مقدمة في التفسير ( 5 ) القرآن وُصف بأنه محكم وبأنه متشابه وبأن فيه متشابه ومحكم

مقدمة في التفسير ( 5 ) القرآن وُصف بأنه محكم وبأنه متشابه وبأن فيه متشابه ومحكم

مشاهدات: 965

مقدمة في التفسير ( 5 )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلف وقلنا :

إن الله وصف هذا القرآن بأوصاف :

قال هو محكم في آية :

{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ }

في آية أخرى ذكر أنه متشابه كله :

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ }

ووصفه في أول سورة آل عمران بأن الغالبية العظمى منه محكم ، وأن القليل منه متشابه في سورة آل عمران ذكر فقال :

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }

فيا ترى ما وجه الجمع ؟

قد تظهر بعض التعارضات في النصوص الشرعية سواء في الكتاب أو في السنة

ولتعلم :

أنه لا تعارض بينها في حقيقة الأمر لأنه من لدن حكيم عليم من الحق سبحانه وتعالى

وهو الحق وما كان من الحق فلا تعارض ولا اختلاف فيه

ولكن التعارض قد يحصل في ذهن القارئ أو في فهم العالم

فوصف القرآن بأنه كله محكم أي :

متقن

فالقرآن كله محكم يعني متقن لا خلل فيه ولا عيب ولا نقصان

{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ }

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا } الكهف1

وصف آخر :

ما الذي بعدها ؟

{ قَيِّمًا }

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) }

ووصف في آية أخرى بأنه متشابه :

أي :

يشبه بعضه بعضا في الحسن والإتقان والإحكام :

قال تعالى :

{ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115

فهو العدل في أحكامه الصادق في أخباره

أما الآية التي في سورة آل عمران :

جعل القرآن في معظمه محكم

وفي بعضه متشابه

ولذا :

قول الله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }

أَنَصلُ فنقول : {  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } ؟

أي :

أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله كما يعلمه الله عز وجل

أو نقف فنقول : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } ؟

ثم نستأنف فنقول :

{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }

يصح الوجهان

لكن كيف يصح الوجهان ؟

قوله تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ } إن وقفت فتريد بذلك : المتشابه الحقيقي الذي ذكرته في الدرس  الماضي وهو : العلم بكيفية صفات الله عز وجل أو العلم بكيفية حقائق ما  يكون في الجنة والنار والبعث والنشور

إذا كان المقصود هو المتشابه الحقيقي فقفْ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ }

ثم تستأنف فتقول :

{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ }

أما إذا أردت المتشابه النسبي  كما قلت لكم : أحيانا تشتبه بعض الآيات في معناها على بعض العلماء لكن عند العلماء الآخرين لا تشتبه

فهنا إن أردت التشابه النسبي فتقول : {  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ }

يعني: والراسخون في العلم يعلمون المتشابه النسبي

{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا }

{ كُلٌّ } : أي المتشابه والمحكم كلاهما من الله

وإذا كان كلاهما من الله أيكون بينهما تعارض وتناقض ؟

كلا والله

ومع ذلك كله فالراسخون في العلم :

انظروا إلى موقف الراسخين في العلم فما ظنكم بالعلماء  غير الراسخين ؟

فما ظنكم بآحاد الناس ممن علمه قليل أو لا علم عنده ؟

ما موقف الراسخين في العلم ؟

{ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }

ويرفعون أكف الضراعة إلى الله يخافون أن يزيغ قلوبهم كما أزاغ قلوب من تتبع المتشابه فضل وأضل :

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ }

لكن هؤلاء الراسخون في العلم يخشون على أنفسهم من الزيغ

ولذا :

النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في الصحيحين لما قرأ هذه الآية قال عليه الصلاة والسلام : (( إذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه فاحذروهم فإنهم هم الذين سماهم الله عز وجل ))

ثم يطلبون الهداية والثبات عليها :

{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ{8} }

ما الذي بعدها ؟

ما الفائدة من أن يثبتوا على الهداية ؟

ما الثمرة الحاصلة لهم ؟

أن هذه الهداية طريق  وممر إلى النعيم الأبدي :

ولذلك قالوا بعدها :

{ رَبَّنَا – يعني : يا ربنا – رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }

هذا هو موقف الراسخين في العلم

إذًا :

هذا القرآن كله عظمة

ولو فهمت آياته ونصوصه لما خلت اليدان من هذا المصحف لأنه يحمل العظمة

 

ومما يجدر التنبيه فيه هاهنا :

أن العلماء رحمهم الله قد بذلوا جهودا كبرى في  استيحاء  واستنباط الفوائد منه

حتى إنهم  رحمهم الله حرصوا على أن يعرفوا :

كم آيات القرآن

كم كلمات القرآن

كم حروف القرآن
إلى أين يقف منتصف القرآن من حيث الحروف ؟

جهد

وهذا مصداق قوله تعالى :

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر9

 

عدد آيات القرآن :

أكثر من ستة آلاف ومئتين آية تقريبا : 6236 آية

ويقولون :

إن عدد كلمات القرآن أكثر من : سبعة وسبعين ألفا

ويقولون إن عدد حروف القرآن :

أكثر من ثلاث مائة ألف

ثلاث  مائة ألف وأربع آلاف وكسور على خلاف بينهم

طيب الحرف : بحسنة والحسنة بعشر أمثالها :

عند الترمذي :

قوله عليه الصلاة والسلام :

(( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ” الم ” حرف ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف “))

 

لو ختمت القرآن :

ثلاث مائة  ألف في  عشرة :

300000x 10

يعني  :

تحظى وتظفر بإذن الله تعالى إذا ختمت القرآن على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة في  ختمة

( كان الصحابة رضي الله عنهم يختمون في سبعة أيام

وبعضهم كان يختمه في ثلاثة أيام  )

والنبي عليه الصلاة والسلام أرشد عبد الله بن عمرو بن العاص أن يقرأه في  كل شهر مرة

تصور لو ظفرت في كل شهر بثلاثة ملايين حسنة :

أليس هذا من الفضل الكبير ؟

بلى والله

ولذا يقولون :

إن منتصف حروف  القرآن يقف عند الفاء في قوله تعالى في سورة الكهف : { وَلْيَتَلَطَّفْ }