مقدمة في التفسير ( 2 )
طرق تفسير القرآن
أولا :
أن يفسر القرآن بالقرآن
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازلنا في مقدمة في التفسير ، وكنا في الدرس الماضي تحدثننا عن بعض النبذ التي تسبق تفسير كلام الله
ولو قيل :
كيف يفسر القرآن ؟
هذا مبتغى كل مسلم فضلا عن كل طالب علم
كيف يتأتى للإنسان المسلم أن يفسر كلام الله ؟
تفسير كلام الله له طرق شتى
من أعلى وأفضل الطرق وهي الطريقة الأولى التي لا ينظر إلى غيرها :
أن يفسر القرآن بالقرآن
سور فسرت بسور أخرى
جم غفير من الآيات مفسرة بكلام الله في سورة أخرى
وخذ من الأمثلة:
منها على سبيل المثال لا الحصر :
قوله عز وجل :
{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ }
هذه في سورة البقرة
ما مهية هذه الكلمات ؟
اقرأ ما جاء في سورة الأعراف :
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
قول الله :
{ الْحَاقَّةُ{1} مَا الْحَاقَّةُ{2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ{3} }
يقول بعض العلماء :
كما جاء في صحيح البخاري :
يقول : إذا قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام : { وَمَا أَدْرَاكَ } فاعلم أنه سيدريه
لكن إذا قال : { وَمَا يُدْرِيكَ } فاعلم أنه لا يدريه
إذا مرت بك هذه الكلمة : {وَمَا أَدْرَاكَ } فاعلم أن لها تفسيرا بعدها
أما إذا مرت بك كلمة { وَمَا يُدْرِيكَ } فإنه لا يدريه :
{ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا }
علم الساعة عند الله
لكن :
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ{5} }
ما تفسيرها ؟
{ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ{6} }
ــ قول الله عز وجل : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
ما تفسير ” رب العالمين ” الواحد منا يختم القرآن لكن ما تفسريها ؟
{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ{23}}
ماذا قال موسى :
{ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ{24} }
ــ قول الله عز وجل :
{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ}
الوفاة هنا أي وفاة ؟
وفاة النوم
ما أدراك ؟
اقرأ ما بعدها
{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ }
يعني : ما كسبتم بالنهار
ــ { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ }
وهذه طريقة أخرى في تفسير كلام الله عز وجل :
يمكن أن تعرف الكلمة بما يقارنها من الكلمة الأخرى
{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ }
{ وَلَا أَكْثَرَ } : معروفة
ما معنى { وَلَا أَدْنَى } ؟
ولا أقل
ـ قول الله :
{ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا }
ما معنى الضلال هنا الحاصل للمرأة ؟
النسيان
ما الذي أدراك ؟
قول الله :
{ فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى }
ــ قول الله :
{ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى }
ما معنى عائلا ؟
فقيرا
ما الذي أدراك ؟
الكلمة التي جاءت بعدها
ـ سورة الفلق :
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} }
ما معنى الفلق ؟
اقرأ ما جاء في سورة الأنعام :
{ فَالِقُ الإِصْبَاحِ }
عظمة لكلام الله
وهناك جم كثير من الآيات مفسرة في كلام الله
لكن تحتاج إلى حضور قلب عندما يتلو كلام الله
فإنه سيجد خيرا عظيما
وهذه الطريقة لو اتبعناها لالتصقنا بكتاب الله
ولكننا هجرنا كلام الله
ولذا يقول عثمان : ” لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم “
ولذا الصحابة لماذا كانت قلوبهم معلقة بكلام الله ؟
لأنهم كانوا يعرفون المعنى
إذا عرفت المعنى زادك إيمانا وتقى وذلك لأن الإيمان يتعلم أيها الأحبة
ولذا قال عز وجل :
{ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ }
بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول أحدهم :
” فتعلمنا القرآن والإيمان “
كيف تعلم الإيمان ؟
بالنظر العميق والتأمل الكبير في كلام الله عز وجل
ولذا :
في قصة تذكر أن أحد الأعراب – والأعراب فيما سبق كانوا على لغة فصحى لم تتأثر لأنهم في البادية :
في يوم من الأيام كان هناك أعرابي يستمع إلى قراءة شخص فقرأ قول الله عز وجل : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ـــ الآية نهايتها : { وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
هو أخطأ فقال : { والله غفور رحيم }
وهذا الأعرابي يسمع ، عنده فصاحة ، وعنده في نفس الوقت حضور قلب :
فقال : هذا ليس بكلام الله
قال : ويحك
قال : نعم ليس بكلام الله ، أعد الآية
فلما أعادها أتى بها على الوجه الحقيقي : { نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قال : هكذا : عز فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لم يقطع
ولذا :
من أسباب وضع النقاط والأشكال الموجودة في القرآن من أسبابها : قصة
هذا القرآن العظيم لم ينقط ولم يشكل ماكان فيه ضمة ولا فتحة ولا كسرة ولا سكون و لا نقط
لم ؟
لأنهم عرب فصحاء
فهو يعرف أن هذا منصوب وهذا مرفوع بسليقته
لو قلت لأحدهم : إن ( كان ) فعل ماض ناقص ترفع المبتدأ ويسمى اسمها وتنصب الخبر ويسمى خبرها
لما فهم هذا الكلام
هذه مصطلحات حديثة للنطق السليم ولفهم كلام الله ولفهم كلام النبي عليه الصلاة والسلام
فكانوا يتحدثون باللغة العربية هكذا سليقة
هذه القصة كانت سببا في تشكيل المصحف وفي تنقيطه :
وذلك أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ قول الله عز وجل :
{ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }
هذه هي الآية
{ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ }
فيه قراءة : { ورسولَه }
لا إشكال
فكلتا القراءتين المعنى فيهما صحيح
لكن هذا الرجل كسر اللام في { رسوله }
{ أن اللهَ بريء من المشركين ورسولِه }
قال : { ورسوله }
فقال الأعرابي : أنا بريء ممن برأ الله عز وجل منه فأنا بري ء من المشركين ومن الرسول
لم ؟
لأن النطق الذي نطق به هذا الرجل نطق يقتضي هذا المعنى
فرفع الأمر :
قيل إلى : علي بن أبي طالب
وقيل :
إلى عبد الملك بن مروان
فرفع الأمر إلى الأمير في ذلك العصر
فأمر أن تنقط المصاحف وأن تشكل
فنقطت
الحركات الموجودة فيما سبق في عهد علي بن أبي طالب لما أمر أبا الأسود الدؤلي أو في عهد عبد الملك بن مروان على الرواية الأخرى وليست في هذه الصورة المأخوذة من الحروف
لو نظرت إلى الضمة تشبه ماذا ؟
الواو
الكسرة تشبه الياء
فهذه الحركات الموجودة ما وضعها أبو الأسود الدؤلي لم تكن معروفة فيما مضى إنما أحدثها
” الخليل بن أحمد الفراهيدي ” وهو أحد علماء اللغة
بعد القرون المفضلة ما الذي جرى ؟
الذي جرى أن القرآن حُزِّب
ربع حزب
جزء
لأن الصحابة كانوا يحزبون القرآن على غير هذا الحزب الموجود عندنا
نحن نختم القرآن :
إذا قرأنا كل يوم جزءا نختم مرة واحدة في الشهر
هم يختمون كل سبعة أيام لأن التحزيب عندهم يختلف عن هذا التحزيب
لكن كما قال النووي : ” استحب العلماء هذا التحزيب “
وقال شيخ الإسلام : “درجت الأمة على هذا التحزيب فلا يغير “
الشاهد من هذا :
ــــــــــــــــــــــــ
أن التحزيب فيما سبق كما جاء في السنن من حديث أوس بن حذيفة أنهم كانوا يحزبون
ثلاث سور
وخمس سور
وسبع
تسع
إحدى عشرة سورة
ثلاث عشرة
والمفصل
يعني : يأخذون سورة البقرة وآل عمران والنساء
هذا جزء يقرءونه في اليوم
ثم يأخذون بعدها خمس سور
ثم في اليوم الثالث :
سبع سور
ثم :
هكذا
وهكذا
إلى أن يأخذوا ثلاث عشرة سورة
ثم يأتوا إلى المفصل
المفصل ما هو ؟
من ” ق ” إلى الناس
سمي بالمفصل :
لكثرة فواصله بالبسملة
والمفصل :
له طوال
وله أوساط
وله قصار
طواله من ” ق ” إلى عم
أوساط المفصل : من عم إلى الضحى
قصار المفصل : من الضحى إلى الناس
وكان عندهم رضي الله عنهم :
مصطلحات :
منها : السبع الطوال
ولذا جاء في حديث بعض العلماء يحسنه : ” أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ السبع الطوال في ركعة واحدة “
ما هي السبع الطوال ؟
من البقرة إلى يونس
هذه المسماة بالسبع الطوال
فيه سور تسمى بالمئين :
مفردها مئة
ما زاد على مئة تسمى بالمئين
فيه سور تسمى بالمثاني
ما هي هذه المثاني ؟
هي التي أقل من مائة
مع أن القرآن كله يسمى مثاني :
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ }
لم ؟
لأن الأخبار والقصص والأحكام تثنى فيه
وقد يطلق هذا اللفظ على سورة واحدة وهي سورة الفاتحة كما جاء بذلك الحديث
لماذا سميت سورة الفاتحة بالمثاني ؟
لأنه تثنى في كل ركعة
فالمثاني ما دون المئة
ثم مثل ما ذكرنا :
قصار المفصل
أوساط المفصل
طوال المفصل
إذًا :
هذه هي الخطوة الأولى والتي لا ينظر إلى غيرها في تفسير كلام الله
ما هي الخطوة الأولى ؟
أن يفسر القرآن بالقرآن
أعطيتك بعض الأمثلة وعليك إذا قرأت القرآن أن تتأمل وأن تجد بإذن الله تعالى ما يزيدك إيمانا وعلما
الخطوة الثانية في الدرس القادم إن شاء الله تعالى