( فقه المعاملات )
( 10 )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
( كتاب البيوع)
( 10 )
(باب الأصول والثمار)
المراد بالأصول هنا الدار ، والأرض والشجر فإذا باع الدار فيشمل البيع كل مسمى الدار وما يتصل بها حتى المعدن الجامد دون السائل ، وكذا الحكم لو أوصى بالدار أو وهبها
الشرح :
انتهينا من الربا , ومن الصرف نحن الآن في بيع الأصول والثمار .
أولاً :
هنا بيع الأصول ، ما هي الأصول ؟ الأصول هي الدار ، الأرض ، الشجر ، وهذه نحتاج إليها فيما لو حصل نزاع بين البائع والمشتري ، لكن لتعلم أنه إذا وجد شرط من البائع أو شرط من المشتري
فكما قال عليه الصلاة والسلام ( المسلمون على شروطهم ) وهنا إذا لم يحصل شرط ، فإذا باع مثلا الدار فيشمل البيع إذا لم يكن هناك شرط ، يشمل البيع كل ما يتصل بالدار عرفاً ، فلو اعترض البائع ،
وقال مثلاً على ( مظلة ) إنها ليست داخلة ، وتم البيع وحصل نزاع ، فعرفاً أنها داخله ، فلا يحق للبائع أن يعترض ،
ولو قال المشتري أنا أعترض المكيفات تابعة للبيع ، فلا حق له ، لما ؟ لأنها ليست داخلة في مسمى الدار عرفاً ، لكن إن وجد شرط
( فالمسلمون على شروطهم )
حتى لو وجد معدناً جامداً ، فإنه تابع للأرض ،
أما السائل مثل ( النفط ) فهذا لا يخص المشتري ولا البائع ، لأنه خاص بجميع المسلمين فهو حق مشاع ، قال النبي عليه الصلاة والسلام :
( الناس شركاء في ثلاث ذكر منها الماء )
فكل شيء سائل يكون تبعاً لعموم المسلمين ، وكذلك لو أوصى بدار ، قال : هذه وصية لفلان أو هذه هبة لفلان ، وحصلت الهبة فإن هذا الحكم يشمل بمعنى أن ما كان متصلاً بالدار يشمل الهبة والوصية .
مسألة :
إذا بيعت الأرض ، أو أوصى بها ، أو وهبها فكذلك ، وكذا الحكم في البستان .
الشرح :
كذلك ما جرى به العرف أن يكون من الدار أو من الأرض أو من البستان ، فحصل بيع فيكون الحكم للعادة ، أما إذا وجد شرط ( فالمسلمون على شروطهم ) .
مسألة :
إن بيعت الأرض وبها زرع يحصد مرة كالقمح فهو للبائع ، ويبقى إلى وقت الحصاد دون أجرة ، وإن كان يجز مراراً فالأصل للمشتري ، والثمرة الظاهرة للبائع ، وتبقى حتى تنضج .
الشرح :
لو باع إنسان أرضه وفيها زرع ، ولم يحصل شرط ، فلما تم البيع حصل النزاع ، لمن هذا الزرع ؟
هل هو داخل ضمن الأرض أم أنه خارج منها ؟
يقال : إن كان هذا الزرع يجز مرة واحدة ،
بمعنى أنه إذا أخذ لم تنبت أصوله مثل القمح فهذا للبائع ، أما إن كان يُجز مراراً مثل البرسيم ،
بمعنى أنه إذا أُخذ ظاهره يبقى أصوله ثم يخرج مرة أخرى ، فالظاهر الذي ظهر فهو للبائع ،
أما الأصول فهي للمشتري ، لما يكون للبائع ؟ لأن البائع قد تعلقت نفسه بهذا الزرع وتبقى حتى النضج بمعنى أنه لا يقول المشتري خذها ،
فيقال : ( لا ضرر ولا ضرار ) تبقى حتى وقت الحصاد ، فإذا جاء وقت الحصاد فإنه يلزم البائع بأخذها ، السقي على من ؟ السقي ورعاية الزرع على البائع الذي له الثمرة .
مسألة :
إذا بيع النخل وقد اُبِر الثمر فهو للبائع وعليه سقيه ، وإلا فللمشتري ، وما عدا النخيل فيُعلق الحكم على ظهور الثمرة .
الشرح :
تحدثنا عن الدار ، وعن الأرض ،
هنا عن الشجر فلو أن الشجر بيع :
فيجوز للإنسان أن يبيع أشجاره فإذا بيع الشجر فإن كان نخلاً ، إن كان نخلاً لمن يكون هذا الثمر ؟ نقول : إذا اُبِر أي لُقح فهو للبائع ، لِمَ ؟
لأن نفسه تعلقت بذلك ، وأما إذا لم يُأبر فإنه للمشتري ، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
( من باع نخلاً قد اُبِر فثمرته للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع )
يعني إلا أن يشترط المشتري ، وأما ماعدا النخيل فيعلق الحكم بظهور الثمرة ، مثل العنب إن ظهر الثمر ،فهو للبائع .
ضابط :
[ كل غارم فالقول قوله مع يمينه إلا إذا جاء المدعي ببينة ]
الشرح :
هذه قاعدة :
كل غارم فالقول قوله مع يمينه ، إلا إن أتى المدعي ببينة .
إذا حصل شجار بين اثنين فننظر إلى من هو المتضرر فيكون هو الغارم ، فيكون القول قوله ، إلا إن أتى المدعي ببينة أي بشهود ، وهذه تفيدنا في مسائل آتية بإذن الله تعالى .
مسألة :
لمشتري ظن دخول ما ليس له زرع ونحوه الخيار .
الشرح :
ظن المشتري أن هذا الزرع الذي يحصد مراراً أنه له ، قال : ما أعرف لو كان لدي علم بأنه ليس لي ما اشتريته ، فيقال : أنت بالخيار ، إن شئت تمضي البيع ، وإن شئت تترك البيع ، ولا بد أن يحلف بأنه لا يعلم ، فإن نكل عن اليمين ، حكم عليه ويكون البيع لازما ولا يحق له الرجوع .
مسألة :
إذا اشترى نخلة في بستان فله أن يدخله لرعايتها ، ولو تلفت لم يجز له غرس غيرها .
الشرح : إذا اشترى نخلة في بستان .
إنسان باغ نخلة في بستانه ، فللمشتري أن يدخل لرعايتها وسقيها ، لكن لو تلفت هذه الشجرة ، فلا يجوز له أن يغرس مكانها أخرى ، لأن البيع وقع على الشجرة ، فإذا هلكت أو ماتت ، فلا يجوز له أن يغرس في هذا المكان ، لأن هذا المكان ليس ملكاً له .
مسألة :
إذا بيعت الثمار دون أصولها فلا يصح قبل بدو صلاحها ، أما بعد فجائز ، وعلامة بدو صلاح ثمر النخيل أن تحمر أو تصفر ، وفي العنب يتموه حلواً وفي بقية الثمار أن يصلح أكلها ، وفي الحبوب أن تشتد ، فإذا بيعت بعد بدو الصلاح فللمشتري بيعها ، ولو قبل الحصاد والسقي والحراسة على البائع ولو تضرر الأصل .
الشرح :
النبي عليه الصلاة والسلام:
( نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها )
فلا يجوز أن تباع الثمار على رؤوس النخل أو الشجر حتى يبدوا صلاحها ، وكل ثمرة لها علامة صلاح ، فصلاح ثمر النخيل أن يحمر أو يصفر ، ولو أخمر بعضه دون البعض أو أصفر بعضه دون البعض فإن الحكم يسري على الجميع ،
فنحكم بأن الجميع قد بدا صلاحه ويجوز البيع ، وعلامة صلاح بقية الثمار أن يطيب أكلها ، وعلامة صلاح الحبوب من قمح وشعير ونحوه أن تشتد ، بمعنى أننا لو ضغطنا عليها أنها لا تنضغط فتكون شديدة لنهي النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك.
لماذا ينهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ؟ لأنه لا يؤمن عليها من العاهة والآفة في هذا الوقت ،
لكن إذا بدا صلاحها فالغالب أن الآفة والهلاك يكون بعيداً عنها ، وإذا بيعت على شخص فللمشتري أن يبيعها ، ولو كانت على رؤوس النخل ، لأن قبض ما على رؤوس النخل يكون بالتخلية ، كما سبق معنا في العرايا .
وأما السقي على من ؟ على البائع ، لِمَ ؟ لأن القبض على رؤوس النخل ليس قبضاً كاملاً ، فلا بد أن يتولى البائع الذي باع الثمار على رؤوس الشجر ، أن يتولى الرعاية ويتولى السقي ويتولى الحراسة حتى يسلمها إلى صاحبها وهي سالمة ، بل عليه أن يسقي هذه الثمار ولو تضرر أصول الشجر .
مسألة :
يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها إذا بيعت مع أصولها ، أو بشرط قطعها في الحال إذا كان ينتفع بها ، فإن لم يقطعها حتى صلحت فالبيع باطل
الشرح :
( نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها )
بيعها قبل أن يبدو صلاحها بيع باطل ،
لكن يجوز أن تبيعها قبل بدو صلاحها في حالتين :
الحالة الأولى :
إذا بيعت هذه الثمار مع الشجرة : لو أنه اشترى شجراً وعليه ثمار لم يبدو صلاحها فيجوز ، لِمَ ؟ لأن هذا الثمر دخل تبعاً للأصل ، وعندنا قاعدة : [ يثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً ]
الحالة الثانية :
الذي يجوز أن تُباع فيها الثمرة قبل بدو صلاحها إذا باعها بشرط أن يقطعها في الحال :
[ صورة المسألة ]
يقول هذا النخل ثمره مازال أخضر لم يصفر ولم يحمر ، أبيعك هذه الثمار بشرط أن تقطعها في الحال ، فإذا قطعها في الحال ، يصح البيع ،
لكن بشرط أن يكون هذا المشتري الذي اشتراها سيستفيد منها ، فإذا لم يستفد منها فهو بيع باطل لِمَ ؟ لأنه تبذير وإسراف للمال في غير وجهه ،
ولذا لو أنه اشتراها بأن يقطعها في الحال فما قطعها حتى بدا صلاحها حتى أحمرت وزأصفرت ، فالبيع باطل ، مثل العرايا ، العرايا إذا اشترى ما على رؤوس النخل من الرطب ثم أثمرت ، فالبيع باطل ، كذلك هنا لو اشترى ثماراً لم يبدو صلاحها حتى بدا صلاحها فإن البيع باطل ،
كل ذلك حتى لا يُفضي هذا الأمر بالنزاع بين المتتابعين لأن بيعها قبل بدو صلاحها ، يكثر أن تصيبها الآفة فيحصل النزاع والشقاق .