مختصر فقه العبادات
[ 33 ]
( كتاب الصلاة )
( باب الجنائز )
[ 4 ]
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( أحكام الدفن )
مسألة :
الأفضل عدم الدفن بالليل وإن احتاج ا سراج جاز .
الشرح :
الأفضل عدم الدفن بالليل :
لأنه عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
إلا أن يضطروا
وذلك لأنه حُدث عليه الصلاة والسلام بأن هناك ميتاً لم يحسن في كفنه ففي الليل مظنة الاستعجال به في تغسيله وتكفينه والصلاة عليه لكن إن لم يحصل من الدفن ما ذكر فيجوز الدفن بالليل .
فإن المرأة التي افتقدها النبي عليه الصلاة والسلام قد دفنها الصحابة ليلاً ولم يعلموه ولم ينكر عليهم دفنها بالليل .
وإنما أنكر عليهم أنهم لم يعلموه بوفاتها حتى يصلي عليها
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:
[ إن من شرار الخلق المتخذين على القبور المساجد والسراج ]
فلا يجوز أن تنور القبور ، لكن إن وجدت حاجة لحمل سراج في الليل لدفن الميت فلا بأس بذلك لوروده عنه عليه الصلاة والسلام ع عند دفن بعض أصحابه
مسألة :
يكره إدخال القبر خشباً وما مسته النار تفاؤلاً .
الشرح :
لورود بعض الآثار وهذا من باب التفاؤل لأن هذه الأشياء تمسها النار، فهذا من باب التفاؤل ألا يدخل في القبر شيء مسته النار لا خشب ولا غيره .
مسألة :
الأفضل لمن تبعها أن لا يجلس حتى توضع على الأرض ، والسنة أن يقوم إذا مرت به جنازة .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الجلوس حتى توضع .
س/هل توضع في اللحد أم توضع في الأرض ؟
ج/:
الصحيح حتى توضع في الأرض فإذا وضعت في الأرض فإن له أن يجلس وإلا فالسنة أن لا يجلس فالمتبع لها لا يجلس حتى توضع على الأرض اللهم إلا إن سبقهم وكان هناك مشقة عليه فله أن يجلس وكل هذا مسنون
والنبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم :
[ إذا رأيتم الجنازة فقوموا ]
ولكن هذا الأمر منسوخ
قال علي رضي الله عنه :
[ قام النبي صلى الله عنه وسلم فقمنا وجلس فجلسنا ]
فإذاً السنة إذا رأيت جنازة آتية أن تقوم والسنة إذا تبعتها ألا تجلس حتى توضع على الأرض لكن لو خالفت فلا شيء في ذلك .
مسألة :
السنة أن يدخل الميت سلاً .
الشرح:
بمعنى أنه أول ما يبدأ بإدخال رأسه من قبل رجلي القبر : فيدخل سلاً يقدم الرأس من رجلي القبر. والفعل المفعول به أو القائم في هذه الأيام أنه يوضع وضعاً من وسط القبر ولا بأس بذلك لكن هذا هو المسنون .
مسألة :
اللحد أفضل من الشق ويسن في النصائب اللبن ويجوز بغيره .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
[اللحد لنا والشق لغيرنا ]
ومع ذلك فيجوز الشق لكن اللحد هو أن تحفر حفرة عن يمين القبر مما يلي القبلة هذا هو اللحد .
وأما الشق :
هو أن تحفر حفرة في وسط القبر هذا هو الشق
فالسنة هواللحد .
ولكن لو عمل بالشق فلا بأس بذلك .وقد يستخدم الشق على سبيل الأفضلية إذا كانت الأرض رملية ولا يمكن أن يوضع حفرة عن جانب القبر .
والأفضل في النصائب اللبن كما صنع بالنبي عليه الصلاة والسلام ولذا قال سعد بن وقاص [ انصبوا علي اللبن نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ] وإن وضع غيره فلا بأس بذلك لكن كما أسلفنا ينبغي ألا يكون شيئاً مسته النار .
مسألة :
يكره دفنه في تابوت .
الشرح :
يكره أن يدفن في تابوت لعدم ورود ذلك .لكن إن احتيج كأن تكون الأرض جبلية صلبه يعسر الحفر فيها فالمكروه تبيحه الحاجة .
مسألة :
السنة أن يدفن في البلد الذي مات فيه .
الشرح :
هذه هي السنة إذا مات في بلد يدفن فيها .
ولذا لو أوصى أن يدفن في بلدة غير بلدته التي مات فيها فإن وصيته لا تنفذ .إلا إذا كان غرض صحيح لنقله كأن يطيب خاطر أهله وليستن لهم زيارته أو إلي مكان فاضل مثل الحرمين وأما من حيث الأصل أنه يبقى مدفوناً في البلدة التي مات فيها .
مسألة :
تعميق الحفر سنة ولاسيما عند رأسه ورجليه . والواجب ما يمنع السباع من أن تصل إليه ومن أن تخرج الرائحة .
