفضل وأيسر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الاستنجاء يحصل بواحدة أو بأكثر على الصحيح، وضابط الإنقاء به: أن تعود خشونة المحل، وغلبة الظن كافية بالإنقاء في الاستنجاء دفعاً للحرج ]
الشرح/ الاستنجاء: المراد منه التطهر بالماء، ويحصل بواحدة إذا تنظَّفَ المَحَل.
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ” أُمِرْنا بِغَسْلِ الأنجاسِ سبعاً ” فهو حديث ضعيف،
ومِن ثَمَّ: فبأي صفة أو بأي عدد طَهُرَ المَخرَج فقد حصل المقصود.
وضابطُ الانقاء بالاستنجاء بالماء: أن تعود خشونةُ المَحَل.
ويكفي في ذلك غلبة الظن دفعاً للحرج والمشقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجب الاستنجاء لكل خارج من السبيلين ويستثنى النجس اليابس والريح والمني ]
الشرح/ متى يجب الاستنجاء؟
يجبُ لكل خارج من السبيلين من الذكر أومن الدبر، ويستثنى من ذلك ثلاثة أشياء:
أولا/ الريح: فلا يستنجى منها لأنها طاهرة على الصحيح.
ثانيا/ المني: وذلك لأنه طاهر على الصحيح كما مر معنا.
ثالثا/ الشيء اليابس: فإذا خرج من الإنسان من دُبُره حصاة مثلاً يابسة لم تُلَوِّث المَحَل فلا معنى للاستنجاء لعدم حصولِ النجاسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى مكروه، ويجوز عند الحاجة وأما القرآن فمحرم الدخول به، ويجوز عند الضرورة كأن يخاف عليه من السرقة ]
الشرح/ ذِكْرُ الله عز وجل يجب على المسلم أن ينزهَه:
لقوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30]
فإذا دخل الخلاء وهو مأوى الشياطين ومحل النجاسات: فيُبعِدُ ما لديه مِن أوراق فيها ذِكْرُ الله عز وجل، فإن دخل بشيء مكتوب فيه ذِكرُ الله: فهو مكروه، ولم يصل إلى درجة التحريم لأن النبي ﷺ كان يلبس الخاتم ولا ينزعه عند دخول الخلاء، وكان مكتوباً عليه ” محمدٌ رسولُ الله ”
ويجوز الدخول به عند الحاجة: كالبلوى التي ابتُلي بها الناس في الأوراق النقدية، فالتهليليةُ الموجودة في بعض الأوراق النقدية، لا يُشَقُّ على الإنسان في مَنْعِهِ مِن الدخولِ بها إلى الخلاء.
وأما القرآن: فيحرم الدخول به إلى الخلاء إلا إذا وُجدت ضرورة، كأن يخشى عليه من كافر أو يخشى عليه من السرقة أو نحو ذلك.
وخلاصةُ القول: أن ما كان مكتوباً فيه ذكر الله عز وجل: فيُكرَه الدخول به إلى الخلاء إلا عند الحاجة،
وأما القرآن: فيحرم إلا عند الضرورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يسن ألا يرفع ثوبه عند قضاء الحاجة حتى يدنو من الأرض إذا كان في فضاء ]
الشرح/ دليله: فعل الرسول ﷺ كما في سنن أبي داود:
” كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً لاَ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجيب المؤذن في الخلاء سراً بقلبه ]
الشرح/ إذا كان في الخلاء فإنه يُسَنُّ له إذا سمع الأذان: أن يتابعه بقلبه،
وكذلك إذا عَطَس: له أن يحمد الله في قلبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الأحوط أن لا يتوضأ ولا يتيمم حتى يستجمر أو يستنجي مما يجب لهما إلا إذا كانت النجاسة غير خارجة من السبيلين فلا ]
الشرح/ إذا قضى حاجته وأراد أن يتوضأ فليستنج أو ليستجمر،
فإن قدَّم الوُضوء على الاستنجاء أو الاستجمار: فموضع خلافٍ بين العلماء، هل يصح وضوؤه أو تيممه قبل الاستنجاء أو الاستجمار؟
قولان، والأحوط: ألا يتوضأ قبل الاستنجاء والاستجمار.
أما لو وقعت النجاسة -فَرَضًا- على ذَكَرِ الإنسان وهي غيرُ خارِجَةٍ مِنه:
فتيميه ووضوؤه قبل غَسْلِها: تيممٌ ووُضوءٌ صحيح.
وموضع الخلاف في النجاسة الخارجة من المَخرج، لما ورد أن النبي ﷺ قال في شأن المذي:
” تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ ” فقدّم الوُضوء على غسل الذكر.
وفي رواية: ” اغسل ذكرك وتوضأ ” و ( الواو ) لا تقتضي الترتيب، ومن ثم نشأ الخلاف بين العلماء، وأما ما جاء عند النسائي: ” يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ لْيَتَوَضَّأْ “
فإنها معلولة بالانقطاع، كما قال ابن حجر رحمه الله، ولو صحت لكان الاستنجاء والاستجمار واجبا قبل الوضوء والتيمم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لو انسد المخرج الأصلي وفتح لها مخرج آخر فلا استجمار إنما استنجاء ]
الشرح/ لو أجري لإنسان عملية، وانسدَّ مَخرَجُه الأصلي، وفُتح مخرجٌ في بطنه وأصبح يخرج منه الغائطُ والبول: فلا ينفع إلا الاستنجاء، ولا يصح الاستجمار،
لأن الاستجمارَ إنما يكون في المخرج المعتاد، فإذا لم يكن من المخرج المعتاد كان حكمه كحكم إزالة النجاسة على البدن، ولا ينفع في إزالتها على البدن إلا الماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا تكلف الثيب أن تغسل داخل فرجها ]
الشرح/ الثيب لا تُلزم بأن تدخل إصبعها في فرجها لتنظف ما بقي وفضل من النجاسة، بل الواجب في حقها أن تنظفَ المحل من الظاهر، ولا تُكَلَّفُ مثل هذا الفِعل، فهو غيرُ وارد عن الصحابيات الفُضليات رضي الله عنهن ولم يأمر عليه الصلاة والسلام نساءَه بذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يكره قضاء الحاجة في: مهب الريح، وفي الجحور، وفي النار، وفي الرماد؛
كما قال بعض الفقهاء، ولا دليل عليه ]
الشرح/ لا دليل على الكراهة، لأن ما ورد في بعض ما ذُكِرَ هنا من أحاديث فهي أحاديثُ ضعيفة من بينها: ” نهي النبي ﷺ أن يبال في الجُحر ” وروي عنه أنه ﷺ قال:
” إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا “
لكن لا دليل على الكراهة، لكن يقال: يُستحسن
يُستحسن أن يجتنب البول في مهب الريح: حتى لا يقع في الوساوس.
ويستحسن ألا يبول في الجحر: حتى لا يخرج شيء من الدواب فيؤذيه،
وإن عَلِمَ أن هناك دوابًا فلا يجوز، لأنه لا يجوز أن تؤذَى هذه المخلوقات.
وأما النار والرماد/ قال بعض الفقهاء: لأنها تُورث السقم، ولا دليلَ على ما ذكروا،
لكن يُستحسن أن يبتعد الإنسان عن مثل هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[بابُ خِصال الفِطرة]
خِصالُ الفطرة: يعني ما فَطَرَ اللهُ عز وجل عليه الخلق، بمعنى: أنه لو لم تأتِ نصوصٌ شرعيةٌ للحثِّ عليها لكان مقتضى ما فُطِرَ عليه العبد أن يفعَلَها.
وقد أوصلها بعضُ العلماء إلى ثلاثين خَصلة، وقال ابنُ حجر رحمه الله: عند التتبع تزيدُ على الثلاثين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ السواك سنة في كل وقت ويتأكد عند الوضوء، والصلاة، ودخول المنزل لا المسجد، وعند الخروج من البيت إلى الصلاة، ويتأكد عند الانتباه من النوم، وعند قراءة القرآن ]
الشرح: السِّواكُ مِن خِصالِ الفطرة، وجمهورُ العلماء على أنه سُنَّة ليس بواجب، ويُسَنُّ في كلِّ وقت لقوله ﷺ كما عند البخاري مُعَلَّقًا: ” السواكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ “
ولكن السِّواك يُتأكَّد في بعضِ المواضع منها:
أولا: عند الوضوء، لقوله ﷺ: ” لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ “
ثانيا: ويُتأكد عند الصلاة، لما في الصحيحين: ” لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ – وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ: عَلَى أُمَّتِى – لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ “
ثالثا: ويُتأكد عند دخول المنزل، لفعله ﷺ كما عند مسلم
ولا يُقاسُ المسجدُ عليه -على القول الصحيح- لأنه لم يرِد عنه ﷺ أنه إذا دخَلَ المسجد استاكَ
رابعا: ويُتأكد عند الخروج من البيت إلى الصلاة، لفعله ﷺ كما عند الطبراني:
” مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ “
خامسا: ويُتأكد عند الانتباه من النوم، وذلك لفعله ﷺ كما في الصحيحين من حديث حذيفة:
” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ “
سادسا: ويُتأكد عند قراءة القرآن، وذلك لما ثبت:
” إذا قامَ أحدُكمْ يصلِّي مِنَ الليلِ فَلْيَسْتَكْ، فإنَّ أحدَكمْ إذا قرأَ في صلاتِهِ وَضعَ ملَكٌ فاهُ على فِيهِ، ولا يخرجُ منْ فِيهِ شيءٌ إلا دخلَ فمَ الملَكِ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يستحب السواك للصائم في كل وقت قبل الزوال وكذلك بعده على الصحيح والأفضل أن يكون بعود الأراك فإن لم يجد فبإصبعه ولم تثبت صفة معينه للاستياك أهو عرضاً أم طولاَ]
الشرح: الصائم يستحبُّ له أن يستاكَ في كل وقت.
وما ورد من حديث عند الدار قطني عن علي مرفوعاً:
” إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلاَ تَسْتَاكُوا بِالْعَشِىِّ ” فهو حديثٌ ضعيف، ومِن ثمَّ: فله أن يستاكَ قبل زوالِ الشمس، يعني: قبل أذان الظهر؛ وبعد الزوال، يعني: بعد أذان الظهر.
والأفضل أن يكونَ الاستياكُ بِعودِ الأراك:
لما ثبت في المسند أن ابن مسعود رضي الله عنه: ” كان يجتنيه لرسول الله ﷺ “
فإن لم يجِد ما يستاكُ به من أعواد: فبإصبُعِه لفعلِ الرسول ﷺ كما في المسند ويكونُ عند المضمضة.
وهل يستاكُ عرضاً أم طولاً؟
لم يرِد حديثٌ صحيح يدل على ذلك، وأما حديث: ” استاكوا عرضاً ” فهو مُرسَل فلا يصح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [لا يشرع قول [ اللهم طهر قلبي ] عند الاستياك ويجوز أن يستاك بالعود الواحد اثنان، وهل الاستياك باليمين أم باليسار؟ الأمر واسع ]
الشرح: ذَكَرَ بعضُ الفقهاء أنه يقولُ عند الاستياك:
” اللهم طَهِّر قلبي ومَحِّص ذنوبي ” لكن لا دليل عليه.
ويجوزُ أن يستاكَ بالعود الواحد اثنان: لفعل الرسول ﷺ كما جاء عند البخاري
وهل يستاكُ باليمين أو باليسار؟
خلافٌ بين العلماء، وحصل الخلاف لعدم وجود الدليل.
فبعضهم قال: باليمين لأنه عبادة.
وبعضهم قال: باليسار لأنه إزالةُ أذى.
وبعضهم قال: – وهو الأقرب – أنه إذا استاك للعبادة يكون باليمين،
وإذا استاك لتنظف وإزالة الأذى فباليسار.
ولعلَّ قولَه ﷺ: ” السواك مَطهرَةٌ للفم، مَرضاةٌ للرب ” يدلُّ على هذا، فهو مطهرةٌ للفم لإزالة الأذى، ومرضاةٌ للرب لأنه عبادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ السنة أن يدَّهِنَ ويُسَرِّحَ شعرَه يوماً بعد يوم وهذا ما يسمى بالغب، وينبغي ألا يُفْرِطَ في الإرفاه، أما الغب في الزيارة فكل أسبوع مالم يرغب المزور بتعدد الزيارة ]
الشرح: أدرج الفقهاءُ ضِمنَ خِصالِ الفِطرة ” الإدِّهانُ وتسريحُ الشعر “
جاء عند أبي داود أنه ﷺ: ” نهى عن الترجل إلا غِبًّا ” يعني: يوماً بعد يوم؛
والذي ينبغي للمسلم ألا يُفْرِطَ في الإرفاه، فلا يجعلْ جُلَّ همِّهِ شعرَه وملابِسَه، وفي المقابل لا يُهمِلْ ذلك
فالنبي ﷺ كما عند أبي داود: ” نهى عن كثير الإرفاه “
وقال ﷺ كما عند أبي داود: ” مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ ” فالتوسطُ هو المطلوب.
وأما الغِبُّ في الزيارة: فهي في كلِّ أسبوع لحديث: ” زُر غِبًّا تزدَد حُبًّا ” فالغِبُّ في الزيارةِ عند أهلِ اللغة: ” في كلِّ أسبوع ما لم يرغَبِ المَزُور فله ذلك ” لما جاء عند البخاري:
” أن النبي ﷺ كان يزورُ أبا بكر رضي الله عنه في اليوم مرتين ”
وذلك لأن أبا بكر -رضي الله عنه- يحبُّ زيارة النبي ﷺ له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يسن أن يكتحل بالإثمد في اليمنى ثلاثاً واليسرى مرتين ]
الشرح: الاكتحالُ بالنسبة إلى الرجل سُنَّة، إلَّا إن كان المقصودُ هو التزيُّن: فهذا مَوضِعُ خلافٍ بين العلماء، لكن إن كان يَكتحل لعلاجٍ أو لقوّةِ النظر فهو سُنَّة لقول الرسول ﷺ:
” اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ؛ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ “
والإثمد: مادةٌ تميلُ إلى الحمرة الشديدة.
والسُّنَّةُ كما عند الإمامِ أحمد في مسنده: ” فليكتحل وِترا ” والوِتْرُ كما بيّنَتْهُ إحدى الروايات:
” كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات، واليسرى مرتين “
فيكونُ المجموعُ: خمسَ مرات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ الختان يجب على الصحيح على الرجال، وأما النساء فسنة، وقبل البلوغ أفضل سواء الرجل أو الأنثى، والمصلحة من الختان للرجال الطهارة، وأما المرأة فيخفف شهوتها، ولا يبالغ في ختانها ولا يكره في اليوم السابع ولا قبله ولا بعده ]
مسألة: الختانُ واجبٌ على الرجال -على القولِ الصحيح- لأن النبيَّ ﷺ قال لمن أسلَمَ وهو: قيسُ بن عاصم: ” أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ “
وأما بالنسبةِ إلى النساء: فهو سُنَّة، لقول الرسول ﷺ:
” اخفِضي ولا تَنهِكي؛ فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج ” والخفاض: هو الختان
وقوله ” لا تَنهِكي ” يعني: لا تُبالغي في الخِتان.
والفائدة بالنسبة للرجل من الختان: ألا تجتمِعَ النجاساتُ في القُلفة التي تعلو حَشَفَةَ الذَّكَر.
وأما بالنسبة إلى المرأة: فلأنه يُخَفِّفُ شَهوَتَها.
والواجبُ في وقته: عند البلوغ، لكن الأفضل أن يكونَ في الصِّغَر لأنه أسرعُ في البُرء،
وما ذُكِرَ أنَّ اليهودَ كانوا يختتنون في اليومِ السابع أو قبلَه أو بعدَه:
فكراهة بعضُ العلماء الاختتان في هذه الأيام فلا دليلَ عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ الصحيح أنه يجب حلق العانة، ونتف الإبط وتقليم الأظافر، وقص الشارب، فلا تترك أكثر من أربعين يوماً، ولا يلزم فعل ذلك قبل الأربعين ولو طالت على الصحيح ]
الشرح: هذا هو الراجح، خلافا لمن قال إنَّ حَلْقَ العانةِ، ونَتْفَ الإبِطِ، وتقليمَ الأظافِرِ، وقَصَّ الشارِبِ سُنَّة بل هو واجب، لقولِ أنس رضي الله عنه كما عند مسلم:
” وُقِّتَ لَنَا فِى قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ وَنَتْفِ الإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لاَ نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ” ” وُقِّتَ لَنَا: وَقَّتَ لنا رسولُ الله ﷺ.
فلو طالت قبلَ تمامِ الأربعين: فالأفضلُ أن يُزيلَها لكن ليس بواجبٍ عليه
وأما إذا تجاوزت الأربعين: فيجب على القول الصحيح، لأن بعضَ العلماء ربَطَ الحكمَ بالطول، سواءً كان قبلَ الأربعين أو بعدَه، ولكنَّ الراجِحَ:
أنه مُوَقَّتٌ بالأربعين، لكن يُستحسنُ إذا طالت قبل الأربعين أن يُزيلَها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يحرم حلق اللحية، ولا عبرة بفعل ابن عمر رضي الله عنهما في أخذه ما زاد على القبضة في الحج، وحد اللحية ما نبت على الخدين والذقن واللحيين، والسنة أن يحف الشارب وهو أولى من القص وصح عن ابن عمر موقوفا فعله وتقليمه الأظافر في يوم الجمعة ]
الشرح: اللحيةُ: مِن سُنن الفطرة، كما جاء في حديث النبي ﷺ: “عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ ” وذكر منها:
” وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ “
والسنة: هي الطريقة، أي: طريقةُ الفطرة، وليس المراد السنة التي يُثابُ فاعِلُها ولا يُعاقَبُ تارِكُها.
وقد قال ﷺ: ” وفِّروا اللِّحى ” وقال: ” وأعفُوا اللِّحى ” وهذا أمرٌ يقتضي الوجوب.
وأما ما كان يفعله ابنُ عمر رضي الله عنهما في الحج كما ذَكَرَ ذلك البخاريُّ في صحيحه:
” وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ ” فهذا فِعلُه، وأيُّ فِعلٌ للصحابي رضي الله عنه يُعرَضُ على الكتابِ والسُّنَّة فإن خالَفَ الكتابَ والسُّنَّة فلا يُحتَجُّ به.
واللحية حَدُّها: ما نَبَتَ على اللِّحيين والخدَين والذَّقن.
واللِّحيان: هما العظمان النابت عليهما الأسنان. والذقن: هو مَجمَعُ اللِّحيين في أسفلِ الوَجه.
فهذا هو ضابطُ اللِّحية، وهذا هو حدُّها.
والسنة في الشارِب: أن يُحَف، أن يُبالَغَ في قَصِّهِ، ولاسِيّما ما نَزَلَ على الشَّفَةِ العُليا مما يلي الفم،
وهو أولى مِن القَّص.
قد صحَّ عن ابنِ عمر رضى الله عنهما: ” أنه كان يُقَلِّمُ أظافِرَه في يومِ الجُمُعة ” وروي مرفوعا عن النبيِّ ﷺ ولكنه لا يصح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يحرُمُ القَزَع ]
الشرح: القزَع: هو حَلْقُ بعضِ الشعر، وتَرْكُ البعض.
وقد جاء في الصحيحين: ” نهى النبي ﷺ عن القزع ” وقال ﷺ كما جاء عند أبي داود:
” لما رأى صبياً قد حُلِقَ بعضُ شعرِ رأسِه قال: ” احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ ” ،
ويزدادُ النهيُ تحريمُا إذا تُشُبِّهَ بالكفار لما عند أبي داود: ” مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يُكره حلق القفا إلا إذا حلقه للحجامة ونحوها أو حلق الرأس وحلق القفا معه ]
الشرح: هذا هو تعبير الفقهاء، ولكن الصحيح: أنَّ حَلْقَ القَفا مُحرَّم لأن فيه تَشَبُّهًا بالمجوس
لكنه يجوز إذا حُلِقَ لحجامةٍ أو لِعلاجٍ ونحوِه.
وكذلك يجوز إذا حُلِقَ الرأس وحُلِقَ القفا معه والدليل على الجواز:
” أن النبي ﷺ أخَذَ مِن شعرِ رأسِه للحجامة لمَّا كان مُحرِّمًا “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الوضوء
الوضوء صفته معروفة لكن نشير إلى بعض المسائل منها.
مسألة: [التلفظ بالنية في الوضوء بدعة سواء كان جهراً أو سراً، والنية هي الإرادة]
الشرح: الوضوء شرطٌ من شروطِ صحةِ الصلاة، ولا بدَّ فيه من النيّة.
والنيّةُ هي: ” الإرادة ” فمتى ما أتيتَ إلى صنبور الماء للوُضوء فهذه هي النيّة،
وما يظنُّه كثيرٌ من الموسوسين من أن تحقيقَ النيةِ صعبٌ فهذا ظنٌّ خاطئ!
فمتى ما أردتَ الشيء وقصدتَه فقد نويتَه
ولا يجوزُ التلفظُ بها جهراً: لعدم ورود ذلك عن النبي ﷺ وصحابته رضي الله عنهم،
وكذلك لا يجوزُ التلفظُ بها سراً: على القول الراجح، لأن بعض فقهاء الحنابلة يرون جوازَ التلفظ بها سِرا وقد أنكر عليهم شيخُ الإسلام رحمه الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [الواجب في المضمضة إدارة الماء في الفم أدنى إدارة، ولا يلزم إزالة ما بين أسنانه من بقايا الطعام، ولو ابتدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق جاز]
الشرح: أقلُّ ما يُجزئ في المضمضة إذا كان الماءُ قليلاً في الفم أن يُحركَه أدنى تحريك، أما إذا كان الماءُ كثيرا في الفم فلا يلزمُ التحريك.
وما يَعلَقُ بين الأسنان: فالأفضلُ أن يُزال، لكن لو تُرِكَ مما يَحتاجُ في إخراجه إلى أعواد فلا حرج.
والسنةُ أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل الوجه: ولو أنه ابتدأ بالوجه ثم تمضمض واستنشق جاز،
لأن الفم والأنف من الوجه، لكن الأفضل أن يبتدأ بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم الوجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يسن أن يستنثر بيده اليسرى، ولو بلع ماء المضمضة أو لم يستنثر جاز]
الشرح: السنةُ إذا تمضمض أن يَمُجَّ ما في فمه، وإذا استنشق أن يستنثرَ ما في أنفه،
ولكن لو لم يفعل فتصحُّ المضمضةُ، ويصحُّ الاستنشاق.
والأفضلُ في الاستنثار: أن يكون بيده اليُسرى لما ثبت من فِعل النبي ﷺ عند النَّسائي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [حدُّ الوجه: من منحنى الجبهة إلى ما استرسل من شعر اللحية طولاً،
ومن الأذن إلى الأذن عرضاً،
فإن كانت اللحية خفيفة فيجب غسل باطنها وظاهرها،
والسنة تخليل اللحية، وتخليل أصابع القدمين بخنصره بأي صفة، مع عدم المداومة،
ولا يأخذ ماءً جديدا لأذنيه، وكيف ما مسح أجزأ، والتقيد بالسنة أولى،
وحد الرأس من حد الوجه إلى القفا ويبدأ بمقدمة رأسه إلى المؤخرة ثم يرجع أو العكس،
ويدخل سبابته في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه]
الشرح: غَسْلُ الوجه فرضٌ من فروضِ الوُضوء، ومن الوجه ” المضمضةُ والاستنشاق “
فلو ترك المضمضةَ والاستنشاق: لم يصحَّ وُضوؤه على القول الراجح.
وحدُّ الوجه: ” مِن مُنحنى الجبهة ” فبدايةُ الانحناء هي بداية حد الوجه، إلى اللحيةِ طولا،
ومن الأذن إلى الأذنِ عرضاً،
والبياض الذي بين الأذن وبين اللحية مما لم ينبتْ فيه الشعر فهو: من الوجه ويجبُ غَسْلُه.
وأما ما هو أعلى هذا العظم الناتئ في بداية اللحيين فما فوقه من شعر: يكونُ تابعا للرأس،
فيجبُ غَسْلُ هذا الحد من الوجه.
واللحيةُ: يجب غسْلُها وما استرسل منها على القول الراجح لأنها تابعةٌ للوجه
لكن إن كانت كثيفةً: فالواجبُ أن يغسلَ ظاهِرَها.
وأما إن كانت خفيفةً: فيجبُ غَسْلُها وغَسْلُ ما تحتَها.
والسنةُ إذا كانت كثيفة أن يُخَلِّلَها، لفعل النبي ﷺ كما عند أبي داود
وغَسْلُ اليدين: فرضٌ مِن فروضِ الوُضوء، من أطرافِ الأصابع مع المرفقين، فيجبُ غسل اليدين من أطراف الأصابع؛
وهنا تنبيه على خطأ يقع من البعض:
فإنَّ البعض قد يغسِلُ كَفَّيه في أولِ الوُضوء، ثم إذا وصل إلى غسْلِ اليدين غَسَلَ مِن الرسغ وتَرَكَ ما كان بعد أطرافِ الأصابع – وهذا خطأ – لأن غَسْلَ الكفين في أول الوُضوء سُنة، وأما غَسْلُها هنا فهو فرض.
فتُغسَل مِن أطراف الأصابع إلى المرفقين، يعني: مع المرفقين.
والسنةُ أن يُخَلِّلَ ما بين الأصابع، وليس بواجب لأن الماءَ سَيَّال.
ومَسْحُ الرأس: فرض مِن فروض الوُضوء، وَحَدُّهُ: مِن حَدِّ الوجه، مِن بعد مَنحنى الجبهة إلى القفا، فيجبُ مسْحُه كلِّه، ولا يُجزئ الاكتفاءُ ببعضِه.
وكيفما مَسَح أجزأ: لكن الوارد عن النبي ﷺ: ” أن يبدأ من مقدمة رأسِه ثم إلى المؤخرة، ثم يعود ”
أو العكس: ” يبدأ من المؤخرة ثم إلى المقدمة ثم يعود “
والأفضل: أن يفعل هذا مرة وهذا مرة، يُنَوِّع.
والواجب على القول الصحيح أن يمسحَ الأذنين، لأن الأذنين من الرأس
والثابتُ من مجموع ما جاء في السنن:
” أن يُدخِلَ السبابتين في صَمَّاخَي أُذُنَيه، يعني: في جُحر الأذنين، ثم يمسح الباطنَ منهما، ثم يمسح بإبهامَيه ظاهرَ أذنيه ” وكيفما مَسَح أجزأ، ولكن هذا هو السنة.
وتُمسَح الأذنان بنَفْسِ ماء الرأس:
وما ورد: ” أن النبيَّ ﷺ يأخُذُ ماءً جديدا للأذنين ” فهو شاذ، كما قال ابنُ حجر رحمه الله
ثم يغسل قدميه: والسنةُ أن يَدلِكَ ما بين أصابعه بِخُنْصُرِه، لما ثبت في السنن من حديث المستورِد بن شداد رضي الله عنه:
عن المستورد بن شداد الفهري قال: ” رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ إذا توضأ دَلَك أصابعَ رِجلَيه بخِنصَرِه “
ولا يُداوم على هذا، يفعلُ هذا أحيانًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يجب غسل بطون الأقدام، وكذلك يجب في غسل اليدين أن تغسل من أطراف الأصابع مع المرفقين]
الشرح: بالنسبة إلى غَسْلِ الكفين سبقت الإشارةُ إلى ما يقع مِن البعض من خطأ.
وكذلك في القدم: البعضُ لا يغسِلُ بطونَ القدم، وقد قال ﷺ: ” وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ ” كما جاء في المسند والترمذي، وقال ﷺ عند مسلم: ” وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يغسل الأقطع بقية المفروض، فإن قُطع كله سقط الفرض]
الشرح: لو قُطِعَت نصفُ اليد: فيَغسِلُ ما تبقّى، فإن قٌطِعَت اليد مع المِرفَق: سقَطَ الفرض،
فما بَقِيَ مِن المفروض مِن يَدٍ أو قَدَمٍ: فيَغسِلُها، فإن لم يبقَ شيءٌ مِن مَحَلِّ الفرض: يسقُط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [رفع البصر إلى السماء بعد الوضوء فيه حديث ضعيف، كذلك ذكر الشهادة ثلاث مرات]
الشرح: السنةُ بعد الوُضوء أن يقول: ” أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ” كما عند مسلم.
ويقول أيضاً: ” اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ ” كما عند الترمذي.
والسنةُ أن يقول أيضًا: ” سبحانكَ اللهم وبحمْدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفركُ وأتوبُ إليك “
مِثْلُ دعاءِ كفارةِ المَجلِس، كما جاء عند الحاكم
لكن تِكرارُ الشهادة ثلاثَ مرات: ففيها حديث ضعيف
ورَفْعُ البصرِ إلى السماء: فيه حديث ضعيف، والضعيفُ لا تقومُ به حُجَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [تباح معونته في الوضوء وتنشيف أعضائه، والصحيح لا يكره الكلام على الوضوء، ولا تشرع أدعية وأذكار أو قراءة سورة أثناء الوضوء]
الشرح: يجوزُ أن يستعينَ الإنسان في وُضوئه بشخصٍ آخَر، لِفعلِه عليه الصلاة والسلام كما في حديث المغيرة في الصحيحين: ” عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ “
وله أن يُنَشِّفَ أعضاءَه بعد الوُضوء.
ـــــــــــــــــــ
وما كَرِهَهُ بعضُ الفقهاء من ” الكلام أثناء الوضوء “: فلا دليلَ عليه، فإن سَكَتَ فله ذلك، وإن تكلمَ بكلامٍ مباح فله ذلك، لكن لا تُشرَعُ أدعيةٌ ولا أذكار في ثنايا الوُضوء،
أما ما ذُكِرَ من: أنه إذا غَسَلَ يدَه اليمنى قال ” اللهم أعطني كتابي بيميني..” إلى آخر ما ذُكِر: فلا يصح وكذلك قراءة سورة القدر: لا يصح
إنما الواردُ بعد الوُضوء هو ما ذُكِر.
وكذلك الوارُد قبل الوضوء: ” البسملة ”
والبسملةُ اختلف العلماءُ في وجوبها: فالجمهور يرون أنها سُنَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [لا يجزئُ مسْحُ بعضِ الرأس، ولا يلزم مسح كل شعرة بعينها، ولا يسن مسح العنق، ولا التثليث في مسح الرأس]
الشرح: لا يُجزئُ مَسْحُ بعضِ الرأس على القول الصحيح، لقولِه تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} بل يجب أن يُعممَ الرأس بالمسح، وليس المراد أن يمسحَ كلَّ شَعرةٍ بعينها – ليس هذا هو المراد.
وأما مَسْحُ العُنُق: فقد ورد فيه حديثٌ لا يصح ” مَسْحُ العُنُق أمانٌ مِن الغِلّ ” لكنه حديثٌ موضوع كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله
والسنةُ في الوُضوء أن يُثَلِّثَ: ” فيغسِلُ وجهَه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، وقدَميه ثلاثاً، لكنَّ الرأس يمسحُ مرةً واحدة ” ولا يُسَنُّ أن يمسَحَه ثلاثَ مرات، وما ورد من أحاديثٍ في ( مَسْحِه ثلاثاً ) فهي أحاديثُ شاذَّة لا تصح، ولو صَحّت أحاديث تثليث مسح الرأس فهي محمولة على:
استيعاب الرأس بثلاث مرات، بمعنى: أنه مسح جزءا من شعره مرة، وجزءا مرة أخرى، وجزءا مرة أخرى، حتى استوعبَ مسح الرأس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [الترتيب من فروض الوضوء وكذا الموالاة إلا إن جف العضو باشتغاله بأمر يتعلق بالوضوء كإزالة وسخ في وجهه مثلاً]
الشرح: الترتيبُ فرضٌ مِن فروضِ الوُضوء:
يبدأ بالوجه مع المضمضة والاستنشاق، ثم يغسِلُ اليدين، ثم يمسحُ الرأس، ثم يغسِلُ القدمين.
فإن قدَّمَ شيئاً على شيء: لم يصِحَّ وُضوؤه، إلَّا فيما ذَكَرنا من جوازِ تقديمِ الوجه على المضمضةِ والاستنشاق، لأن الفم والأنف من الوجه.
وأما الموالاة: فقيل إنها سنة، والراجح: أن الموالاة واجبة.
والموالاة هي: ألا يغسل عضوا ثم يبقى مدةً فينشَف هذا العضو ثم يغسلُ العضوَ الذي يليه، في زمن معتدل. والراجح: أن الموالاة واجبة، لأنه عليه الصلاة والسلام:
” رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ ” كما في مسند الإمام أحمد،
وفي سنن أبي داود: ” فأمره النبي ﷺ أن يعيد الوضوء والصلاة ”
إلا إن اشتغَلَ بتنظيفِ شيءٍ في مَحَل الفرض: فهنا لا يضر لأنه يتعلقُ بمصلحةِ الوُضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يشترط في النية استصحاب حكمها، أي لا ينوي قطعها ولو غابت عن خاطره، ولا يلتفت إلى الشكوك بعد العبادة ولا أثنائها إذا كثرت]
الشرح: الواجبُ في النية: أن يُستَصحَبَ حُكمُها، بمعنى: أنه يتوضأ ويستمرُّ في وضوئه دون أن ينويَ قَطْعَها، فإن نوى قَطْعَها: بَطَلَ وضوؤه، ولزِمَه أن يُعيدَ مِن جديد.
أما الشكوك: فإن كانت بعد العبادة: فلا يُلتَفَتُ إليها، وهذه قاعدةٌ مهمة:
[إذا فرغتَ مِن أيِّ عبادة، ثم حصل عندك ارتياب: فلا تلتفتْ إلى هذه الشكوك].
فلو فرغتَ من الوضوء وشككت، ولم تتيقن شككتَ، هل غسلتَ وجهَك أم لم تغسِلْه؟!
فاطرح الشك وضوؤك صحيح.
فرغتَ من الصلاة فشككتَ، هل سجدتَ السجدةَ الثانية من الركعةِ الأخيرة أم لا؟!
فاطرح الشك وصلاتُك صحيحة.
فرغتَ من الطواف فشككتَ هل طُفْتَ ستةَ أشواط أم سبعة؟! فاجعلها سبعة.
فالشكُّ بعد الفراغِ من العبادة لا يُلتَفَتُ إليه.
أما إذا كان قبل الفراغِ من العبادة: فيُلتَفَتُ إليه،
إلَّا إذا كَثُرَتِ الشكوك مع الشخص فهي وساوس لا يَلتَفِتُ إليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [النية تحصل إذا قصد رفع الحدث أو ما تجب له الطهارة كالصلاة أو ما يسن له الطهارة كقراءة القرآن]
الشرح: متى يكونُ الوُضوءُ صحيحا، تَصِحُّ به العبادات؟
إذا وُجِدَ به واحدٌ مِن ثلاثةِ أمور:
أولا: أن يأتيَ لِغَسْلِ أعضاءِ الوُضوء ويقصِدُ رَفْع الحَدَث (جاءَ لِيَرفَعَ حَدَثًا) فهنا يَصِحُّ وُضوؤه.
ثانيا: ألا يقصِدَ رَفْعَ الحَدَث، لكنه نوى بهذا الوُضوء أمرًا واجبًا وهو: الصلاة، فله أن يصليَ بهذا الوُضوء، وله أن يَمَسَّ المِصحف بهذا الوُضوء، ولو لم تكن نيتُه رَفْعَ الحَدَث.
ثالثا: أن ينويَ مسنوناً للوُضوء، فلو أن إنساناً توضأ من أجلِ أن يُطبقَ سُنَّةَ الوُضوءِ قبلَ النوم، هو ما توضأ إلا ليُطبقَ هذه السنة، فبدا له أن يصليَ بهذا الوُضوء، فله أن يصليَ بهذا الوُضوء.
فإذا نوى رَفْعَ الحَدَث، أو نوى ما تَجِبُ له الطهارة كالصلاة، أو نوى ما تُسَنُّ له الطهارة كالوُضوء قبلَ النوم فإنَّ حَدَثَه يرتفع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لا تجوز الزيادة على الثلاث وكذا على الصحيح مجاوزة الفرض، أما حديث: ” من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ” فهذا من قول أبي هريرة رضي الله عنه]
الشرح: النبيُّ ﷺ كما عند أبي داود أرَى أعرابيًّا الوُضوءَ ثلاثا، ثم قال:
” فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ “.
الحديث عند أبي داود: ” أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطُّهُورُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ:
” هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ ” أَوْ ” ظَلَمَ وَأَسَاءَ “
فلو غسَلَ وجهَه أربَعَ مرات: فقد فَعَلَ أمْرًا مُحَرَّمًا.
والمرادُ مِن الغَسْلَة: ليست هي الغَرْفَة، وإنما المرادُ بالغَسْلَة: أن يُعَمِّمَ العُضو،
فلو أخَذَ غَرْفَةً مِن ماء ثم غَسَلَ ثُلُثَ وجهِهِ، ثم أخَذَ غَرفَةً أخرى فغَسَلَ الثلث الآخَر، ثم أخذ غَرفَةً ثالثة فغَسَلَ الثلث الأخير، فهذه تُعَدُّ غَسْلَةً واحدة، فلا ننظُرُ إلى عددِ الغَرَفات وإنما ننظُرُ إلى تعميمِ العُضُو.
وكذلك مجاوزةُ مَحَلِّ الفَرض: حرام، مثلا: غَسَلَ إلى مرفَقَيه فلا يزيد إلى الكتف،
غسل القدم مع الكعبين فلا يزيد إلى أنصاف الساق،
وأما حديث: ” مَن استطاع منكم أن يُطيلَ غُرَّتَه فلْيَفعلْ ” فليس من قولِ النبي ﷺ، إنما هو مِن قولِ أبي هريرة رضي الله عنه، ولذا كان يتأول رضي الله عنه، فكان يزيدُ في غَسْلِ اليدَين وفي غَسْلِ القدمَين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يجب إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كالبوية مثلا،ً أما مالا يمنع فلا يضر كالحناء مثلاً أما إن كان يمنع فإنه يضر إلا الوسخ اليسير ]
الشرح: يجبُ أن يُزال ما يَمنَعُ وُصولَ الماءِ إلى البَشَرَة،
فلو كانت هناك مادةُ البويةِ مثلاً على اليد أو في الوجه: يجبُ أن تُزال وإلا لم يَصِح الوُضوء،
لأن للبويةِ جُرمًا يمنعُ وصولَ الماء إلى البشرة، لكن إن كان يسيرا: فيُتسامَحُ عنه.
أما إذا كان الشيءُ ذا لونٍ وليس ذا جُرم: مثلُ الحناء، مثلُ ألوانِ الأقلام: فهذه لا تَضُر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ طهارة مسح الرأس الأصل فيها التسهيل فيصح المسح و لو كان الشعر ملبداً بالحناء]
الشرح: الشرع خفّفَ في مَسْحِ الرأس، ولذلك جعله مرةً واحدة، فلو أن الإنسان لبَّد شعرَه بحناء، أو امرأة لبّدت شعرها بحناء: فلها أن تمسحَ عليه، والدليل ما جاء في الصحيحين:
” أن النبي ﷺ حجَّ مُلَبِّدًا رأسَه ” ومعلومٌ أنه حَجَّ قارِنًا، فظلَّ على هذا التلبيد إلى يومِ النحر، وكان يتوضأ ﷺ مع هذا التلبيد – وهو مادةٌ تُشبه الصمغ، يجمَعُ شعرَ الرأس -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [مَن حدثه دائم كالمستحاضة، ومن به سلس بول فلا يصح وضوؤه إلا إذا دخل الوقت]
الشرح: بعضُ الناس مبتلى بِحَدَثٍ مستمر،
مثل: ريح مستمرة معه، مثل: بول مستمرٌّ معه، مثل: المرأة المستحاضة
فهؤلاء في عداد الطاهرين، لكن لا يصِحُّ وُضوؤهم إلا إذا دَخَلَ وقتُ الصلاة،
فمن به هذا الأمر فتوضأ قبلَ أذانِ المغرب: فلا يصِحُّ أن يُصليَ بهذا الوُضوء صلاةَ المغرب،
إنما يَصِحُّ وُضوؤه إذا دخل وقتُ المغرب،
فإذا دخلَ وقتُ العشاء فعليه أن يتوضأ وُضوءًا آخَر لصلاة العشاء لقوله ﷺ للمستحاضة:
” تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكِ الْوَقْتُ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [من شروط الوضوء انقطاع ما يوجبه]
الشرح: هذا من شروط الوُضوء فلو كان يبول ويتوضأ أثناءَ بَولِه أو أثناءَ خروجِ الريح:
فلا يَصِحُّ الوُضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [السنة التقليل من الماء في الطهارة]
الشرح: لفعله ﷺ كما جاء في الصحيحين: ” يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ “
وعند أبي داود عن أم عمارة:
” أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ تَوَضَّأَ فَأُتِىَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلُثَي الْمُدِّ ” ليس مُدًّا كاملًا، وإنما بما يَسَعُ ثُلُثَيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لو نوى بوضوئه الطهارة وضم إليها ما لا ينافيها كالتعليم مثلا صح وضوؤه ]
الشرح: لو نوى بالوضوء التعليم فقط، أو التَبَرُّد فقط، أو التنظُّف فقط: فلا يصح الوُضوء،
لكن لو نوى بوضوئه أن يرفَعَ الحَدَث ثم جَعَلَ التعليم أو التنظُّف أو التبرد تابعًا: فإن وضوءَه صحيح،
فالمرادُ: أن تكونَ النيةُ الأولى هي نيةَ رَفْعِ الحَدَث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ من نوى وضوؤًا أو غسلا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع، كما ذكر فقهاء الحنابلة ]
الشرح: صورةُ هذه المسألة: لو أن إنسانًا قد أحدَث، ونَسِيَ حَدَثَه فظَنَّ أنه على وُضوء سابق، فأتى لصلاةِ المغرب وقال: أتوضأ وُضوؤًا للتجديد – وُضوء التجديد سُنّة – هو في الحقيقة قد أحدَثَ لكن نَسِي،
فيقولون: إذا توضأ للتجديد ناسيًا حَدَثَه ثم لما فَرَغَ من هذا الوُضوء الذي هو للتجديد فَذَكَرَ حَدَثَه الأوّل: فإنَّ هذا الوُضوء مُجزئ، مع أنَّ النيةَ فيه نيّةُ سُنّة لا نيةُ واجب؛ ومِثْلُه الغُسْل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لا يغسل داخل عينيه ولومن نجاسة ودمعه طاهر ]
الشرح: الشريعةُ جاءت بِرَفِعِ الحَرَج، فلا يُكَلَّفُ الإنسانُ أن يَغسِلَ داخلَ عينَيه، حتى ولو وقعت فيها نجاسة، فلو وقعت فيها نجاسة: فلا يُلزَمُ بِغَسْلِها ولا يُستَحَبُّ له لأنه يُورِثُ العمى.
والدمعُ النازِلُ من العين بعد وقوعِ النجاسةِ فيها: دَمْعٌ طاهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يغسل ما نبت في محل الفرض كإصبع زائدة ]
الشرح: لو أن إنساناً فيه ستةُ أصابع: فيجبُ أن يَغسِلَ هذا الأُصبُعَ الزائد.
إنسانٌ له يدان، نبتت يد في اليدِ الأصلية: فيجبُ أن يَغسِلَ هذه اليد الزائدة.
للقاعدة في الشرع [ يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ]
أما إذا كانت هذه الزيادة في غيرِ مَحَلِّ الفَرْض: فلا تُغسَل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ من وضَّأ غيره أو غسَّله أو يمَّمه ونواه المفعول له لا الفاعل صح،
سواء كان الفاعل مسلماً أو كافرا ]
الشرح: النيةُ يجب أن تكونَ من العابد، ومِن ثَمَّ: فلو نويتَ الوُضوء، وجاء إنسانٌ ووضأك ولو لم ينوِ هذا الفاعلُ الوُضوء، لكنك نويتَ الوُضوء: فالوُضوءُ صحيح
لكن إن لم تنوِ ونوى هو: لم يصِح الوُضوء
فأهمُّ شيءٌ أن تكونَ النيةُ من المَفعولِ له، أما الفاعل فلا عبرةَ بَنيته،
حتى لو وضأك أو غسّلَكَ أو يممك كافر ونويتَ: فوضوؤك وغُسْلُكَ وتيممُك صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ التثليث في الوضوء سُنّة، ويجب تركه إذا ترتب على فعله ترك واجب كقلة الماء مثلاً ]
الشرح: التثليث سُنَّة، لكن: لو كان عندك ماءٌ قليل، لو ثلّثتَ الأعضاء بقيت القدَمَان مِن دونِ غَسْل؟
فنقول: يجب أن تترُكَ التثليث، فلْتَقتصِر على واحدة.
فإذًا/ التثليثُ سُنَّة إلّا إذا ترتَّبَ على فِعلِ التثليث تَرْكُ واجب، كأن يكونَ الماءُ قليلًا، أو يكونُ هناك مضطرٌّ إلى هذا الماءِ الزائد: فلا تثلِّث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب المسح على الخفين ]
إذا كان الساترُ مِن جِلْد يُقال: ” خُفَّان “
وإن كان الساترُ مِن غيرِه كالشَّرابِ المعروفةِ عندنا فهي: “الجوارب “
وقد صح عنه ﷺ: ” أنه مسَحَ على الخُفين ” ” ومَسَحَ على الجورَبين “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة [ المسح على الخفين جائز باتفاق أهل السنة، ولم يخالف فيه إلا الرافضة ]
الشرح: لم يُخالف في المسح على الخفين إلا الروافض، فهم لا يرون المسح على الخفين، وإنما يرون غَسْلِ القدم، وليس كل القدم وإنما المقدمة من القدم، حتى في الغَسل لا يرونَ غَسْلَ القدمِ كُلِّها إنما يرونَ غَسْلَ مُقَدِّمَتِها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [الأفضلُ ما وافق حالَ الرِّجل:
إن كانت مستورةً فالمسح أفضل، وإن كانت مكشوفةً فالغسل أفضل]
الشرح: هذا هو الصحيح مِن أقوال العلماء:
أن القدمَ إذا كانت مستورة فالمسحُ أفضل، وإن كانت مكشوفةً فالغَسلُ أفضل،
فالنبيُّ ﷺ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” لا يتكلفُ ضِدَّ حالِ قَدَمِه “.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [يمسح المقيم بعد الحدث يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن]
الشرح: هذه هي مدةُ المسح، دليلُها ما جاء عند مسلم قال ﷺ:
” ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ “
فيكونُ للمقيم: أربعٌ وعشرون ساعة؛ وللمسافر: اثنتانِ وسبعون ساعة.
وتكونُ البدايةُ: [ مِنَ المَسْحِ بعدَ الحَدَث ] لأن الأحاديث أتت بلفظ المسح، وأتت أحاديث أخرى كحديث صفوان بن عَسَّال في كون هذا المسح في الحدث الأصغر.
فإذا لَبِسَ المُقيم الخُفين الساعةَ الخامسةَ فجرًا، ثم مَسَحَ عليها بعدما أحدَث الساعةَ الثانيةَ عشرةَ ظهراً،
فتبدأ المدةُ: مِن الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى اليوم التالي في نفس الساعة،
فيكون المبتدأ من المسح بعد الحدث.
أما إذا مسَحَ مَسْحَ تجديد ليس عن حدث: فلا يُعتَبر، فلو أن إنساناً لَبِسَ الخفين الساعةَ الخامسة فجراً، وظَلَّ على وضوئه إلى الساعةِ الثانية عشرة ظهراً فمَسَح مَسْحَ تجديد الساعةَ الثانية عشرة ظهرا، ثم لما جاءت الساعةُ الثالثة عصرا مسَح بعد الحدث فتكون بداية المدة: من ” الساعةِ الثالثة عصرا ” مع أنه لبِسَها في الساعةِ الخامسة فجراً، ومَسَح عليها الساعةَ الثانيةَ عشرة ظهراً مَسْحَ تجديد وليس مَسْحَ حَدَث، فبدايةُ المدة: من المسح بعد الحدث؛ فيَحسِبُ المقيم أربعاً وعشرين ساعة، والمسافرُ اثنتين وسبعين ساعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ المسح جائز، ويجب إذا ترتب على تركه فوات واجب كجمعة ]
الشرح: المسحُ جائز، فللإنسان مع بقاءِ المدة أن يَخلَعَ خُفّيه وأن يتوضأ ويغسِلَ قدَميه، لكن إذا كان هذا الخلْعُ يترتبُ عليه فواتُ واجب:
كما لو كان الناس في صلاةِ الجُمُعة والمدةُ باقية، ولو خَلَع خُفَّيه ثم توضأ وغَسَلَ قدَمَيه لفاتته صلاة الجمعة، نقولُ له: إن المسْحَ في حقِّكَ الآن واجب، لأنك لو خَلَعتَ لأخذ منك مدة، فيفوتُ هذا الواجب، وكذلك لو ترتب عليه فوات صلاة الجماعة.
فالمسحُ جائز ما لم يترتب عليه فواتٌ واجب فيجب إذا كانت المدةُ باقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ شروط المسح على الخفين:
[ أولا: أن يكون الخف طاهراً.
ثانيا: أن يبقى اسم الخف ولو وجد فيه ثقوب فيجزأ المسح على الصحيح
ثالثا: أن يكون المسح في الحدث الأصغر.
رابعا: أن يلبسهما بعد كمال الطهارة.
خامسا: أن يكون المسح في المدة المحددة شرعا.
وأما ما عداها من الشروط فلا دليل عليها ]
الشرح/ هذه هي شروطُ المسح على الخفين:
الشرط الأول: ” أن يكونَ الخُفّان طاهِرَين ” فإن كان نجِسًا فلا يجوزُ المسحُ عليه.
الشرط الثاني: ” أن يبقى اسمُ الخف “:
فالخروق التي لا تُخرِجُ الخُفَّ عن مُسَمَّاه مَعفِيٌّ عنها، لأن النبيَّ ﷺ أطلَقَ المَسْحَ على الخُفّين ولم يُقَيِّد خُفًّا مثقوبًا أو غيرَ مثقوب؛ والصحابةُ رضي الله عنهم: ” كانوا يمشون على خِفافِهِم ” وهي في الغالب يحصلُ معها ثقوب، وكانوا في قِلّةٍ من المال فكانوا يمسحون،
وإن احتاط الإنسان فلم يمسح إلا على ما سَتَر كلَّ قدمه فهو أحسن.
الشرط الثالث: ” أن يكونَ المسحُ في الحَدَثِ الأصغر “:
فلو أجنَب فلا يَصح أن يغتسل، ثم إذا بَلَغ القدمين مَسَحَ على الخفين، بل يجب أن يخلَعَهُما، فالمسح إنما يكون في الحدث الأصغر لقوله ﷺ في حديث صفوان قال:
” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا ” يعني: مسافرين ” أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ “
الشرط الرابع: ” أن يلبَسَهما بعد كمالِ الطهارة “:
فلو غسَلَ قدمَه اليمنى قبل أن يغسل اليُسرى، فلما غَسَل اليمنى أدخَلَ الخُف ثم غَسَل اليسرى فأدخَلَ الخُف فلا يصح المسح عند كثيرٍ من العلماء.
وشيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يرى الصحة.
والصحيح: الأول، أن يُدخِل القدمَين بعد كمالِ الطهارة، لما ورد: ” تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ “
الشرط الخامس: أن يكون المسح في المدة المحددة شرعا، وقد سبق بيانه.
وأما ما عداها من الشروط فلا دليلَ عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ من مسح في سفر ثم أقام مسح مسح مقيم إن بقي شيء من المدة،
وأما عكسه فالصحيح أنه يمسح مسح مسافر ]
الشرح/ إذا كان الإنسانُ مسافراً فله ثلاثةُ أيامٍ بلياليهن، فإذا قَدِمَ بلدَه فيمسح مَسْحَ مُقيم، فإن كان سَفَرُه في نفسِ اليوم ثم عاد في نفسِ اليوم، مثلاً:
سافر الفجر ثم عاد العشاء، وكان مَسْحُه من الفجر، متى ينتهي المسح؟
ينتهي فجر اليوم الثاني، فهنا يُكمِل مَسْحَ مُقيم.
لكن لو أنه مسَحَ في السفر يومين، فَوَصَل إلى بلدِه فهل يمسح؟
لا يمسح لأن المدةَ قد انتهت.
وأما عَكْسُه/ فيمسح مسْحَ مسافر، بمعنى: إنسانٌ مسَحَ في البلد، مَسَح الفجر ثم سافر الظهر، فهل يمسحُ في سفره ثلاثة أيام أو يومًا وليلة؟
اختلف العلماء في هذ، والصواب: أنه يمسَحُ مَسْحَ المسافر، لأنه وُجِدَ السبب الذي هو السفر، والنبي ﷺ جعل مدة المسافر: ” ثلاثة أيام بلياليهن “
فخلاصةُ القول/ أنه لو كان مسافراً ثم قَدِمَ إلى بلدِه فيمسَحُ مَسْحَ مُقيم إن بَقِيَ شيءٌ من المدة، فإن انتهت المدة فيخلَعُ خُفيه.
والصورةُ الثانية: أن يمسحَ في بلده ثم يسافر، فهل يمسح مسْحَ سفر أو مسْحَ مقيم؟
هناك خلاف، والصحيح: أنه يمسحُ مَسْحَ مسافر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يكره غسل الخف، وتكرار مسحه، ومسح أسفله وعقبه ]
الشرح: غَسْلُ الخُف ليسَ عليه دليل، ولذا يُكره، بل إذا اكتفى بِغَسْلِه دون مَسْحِه فلا يصِحٌّ الوُضوء.
[ويكره تكرار مسحه]: فالسنةُ أن يُمسَحَ مرة واحدة.
[ ولا يُسن أن يمسح الأسفل أو العقِب]: إنما -كما سيأتي- أنه يمسح ظاهر الخف من أطراف أصابع القدم إلى الساق، ولا يمسح الأسفل ولا يمسح العقِب.
وما ورد ” أنه يمسح أسفَلَه “: فلا يثبت؛ قال عليٌّ رضي الله عنه كما عند أبى داود وغيرِه:
” لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ ما ورد من أحاديث في المسح على النعلين محمول على لبسهما فوق الجوربين ]
الشرح: وردت أحاديث أنَّ النبيَّ ﷺ: ” تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ” لكنها مُقَيَّدة بما إذا كانت هذه النعال على الجَورَبَين، لأن النبي ﷺ قال: ” ويلٌ للأعقاب من النار “
فلو كان المسحُ على النعلين من غير جوربين جائزا لناقَضَ الوعيدَ الشديد في الأحاديثِ الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ إن مسح على الخف بعد الحدث ثم توضأ ولبس خفا آخر فالراجح أنه يمسح على الأعلى، والمدة مرتبطة بالخف الأول، أما عكسها وهو مسحه الأعلى ثم خلعه له، فجائز ]
الشرح: صورةُ هذه المسألة:
لو أن إنساناً لَبِسَ الخُفين فَمَسَحَ عليهما، فأراد أن يلْبَسَ أخرى لشدةِ البرد، فيُقال له:
توضأ وامسَحْ على خفيك والبَسِ الخفين، فإذا جاء الوقتُ الآخَر فَتَمْسَح على الخُف الأعلى
أما إذا كان على طهارته الأولى: فله أن يلبس الخف الثاني من غير وضوء
لكن مدة المسح على الأعلى متى تنتهي؟
تنتهي بانتهاءِ مدةِ المسح على الأسفل.
مثالُ ذلك: لو أنه مَسَحَ الساعةَ الخامسةَ فجرا، ثم اشتد البرد فلَبسَ خفاً آخر في الظهر:
نقول له: لا تلبس إلا بعد ما تتوضأ ثم تلبس هذا الخُف، وعليك أن تمسَحَ على هذا الخُفِّ الأعلى الجديد، لكن إلى متى؟
إلى الساعةِ الخامسةِ فجرًا تَبَعًا للخف الأول.
عكسها/ لو أن إنسانا لبس خفين اثنين لشدةِ البرد ثم تضايقَ مِن الخُف الأعلى فَخَلَعَه،
فهل له أن يمسَحَ على الأسفل؟
نعم له أن يمسَحَ على الأسفل، مع أنه مسَحَ في بدايةِ الأمْر على الأعلى.
– لو أنه لَبِسَ الساعةَ الخامسةَ فجرًا خُفين، خُف على خُف فَمَسَحَ عليهما، فلما جاء الظهر اشتدَّ الحر فأراد أن يخلع الأعلى، فله أن يخلع الأعلى ويمسح على الأسفل، لكنّ المدة مرتبطة بالمدةِ الأولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ حكم من حدثه مستمر كغيره في المسح إذا لبس بعد كمال الطهارة ]
الشرح: مَن به سَلَسُ بول أو سلَسُ رِيح: له أن يمسح على الخفين، فهو كغيرِه، لكن متى يتوضأ؟
يتوضأ إذا دخَل وقتُ الصلاة، فإذا دخل وقتُ الصلاة فتوضأ ولَبِسَ الخفين فله إذا جاء الوقتُ الآخَر أن يتوضأ وأن يمسَحَ على هذين الخفين، مثالُه:
لما دخَلَ وقتُ الظهر توضأ ولبس الخفين، فهنا: نُلزمه إذا جاء وقتُ العصر بأن يتوضأ لصلاة العصر، فله أن يتوضأ فإذا وصَلَ إلى القدمين فلْيَمْسَح عليهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يمسح ظاهر الخف من أطراف أصابعه إلى ساقه – كمسح الأذنين – وإن بدأ باليمين فقولٌ وجيه، والواجب مسح أكثر الخف ]
الشرح: هذه هي صِفَةُ مَسْحِ الخُف:
” يبدأ مِن أطراف أصابع القدم إلى ساقه مرةً واحدة، يمسحهُما مثل الأذنين،
وإن بدأ باليمين ثم ثنّى باليسار فقولٌ وجيه، فالأمرُ فيه سَعَة.
فدليلُ الوجهِ الأول: قولُ علي رضي الله عنه الله: ” يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ”
دل على أن مسحَهُما يكونُ كمسْحِ الأذنين معًا، فحينما تمسَحُ أذنيك لا تمسح اليمنى قبل اليسرى بل إنك تمسحهما في حالةٍ واحدة.
وإن بدأتَ بالخف اليمين ثم باليسار فقولٌ وجيه لقولِ عائشةَ رضي الله عنها:
” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ “
والواجبُ عليه: أن يمسحَ أكثرَ الخُف، فيمسَحُ الظاهر مُفَرِّقًا أصابعَ يدَيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ الراجح أنه إذا خلع الخف بعد الوضوء فطهارته باقية، كمن حلق شعره بعد الوضوء، وكذا لو تمت المدة وهو على طهارة ]
الشرح: هذه مسألةٌ مختلفٌ فيها:
إنسانٌ مسَحَ بعد الحَدَث الساعةَ الخامسةَ فجراً، فلما جاءت الساعة السادسة صباحاً خلَعَ خُفّيه،
هل تنتقض طهارتُه السابقة أم لا؟
المسألة فيها أقوال: لكن الراجح – هو قول شيخ الإسلام رحمه الله:
” أن طهارتَه باقية لعدم الدليل على نقْضِ طهارتِه” فَمَثَلُه كمَثَلِ مَن توضأ ثم حَلَقَ رأسَه؛ إذا كان شعرُه كثيفاً فإن الماء لا يصلُ إلى أصولِ الشعر، ومع ذلك جاز له أن يحلق شعرَه وأن يصلي.
وكذلك لو تمّت المدة، مثال: إنسانٌ بدايةُ مَسْحِه من الساعة الخامسةِ فجراً، متى تنتهي مدةُ المسح؟
تنتهي الساعة الخامسة فجراً من اليوم الثاني،
لو أنه قبل الساعة الخامسةَ فجراً -مثلاً الساعة الخامسة إلا خمس دقائق مَسَح – قال: أمسَحُ قبل أن تنتهيَ المدة، فمَسَح، والصلاة للفجر تكونُ الساعة الخامسة والربُع؟
فبعضُ العلماء يقول: إن صلاتَه غيرُ صحيحة، لماذا؟ لأن المدةَ انتهت الساعة الخامسة.
ولكن الراجح: أن صلاتَه صحيحة، لماذا؟
لأنه مسَحَ في وقتِ المسح، وليس هناك دليلٌ على نقْضِ الطهارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لا تشترط نية المسح عند اللبس كستر العورة ]
الشرح: مثالُها: لو أن إنسانًا كان على وضوء ثم دَهنَ قدَمَيه، وقال ألبس الخفين من أجل أن تتسخنَ القدم، -هو لا يريدُ المسح – لكن لما جاء الفجر بعدما لبِسَهُ في الليل، قال: أنا أدخلتُ الخفين على طهارة،
فهل أمسح عليهما لصلاةِ الفجر؟
نقول: امسَح، فلا تُشترطُ نية للبس الخف، قياسا على ستر العورة في الصلاة، أهمُّ شيءٍ عندنا أن هذين الخفين لُبِسا على طهارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لو شك في ابتداء مسحه هل هو من الظهر أو من العصر؟ يبني على الأصل، وهو عدم المسح، فتكون ابتداء مدته من العصر]
الشرح: سبق معنا أن هناك قاعدة وهي: [ أن الأصلَ بقاءُ ما كان على ما كان ]
فلو أن إنساناً مسح في يوم الاثنين، فلما جاء يومُ الثلاثاء قال ما أدري! هل بدايةُ مَسْحي يومَ الاثنين من الظهر أم من العصر؟ شَك.
فنقولُ له: ” الأصلُ عدم المسح ” فليكن حسابُك أن المدةَ قد ابتدأت من العصر لا من الظهر.
ومن ثمَّ/ فله أن يصليَ يومَ الثلاثاء صلاةَ الظهر بوضوءِ المَسْح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ إبداء شيء يسير من القدم لا يضر إن أعاد الخف مباشرة ]
الشرح: لو أن إنسانًا أظهَرَ شيئاً مِن قدَمِه ثم أعاد الخف مرةً أخرى: فله أن يمسح،
ولكن لو أظهَرَ شيئاً كثيرًا من القدم: فلا ينفعُ المسح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ المسح على العمامة كالمسح على الخف في مسح أكثرها، ويسن أن يمسح معها ما ظهر من الرأس، ولا توقيت فيها، ولا اشتراط طهارة على الصحيح، وكذا لا يشترط عمامة بصفات معينة، وإنما يشترط فيها أن تكون ساترة لما جرت العادة بستره ]
الشرح: المسُح على العِمامة قد فعلَه عليه الصلاةُ والسلام كما عند مسلم، لكن يجبُ في هذه العِمامة أن تستُرَ ما جرَت العادةُ بسَتْرِه على حَسَبِ عُرْفِ الناس.
ويكونُ الواجبُ فيها: أن يمسَحَ أكثرَها مِثْلُ الخُف، وإن مَسَحَ ما ظَهَرَ مِن الرأس فهو حَسَن وليس بلازم.
وهل يشترطُ فيها مدة معينة أو تُلبَس بعد الوضوء؟
خلاف، والراجح: أنه لا توقيتَ فيها ولا اشتراطَ للطهارة فيها لعدم الدليل، فالنبيُّ ﷺ إنما حدد المدةَ في المسح على الخفين ” ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ “
وأيُّ عِمامةٍ لَبِسَها -كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله- وهو الراجح: فله أن يمسحَ عليها.
وما اشترطه بعضُ العلماء من شروطٍ في صفةِ العمامة:
فلا دليلَ عليها، فالأحاديثُ جاءت بإطلاق العمامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ خُمُر النساء تمسح مع الحاجة، وينبغي أن يمسح معها بعض الشعر،
أما إن لم تكن حاجة فخلاف في المسح عليها ]
الشرح: الأصلُ في المَسْح على الرأس ” أن يكونَ على الرأس” لكن جاءت الشريعةُ باستثناء العِمامة، فهل تُلحَقُ خُمُر النساء بالعِمامة أم لا؟ وذلك: أن تضع المرأةُ خِمارا على رأسها –
فإن كانت هناك حاجةٌ لوضْعِ الخِمار: فلْتَمْسَح على الخمار وعلى شيءٍ من الشعر،
وإن لم تكن هناك حاجة: فهل يجوز لها أن تمسح أم لا؟
خلافٌ بين العلماء، والراجح: أنها لا تمسح، لأن الأصلَ في الرأس أن يُمسَحَ دون حائل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ طهارة مسح الرأس الأصل فيها التسهيل فيصح المسح و لو كان الشعر ملبداً بالحناء]
الشرح: الشرع خفّفَ في مَسْحِ الرأس، ولذلك جعله مرةً واحدة، فلو أن الإنسان لبَّد شعرَه بحناء، أو امرأة لبّدت شعرها بحناء: فلها أن تمسحَ عليه، والدليل ما جاء في الصحيحين:
” أن النبي ﷺ حجَّ مُلَبِّدًا رأسَه ” ومعلومٌ أنه حَجَّ قارِنًا، فظلَّ على هذا التلبيد إلى يومِ النحر، وكان يتوضأ ﷺ مع هذا التلبيد – وهو مادةٌ تُشبه الصمغ، يجمَعُ شعرَ الرأس -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يمسح كل الجبيرة أعلاها وأسفلها من جميع الجهات، ويشترط فيها ألا تتجاوز قدر الحاجة فإن ستر شيئا قريبا منها لا يحتاج إليه في شدها فيجب نزعها إلا إن يترتب على النزع ضرر فيبقيها، ويتيمم لهذا الزائد على أقرب القولين ]
الشرح: الجبيرةُ تختلفُ عن المسْحِ على العِمامة، وعن المَسْحِ على الخُفين
فالشرعُ تسامَحَ في المسحِ على الخفين وعلى العِمامة، لكن الجبيرة ليست مِن باب الرُّخَص وإنما شيءٌ وقَعَ بالإنسان كَكَسْرٍ فجُبِّر أو جُبِّس، فهنا:
إذا جُبِّسَت القدم أو اليد فيجبُ أن تُمسَحَ الجبيرةُ كلُها الأعلى والأسفل والجوانب، بينما قلنا في المسح على العِمامة والخفين: يُمسَحُ الأكثر، أما الجبيرة: فيجبُ أن تُمسَحَ كلُها.
ولا يجوزُ أن يزيدَ في الجبيرة إلّا إذا كان يحتاجُ إلى الزيادة:
فمثلاً: لو أن الكسرَ في شِبْرٍ من يدِه، واحتاج إلى نصفِ شبر لكي يشُدَّ هذه الجبيرة:
فنقول: يأخذُ مع هذا الشبر -الذي هو مقدارُ الكسر- يأخذُ نصفَ الشبر، وله أن يَمسَحَ على هذا الشبر والنصف، لكن: لو أنه زاد فلم يكتف بنصِف الشبر جعَلَه شِبرا، فالزائدُ نِصفُ شِبْرٍ؟
قد أخطأ، فيجبُ عليه أن ينزَعَ الجبيرة، ويُعيدَ رَبْطَها بمقدارِ شِبْرٍ ونصف.
فإن قيل: لو نَزَعَها لأصابه ضررٌ كبير؟
فنقول له: يبقيها ويمسح مقدارَ شِبْرٍ ونِصف، والنصف الزائد يتيممُ عنه،
بمعنى: أنه إذا فرَغَ من الوضوء يضرِبُ بيديه الأرض ويمسحُ وجهَه وكفَّيه،
وهذا التيممُ عن هذا النصف الشبر الزائد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ المسح على الجبيرة من باب الضرورة فلا يشترط أن تكون بعد طهارة،
ومثل الجبيرة دواء وضع على جرح ونحوه وخاف من نزعه فيمسح عليه كله،
ولا وقت محدد للجبيرة فمتى ما شفي وجب إزالتها ]
الشرح: لا يُشتَرط في الجبيرة أن تُوضَعَ بعد طهارة، وذلك لأنها تأتي مفاجأة ليست كالخفين.
ومِثْلُ الجبيرة: لو أن إنساناً وضع على جُرحٍ دواء، كأن يوضع هذا الدواء على جُرح في اليد، فنقول:
عند غَسْلِه أزِلْ هذا الدواء.
فإن قال: أتضرر، فيُقال له: تُبقيه وتمسحُ عليه مَسْحًا
والجبيرةُ لا وقتَ لها مُحدد:
لو ظلّت في يدِ الإنسان أو في قَدَمِه شهراً أو شهرين فله أن يمسح،
لكن إن شُفي: فيجبُ أن ينزَعَها ولا يَصِحُّ مَع البُرءِ والشفاء مسْح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لم تأتِ الشريعة بجواز المسح على المستور رخصة إلا في موضعين الرأس والقدم ]
الشرح: الشريعةُ رَخَّصَت في المسحِ على العِمامة، وموضِعُ العِمامة كما هو معلوم: الرأس.
وكذلك الشريعةُ رَخَّصَت في المسحِ على الخفين، وموضِعُ الخُفين: القدم.
أما ما عداها فلا يجوزُ المسح، ولذا/ لو أن المرأةَ وَضَعَت مناكير بعد ما توضأت، فهل لها أن تمسح على هذه المناكير -لأنها تمنعُ وصولَ الماء إلى البشرة- هل لها أن تمسح؟
الجوابُ: لا، لأن المسحَ في الشريعة جاء رُخصَةً في مَوضعين اثنين لا ثالثَ لهما:
أولا: الرأس. ثانيا: القدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ الجرح إن كان مكشوفاً وجب غسله فإن تعذر فيمسح فإن تعذر فيتيمم فإن كان مستوراً فالمسح فإن تعذر فالتيمم ]
الشرح/ الجُرح لا يخلو: إما أن يكونَ مكشوفاً، أو مستورا
فإن كان مكشوفًا: كأن يكونَ في يدِ الإنسان جُرح لم يُغَطِّه بشيء، فإذا وصَلَ إلى غَسْلِ يدِه، يقال له: اغسِلْ هذا الجُرح مع يدِك.
فإن قال: إن الغسْل أتضررُ به؟
نقول له: اغسل يدك، وأما موضِعُ الجُرح تمسحُ عليه بالماء مسْحًا خفيفًا.
فإن قال: إن المسحَ يَضُرُّ بي؟
فيقال له: اغسِل اليد ودَع موضِعَ الجُرح، فإذا فرَغْتَ من الوضوء تيمم لهذا الجُرح.
هذا إذا كان الجُرح مكشوفاً: فيجبُ الغسْل لهذا الجرح، فإن خاف: فلْيمسح، فإن خاف: فليتيمم.
أما إذا كان مستوراً بشاشٍ أو خرقة ونحو ذلك: فلا يُقال له اغسِل هذا المستور، إنما لك أمران:
نقول له: اْمسَح على هذا الشاش مسحًا بالماء خفيفًا، فإن قال: أتضرر؟
فنقول له: إذا فرغْتَ من الوضوء تيمم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ بابُ نواقض الوضوء ]
مسألة: [ نواقض الوضوء جاءت بعد الوُضوء والمسحِ على الخفين من باب بيانِ ما ينقُضُ هذه الطهارة، فهناك نواقض تزيلُ هذه الطهارة، وهي:
“الخارج من السبيلين –والخارج من بقية البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو ريحاً “
وما عداها فلا على الصحيح ]
الشرح/ الناقضُ الأول: الخارجُ من السبيلين:
فكلُّ ما خَرَجَ مِن القُبُل أو الدُّبُر فينتقِضُ معه الوُضوء، خَرَجَ ( دم – بول- غائط – حصاة – دود )
أيُّ خارج من السبيلين، وكان الإنسانُ على وُضوء فإن طهارتَه قد انتقضَت، لقوله ﷺ:
” لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ” .
الناقض الثاني: الخارجُ مِن بقيّةِ البَدَن إن كان بولاً أو غائطاً أو ريحًا:
إنسان أجرِيَت له عملية فأصبح يتغوّط أو يبول أو يخرُجُ منه ريح مع هذا الموضع: فهذا ينقُضُ الطهارة.
وماعدا هذه الأشياء الثلاثة: [ الغائط – والبول – والريح ] فالقولُ الصحيح: أنه لا ينتقِضُ معه الوضوء،
استقاء إنسان – يعني استفرغ –: فوضوؤه صحيح
خرج دم حتى ولو كان كثيرا: فوضوؤه صحيح، احتجم: فوضوؤه صحيح، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم -كما أسلفنا ذِكْرَه سابقاً- ” كانوا يصلون والدماءُ تَنزِفُ منهم “
لكن يستحب لمن تقيأ أن يتوضأ لأن النبي ﷺ كما عند الترمذي: ” قاءَ فتوضأ ” وفِعلُه ﷺ يدل على الاستحباب لا على الوجوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ إذا انسد المَخرج وفتح غيره لم يثبت له أحكام المخرج المعتاد ]
الشرح/ إذا انسَدَّ المَخْرَج -عافانا اللهُ وإياكم من كل بلاء – وأصبح الإنسان له فتحةٌ أصبحت هي المَخْرَج له: فلا يترتبُ عليه أحكام.
مثلًا: لو أنه مَسح هذا المَخْرَج بيدِه لا ينتقِضُ وضوؤه، بخلاف لو أنه مَسَّ ذَكَرَه أو مَسَّ فَرْجَه بيده فإن وضوءَه ينتقض،
فإذًا/ المَخْرَجُ غيرُ المُعتاد لا تثبُتُ له أحكامُ المَخرَج الأصليّ، إلّا فيما ذَكَرْنَا مِن الخارج:
[ البولُ والغائطُ والريح ].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ الناقضُ الثالث: [ زوال العقل بجنون أو نحوه، قلَّ أم كثر، أما النوم فينقض منه الكثير دون اليسير، وضابط اليسير: أنه لو نام أحس بمن حوله دون أن يفهم ما يقال، وقيل: يرجع إلى العرف]
الشرح/ الناقضُ الثالث: ” زوالُ العقل ” فإذا زالَ عقلُ الإنسان ولو ثوانٍ بإغماء أو بجنون أو بغيبوبة وكان على وضوء:
فإن وضوءَه ينتقض، لقوله ﷺ: ” رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة ” ذكر منهم: ” المجنون حتى يُفيق “
والنبي ﷺ أغمي عليه أكثر من مرة واغتسل.
وأما النوم: فإن كان كثيراً: فينتقض لقوله ﷺ: ” مَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ “
أما إن كان يسيرًا: فلا ينتقضُ معه الوضوء؛ لما جاء عند مسلم: أن الصحابةَ رضي الله عنهم كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم فيصلون ولا يتوضؤون.
” عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ ”
لأن نومَهُم يسير
وضابطُ النوم اليسير: ” أن يكونَ الإنسان نائمًا لكنه يشعُرُ بمن حولَه، فهو لا يفهم ما يُقالُ عنده، لكنه يحس أن هناك أصواتًا، لكن لا يَفهمُ معناها “
وقال بعضُ العلماء: إنه مضبوطٌ بالعُرف.
لكنَّ الضابطَ الأوّل هو المُعتَمَد لقوله ﷺ كما في الصحيحين:
” إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “
عَلّلَ بِعِلَّة: ” فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ “
فدل على أن النومَ العميق لا يشعرُ الإنسان بمن حولَه، وهذا هو اختيارُ شيخِ الإسلام رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ الناقض الرابع: [ مس ذكر متصل – على الصحيح- وكذا الفرج والدبر بكفه ظاهرهما أو باطنهما، ولا عبرة بمس الشفرين والخصيتين والإليتين، ولا بمس المرأة بشهوة على القول الراجح، ومثله غسل الميت وحمله على القول الراجح، بل يستحب، أما غير الآدمي فلا يدخل هنا كالبهائم ]
الشرح/ هذا هو الناقِضُ الرابع [ مَسُّ الذَّكَر المُتَّصِل ] أما المقطوع فلا عبرةَ به ولا حُكْمَ له.
فإذا مَسَّ الإنسان ذَكَراً متصلاً فإن وضوءَه ينتقض – على القول الصحيح – لقوله ﷺ:
” مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ” ومِثْلُه: [ حلقة الدبر ] لقوله ﷺ: ” مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ “
أما حديث: ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك ” فله عدة تخريجات:
أولاها: ما جاء في رواية أبي داود: ” سئل النبي ﷺ عن الرجل يَمَسُّ ذَكَرَهُ في الصلاة؟ فقال: ” إنما هو بَضْعَةٌ مِنك ” ففهم أنه محمول على مسه بحائل، لأنه في الصلاة ساترا لعورته.
ب
بي
وأما من مسُّ مَقعَدته أو إليتِه أو مَسُّ شُفرَي المرأة وهما ” حافّتا فَرجها ” أو مَسُّ الخصيتين:
فلا ينتقض به الوضوء، لأن الحديث جاء في مَسِّ الذَّكَر،
ويكون ناقضا إذا مَسَّه بكفه، لكن لو مَسَّه بمرفَقه أو بساعِدِه فلا نَقْضَ هنا، فالنبيُّ ﷺ قال كما في المسند: ” مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ “
فإذا مسّه مِن غيرِ حائل، مَسّه مباشرة: فإن وضوءه ينتقض، إذا مَسّه بالكف سواءً بباطن الكف أم بظاهرها، لأن اليد إذا أطلِقَت في الشريعة فالمرادُ منها الكف، والحكم يشمل مَس الرضيع وغيره.
وأما مَسّ المرأة بشهوة:
فالصحيح أن الوضوءَ لا ينتقض إلّا إذا خَرَجَ بعد هذا المَسِّ شيء ” كمذي ونحوه “، وإلا فالأصلُ:
عدمُ النقض، وأما قوله تعالى: { أَوْلَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] فالمقصود: الجماع -على الصحيح-.
وأما غَسْلُ الميت وحَمْلُه:
فقد قال ﷺ كما في السنن: ” مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ ” لكنه سُنَّة، لأن الصحابةَ رضي الله عنهم: منهم مَن يغتسل، ومنهم مَن لا يغتسل.
ولْتعلم أنَّ هذا الحكم ” في الآدميين “: فلو مَسَّ بكفه دُبُرَ بقرة أو بعير فلا ينتقض وضوؤه، فالحديث إنما هو في الآدميين، أما البهائم فكما قال شيخُ الإسلام رحمه الله: ” باتفاق العلماء لا ينتقِضُ وضوؤه “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ الناقض الخامس: [ أكل لحم الجزور فقط، أما الكبد والطحال ونحوه فخلاف، ويستحب الوضوء إذا شرب ألبانها وأكل مما مسته النار، والعلة في نقض الوضوء بلحم الجزور أنها خلقت من الشياطين وهي من النار ولا يطفئ النار إلا الماء ]
الشرح/ مِن نواقض الوضوء [ أكْلُ لحمِ الجَزور] على القولِ الراجح،
خلافاً لمن قال: إن أكلَه لا ينقُضُ الوُضوء.
والدليلُ على النقض: أن النبي ﷺ كما عند مسلم: ” عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلاَ تَوَضَّأْ،
قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ “
وقال ﷺ كما في المسند: ” تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَا تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ “
فيكونُ ماعدا الإبل ليس بناقضٍ للوُضوء، حتى ولو كان مُحَرَّمَ الأكْل، فلو أكَلَ حِمارًا أو أكَلَ لحمَ كلبٍ فإنه آثم لكنَّ وضوءَه صحيح.
وقد اختلف العلماءُ فيما عدا اللحم: مثل ” الكبد والرئة ونحوِ ذلك “
والصحيح: ” أنَّ كلَّ أجزاء الإبل ناقضةٌ للوضوء “ لأن النبي ﷺ لما سأله الأعرابيُّ كما جاء عند الطبراني: ” فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ قال ﷺ: نعم “
فدل على أن كل جزءٍ مِن الإبل يكونُ ناقضًا للوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحكمةُ في النقض: ما جاء في السنن أن النبي ﷺ قال عن الإبل: ” فإنها خُلِقَت مِن الشياطين” وعند أحمد: ” على ذروةِ كلِّ بعير شيطان “
والشيطانُ خُلِقَ مِن نار، ولا يُطفئ النارَ إلا الماء،
وكونُها خلقت من الشياطين ليس لأن مادّتَها مِن الشياطين- ليس هذا هو المراد – إنما المراد:
أن صفةَ الشيطنة قد غَلَبَت عليها، كما قال عز وجل عن الإنسان: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فنحنُ لم نُخلَق من عَجَل ولكن لما كانت صفةُ العَجَل قائمةً فينا قال عز وجل: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنَّ الألبان: يستحبُّ الوُضوء منها، فهذا الأمْر في هذا الحديث وهو أمْرُه ﷺ للإعرابي أن يتوضأ من ألبان الإبل للاستحباب، لأنه ﷺ لما أمَرَ العُرَنيين أن يشربوا من أبوال وألبان الإبل، لم يأمرهم بالوضوء، كما جاء في الصحيحين:
” فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ ﷺ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ” لم يأمرْهُم بالوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
وأما المرق: فإن كان طعم اللحم ظاهرا فيها: فإنه ناقضٌ للوضوء،
وإن لم يكن ظاهر لا رائحة ولا طعم: فإنه ليس بناقض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما يستحبُّ -فيما عدا الإبل- من الوضوء:
” يستحبُّ الوضوء إذا أكَلَ الإنسانُ شيئا مَسَّتْهُ النار “
فأيُّ شيءٍ مَسَّتْهُ النار مأكول أو مشروب، فالسنةُ: أن يتوضأ على القول الراجح ” لأنه ﷺ قال:
” تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ” فأيُّ شيءٍ طُبِخَ على النار مِن: أَقِطٍ، مِن لحمٍ، فالسنةُ أن يتوضأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ الصحيح أنَّ الرِّدة لا تنقض الوضوء ]
الشرح/ هذا هو قولُ الجمهور، فلو أن إنساناً كان على وضوء ثم ارتد – عافانا الله وإياكم من ذلك – ثم عاد إلى الإسلام، فهل ينتقض وضوؤه؟
الصواب: أنه لا ينتقض وضوؤه، لأن الله عز وجل قال: {ومَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
فحبوطُ العمل إنما يكونُ لمن ارتدَّ ومات على الكفر، أما مَن عاد إلى الإسلام فإنه أعمالَه السابقةَ لا تحبُط -على القولِ الراجح-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ مَن شك في الحدث أو الطهارة يبني على اليقين ]
الشرح/ للقاعدة الشرعية: [ اليقينُ لا يزولُ بالشك ]، ودليلُها قوله ﷺ فيمن أشكل عليه بطنُه هل أحدَثَ أم لم يُحدِث، كما جاء في الصحيحين قال ﷺ: ” لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا “
فمن كان مُحدِثًا فَشَك: هل توضأ بعد هذا الحَدَث، فماذا نقول له؟
نقول: أنت مُحدِث، لأن الأصلَ: [ بقاءُ ما كان على ما كان ]
ولو قال: إنني كنتُ متوضئًا، فشككتُ هل أحدثت أم لم أحدِث؟
فماذا نقول له؟ نقولُ له: أنت على طهارة.
ومسألةٌ أخرى: إذا تيقَّنَهما وجَهِلَ السابق منهما، مثالُه: لو قال أنا متيقّن أنه بعد صلاة الفجر حصَلَ مني وضوء وحصل مني حدث،
فاليقينُ موجود في الوضوء وفي الحدث، لكن لا أدري ما هو السابقُ منهما؟
فبعضُ العلماء يقول: يتوضأ وهذا – هو الأحوط -.
وبعضُ العلماء يقول: يعمل بضِدِّ حالِه قبلَ الوقت.
مثاله/ لو أنه بعد صلاةِ الفجر قال: تيقنتُ الحَدَث والوُضوء -وهو يريدُ الآن أن يصليَ صلاةَ الضحى- فماذا يصنع، هل يصلي أولا يصلي؟
فنقول له: ما قبل صلاةِ الفجر كيف أمرُك، هل أنت على وضوء أم على حَدَث؟
فإن قال: كنتُ قبلَ صلاةِ الفجر على وُضوء.
فنقول: أنت محدث (نخالف).
وإن قال: أنا كنتُ قبل صلاة الفجر على حَدَث، فنقول: أنت على وُضوء.
ولكن الأحوط: أن يتوضأ، ويزيلَ هذا الشك، وبعضُ العلماء: يقولُ بالوجوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لا ينتقض الوضوء بغير ما ذُكِر، كالغيبة والقذف ونحو ذلك، ويسن الوضوء عقيب الذنب ]
الشرح/ ما عدا ما ذُكِر فليس بناقِضٍ للوُضوء، فالغيبةُ والقَذْفُ والشتمُ، وما يجري على لسانِ الإنسان مِن كلامٍ مُحَرّم: فلا ينتقِضُ به الوُضوء.
وإذا أذنبَ الإنسانُ ذنبًا: يُسَنُّ له أن يتوضأ وأن يصلي، وهي ما تسمى بـ ” صلاة التوبة ” لقوله ﷺ:
” مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ تَلَا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ اتفق الأئمة الأربعة على أنه لا يجوز مس المصحف بدون حائل لمن حدثه حدثاً أصغر ]
الشرح/ هذا هو قول الأئمة الأربعة: أنه لا يجوزُ مَسُّ المصحف مِن غيرِ حائلٍ إلا بوُضوء، لقوله ﷺ كما وفي موطأ الإمامِ مالك والنسائي: ” أنْ لاَ يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ ” وهذا هو القولُ الراجح،
خلافاً للظاهرية وإن كان قولهم قويا، لكن القول بوجوبِ الوضوء لمن أراد أن يَمَسَّ المصحف وبه حَدَثٌ أصغر قولٌ قوي، أما الحَدَثُ الأكبر فسيأتي بيانُه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ لا يجوز مس المصحف بأي عضو من جسمه وهو محدث، ومثله في الحكم حواشيه، وأما الجنب على الصحيح فلا تجوز له القراءة ولا المس ]
الشرح/ لا يجوزُ مَسُّ المصحف بأيِّ عُضوٍ حتى يتطهّر الطهارةَ الكاملة،
فلو أنه تمضمضَ واستنشقَ وغَسَلَ وجهَهُ وغَسَلَ يدَيه ومَسَحَ رأسَه، وبقَيَ غَسْلُ القدَمين ثم أراد أن يَمَسَّ المصحف بيدَه مع أنه غَسَلَها؟ فنقول: يَحرُم
فلو قال: إن الحدث الذي في اليد قد زال!
نقول: لابد أن تتوضأ وضوءاً كاملا ثم إن شئتَ أن تَمَسَّ المصحف فلك ذلك.
وكذلك الحكمُ ” في حواشيه “: مِثلُ دَفَّتَي المصحف ليس فيها آيات لكنها مُلتَصِقَة بالمصحف فتأخذُ، حكمَ المصحف، للقاعدة الشرعية [ يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ]
أما مَن حَدَثُهُ حَدَثًا أكبر: فلا يجوزُ له أن يَمَسَّ القرآن ولا أن يقرأه عن ظهرِ قلب،
فالجُنُب لا يجوزُ له أن يَمَسَّ القرآن ولا أن يقرأه عن ظَهْرِ قلب – على الصحيح – لقول عليّ رضي الله عنه، كان النبي ﷺ لا يحجزُه شيءٌ عن القرآن إلا الجنابة، قال:
” وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ – أَوْ قَالَ يَحْجُزُهُ – عَنِ الْقُرْآنِ شَىْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ “
فإذًا/ مَن عليه حَدَثٌ أصغر: يجوزُ أن يقرأ القرآن عن ظَهْرِ قلب، لكن لا يَمَس المصحف،
أما مَن حَدَثُه حَدَثا أكبر: كالجُنُب فلا يجوزُ له لا المَسّ ولا القراءة عن ظَهْرِ قلب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يحرم السفر بالمصحف إلى دار الحرب، كذا يحرم توسده واستناده عليه، وإن قصد إهانته كفر، وكذلك يحرم توسد كتب العلم التي فيها قرآن ]
الشرح/ القرآن يجب أن يُصان، ومن أنواعِ صيانتِه: ألا يُسافَرَ به إلى أرضِ العدو، لما جاء في الصحيحين من نهى النبي ﷺ: ” كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ “
مخافةَ أن تنالَه أيديهم.
وكذلك يحرُمُ: توسُّدُه والاستنادُ عليه والاعتمادُ عليه
فإن قَصَدَ بذلك إهانتَه – فيما لو رماه، فيما لو توسّدَ عليه-: فإنه يكفر، ويكونُ مُرتَدًّا.
وكذلك الحكم في كتبِ العلم التي فيها قرآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ يحرم تحليته بذهب أو فضة، وكتابته بغير الرسم العثماني، وكذا استفتاح الفأل، ويكره مدُّ رجله إليه، واستدباره وتخطيه، والأفضل عدم تقبيله، وما بلي منه يُحرق ويدفن ]
الشرح/ يَحرُمُ على القولِ الصحيح: أن يُحَلّى بذهبٍ أو فضة، لأن فيه إسرافا ًوتبذيراً، والقرآنُ ما أنزِلَ لتحليتِه وإنما لقراءته وتدبّره والعملِ به.
وأما كتبُ العلم: فبإجماع العلماء يحرُمُ تحليتها بذهبٍ أو فضة.
وكذلك يحرم أن يكتب بغير الرسمِ العثماني:
فلا يجوزُ أن يُكتَبَ القرآن بالرسمِ الإملائيّ، لأن الرسمَ الإملائيّ مصطلحات قد تتغير في بعضِ العصورِ والأزمان، فلا يجوزُ أن يُكتَبَ بغيرِ الرسمِ العثماني.
وكذلك يحرُمُ استفتاحُ الفأل:
وذلك أن يأخذَ المصحف فيفتَحَه مِن أجل أن يرى فألَه، فإذا وقعت عينُه على شيء قال: هذا هو فألي! فهذا لا يجوز.
وقد ذَكَر الفقهاء أنه يُكرَهُ أن يَمُدَّ رِجلَه إليه وأن يستدبِرَه:
والذي يظهر أن الكراهةَ مُتساهَلٌ فيها، فهو يَصِلُ إلى التحريم.
وأما وَضْعُه على الأرض مِن غيرِ رمي: فإذا وُضِع فيجوز، لأن هذا ليس فيه إهانة.
وهل يُقَبَّل؟
الصحيحُ: أنه لا يُقَبَّل ولا يُوضَعُ بين العينين، لعدم الدليل.
وما بَلِيَ مِنْهُ: يُحرَق ويُدفَن كما فَعَلَ الصحابةُ -رضي الله عنهم- في عصرِ عثمان رضي الله عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ أيُّ صلاةٍ فيها تكبير وتسليم لا تجوز بدون وضوء، فمن فعل فقد ارتكب كبيرة ]
الشرح/ أيُّ صلاةٍ فيها تكبير وتسليم يجبُ فيها الوُضوء، لقوله ﷺ:
” مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ “
وذكر الوضوء مع التكبير والتسليم يدل على هذا،
فصلاةُ الجَنازة فيها تكبيرٌ وتسليم، السنن الرواتب فيها تكبيرٌ وتسليم، فيجبُ فيها الوُضوء.
ومَن صلّى صلاةً فيها تكبير وفيها تسليم مِن غيرِ وُضوء:
فقد قال بعضُ العلماء – كأبي حنيفة رحمه الله -: ” يكفر لأنه مستهزئ “
والصحيح: أنه لا يكفُر، وإنما ارتكبَ كبيرةً مِن كبائرِ الذنوب.
لكن إن فَعَلَه مُستهزئًا: فإنه يكفر،
أما إن فَعَلَه تهاونًا: فعند أبي حنيفة يكفُر، والصحيح: أنه لا يكفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة: [ كتب التفسير الحكم في مَسِّها لمن حَدَثه أصغر للأغلب، فإن تساويا حرم ]
الشرح/ هل يجوزُ أن تُمَس كُتُب التفسير لمن به حَدَثٌ أصغر؟
يجوزُ إلا إذا كانت الآيات والتفسير سواء: فيحرُم.
وكذلك إذا كانت الآياتُ أكثرَ من التفسير، فالحكْمُ للأغلب:
فإن كان التفسيرُ أكثر: فيجوزُ المَسّ،
وإن كان التفسيرُ والآياتُ سواء: فيُغَلَّبُ جانب التحريم، فيحرُم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب الغُسْلِ ]
بابُ الغُسل: وهو لمن به حَدَثٌ أكبر
( مُوجبات الغسل )
مسألة: [ أولا: خروج المني دفقاً بلذة من مخرجه ولو دماً، وإن كان من غير مخرجه فلا غسل، وحكمه حكم البول، وكذا على الصحيح لو انتقل المني ولم يخرج، وكذا لو خرج من مخرجه من غير لذة من يقظان فهذا ودي حكمه حكم البول، أما خروجه من النائم فيوجب الغسل ]
الشرح/ من موجبات الغُسل: ” أن يخرجَ المنيُّ دَفْقًا بِلَذَّة “
وخروجُه (دَفْقًا بلذة) يعني: بقذف لقوله ﷺ كما في المسند: ” إذَا حَذَفْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ ”
وعند أبي داود: ” إِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ ” هذا إذا كان مِن يقظان.
أما النائمُ: فمتى ما رأى المنيّ سواء خرج بشهوة أو بغيرها فيجبُ الغُسل، لقوله ﷺ لأم سُلَيم لما قالت:
” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ “
فالنائم إذا رأى المني: فيجبُ الغُسل؛ أما إذا لم ير: فلا يجب، ولذا لو أنه رأى أنه يُجامع امرأةً في منامه ثم استيقظ فلم يجد منياَ فلا شيءَ عليه، ففي النوم الحكمُ مُعَلَّقٌ برؤية الماء،
أما في اليقظة: فلا بد أن يخرج المني دفقاً بلذة،
فإن خرج من غير لذة من يقظان: فهذا ما يسمى بـ (بالودي) حكمُه: كحكم البول، لا يَلزَمُ فيه غُسل، ويجبُ أن يُغْسَلَ منه الذَّكَر، حتى لو كان الخارجُ دَمًا، لأن البعضَ قد يُكثِر مِن الجماع فيكونُ في آخِرِ ما يُخرِجُه دَمًا، لكنه بلذة فهو يأخذُ حكمَ المني في وجوبِ الغُسل.
وكذلك: لو خرج المني مِن غيرِ مَخْرَجِه:
لو أن شخصاً انكسر صُلْبُه فَخَرَجَ منه مني، فهذا لا غُسلَ عليه لأنه خَرَجَ مِن غيرِ مَخْرَجِه.
وكذلك لو أنه أحَسَّ بانتقاله لكنه ما خرج: فكذلك لا غُسلَ عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثاني: مِن موجبات الغُسل أن تُغَيَّبَ الحَشَفَة
مسألة/ [ من موجبات الغسل: تغييب حشفة أصلية أو قدرها في فرج أو دبر أصليين، ولو من بهيمة أو ميت أو صغير، أو زائل العقل، وإن لم ينزل، فلا عبرة بغير الأصلي، ولا لإيلاج بعض الحشفة، ووجوب الغسل لمن بلغ عشر سنين أو بنت تسع، والمدخول ذكره مثله في الحكم إلا من دون عشر سنين من الذكور، ودون التسع سنين من الإناث، وكذا الميت، وإن ادخله بحائل فالصحيح الغسل]
الشرح/ مِن موجبات الغُسل أن تُغَيَّبَ الحَشَفَة
والحشفةُ: هي مَوضِعُ القُلفة مِنَ الخِتان
فإذا أدخَلَ الحَشَفَة، فإن الغُسْلَ يجب ولو لم يُنزِل، لقوله ﷺ كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين:
” إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ” زاد مسلم: ” وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ “
وقال ﷺ: ” إذا التقى الختانان فقد وَجَبَ الغُسل “
فإذا أدخل الحشفة في دُبُر أوفي فَرج أصليين: فيجبُ الغُسل.
فإن كانت الحشفة مقطوعة: فبقدر هذه الحشفة، فإن أدخَلَ بمقدار هذه الحشفة فإنه يجبُ الغُسل.
واختلف العلماء فيمن أدخل حشفته في بهيمة أو ميت؟
فإن أدخلَها في ميت: فيجبُ الغُسل؛
وإن أدخلها في بهيمة: فالذي يظهر كذلك أنه يجب،
حتى لو أن المرأة أدخلت حشفةَ طفلٍ صغير: فيجب عليها الغُسل،
أو أدخلَت حشفة مجنون: فيجب عليها الغُسل،
أما إذا أُدخِلَت بعضُ الحشفة: فلا غُسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ومتى يجبُ الغُسل؟
يجب إذا بلغ الذكَرُ عشرَ سنين، والمرأةُ تسعَ سنين،
ولذا لو أن ابنَ تسع سنين مِن الذكور أدخَلَ حشفته في دُبُر أو فرج فلا غُسل عليه، وكذلك البنت لو أدخِلَت الحشفةُ في فرجها فلا غُسل عليها لأنها لم تبلغ تسع سنين، والذكر لم يبلغ عشر سنين.
[ والمدخول ذَكُرُه مثلُه ] كما مثّلنا: لو أن نائما أدخِلَ ذَكَرُه أو حَشَفَتُه في فَرجِ امرأة، وهي قد بلغَت وهو قد بلَغ: فيجبُ عليهما الغُسل.
وكذلك مَن جُومِعَ في دُبُرِه: لو أن شخصا – نسألُ اللهَ العافية – لاط بشخص، يعني: فَعَلَ فيه اللواط، فالمفعولُ به يجبُ عليه الغُسل.
أو أنه أتى زوجتَه مَن دُبُرِها وأدخَلَ الحَشَفة: فيجب عليها الغُسل، مع أن هذا الفعل محرم.
لو قال قائل: لو أنه أدخل الحشفة وقد وضع كيسا يحولُ بينه وبين فرجِها -هو أدخل الحشفة لكن الحشفة قد وُضِعَ عليها كيس، حتى لو كان رقيقاً، سواء كان رقيقاً أو غليظاً- فالصحيح: أنه يجبُ الغُسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث من موجبات الغُسل: إذا ماتَ المسلم
مسألة/ [ ثالثا/ من موجبات الغسل: موت المسلم حتى السقط إذا تم عليه أربعة أشهر ]
الشرح/ إذا مات المسلم يجب أن يُغسَل: لقوله ﷺ كما في الصحيحين فيمن وقَصَتْهُ دابتُه قال:
” اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ “
وهذا الحكم شاملٌ حتى للأطفال، حتى الأجِنّة بشرط: أن يكونَ هذا الجنينُ قد نُفخت فيه الروح،
متى تُنفَخُ فيه الروح؟
إذا مرت عليه أربعةُ أشهر، بمعنى: أنه أنهى الشهرَ الرابع ودخَلَ في الشهرِ الخامس،
أما لو أن المرأة أسقطت ما في بطنِها وهو في الشهرِ الرابع: فلا يُغَسَّل هذا السقط، ولا حُكْمَ له، فهو بمثابة الجماد،
لكن إن أنهى الشهرَ الرابع ودخل في الشهرِ الخامس: فهو إنسان قد نُفخت فيه الروح فيجبُ أن يُغسَّل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع مِن موجبات الغُسل: إسلامُ الكافر
مسألة/ [رابعا/ موجبات الغسل: ” إسلام الكافر، ويسن في غسله السدر، وأن يحلق شعره]
الشرح/ مِن مُوجبات الغُسل على القول الصحيح: إسلامُ الكافر، فإذا أسلَمَ الكافرُ فيجبُ عليه أن يغتسِلَ،
” لأمْرِه عليه الصلاةُ والسلام لقيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل ” كما عند أبي داود
ويُسَنُّ أن يجعل في غُسله السدر: لأمْرِه عليه الصلاةُ والسلام بذلك.
والسنة أن يحلِقَ شعرَ رأسِه: لقوله ﷺ: ” أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ “
فهذا الشعرُ نَبَتَ في الكفر، فالأحسنُ والأفضلُ أن يَحلِقَهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخامس مِن موجبات الغُسل: انقطاعُ دَمِ الحيض
مسألة/ [ خامسا/ من موجبات الغُسل: انقطاعُ دمِ الحيض ]
الشرح/ مِن موجبات الغُسل: انقطاع دم الحيض؛ فالمرأةُ إذا انقطَعَ عنها دمُ الحيض يجبُ عليها أن تغتسل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السادس مِن موجبات الغُسل: انقطاعُ دَمِ النِّفاس
مسألة/ [ سادسا: من موجبات الغُسل: انقطاع دم النفاس، ومن هنا: فإن كانت الولادة بدون دم فلا يجب الغُسل، وكذا إن وضعت مالا يتبين فيه خَلْقُ الإنسان ]
الشرح/ مِن موجبات الغُسل: انقطاعُ دمِ النِّفاس
لو قال قائل: ما هو ضابط النِّفاس؟
نقول/ ضابطُه: ” أن تضعَ المرأةُ جنينا قد تبيّنَ فيه خَلْقُ الإنسان، مثلُ: رأسٍ أو يدٍ أو رِجْلٍ،
فإذا وَضَعت المرأةُ ما تبين به خَلْقُ إنسان مِن رأسٍ أو يدٍ أو رِجْلٍ فهو نِفاس، فيجبُ عليها أن تغتسل،
وأما إذا وضعت قطعةَ لحم لم يتبين فيها شيء: فليس بدم نفاس ولا يجِبُ عليها الغُسل، وعليها أن تصليَ وأن تصومَ، لأنها ليست نُفَساء.
والغالبُ إنه إذا كان للحَمْل (تسعون يومًا) الغالب أنه يتبيّنُ فيه خَلْقُ الإنسان،
ولْتعلم: أن ما دون (واحد وثمانين يومًا) لا يمكن أن يتبيّنَ فيه خَلْقُ الإنسان.
فما تبين فيه خَلْقُ الإنسان إذا وضعته المرأةُ فهو دمُ نِفاس، وإلا فهو دمُ فساد.
ولو قال قائل: لو أن المرأة وضعت جنينا كامِلَ الخِلْقَة لكن مِن غيرِ دم – وهذا نادر – لكن لو حصل مثل هذا؟ فنقول: إنه لا يجبُ عليها الغُسل، لأنه لا دمَ هنا، ولا نِفاسَ هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجوز للجُنُب المُكْثُ في المسجد بوضوء، أما الحائض والنُّفساء فلا]
الشرح/ الجُنُب إذا أراد أن يبقى في المسجد يجوزُ له إذا توضأ، فإن اغتسل فهذا شيء واضح،
لكن إن لم يغتسل يقال له: توضأ، لما جاء في مصنف ابن أبي شيبة:
” أن الصحابةَ رضي اللهُ عنهم إذا كانوا جنباً وأرادوا المُكثَ في المسجد توضؤوا “
وأما الحائضُ والنُّفساء فلا تُقاسُ على الجُنُب، كما قال ابنُ قُدامة رحمه الله، ولذا لو أنَّ للمرأةَ الحائض أو النفساء أرادت أن تأتيَ إلى المسجد لتستمِعَ محاضرةً فلا يُقالُ لها توضئي، لأن الوضوءَ لا ينفعُها،
أما الجُنُب فله أن يمكُثَ بشرط أن يتوضأ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ السنة للجنب قبل النوم الوضوء]
الشرح/ للجُنُب أن ينام قبل أن يغتسل لكن يُسَنُّ له أن يتوضأ، لأنه كما في الصحيحين:
” اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ ﷺ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ ”
وفي رواية قال: ” نَعَمْ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِذَا شَاءَ ”
فدل على أن الحكم للاستحباب وليس للوجوب،
ومثلُه كما جاءت بذلك الأحاديث: إذا أراد أن يأكل وهو جُنُب يُسَنُّ له أن يتوضأ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يستحب الغسل لمن غسل ميتا، ولمن أفاق من جنون أو إغماء من غير احتلام وإلا وجب ]
الشرح/ الغُسل يكونُ مستحبًّا في أمور، من بينها: إذا غَسَّلَ ميّتًا
ومَرَّ معنا قولُه ﷺ: ” مَنْ غَسَّلَ مَيتاً فَلْيَغْتَسِلْ ” وليس بواجب، لأن الصحابةَ رضي الله عنهم ما كان هذا الأمر مفعولا به عندَهم في حقِّ الجميع.
ومما يستحبُّ له الغُسل: إذا فاق الإنسانُ من إغماء أو غيبوبة؛ لما ثبت في الصحيحين:
أنَّ النبيَّ ﷺ في مَرَضِ مَوتِه لما أغمِيَ عليه فأفاق، أمَرَ أن يُحضَرَ له ماء فاغتسَل:
” فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ ﷺ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ”
لكن لو أنه احتلم في غيبوبته أوفي إغمائه: فالغُسل هنا ليس بمستحب وإنما هو واجب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ للجُنُب أن يعبر المسجد ولو بدون وضوء ]
الشرح/ يجوزُ لمن كان جُنُباً أن يَعبُرَ عبورًا دون أن يبقى في المسجد لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ }
فيجوزُ أن يعبرَ ولو مِن غير حاجة على القول الصحيح،
لأن بعضَ العلماء يقول: ” لا يعبر إلا ِمن له حاجة “
لكن كون الإنسان الجُنُب يجعل المسجد طريقاً له دائماً فهذا مما لا ينبغي، وجاء عند الطبراني:
” لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ صفة الغسل الكامل معروفة ولكن يراعى ما يلي: أن يروي أصول شعره بما يغلب على ظنه، مبتدئاً بشقه الأيمن، ويتعاهد مغابنه كالسرة مثلا، وأن يغسل دبره، والسنة عدم التثليث، وعدم الوضوء بعده، والأولى خروجاً من الخلاف أن يغسل أعضاء الوضوء مرة أخرى، والسنة التقليل من الماء ]
الشرح/ الثابت في الصحيحين في غُسلِه عليه الصلاةُ والسلام:
” أنه كان يغسل كفَّيه، ثم يغسلُ فَرْجَه ” أي: الذكر والدبر
” ثم يتوضأ، ثم يغسلُ رأسَه مبتدئا بالشِّقِّ الأيمن، ويُرَوِّي أصولَه “
ويكفي في ذلك غلبةُ الظن دفعًا للحرج والمشقة،
ثم ” يغسل شِقَّهُ الأيمن، ثم شِقَّهُ الأيسر”
لكن أثناء الغُسل يتعاهد المغابن، مثل: الآباط، مثل: السرة، مثل: غضاريف أذُنَيه “
لكن لا يُبالغ حتى لا يُفضيَ به هذا الأمرُ إلى الوسوسة.
والسنة ألا يُثَلِّث: ليس كالوضوء، فالنبي ﷺ لم يُثَلِّث في غُسلِه.
وهل يغسل أعضاء الوضوء مرةً أخرى؟
بمعنى: أنه لما بدأ الغُسل غَسل وجهَه ويدَيه وقدمَيه، فهل إذا أكمل غُسلَه، يغسل الوجه مرة أخرى ويغسل اليدين مرة أخرى ويغسل القدمين مرة أخرى؟
خلافٌ بين العلماء: والأحوط أن يُعيدَ غَسْلَ أعضاءِ الوُضوء لرواية البخاري:
” يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ “
والسنة أن يُقَلِّلَ في الماء: لما جاء في الصحيحين أنه عليه الصلاةُ والسلام:
” كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ ” فالسنةُ التقليلُ في الماء.
ــــــــــ
وهذا الغُسل الكامل إذا فَعَلَه لا يُسَنُّ له بعد الغُسل أن يتوضأ إلا إذا أحدَث:
لِما جاء عند الترمذي من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها أنها قالت: ” كان النبي ﷺ لا يتوضأ بعد الغُسل ” فالوُضوءُ الأول كافي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ صفة الغسل المجزئ: ” أن يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق” ]
الشرح/ هذه هي صفةُ الغُسل المُجزئ: وذلك أن يُعَمِّمَ جِسمَه بالماء، فنقول: يُجزئ هذا الغُسل لكن لا ينسَ أن يغسِلَ في أولِ غُسلِه الدُّبُر والذَّكَر، وأن يتعاهدَ ما سبق إيضاحهُ مِن مغابنه.
والصحيح أنه يتمضمض ويستنشق: خلافًا لمن أسقَطَ المضمضةَ والاستنشاقَ في الغُسل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا يجب على المرأة أن تنقض شعرها إذا بلغ الماء أصول شعرها، وإلا يجب، والصحيح أنه يجب غسل ما استرسل من شعرها، ويستحب في غسل الحائض السدر وأن تطيب فرجها ]
الشرح/ المرأةُ إذا بلَغَ الماءُ أصولَ شعرِها فيكفي ولو لم تنقُضْه وإلا فيجب
-والمسألةُ خلافيةٌّ بين العلماء- هل يجب أن تنقُضَه في غُسلِ الجنابة، وفي غُسل الحيض.
ولكن عليها أن توصِلَ الماءَ إلى أصولِ شعرِها، فإذا حَصَلَ هذا فلا تُلزَمُ بِنَقْضِ شعرِها،
وما استرسَلَ مِن الشعر يجبُ غَسلُهُ: لما جاء عند مسلم قال ﷺ: ” اغْمِزِى قُرُونَكِ عِنْدَ كُلِّ حَفْنَةٍ “
ويستحبُّ للحائض أن تضعَ مع الماء سِدرًا: لأمْرِه ﷺ كما جاء عند مسلم، لأمْرِه أسماء وعائشةَ بذلك
والسنةُ أن تُطَيِّبَ فَرجَها: حتى تزولَ رائحةُ الدم، لأمْرِه ﷺ بذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا يجب الدلك إنما يستحب ]
الشرح/ لا يجبُ أن يَدلِكَ أعضاءَه أثناءَ الغُسل، لقوله ﷺ -كما عند مسلم- من حديثِ أم سلمة:
” إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِى عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ ”
والإفاضةُ لا يلزَمُ منها الدلك، فالإفاضة هي السيلان،
لكن الدلك مسنون لقوله عز وجل: {وإن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ}
قال: {فَاطَّهَّرُواْ} بصيغةِ المبالغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ السنة في الغُسل الموالاة ]
الشرح/ السنةُ في الغُسل: ” الموالاة “
مَرَّ معنا أنَّ الموالاةَ -على القولِ الراجح – في الوضوء فرض، أما في الغُسل فسُنَّة،
ولذا/ لو أنه غَسَلَ نِصفَ جسمِه ثم بعد ساعة غَسَلَ النصفَ الآخَر: فغُسلُه صحيح،
فلا تشترطُ الموالاةُ في الغُسل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لو نوى بغسله الحدثين أو ما لا يباح إلا بالوضوء كالصلاة ارتفع الحدثان،
وإن نوى ما يباح للغسل فقط لم يرتفع إلا الأكبر ]
الشرح/ إذا أتى الإنسان ليغتسل وهو جُنُب بنيَّةِ أن يرتفعَ الحَدَثُ الأصغرُ والأكبر: فيرتفع الحدثان، والمراد من الغُسل هنا ” الغسل المجزئ ” بمعنى:
لو أن إنسانًا أتى وعمّمَ جسمَه بالماء، وهو يريد أن يرتفِعَ عنه الحدثُ الأصغر والأكبر:
فيرتفعُ عنه الحَدَثان، وله أن يصلي، وله أن يقرأ القرآن، وله أن يَمَسَّ المصحف، وهكذا سائرُ العبادات.
كذلك/ لو أتى لا ليرفَعَ الحَدَث، وإنما نيتُه بهذا الغُسل أن يصلي -هو جُنُب فأراد أن يغتسل ليصلي-:
فغُسلُه يُجيزُ له أن يصليَ، وأن يفعلَ ما شاء مِن العبادات.
وأما إذا جاء لأمْرٍ يَخُصُّ الغُسل فقط: مثل/ اغتسل وأراد بِغُسلِه أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب:
فهنا لا يرتفعُ إلا الأكبر.
وإن نوى رفع الأكبر فقط هل يرتفع معه الحدث الأصغر؟
قولان، ويرى شيخ الإسلام رحمه الله ارتفاع الحدث الأصغر مع الحدث الأكبر لقوله تعالى:
{ وإن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} فأمر بالتطهر، وهذا شامل للحدثين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الغسل الذي يكفي عن الوضوء هو غسل الجنابة،
أما الأغسال المستحبة فلا، لأنها ليست عن حدث ]
الشرح/ إذا عمَّمَ بدَنَه بالماء، فإن له أن يصليَ بهذا الغُسل – هذا إذا كان جُنُبًا –
أما إذا كان الغُسلُ مستحبا وعمّمَ جسمَه بالماء: فلا ينفعُ أن يصلي، مثالُ ذلك: لو أن إنسانًا اغتسل ليومِ الجُمُعة، عَمَّم جسمَه بالماء – وهذا يُخطئُ فيه كثير من الناس – يَصبُّ على جِسمِه الماء ثم يأتي ويصلي فصلاتُه غيرُ صحيحة، وذلك لأن هذا الغُسلَ ليس عن حَدَث
ومن باب أولى: إذا كان هذا الغُسلُ للتنظف، فبعض الناس يظن أنه إذا أسكَبَ الماء على جسمه للتنظف أو للتبرد أنه يصلي بهذا الغُسل! وهذا ليس بصحيح.
فمتى يكونُ الغُسل كافيًا عن الوضوء؟ إذا كان هذا الغُسل عن حَدَث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ السنة لمن أراد الجماع مرة أخرى أن يتوضأ، وإن اغتسل فهو أطيب ]
الشرح/ السنةُ لمن أراد الجِماعَ مرةً أخرى: ” أن يتوضأ “يعني: يجعل بين الجماعَين وُضوءًا، لأمره ﷺ بذلك كما في صحيح مسلم: ” إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ ”
وإن اغتسل بين الجماعَين فهو أحسن: لفعلِهِ ﷺ فقد دارَ ذاتَ ليلة على نسائه، كلِّهِن، فكان يغتسِلُ بين كلِّ جِماع؛ ولما سُئل ﷺ، قال: “هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ”
“عنْ أَبِى رَافِعٍ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَجْعَلُهُ غُسْلاً وَاحِدًا؟ قَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ ” .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الأغسال المستحبة ]
[الأول من الأغسال المستحبة: الغُسل لصلاة الجمعة لمن حَضَرَها ]
الشرح/ من الأغسال المستحبة: ” غُسْلُ يومِ الجُمُعة “
وغُسل يوم الجمعة مختلفٌ فيه: هل هو واجب أم سُنّة؟
الراجحُ أنه سُنّة، لأحاديث مِن بينها قوله ﷺ:
” مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ “
وبعضُ العلماء يُوجِبُهُ.
ويكونُ هذا الاغتسال لمن حَضَرَها لقوله ﷺ: ” مَن أتى الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ “
فالنساءُ لا يُسَنُّ لهنَّ أن يغتسلن: وذلك لأنهن لا يحضُرنَ لصلاةِ الجُمُعَة، لكن لو أن المرأةَ أرادت أن تحضُر: فيُسَنُّ لها.
وكذلك المريض الذي لا يستطيع الحضور: لا يسن له أن يغتسِل،
فالسنةُ في غُسلِ يومِ الجُمُعة إنما يكون لمَن حَضَرَها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ثانيا/ من الأغسال المستحبة: الغُسل من تغسيل الميّت]
الشرح/ ومِن الأغسال المستحبة: الغُسل من تغسيل الميّت -لما مر- قولُه ﷺ:
” مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ثالثا/ من الأغسال المستحبة: غُسلُه لصلاةِ العيد ]
الشرح/من الأغسال المستحبّة: الاغتسال لصلاة العيد، لما ورد مِن حديثين ضعيفين يُقويهما آثارٌ عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ رابعا/ من الأغسال المستحبة: الغُسل لمن أفاق مِن جنون أو إغماء ]
الشرح/ من الأغسال المستحبة: الاغتسال لمن أفاقَ مِن جنونٍ أو إغماء،
لفعله عليه الصلاة والسلام -كما مر معنا- في مرض موته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ خامسا/ من الأغسال المستحبة: الغُسل للمستحاضة عند دخولِ كلِّ وقت صلاة ]
الشرح/ من الأغسال المستحبة: الاغتسال للمستحاضة عند دخولِ وقتِ كلِّ صلاة،
المستحاضةُ يسيلُ معها الدمُ باستمرار، وقلنا: إنها تتوضأ عند دخول الوقت، لكنها لو اغتسلت فهو أحسن لِفِعلِ بعضِ الصحابيات اللواتي كُنَّ يستحضن -رضي الله عنهن-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ سادسا/ من الأغسال المستحبة: الغُسل عند الإحرام)
الشرح/ من الأغسال المستحبة: الاغتسال عند الإحرام، لفعله عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ سابعا/ من الأغسال المستحبة: عند دخول مكة ]
الشرح/ لفعله ﷺ كما في الصحيحين
فمن أراد أن يدخُلَ مكة ولم يُرِد لا حَجًّا ولا عمرة فالسنةُ له أن يغتسل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ مَن لَزِمَهُ الغُسل حرم عليه الصلاة، والطواف، ومس المصحف، وكذا على الصحيح قراءة القرآن، إلا أن كانت الآية دعاء وبقصد الدعاء وله أن يتفكر فيه ]
الشرح/ مَن لَزِمَهُ الغُسل يَحرُمُ عليه أن يصلي: فإن صلّى -كما مر معنا- فأبو حنيفة رحمه الله يرى كفرَه،
وكذلك يحرم عليه الطواف: لقوله ﷺ لعائشة رضي الله عنها لما حاضت:
” لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي “
ومَسُّ المصحف: مرّ معنا قول عليّ رضي الله عنه: ” وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ – أَوْ قَالَ يَحْجُزُهُ – عَنِ الْقُرْآنِ شَىْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ “
ومثلُه -على الصحيح- قراءة القرآن عن ظهر قلب: إلا إذا كانت الآيةُ دعاءً مثل: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} ، مثل: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فللجُنُب أن يدعوَ بها بقصدِ الدعاء،
فإن قَصَدَ التلاوةَ: حَرُمَ عليه، لكن إن قصدَ بهذه الآيات المتضمنة الدعاء، وأراد الدعاء: فيجوزُ له.
وهل يُمنَعُ مِن التفكر فيه؟
لا يُمنَع، لأن التفكرَ والتأملَ في الآية مِن غيرِ أن يُحركَ شفتيه ولسانَه ليست بقراءة،
ولذلك لو أن الإنسان الجنب جلس صامتا ويستذكِر بقلبه الآيات فلا جناحَ عليه؛ أي: أي آية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح انه إذا رجي إسلام الكافر لم يُمنَع مِن قراءة القرآن]
الشرح/ الكافرُ إذا رُجِيَ إسلامُه، ظَهَرَت لنا علامات ودلائل على أن هذا الكافر يرغَبُ في الإسلام:
فلا مانعَ أن يُمَكَّنَ مِن قراءةِ القرآن رجاءَ إسلامِه.
وبعضُ العلماء: يُحَرِّمُ ذلك، لكنَّ الذي يظهر: الجواز، لأن النبي ﷺ كما عند البخاري:
” أرسل إلى هِرَقل كتابا وضَمّنَه بعضَ الآيات ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الإسباغ هو تعميم العضو بالماء بحيث يسيل أما المسح فلا ]
الشرح/ النبيُّ ﷺ أمَرَ ” بإسباغ الوُضوء ” (والإسباغ: هو أن يسيلَ الماء) أما ابتلالُ العضو فلا يُعَدُّ غَسْلًا له، فلو أن إنسانا أخَذَ ثلجًا ودَلَكَه على يدِه ولم يحصُل سيلان: فليس هذا بِغَسْل، فلابد أن يكونَ هناك سيلانٌ للماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إن استيقظ ولا يدري أهذا مني أو مذي؟ فيعمل بالقرائن،
فإن لم تكن هناك قرائن فالأحوط أن يغتسل]
الشرح/ إنسانٌ استيقظَ مِن نومِه فَوَجَد بَلَلًا، ما يدري:
هل هو منيّ يُوجِبُ الغُسل؟ أم هو مَذي لا يُوجِبُ الغُسل؟
فنقول له: إن كانت هناك قرائن فاعمل بها، فلو أنك رأيت في منامك جماعا، فنقول: هذا مني.
وإن كنت قبل النوم فكّرتَ في الجماع، فهذه قرينةٌ على أنه مَذي.
لكن إن لم تكن هناك قرينة؟
فقد اختلف العلماء، قال بعضُ العلماء: يجبُ عليه الغُسل؛ وقال بعضُ العلماء: لا يجب.
والصحيح: أنه يجب، لأن النبي ﷺ: ” سُئل عن البلل يراه النائم؟ فأمَرَه أن يغتسل “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [يجوزُ دخولِ الحمام معَ أمْنِ الوقوعِ في مُحَرَّم، ولا يجوزُ للمرأةِ إلا عند الضرورة]
الشرح/ الحمام المرادُ منه: ما كان في العصرِ القديم، وهي الحماماتُ التي يُنزَلُ إليها، وتنبعِثُ منها حرارة لتصفيةِ الجسم، أو لاستخدامِ الماءِ الحار في شِدّةِ البرودة.
فهذه الحمامات يكثُرُ فيها كَشْفُ العورات، ولذا قال ﷺ: ” اتقوا بيتًا يُقال له الحمام، قالوا: يا رسول الله إنه ينفع ويُنقِي، فقال عليه الصلاة والسلام: فمن دخله فلْيستتر ” فإذا أراد الرجل أن يدخُلَ الحمام فيجبُ عليه أن يستُرَ عورتَه، وألّا ينظُرَ إلى عوراتِ غيرِه.
وأما المرأة: فلا يجوزُ لها الدخول إلا إذا اضّطرت، لقوله ﷺ كما عند أبي داود:
” مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ باب التيمم ]
التيمم من خصائصِ هذه الأمة كما ثبت في الصحيحين قال ﷺ:
” جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ”
مسألة/ [ التيمم حكمه كحكم الماء، ويشترط له عدم الماء، أو عدم ثمنه، أو خاف في استعماله أو طلبه ضرر في بدنه أو ماله و نحو ذلك ]
الشرح/ التيمم بالتراب مِثْلُ الماء، فإذا تَطَهَّرَ بالماء فتجوزُ له عبادات، فكذلك التيمم،
وكما أن طهارةَ الماء لا تنتقض إلا بنواقض الوضوء السابقة فكذلك التيمم.
ومتى يصِح التيمم؟
يصح إذا عُدِمَ الماء، فإن كان الماءُ موجوداً فلا يجوزُ التيمم لقوله تعالى:
{ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا }
لكن قد يصح التيمم مع وجود الماء، مثل: أن يكونَ هناك ماء للبيع وليس عنده الثمن، أو عنده الثمن لكن هذا الثمن يضطر إليه في معيشته أوفي الإنفاقِ على أهلِه فيجوزُ له أن يتيمم مع وجود الماء،
أو قد يوجد الماء ويخافُ مِن استعماله، فقد يكونُ الماء مُضِرًّا بِبَدَنِه فيستعملُ التيمم،
أو عنده ماء – هذا الماء قليل لو استعمله لهلَك من العطش أو هلَك رِفاقُه أو هَلَكَت بهائمُه:
فهنا يجوزُ له أن يتيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجمع الجنب بين ما أمكن من غسله من جسمه وكذا الوضوء ويتيمم عن الباقي ]
الشرح/ إذا كان الإنسان جُنُباً وخاف مِن استعمال الماء لشدة برد ونحوه، فهنا:
يجبُ عليه أن يغسِلَ ما استطاع، والذي لا يستطيع أن يغسله فيتيمم عنه،
فإن استطاع الوضوء فليتوضأ ويتيمم عن الباقي، لِفِعلِ عمرو بن العاص رضي الله عنه:
“إذ إنه كان في شدةِ برد، فتوضأ وغَسَلَ مغابِنَه وتيمم عن الباقي تيمم واحد ))
التيمم المعروف: أن يضربَ بيدَيه الأرضَ مرةً واحدة، ويمسح وجهَه وكفّيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة / [ إن وَجَد ما يكفي بعضَ طُهرِه استعمَلَه ثم تيمم]
الشرح/ لو أن عنده ماء – لكنه قليل – لا يكفي إلا لغسل وجهه ويديه:
فنقول له: استخدم الماء أولًا، فتمضمض واستنشق واغسل وجهك ويديك، ثم بقي الرأس والقدمان فليتيمم عنهما حتى يصدق عليك أنك عادم للماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا يجوزُ تأخيرُ الصلاةِ عن وقتِها بحجةِ انتظارِ الماء، فلو كان كذلك لما كانت في مشروعية التيمم أي فائدة ]
الشرح/ إذا عجَز الإنسانُ عن استعمال الماء فيجبُ عليه أن يصلي بالتيمم، ولا يجوزُ له أن يؤخِّرَ الصلاةَ عن وقتِها حتى يجدَ الماء، لأنه لو كان كذلك لما كان في مشروعيةِ التيمم أيُّ فائدة، فهنا قاعدة وهي:
[ أنه لا يجوزُ أن تؤخَّرَ الصلاةُ عن وقتِها لأيِّ عُذْرٍ مِن الأعذار ]
إلا في حالة واحدة اختلف فيها العلماء – وسيأتي بيانها بإذن الله تعالى – لكن على المسلم أن يصليَ الصلاةَ حَسْبَ طاقته وقدرته في الوقت، ولا يجوزُ له أن يؤخرَ الصلاةَ عن وقتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن الترتيب والموالاة لا يشترطان إذا جمعت طهارة الماء مع التراب ]
الشرح/ – مر معنا- أن الإنسان إذا كان في يده مثلاً جُرح، وكان مكشوفاً: يجب غَسْلُه،
فإن لم يستطع: يمسح، فإن لم يستطع: فليتيمم،
وإن كان مستورًا: فليمسح، فإن لم يستطع: فليتيمم.
هذا الجُرح في اليد، هل إذا تمضمض واستنشق وغَسَلَ وجهَه، ثم غَسلَ يدَه اليُمنى -والجُرحُ في اليدِ اليُسرى- هل نقول إذا وصلتَ اليد اليسرى تتيمم؟ أو يجوزُ لك أن تُقَدِّمَ التيمم قبل الوضوء؟
أو يجوزُ لك أن تؤخرَ التيمم عن الوضوء؟
نقول: أنت مُخَيّر، وذلك لأن هذه الطهارة فيها طهارةٌ بالماء – وهو طهارةُ الوجه، وإحدى اليدين، ومَسْحُ الرأس، وغسل القدَمين – وفيها طهارةٌ بالتراب، فهذه هي قاعدة:
[ إذا اجتمعت طهارةُ الترابِ والماء: فلا يُشترَطُ الترتيب ]
وكذلك لا تشترط الموالاة: لو أن إنسانا في يدِه جُرح، ولا يستطيع إلا التيمم، فتوضأ ثم نسيَ أن يتيمم فلم يذكُر إلا بعد ساعةٍ من الوضوء، فهل نقول له: أعِد الوضوء، أو نقول له: تيمم فقط؟
نقول له: تيمم، وذلك لأنه إذا اجتمعت طهارةُ الترابِ والماء فلا ترتيبَ ولا موالاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يجب أن يطلب الماء قريباً منه عرفاً بحيث لا يشق عليه، ولا يفوته وقت الصلاة ]
الشرح/ إذا لم يجد الماء لِيبحَث عنه لأن الله عز وجل قال: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً }
فإذا بحثَ عنه صَدَقَ عليه أنه عادِمٌ للماء.
لكن إن كان يشُقُّ عليه، أو كان الماءُ بعيداً تحصل معه مشقةٌ وضَرر، أو خشيَ لو بحث عنه أن يخرج وقتُ الصلاة، فماذا يقال له؟
الجواب: يقال له تيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن التيمم إنما يشرع للحدث ]
الشرح/ التيمم يُشرَعُ للحَدَث، أما ما ليس بِحَدَث فلا يُشرَعُ فيه التيمم على القول الصحيح.
مثالُ ذلك: الاغتسالُ للإحرام سُنّة، وهو ليس عن حَدَث، فلو أتيت إلى الميقات فلم تجِد الماء:
هل يتيمم لهذا الغُسل؟
الصحيح: أنك لا تتيمم له، وذلك لأن هذا الغُسل ليس عن حَدَث، وعلى هذا فَقِس، وهذا هو اختيارُ شيخِ الإسلامِ رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الصحيح أن كل ما تصعد على وجه الأرض يصح التيمم به ]
الشرح/ كلُّ ما كان مِن أجزاءَ الأرض يصِحُّ التيممُ به، مِن طينٍ ورمْلٍ وتُرابِ – ولو كان متغيرا-
ولا يُشترط على القولِ الصحيح أن يكونَ له غُبار لقوله تعالى: { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً }
فكلُّ ما تصعّدَ على وجه الأرض من رمالٍ وصخورٍ وترابٍ فيجوزُ التيممُ به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ صفة التيمم: أن يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، يمسح وجهه وظاهر كفيه، اليمنى قبل اليسرى، ولم يصح رواية الضربتين، أو إلى المرافق، أو إلى الآباط، أو إلى المناكب والأولى خروجاً من الخلاف أن يرتب مبتدئا بالوجه ]
الشرح/ صفةُ التيمم الواردة عن النبي ﷺ كما جاء في الصحيحين:
” أن يضربَ بيدَيه الأرض ضَربةً واحدة، ثم يمسحَ وجهَه، ثم كفّيه مُبتدئا باليمنى قبل اليسرى “
ويكونُ الوجهُ ابتداءً – خروجاً من الخلاف – لأن العلماء اختلفوا:
فيما لو قدَّم مسْحَ اليدين قبل مَسْحِ الوجه، هل يصح أو لا يصح؟
فيبدأ بمسْحِ الوجه ثم بمسْحِ الكفين.
وورد بأسانيدَ ضعيفة: ” أن الضربَ على الأرض يكونُ مرتين ” ومثلُه في الضَّعف: ” مسْحُ اليدَين إلى المرفقين ” ومثلُه: ” مسْحُ اليدَين إلى الآباط “
ومثلُه: ” مَسْحُ اليدَين إلى المناكِب “
فالصحيح هو ما ذُكِر: من أن التيممَ ضَربةٌ واحدة، يمسحُ وجهَه ويمسح كفّيه فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ صفة التيمم للجنب مثل تيمم من حدثه أصغر ]
الشرح/ فالتيمم صفتُه واحدة لمن به حَدَثٌ أصغر أوبه حدثٌ أكبر، والصفةُ هي ما ذُكِرَ آنِفًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبطلاتُ التيمم:
[ وجود الماء قبل الصلاة، أما بعدها: فلا تجوز إعادة الصلاة، أما في أثناء الصلاة: فالأرجح أن يعيدها ]
الشرح/ مبطلات التيمم:
وجودُ الماء: فإذا وَجَدَ الماء قبل الصلاة: فعليه أن يتوضأ.
فإن وجَدَ الماء في أثناءِ الصلاة: فقولان، الراجح: ” أنه يقطعُ الصلاة ويتوضأ ” لعموم قوله تعالى:
{ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ } وهذا قد وَجَد الماء.
فإذا وَجَدَ الماء بعدما فَرَغَ مِن الصلاة: فلا يجوزُ أن يُعيدَها، لقوله ﷺ كما في سُننِ أبي داود في حقِّ مَن لم يُعِدِ الصلاة قال: ” أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلاَتُكَ “
وَقَالَ لِمَن تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: ” لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ ” لأنه كان جاهلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ التيمم آخر الوقت لراجي الماء أفضل، بشرط أن لا يفوت الجماعة ]
الشرح/ مَن لم يجدِ الماء في أولِ الوقت، لكنه يرجو أن يجِدَه في آخِرِ الوقت:
فالأفضلُ له أن يُؤخِّرَ الصلاة، وليس بواجب لكنه مسنون، إلا إذا كانت هناك جماعة لو أخَّرَ الصلاة إلى آخِرِ الوقت فتفوتُه الجماعة: فيجبُ عليه أن يصليَ بالتيممِ في أولِ الوقت.
فإذًا/ التيمم في آخِرِ الوقت لراجي الماء أفضل مِن التيمم في أولِ الوقت، إلا إذا ترتَّبَ على ذلك تفويتُه لصلاة الجماعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ من ضيَّع الحزم بتركه حمل الماء وتيمم فالصحيح أنه لا يُعيد، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله]
الشرح/ هذا هو رأيُ شيخِ الإسلامِ رحمه الله ، فلو أن إنساناً سيذهبُ إلى البر وهو يعلمُ أنه سيحتاجُ إلى الماء في وضوئه، وهو قادرٌ على حَمْلِ الماء، لكنه فرَّط وتهاون، فلما ذهبَ إلى مكانِ بُغيتِه حضرت الصلاة وليس ثمتَ ماء:
فيقال له: صلِّ ولا إعادةَ عليك، لكنه آثم بِتَرْكِهِ الحزم في أخْذِ الماء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ لا علاقة بين التيمم والمسح على الخفين ]
الشرح/ لا عَلاقةَ للتيمم بالمسْحِ على الخفين، لأن التيممَ في عضوين: الوجه والكفان،
أما المسْحُ على الخفين فموضعه في القدمين، والتيمم لا عَلاقةَ له بالقدَمين، ولذا/
لو خَلَعَ الخفين أو لبِسَهما بعد التيمم لا عبرةَ بأحكام المسْحِ مع التيمم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يختار شيخ الإسلام رحمه الله التيمم لكل من يخاف فواته كصلاة الجمعة ]
الشرح/ شيخُ الإسلامِ – رحمه الله – يرى أن مَن خَشِيَ أن يُفَوِّتَ واجبًا، أو ما لا يمكنُ قضاؤه على وجهِ الانفراد: يرى أنه يتيمم.
مثالُ ذلك: لو أنه حَضَرَ إلى الجُمُعة والإمامُ في الركعةِ الأخيرة، إن توضأ فاتتُه الركعة، وإذا فاتته الركعةُ الأخيرةُ مِن صلاةِ الجمعة فاتته صلاةُ الجُمُعة، وإن تيمم أدرَكَ الركعةَ الأخيرة:
فيقولُ الشيخ – رحمه الله-: يتيمم.
والأقربُ: أنه لا يتيمم، لأن مِثلَ هذا يَكْثُرُ وقوعُه في عصرِ النبيِّ ﷺ ولم يُنقَل، والأصل أن الماء هو المُقَدَّم، وقد قال تعالى: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } وهذا واجِدٌ للماء، حتى لو فاتتُه صلاةُ الجمعة فهناك بديلٌ لها عند فواتِها وهي: صلاة الظهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بابُ الحيض
الحيض: كما قال ﷺ في الصحيحين: ” إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ” خَلَقَه اللهُ عز وجل لغذاء الجنين، ولذا الحامل في الغالب أنها لا تحيض، لأن هذا الدم ينحبس فيتغذى به الجنين عن طريق السُّرَّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الحيض لا حد لأقله في السن، ولا لأكثره، وكذا لا حد في عدد أيامه قلة أو كثرة، ما لم يتجاوز أكثر الشهر فتكون مستحاضة، أما من كانت عادتها مستقرة ولو كانت أكثر الشهر كمن عادتها عشرين يوماً فحيض ]
الشرح/ أحكامُ الحيض عَقَّدَهُا أي: (صَعَّبَها) بعض فقهاء الحنابلة، لكن أتى شيخ الإسلام رحمه الله فطَرَح ما لم يدل عليه الدليل فأصبح هذا الباب من أيسرِ الأبواب، لأن من قرأ في كتاب الحيض في كتب الفقهاء يصعُبُ على طالب العلم فَهْمُه فكيف بالنساء!؟
وعلى كل حال ما ذكر هنا هو القول الراجح.
أولًا/ ” لا حد لأقلِّه في السن ولا لأكثره “
دمُ الحيض له صفات: ” أسود – ثخين، يعني: [ غليظ ]- كريهُ الرائحة “
إذا وُجِدَ هذا الدم بهذه الصفات: فهو دمُ حيض،
وإذا لم توجد فيه هذه الصفات: فليس بدم حيض ولا يترتبُ عليه أحكامُ الحيض.
فلو أن البنت جاءها الحيض وهي بنتُ ستِّ سنين فهو حيض، بنتُ سبع فهو حيض،
عمْرُها خمسون سنة أو ستون سنة ومعها هذا الدم المعروف بهذه الصفات فهو دمُ حيض، لأن الله عز وجل قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} ولم يُقَيِّد بِسِنٍّ مُعَيّن.
وكذلك: ” لا حَدَّ في عدد أيامِه قِلّةً أو كَثْرَة “
فلو أن المرأة رأت هذا الدم المعروف بهذه الصفات في يوم فهو دمُ حيض، يمكن المرأة ما يأتيها في الشهر هذا الدم إلا يوماً ثم تطهُر، فهذا دمُ حيض،
يأتيها في يومين: دمُ حيض، يأتيها في عشرة أيام: دمُ حيض، عادتُها خمسة عشر يومًا: حيض.
لكن إذا كان ستة عشر أو سبعةَ عشر أو عشرين أو خمسة وعشرين:
فليس بدم حيض لأنه تجاوز أكثر الشهر، إلا في حالةٍ واحدة: ” إذا كانت المرأةُ عادتها مستقرة “
بعضُ النساء قد تكون عادتُها عشرين يوماً ما تختلف، فعادتُها: عشرون يومًا،
بعض النساء عادتها سبعة عشر يومًا مستقرة في كل شهر، فعادتها: سبعة عشر يومًا،
لكن إن اختلفت العادة مرةً ومرة قد تجاوزَ أكثرَ الشهر: فليس بحيض وإنما يكونُ استحاضة،
وحكم المستحاضة سيأتي – إن شاء الله جل وعلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ متى ما وُجِدَ الدم الذي هو أذى بصفاته المعروفة:
السواد والغلظة والنتانة وعدم التجمد: فهو حيض ]
الشرح/ هو لا يتجمد -عند الأطباء – لأنه تجَمَّدَ في الرَّحِم.
فهذه هي صفاتُه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الأصل في الحامل أنها لا تحيض، لكن لو جاءها الدم في وقته كما كان يأتيها قبل الحمل دون زيادة أو نقصان فهو حيض ]
الشرح/ الحامل في الغالب لا تحيض، وذلك لأن هذا الدم ينحبس فيتغذى منه الجنين، لكن قد تحيض بشرط، وهو:
أن يأتيها الدم بهذه الصفات المعروفة، وهو نفس الدم الذي كان يأتيها قبل الحمل، وفي نفس اليوم، ونفس العدد، فإذا كانت قبل الحمل تحيض سبعة أيام في اليوم الأول من الشهر، فجاءها نفسُه بعد ما حمَلَت في اليوم الأول وسبعة أيام، فيُعَدُّ دَمَ حيض.
وأما إذا اضطرب – هذا حتى لو كان بصفاتِ دمِ الحيض -:
فلا يُعد حيضاً لأن الأصلَ في الحامل أنها لا تحيض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ مَن أتاها الحيضُ اولَ أمْرِها فلا تتقيدُ بعدد؛
فإن طالَ فهو دمُ حيضٍ ما لم يتجاوز أكثرَ الشهر،
فنقول لها في الشهر القادم اعملي بالتمييز،
فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها تمييزٌ غيرٌ منضبط: فتجلِسُ غالبَ حيضِ نساء أهلها ]
الشرح/ هذه المرأة – التي هي البنت أولُ مرة يأتيها الحيض – هذه المبتدأة – أول مرة يأتيها الحيض، فنقول لها: إذا كان هذا الحيض بصفاته المعروفة: فهو دمُ حيض،
لكن إن تجاوز أكثر الشهر، استمر معها الدم فتجاوز أكثرَ الشهر؟ فنقول: أنت مستحاضة.
فلو قالت: ماذا أعمل في الشهرِ القادم؟
نقول: الأيامُ التي يأتي فيها الدم وهو أسود ثخين فهي أيامُ حيض، فإذا زالت هذه الصفات منه اغتسلي وصلي، وأما الدمُ الأحمر فهو دمُ استحاضة.
إن قالت: لا أستطيع أن أمَيِّز، الدم مضطرب، ربما ساعة يأتي أسود وساعة يأتي أحمر؟
فنقول: اجلسي غالب حيضِ نسائك؛ بمعنى/ نقول لها: أخواتُكِ، أمهاتُكِ الأكثر منهن كم يحِضْن؟
فإن قالت: الغالب فيهن أنهن يحضن عشرة أيام، والقِلّة منهن – أي: بعضُهن – يحضن خمسة أيام وبعضُهن سبعة أيام.
فنقول: ما هو الأكثر هل هي الخمسة أو السبعة أو العشرة؟
قالت: العشرة، نقول: إذن أنت عادتُك عشرةُ أيام.
إذاً/ المبتدأة نقول لها: إن الدم المعروف بهذه الصفات هو دمُ حيض، فإن تجاوز أكثر الشهر؟
فنقول لها: اعملي بالتمييز، ما كان في الأيام يأتيك الدم بصفاته الاسوداد والنتانة فهو دمُ حيض،
وأما الأحمر فهو استحاضة.
إن قالت: لا أستطيع أن أميز؟ فنقول: انظري إلى غالب عادة نسائك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ من زادت عادتها أو نقصت أو تقدمت عن وقتها أو تأخرت فيعتبر حيضاً لأنه أذى ]
الشرح/ ربما تكونُ عادةُ المرأة عشرة أيام، وفي أحدِ الشهور نَقَصَت أصبحت سبعة!
فنقول: عادتك سبعةُ أيام.
نحن مع هذا الدم المعروف بهذه الصفات، هنا نقصت عادتُها، فعادتها عشرةُ أيام ثم أصبحت سبعة أيام، وفي أحد الشهور أصبحت عادتُها ثلاثةَ عشر يومًا
فنقول: عادتُك ثلاثة عشر يومًا.
فنحن مع هذا الدم، إلَّا إذا تجاوزَ أكثرَ الشهر: فيكونُ دم استحاضة،
فإذا كان دم استحاضة، نقول لها ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
لو أنَّ المرأة تأتيها العادة في اليوم السابع من كل شهر، الشهرُ القادم أتاها الدم في اليوم الثاني؟
نحن مع الدم، فنقول: عادتُك من اليوم الثاني،
لو أن عادتَها في اليوم السابع، فلما جاء الشهر القادم أصبحت عادتُها في اليوم العشرين؟
فعادتها في اليوم العشرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ مَن لها عادة مستقرة ثم تغيرت عادتُها واضطربت؟ فنقول: هو حيضٌ ما لم يتجاوز أكثرَ الشهر، فإن تجاوزَ، قلنا: في الشهر القادم اجلسي عادتك المعروفة،
فإن نسيت عادتها: تعمل بالتمييز؛
فإن لم يكن لها تمييز أولها تمييز غير منضبط: فغالب حيض نساء أهلها ]
الشرح/ (المبتدأة) قلنا: أنها تعتبر هذا الدم حيضا ما لم يتجاوز أكثرَ الشهر،
فإن تجاوز؟ فنقول لها: اعملي بالتمييز،
فإن لم يكن لها تمييز أو كان لها تمييز غيرُ منضبط؟ فغالبُ حيضِ نسائها.
عندنا الآن ليست مبتدأة، هذه امرأة (معتادة) مثلًا/ امرأة عادتُها سبعة أيام، فزاد معها الدم، ماذا نقول؟
نقول: دمُ حيض، فإن تجاوز أكثرَ الشهر؟
فنقول: أنت مستحاضة، نقولُ لها: في الشهر القادم اجلسي عادتَك – لستِ مبتدأة – المبتدأة ليس لها عادة حتى نُرجِعَها إليها، أنتِ الآن مُعتادة، كم عادتُكِ؟
قالت: سبعة أيام وأنا في اليوم الثالث.
فنقول: إذا جاء الشهر القادم في اليوم الثالث – لأن هذا الدم مستمر معها – إذا جاء اليوم الثالث من الشهر اجلسي سبعة أيام ثم اغتسلي ولو كان معكِ هذا الدم المعروف.
فإن قالت: نسيت عادتي، ما أدري؟!
نقول: اعملي بالتمييز
فإن قالت: ليس لي تمييز أو التمييز عندي غيرُ منضبط؟
فنقول: عليك بغالب حيض نسائك.
أُعيد مع ذِكْر وجه المقارنة بين المبتدأة والمُعتادة:
المبتدأة في الأصل ليس لها عادة، لأن الحيض أتاها أول مرة، فنقول: إذا تجاوز أكثرَ الشهر أنت مستحاضة؛ فماذا تصنع؟ تعمل بالتمييز،
فإن لم يكن لها تمييز ـ أو كان تمييزُها غيرَ منضبط – ساعةً وساعة -؟
فنقول: غالب حيض نسائك.
أما المعتادة/ إذا زادت عادتُها كأن تكونَ عادتُها سبعة أيام فزادت؟ فنقول: هو حيض.
فإن تجاوز أكثرَ الشهر، هل نقول لها بالتميز أو عادتك الأولى؟
عادتُكِ الأولى، فإن قالت نسيتُ عادتي؟ فنعملُ معها مثل ما عمِلْنا في المبتدأة.
الأصل أن المعتادة: نعيدها إلى عادتِها، ولا نجعلُها مثل المبتدئة إلا في حالة واحدة:
إذا نسِيَت عادتَها، فنقول: افعلي مثل ما تفعل المبتدأة:
” التمييز، فإن لم يكن تمييز أو التمييز غير منضبط فغالبُ حيضِ نسائك “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الكدرة والصفرة في زمن الحيض حيض أما قبله أو بعده فلا ]
الشرح/ الكُدرَة: سائل يأتي المرأة فيه لون يُشبه اللون البني.
والصُّفْرَة: سائل يأتي المرأة فيه اصفرار.