الشرح :
الواجب في الحفر أن يحفر له حفرة هذه الحفرة
لا تستطيع السباع أن تصل إليها ولا تنبعث منه رائحة . فإذا حفر بهذا المقدار الذي يمنع السباع من أن تصل إليه ويمنع الرائحة من أن تخرج فقد قام المسلمون بالواجب لكن كلما كان الحفر أعمق كلما كان أحسن لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك ولذا قال للحافر ” أوسع من قبل الرأس أوسع من قبل الرجلين “.
مسألة :
يقول مدخله ندباً بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا يشترط في إدخال المرأة المحرم ويوضع ندباً على شقه الأيمن مستقبل القبلة وجوباً
.والأرجح أنه لا يكشف وجهه إلا إن كان محرماً والسنة أن يحثى عليه ثلاث حثيات بيديه كلتيهما جميعاً من قبل رأسه ثم يهال التراب بعد ذلك بالمساحي ونحوها ولا يشرع التلقين على الصحيح بعد الدفن بل السنة أن يقف عند القبر ويستغفر له ويسأل الله له الثبات ولا يقرأ عنده قرآن وتوضع حصباء ويرش بالماء .
الشرح :
يقول مدخله ندباً بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله كما ثبت ذلك في أمره عليه الصلاة والسلام وهو من السنن وتكون هذه السنة عند إدخاله ليس عند دفنه والمرأة لا يشترط في إنزالها في قبرها المحرم فلو أدخلها غير المحرم لجاز . وقد ثبت هذا عن النبي عليه الصلاة والسلام ويوضع على شقه الأيمن كحال النائم فالنائم يسن له أن ينام على شقه الأيمن فكذلك يوضع الميت وأما استقبال القبلة فيجب أن يستقبل به القبلة قال عليه الصلاة والسلام :
[ هي قبلتكم أحياءً وأمواتاً ]
وأما كشف الوجه
س/هل يكشف عن وجهه أم لا ؟
ج/الصحيح :
أنه لا يكشف عن وجهه إلا إن كان محرماً لأن المحرم كما جاءت رواية عند مسلم مختلف في ثبوتها قال :
“ولا تخمروا رأسه ولا وجهه “
ومن هنا من باب الأحوط يكشف وجه المحرم ,
والسنة :
أن يحثو عليه المسلم ثلاث حثيات بيديه كلتيهما من قبل الرأس كما فعل عليه الصلاة والسلام
وذلك من باب أن يتذكر الإنسان أن هذا الأمر مآله من كان يأكل ويشرب ويجلس معه وأن ما أصابه سيصيبه ثم بعد ذلك من باب الإسراع في الدفن يهال عليه التراب بالمساحي ونحوها
ولا يشرع التلقين على الصحيح بعد الدفن لا يقال عند رأسه بعد الدفن ” يا فلان ابن فلان تذكر لا إله إلا الله إذا جاءك الملكان فقل أشهد أن لا إله إلا الله ” هذا ليس بوارد في سنة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافاً لمن أسنه .
وإنما السنة كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه يقف عند قبره ويقول :
“استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل “
فيسأل الله له الثبات ولو رفع يديه أثناء الدعاء فقد وردت السنة بذلك عند زيارة المقبرة ولا يقرأ عنده قرآن كما أسلفنا لا قراءة لا عند الاحتضار ولا بعد الموت ولا في المقابر ولا عند زيارتها .
وبعد دفنه توضع الحصباء وُيرش الماء كما هي سنة المسلمين المعمول بها وقد ورد في ذلك آثار يؤيدها عمل المسلمين من القديم .
مسألة :
يكره المشي بالنعلين بين القبور إلا لحاجة كشوك مثلاً
الشرح :
لقوله عليه الصلاة والسلام لرجل لما رآه يمشي بين القبور قال:
[ألقي سبتيتيك يا صاحب السبتيتين ]
وهما نوع من أنواع النعال وإنما قلنا بالكراهة وليس بالتحريم لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن المشيعين إذا ولوا عن الميت قال عليه الصلاة والسلام [ إنه ليسمع قرع نعالهم ]
ولا يدخل في ذلك الخف والنعال يكره أن يمشى بها بين القبور إلا إن كانت هناك حاجة كشوك أو شدة حرارة فلا بأس بذلك .
مسألة :
يسن أن ُيُعلمه بحجر ليأتي إليه ويسلم عليه ويرفع مقدار شبر إلا إن كان بدار حرب .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام لما مات عثمان بن مظعون وضع عند قبره حجراً قال :
[ أعلم بها قبر صاحبي ، وأدفن حولها من مات من أهله ]
والسنة في القبور أن ترفع مقدار شبر
وأن تكون مسنمة
كما صنع بقبر النبي عليه الصلاة والسلام وقبر أبي بكر وعمر رضي الله عنهم
أما الزيادة على ذلك فهي محرمة لأنها وسيلة من وسائل الشرك فإذاً لا يلصق بالأرض حتى لا يداس ولا يهان
ولا يرفع رفعاً عالياً حتى لا يتذرع به الشرك
وإنما بمقدار شبر
ولذا لو أنه أعاد تراب القبر مرة أخرى صار بمقدار شبر إلا إذا كان بدار حرب فإنه يسوى بالأرض لأن الكفار المحاربين لو علموا به لأهانوه فيلصق بالأرض لصقاً كأنه القبر حتى يحفظ من شرهم .