فهذه لا تُعَدُّ حيضا إلَّا إذا كانت في أيامِ الحيض،
فلو أن المرأة طهُرَت مِن حيضِها ثم أتتها الكدرةُ والصفرة؟
فهذه الكدرة والصفرة لا تُعَدُّ شيئا، ولا يترتبُ عليها حكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ جفاف المرأة نصف يوم أو يوم لا يعد طهراً على الصحيح ]
الشرح/ بعضُ النساء قد ينقطع عنها الدم في أيام حيضِها ساعات أو نصفَ يوم أو يوم:
فهذا الانقطاع لا يجعلُها طاهرة – على الصحيح – لأن هذا يأتي غالبًا للنساء،
فنصفُ اليوم أو اليوم لا يُعَدُّ طُهْرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الحائض و النفساء تقضيان الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان ]
الشرح/ الحائض والنفساء بعد الطُّهْر تقضيان الصوم لا الصلاة، لقول عائشةَ – رضي الله عنها – كما في الصحيحين: ” عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ؟
فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ “
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ يحرم وطؤها في الفرج، فإن فعل وهو ذاكرٌ عالمٌ مختار: أثِم ولَزِمَتْهُ الكفارة (دينارٌ أو نصفُ دينار) والمرأة مثله إن طاوعته، والمراد بالعلم هنا: هو العلم بالحكم لا بما يترتب عليه ]
الشرح/ الحائض يَحرُمُ وَطؤها في الفرج،
لقوله ﷺ كما عند مسلم: ” اصْنَعُوا كُلَّ شَىْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ ” يعني: إلا الجماع،
فله أن يُقَبِّلَها، وأن يباشِرَها لكن مِن غيرِ الجماع، فإن فَعَل فهو آثم، هذا إذا كان عالما ذاكرا مختار،
أما إذا كان جاهلًا: فلا شيء عليه.
أو كان عالمًا لكنه نسي لغلبة الشهوة: فلا شيءَ عليه
أو مُكْرِهًا: هو عالم وذاكر أنه حرام، لكن قالت له زوجته: إن لم تُجامع قتلتُكَ، فلا شيء عليه.
فإن فعل عالماً ذاكراً مختارا: فقد أثِم وتلزمُه الكفارة – على القول الصحيح، خلافا لمن أسقطها – لأن الحديث الوارد في سنن أبي داود حديثٌ صحيح قال ﷺ: ” يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ “
وهو مُخَيَّر؛ والدينار مِن الذهب ووزنه: [ أربعةُ جرامات وربع ]
أو هو ما يساوي: ” نصفَ جُنيه من الذهب السعودي “
والمرأة مثلُه في الحكم إن طاوعتْهُ، لكن إن أكرَهَها: لا شيء عليها.
أو كانت جاهلة: لا شيء عليها، أو كانت ناسية: لا شيء عليها.
والكفارةُ تلزم مَن عَلِمَ الحكم حتى لو جَهِلَ حكمَ الكفارة:
لأنه قد يقول: أنا أعلم أن الوطءَ في فرج الحائض حرام، لكن لو أنني أعلم بالكفارة ما أقدَمْت!
فنقول: عِلْمُك بالحكم كافٍ بإلزامك بالكفارة حتى ولو كنت جاهلًا بالكفارة.
لذا لو أن المتزوج الثيّب زنا فَحَدُّه الرجم، لو قال: لو كنتُ أعلمُ بأن الحد هو الرجم ما أقدمت!
فنقول له: أنت تعلم أن الزنا حرام؟ يقول: نعم، لكني أجهل ما يترتبُ عليه؟
نقول: عِلْمُك بالحكم كافي في إقامةِ الحد عليك.
وعلى هذا فقِس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إن انقطع الدم لم يبح شيء إلا الصيام والطلاق ولو طلقها في الحيض، وأما بقية الأمور فلابد من الغسل ]
الشرح/ إذا انقطع دمُ الحائض فلا يجوزُ شيء، فلا يجوز جِماعُها حتى تغتسل،
لكن هناك أشياء يجوزُ أن تُفعَل قبل أن تغتسل، لكن متى؟
إذا انقطع الدم، فإذا انقطع الدم ولم تغتسل فيجوز أمران فقط:
الأمر الأول: ” الصيام ” فلو أنها طهُرَت قبل أذانِ الفجر بثواني، نقول لها:
انوي الصيام ولو كان الغُسلُ بعد الأذان.
الأمر الثاني: ” الطلاق ” فطلاقُ الحائض حرام، يحرُم على الزوج أن يُطَلِّقَ امرأتَه وهي حائض،
لكن لو أنها كانت حائضًا ثم انقطع الدم وبقي الغُسل؟ فيجوزُ أن يطلقها،
فإذا انقطع الدم يجوز الطلاق حتى لو لم تغتسل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ سبق معنا أن من حدثه مستمر لا يصح وضوؤه إلا إذا دخل الوقت فيصلي فرضه وما شاء من النوافل إلى وقت الصلاة القادمة، وينظف المحل، ويتحفظ فإن غلبته النجاسة وقطرت لم تبطل الطهارة لكن إن قصر في الشد وجب إعادة الشد وغسل المحل من جديد إلا إذا كان يتأذى من الشد أولا يمكن عصبه كالبواسير ]
الشرح/ المستحاضة، ومَن به سلسُ بول، ومَن استمر معها الكدرة والصفرة في غيرِ زمنِ الحيض، ومن به سلس ريح:
قلنا: إنه يصح وضوؤه إذا دخل الوقت، فإذا دخل الوقت فيتوضأ ويصلي فرضَه،
فإن كانت عليه فائتة هل يصليها بهذا الوضوء؟
اختلف العلماء، والصحيح: أنه يصلي فرضَه وما شاء من النوافل.
وهؤلاء المُبْتَلون يَعصِبُون المَخْرَج (يَغْسِلونَه ويِعصِبُونَه) ويُغني عنه التَحَفُّظ في هذا العصر،
فإن اجتهد ثم قطّر أو نزلت النجاسة؟
فلا يُلزَم بإعادةِ الشَّد والتَّحَفُّظ والغَسْل مرةً أخرى.
لكن إن كان مُفَرِّطًا: فيُلزَم إلّا إذا كان الدم مثلًا يُحرِقُها لو تحفّظت فلا تُلزَم بذلك،
أو لا يمكن عَصْبُه ” كالبواسير “: فكذلك لا يُلزَمُ صاحبُه بذلك دَفْعًا للمشقةِ والضرر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ من يلحقه السلس قائما أو تمتنع قراءته قائما فيصلي قاعداً بخلاف الركوع والسجود فلا يكفيه الإيماء ]
الشرح/ هذه مسألة ذَكَرَها الفقهاء:
إنسانٌ إن صلّى قائما أصابَهُ السلس، وإن صلّى قاعداً لم يُصِبْه السلس؟ قالوا: يصلي قاعدًا.
إنسان إن قام لم يستطيع أن يقرأَ الفاتحة، وإن جَلَسَ استطاع؟ قالوا: يصلِّي قاعدًا.
إنسان إن رَكَعَ أو سَجَد لَحِقَه السلس، لكن إن أومأ برأسِه للركوع والسجود لم يَلْحَقْهُ السلس؟
فقالوا: لابد مِن الركوعِ والسجود، أما الإيماء فلا يُغني؛
فيستثنون الركوعَ والسجود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [قال ابن قدامه رحمه الله:
إذا توضأ من حدثه مستمر قبل الوقت وخرج منه شيء بطلت طهارته]
الشرح/ مَن به هذه الأعذار ” سَلَسُ بول أو استحاضة “، قلنا: وضوؤه إذا دخل وقتُ الصلاة.
لكن لو أنه توضأ قبلَ دخولِ وقتِ الصلاة ولم ينزل معه شيء؟
فنقول: إن بقِيَ ولم ينزل معه شيء حتى دخل وقتُ الصلاة: فطهارتُه صحيحة،
وإن نزل معه شيءٌ قبل أن يدخل الوقت: فطهارتُه باطلة.
ودليلُ هذه المسألة: قوله ﷺ في المستحاضة: ” توضَّئي لِكُلِّ صلاةٍ حتى يجيءَ ذلكِ الوقتُ “
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ من حدثه مستمر وقد دخل في الصلاة عقيب طهارته أو تأخر بالدخول في الصلاة لأمر يتعلق بمصلحة الصلاة كانتظار جماعة فقولان والأقرب صحة الصلاة ]
الشرح/ إنسانٌ مبتلًى بهذه الأعذار، فيقالُ له: – وخصوصا المستحاضة – لتصلِّ مباشرةً
لكن لو أنها أخَّرَت مِن غيرِ مصلحةٍ للصلاة فنزَلَ معها هذا العذر: فطهارتُها باطلة.
لكن إن أخَّرَ مَن به عذر لمصلحة الصلاة كانتظار جماعة، ونزل معه هذا العذر؟
فلا شيءَ عليه وطهارتُه صحيحة.
مثالُه: إنسانٌ به سَلَسُ بول، فنقولُ له: توضأ إذا دخلَ الوقت، والواجبُ عليه أن يصلي إذا كان منفردًا، لكن إذا كان ينتظرُ الجماعة وتأخّر عن الدخول في الصلاة لانتظار الجماعة – وانتظار الجماعة لمصلحة الصلاة – فطهارتُه باقية وصحيحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ إذا توضأ وانقطع الحدث لبرء بطلت الطهارة أما ان كان يتقطع فلا تبطل على الصحيح، إذاً طهارتهم باقية ما لم يحصل شفاء أو يخرج وقت الصلاة أو يحدث حدثا سوى الحدث المستمر ]
الشرح/ مَن به عذر، قلنا: إنه يتوضأ إذا دخل وقتُ الصلاة، وتكونُ طهارتُه صحيحة،
ولا تبطُلُ هذه الطهارة إلا بواحد مِن ثلاثةِ أشياء، وهي:
أولًا/ إذا خَرَجَ وقتُ الصلاة:
فمثلا: توضأ لصلاة الظهر، فإذا خرج وقتُ صلاةِ الظهر، ودخَلَ وقتُ صلاةِ العصر: بَطَلَت طهارتُه ويلزمُه وُضوءٌ آخَر لوقتِ صلاةِ العصر، فإذا خرج الوقت تبطُل الطهارة.
قد لا يخرُجُ الوقت وتبطُلُ الطهارة، وهو الأمر الثاني، متى؟
ثانيا/ إذا شفاهُ اللهُ عز وجل قبل أن يخرُجَ الوقت: فهنا تبطل طهارتُه.
الأمرُ الثالث: قد لا يخرُجُ الوقت وتبطُلُ طهارتُه، متى؟
ثالثا/ لو كان العذر الذي به – سلس بول وهو مستمر معه – فخرج منه ريح، هذا الريح حَدَثٌ غيرُ حَدَث سلس البول: فتبطُل طهارتُه.
إذًا/ نقول: إن طهارتَه إذا توضأ عند دخولِ الوقت صحيحة ولا تبطُل إلا بواحدٍ مِن ثلاثةِ أشياء:
إذا خرج وقتُ الصلاة، أو شفاه الله قبل خروج وقت الصلاة،
أو أحدَثَ حَدَثًا آخَر سِوى الحدَث المستمرِّ معه.
لو قال قائل: لو كان الدم، أو كان هذا العذر يتقطع، ساعة ينقطع وساعة يأتي، فماذا نقول في طهارتِه؟
الجواب/ قولان لأهل العلم؛ والصحيح: أن طهارتَه باقية، لأن النبي ﷺ لما أرشد المستحاضة لم يسألْها هل كان يتقطع أحيانا أولا يتقطع،
-وفي هذا مشقة – لو قيل: إن انقطع الدم يلزمُكَ أن تتوضئي مرةً أخرى! لحصلت مشقةٌ كبيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ المستحاضة يجوز على الصحيح مِن غيرِ كراهة أن يُجامِعَها زوجُها ]
الشرح/ المستحاضة في عداد الطاهرات
والمستحاضة: هي التي تجاوزَ دمُ حيضِها أكثرَ الشهر، فهذه معها الدم، هل يجوزُ لزوجِها أن يُجامِعَها؟
القولُ الراجح: أنه يجوز لأنها في عداد الطاهرات، والمستحاضات في عصر النبي ﷺ أوصلهن البعض إلى ” عشْرِ نِسوة ” والبعض إلى: ” سبعَ عشْرَةَ امرأة “
ولم يأمر عليه الصلاة والسلام أزواجَهن أن يعتزلوا نساءهم.
فهي تختلفُ عن الحائض، فالحائضُ وطؤها في الفرج حرام، أما المستحاضة فالصحيح: الجواز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الأقرب أن رطوبة فرج المرأة طاهرة أما النقض تنقض لأنه خرج من السبيلين ]
الشرح/ المرأةُ يخرُجُ مِن فَرْجِها رطوبة، هذه الرطوبة – الصحيح -:أنها طاهرة، لأن الصحابةَ – رضي الله عنهم – كانوا يُجامِعون زوجاتَهم وما كانوا يتحرزون مِن هذه الرطوبة، لكن هل تنتقضُ بها الطهارة؟ يعني: المرأة إذا كانت متوضئة وخرجت منها هذه الرطوبة،
هل ينتقضُ وضوؤها لأنها رطوبةٌ خَرَجَت مِن السبيلين؟
هناك خلافٌ بين العلماء، والأحوطُ: ” أنها تنقُضُ الطهارة “
إلَّا إن ثَبَتَ عن طريقِ الطب أنَّ هذه الرطوبة مِن المُسَلَّمات الاعتيادية التي تجري على النساء، ولا يمكن لأيِّ امرأة أن تخلوَ مِن هذه الرطوبة، فهنا نقول:
إنها لا تنقُضُ الطهارة، وذلك إذا ثبت هذا عن طريق الطب أو عن طريق التتبع، والدليل:
أن الصحابيات يحصلن لهن مِثْلُ هذا، وهو كثير، ولم يأمرهن عليه الصلاة والسلام بأن يتطهرن؛
ومعلوم أنهن يصلين، وأنهن يطفنَ بالبيت، وأنهن يقرأن القرآن، أشياءَ كثيرة،
لكن بما أنه لم يحصل بحث في هذا، فهي: ناقضةٌ للوضوء إلا إن ثبت ما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بابُ النِّفاس
النِّفاس مثل الحيض، وأحكامه كالحيض، إلّا في أشياء استُثنيت، لكن هو مِثلُ الحيض في غالبِ أحكامِه.
مسألة/ [ لا يثبت النفاس إلّا إذا وضعت ما تبين فيه خلْق الإنسان، وإلّا يكون دم فساد، تُعتبر في عِداد الطاهرات ]
الشرح/ في الدروس الماضية قلنا: إنها إن وَضَعَت ما لم يتبيّن فيه خَلْقُ الإنسان، مثلُ: رِجل أو رأس،
فإنه لا غُسْلَ عليها، وذلك لأنه ليس بنِفاس؛ فكذلك هنا:
المرأةُ إذا وَضَعت ما لم يتبيّن فيه خَلْقُ الإنسان مِن رأسٍ أو رِجْلٍ أو يد: فهذا الدم النازلُ معها لا تغتسِل له وتصلي وتصوم لأنها ليست نُفساء.
لكن يلزمُها عند الصلاة: أن تتوضأ عند دخولِ وقتِ كلِّ صلاة، تُنَظِّفُ المَحَلّ وتَغْسِلُه وتتحفّظ.
متى يكونُ نِفاسًا؟ إذا وضعت المرأةُ ما تبيّن فيه خَلْقُ الإنسان، من يد أو رِجْل أو رأس،
إذا لم يتبيّن شيء: فليس بِنِفاس.
متى يتبيّن في الغالب؟ إذا مَر على الجنين تسعون يومًا،
وما دون واحد وثمانين فليس بنفاس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ أكثر مدة نفاس أربعون يوما، فإن انقطع الدم قبله فهي طاهرة، وما فعلته صحيح، وإن عاد الدم في الأربعين بعد هذا الطهر بنفس صفات دم النفاس فهو نفاس وإلا فلا،
أما إن استمر معها أكثر من أربعين يوما فهو دم فساد، إلا إذا وافق هذا الدم عادتها قبل الحمل ]
الشرح/ مُدّةُ النِّفاس: ” أربعون يومًا ” على الصحيح
لما عند أبي داود عن أم سَلَمةَ رضي اللهُ عنها:
” كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ”
فإذا انتهت الأربعون وقد انقطعَ الدم مع الأربعين: فهي طاهرة
وإن استمر الدم بعد الأربعين: فليس بنِفاس، إلّا إذا كان انتهاءُ نِفاسِها هو وقت عادتِها في الحيض قبل الحمل، مثالُ ذلك:
كانت تحيض قبل الحَمْل في اليومِ الثالث من الشهر، فَحَمَلَت، فَوَضَعَت، فلما جاء يومُ الأربعين إذا به يوافق اليوم الثالث من الشهر:
نقول: هذا الدم دمُ حيض؛ لكن إن لم يُوافِق دمَ عادتِها: فهو استحاضة.
إن انقطعَ الدم قبلَ الأربعين: فلْتغتسل وتُصلي وهي طاهرة، وصلاتُها وصيامُها صحيحان.
فلو طهُرت في العشرين: فصامت وصلّت عشرةَ أيام، ثم بعد العشرة جاء الدم، فنقول:
إن كان بنفس الدم السابق: فهو دمُ نِفاس.
لو قالت: ما حالُ صلاتي وصيامي في العشَرة الماضية؟
نقول: هي صحيحة، لكن إن كان الدم بعد هذه العشرة ليس بنفس الصفات السابقة فهو دمُ فساد يأخذُ حكم الاستحاضة.
ـــــــــــ
خلاصة القول: إنَّ مدة النِّفاس إلى أربعين يوما، فإن انقطع مع الأربعين: فقد طهُرَت،
وإن استمر؟ فيُنظَر: إن كان هذا الدم وافَقَ وقتَ عادتِها قبلَ حَمْلِها فهو دمُ حيض،
وإلّا فهو دمُ فساد، يعني: استحاضة.
وإن انقطع قبل الأربعين: فتُعَدُّ طاهرة وتصلي وتصوم،
فإن عاد الدم بنفس الصفات السابقة: فهو دم نفاس، وما صامته وما فَعَلَتْهُ مِن عبادات فهي صحيحة،
لكن إن كان هذا الدم غيرَ الدم السابق؟ فهو دمُ فَسَاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ النفساء كالحائض فيما سبق ]
الشرح/ يَحرُم وَطء الحائض: إذًا يَحرُم وَطء النُّفساء.
تجبُ الكفارة في وطء الحائض: إذًا تجبُ الكفارة في وَطء النُّفساء.
يجوزُ أن يُباشِرَ الحائض في غيرِ الفرج: فكذلك النُّفساء.
فما يَحِل وما يَحرُم وما يجب في الحائض، يكونُ في النُّفساء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة/ [ الراجح أنها إن طهرت فلا يلزمها إلا قضاء صلاة الوقت كالعصر مثلا ولا تلزم بالظهر، أما إن دخل عليها الوقت وهي طاهرة ثم حاضت فبعد الحيض تقضي هذه الصلاة على الأحوط ]
الشرح/ امرأةٌ كانت حائضًا فَطَهُرَت -مثلًا- في وقتِ العصر: فنقول لها: صلّي صلاةَ العصر.
وهل نُلْزِمُها بصلاةِ الظهر لأن صلاةَ الظهر تُجمَع مع العصر أم لا؟
الصحيح: أنها لا تُلْزَم، خِلافًا لمن قال تصلي الظهر ثم العصر، لقوله ﷺ كما في الصحيحين:
” مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ” وهي لم تُدرِك إلا صلاةَ العصر،
أما وقت صلاة الظهر فقد أتى عليها وهي حائض؛
فإذًا: إذا طَهُرَت الحائض في وقتِ صلاةِ العصر لا يَلزَمُها إلا صلاة العصر.
لو طَهُرَت في وقتِ صلاةِ العشاء: تَلْزَمُها صلاةُ العشاء ولا تَلْزَمُها صلاةُ المغرب.
عَكْسُها: امرأة كانت طاهرة في وقتِ صلاةِ الظهر فَصَلّت الظهر، ثُمّ لمّا دَخَلَ وقتُ صلاةِ العصر بثوانٍ نَزَلَ معها الدم؟
فإذا طَهُرَت لا تَلْزَمُها صلاةُ العصر، وذلك لأن الوقتَ لا تتمكنُ فيه مِن صلاةِ ركعة،
لكن/ لو أنَّ وقتَ صلاةِ العصر دَخَلَ عليها وجَلَسَت مُدّة، وبعد هذه المُدّة التي يُمكن أن تصلي فيها مقدار ركعة نَزَلَ معها الدم؟ نقول: إذا طَهُرتي تصلينَ صلاةَ العصر.
فمتى ما أدْرَكَت مِن الوقت مِقدار ما تُصلي فيه ركعة: فإذا طَهُرَت تُصَلّيها
أما إذا أدْرَكَت أقَلّ: فلا تُصَلّيها، وهذا هو الأحوط.
مع أنَّ شيخَ الإسلام رحمه الله يقول: ” لا يَلْزَمُها شيء إلّا إذا فَرَّطَت وبَقِيَ على خروجِ وقتِ صلاةِ العصر مِقدار ما تؤدَّى فيه الصلاة “.
وعلى كل حال: إن أدْرَكَت مِن الوقت مِقدار ما تُصلي فيه ركعة: فإذا طَهُرَت تصلي،
وإن أدرَكَت أقلّ: فلا تُصلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