مسألة :
يحرم تجميله والتمسح به والكتابة عليه وتجصيصه وكل وسيلة من وسائل الشرك .
الشرح :
ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن يكتب على القبر وأن يبنى عليه وأن يزاد عليه وأن يجصص )
ج/: لأن هذه الأمور مدعاة إلى الشرك فكل وسيلة تدعوا إلى الشرك فإنها تجتنب في قبره ولذا الكتابة على القول الصحيح لا تجوز لا على القبر ولا على الجدار حتى ولو كان المكتوب الاسم لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يكتب عليه أما قول بعض العلماء إنما النهى عن الكتابة التي كان عليها أهل الجاهلية فإنه خلاف هذا العموم .
مسألة :
يحرم امتهانه كالجلوس عليه والاتكاء ونحو ذلك .
الشرح :
الشريعة لا غلو ولا تفريط [ وسط ]
فنهت على ان يجمل القبر حتى لا يكون وسيلة إلى الشرك ونهت عن أن يذل ويمتهن القبر ولذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام ” أن يقعد على القبر وأن يوطأ عليه “
مسألة :
الدفن في الصحراء أفضل من العمران ويحرم في البيت
الشرح :
الدفن في الصحراء أفضل لأن هذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ويحرم في البيت لقوله عليه الصلاة والسلام [ لا تجعلوا بيوتكم مقابر ]
ويستثنى من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام وإجماع الأمة في دفن
[ أبي بكر وعمر ] معه عليه الصلاة والسلام لأن دفنه في البيت يضر بالورثة وقد تكون ذريعة إلى التمسح به والتوسل به .
مسألة :
يكره المشي بالنعل أما الخف فجائز
الشرح :
[ سبق الحديث عنها ]
مسألة :
الأقرب إن دفن إثنان فأكثر في قبر واحد فمكروه .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد لما كثر القتلى وشق على الصحابة أن يحفروا جعل الرجلين والثلاثة في قبر .
فقال بعض العلماء : هذه محل ضرورة .
وقال بعض العلماء : هذه محل حاجة .
ومن ثم قال بعض العلماء : يحرم أن يدفن اثنان فأكثر في قبر
وقال بعضهم: يكره
وقال بعضهم : يجوز
والصحيح أنه يكره وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
مسألة :
إن بلي الميت الأول جاز نبشه ودفن غيره فيه عند الأكثر .
الشرح :
إذا بلي الميت الأول فيجوز أن يدفن في محله ميت آخر عند أكثر العلماء لأنه لم يبق منه شيء أما إن بقي منه شيء ولو كان يسيراً فلا يجوز لأنه أحق به من غيره .
مسألة :
يحرم تعمد الدفن عند طلوع الشمس أو غروبها وحين يقوم قائم الظهيرة ويجوز بلا تعمد .
الشرح :
لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في صحيح مسلم :
“من أن يدفن في هذه الأوقات “فإذا حصل اتفاقاً لا قصداً فيجوز على القول الصحيح خلافاً لمن منعه مطلقاً .
مسألة :
يستحب الدفن في البقاع الشريفة .
الشرح :
يستحب الدفن في البقاع الشريفة كـ [ مكة – والمدينة – وبيت المقدس ] فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما دنا أجله دعا الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر وعمر رضي الله عنه سأل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
مسألة :
قال شيخ الإسلام رحمه الله القراءة على الميت بدعة “
الشرح :
سبق الحديث عنها “
مسألة :
أي قربة فعلها وثوبها لميت أو لحي من المسلمين نفعه ذلك على الصحيح والأفضل أن يجعل العمل لنفسه ويدعو لغيره .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام ” أذن لبعض الصحابة أن يعملوا أعمالاً وأن يثوبوها لموتاهم .”
س/و هل يجوز أن تثوب أي عمل ؟أو أنها الأعمال المتعلقة بالمال فلو صليت مثلاً هذا أمر يتعلق بالبدن لو صمت مثلاً هذا امر يتعلق بالبدن .
هل يجوز أن تثوبه لحي أو لميت ؟
ج/:
خلاف بين العلماء
والصحيح : أنه يجوز أن تثوب أي عبادة لحي أو ميت وأن ثوابها ينفعه بإذن الله عز وجل فالنبي عليه الصلاة والسلام رخص في بعض الصور فدل على أن ما عداها يجوز ولكن الأفضل وهو عمل الصحابة رضي الله عنهم ، ومقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم:
[ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ] ذكر منها [ أو ولد صالح يدعو له ]
الأفضل أن تدعو للموتى وللأحياء وأن تجعل العمل لنفسك. والنبي عليه الصلاة والسلام قال
[ أو ولد صالح يدعوا له ]
ولم يقل يعمل له وهو رأي شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله .