ما صحة قصة الزبير لما تنكر لزوجته ولمسها ؟

ما صحة قصة الزبير لما تنكر لزوجته ولمسها ؟

مشاهدات: 1664

قصة الزبير لما تنكر لزوجته ولمسها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح والثبات على الحق حتى نموت

لاشك أن الإنسان يحمد على أنه يغار على نسائه وعلى نساء المسلمين وهذا الأثر قرأته فيما مضى في روضة المحبين لابن القيم وسئلت عنه في مثل هذه اللحظة ، ولم أكن على استعداد في النظر إلى سنده لأن مثل هذا ما كنت أظن أنه سيثار في يوم من الأيام ، على كل حال أذكر ما ذكره ابن القيم حول هذا الأثر

هذا الأثر عن الزبير بن العوام مع زوجته عاتكة بنت زيد هذه امرأة تزوجها عبد الله بن أبي بكر فعشقها وأحبها حبا عظيما فأشغلته عن مصالحه فأمره أبوه أبو بكر لما رأى أنها صرفته عن مصالحه أمره أن يطلقها طلقة واحدة ففعل عبد الله ، فلما طلقها وجد عليها يعني حزن عليها  فوقف في الطريق الذي كان يسير فيه أبوه أبو بكر وعليه من الحزن ما عليه فلما رأى أباه مقبلا أنشد بعض الأبيات التي يبين مدى رغبته في إرجاع زوجته عاتكة هذه المرأة التي يثار عنها فيما سألت عنه

فلما رأى أبوه ما به أمره أن يراجعها فلما مات عبد الله بن أبي بكر تزوجها عمر بن الخطاب ، فلما مات عمر بن الخطاب رثته بأبيات من الشعر كما رثت عبد الله فلما انتهت عدتها تزوجها الزبير بن العوام   والزبير ذو غيرة معروفة فلما استأذنته للخروج إلى المسجد وهو لا يريد أن يمنعها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  قال كما عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) وفي رواية أحمد وأبي داود قال عليه الصلاة والسلام ( وليخرجن تفلات ) يعني إن خرجن ولابد من الخروج لهن فليخرجن تفلات يعني غير متطيبات مأخوذ من التفل الذي لا يكون معه رائحة

وفي حديث أبي هريرة في سنن أبي داود قال ( وبيوتهن خير لهن )

فالزبير إن صح هذا الأثر لأن ابن القيم ذكره هكذا من باب بيان الحب والعشق لأن روضة المحبين تكلم فيه عن أنواع العشق وعن أنواع المحبة وما شابه ذلك فلما استأذنته خاف أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )

لما أصرت تركها لكنه تنكر لها ثم إذا به يلمسها فرجعت ، فكر راجعا قبلها فلما رجعت قال ما الذي أرجعك ؟ قال هذا القول الذي ذكرته آنفا

فمثل هذا لاشك أنه أثر ذكره ابن القيم لكن من حيث سند هذا الأثر ينظر فيه ولو ثبت أن هذا الحديث أو هذا الأثر ثابت فإنه لا يؤخذ منه وهذا واجب علينا نحن المسلمين لا نأخذ من هذا الأثر أحكاما ثم نفرع من خلال هذه الأحكام أمورا تعبدية ، لم ؟ لأنه لو ثبت باليقين القطعي أن الزبير رضي الله عنه صحت عنه هذه القصة فإنه لا يؤخذ منها أنه يلزم أو أنه على الزوج أن يتصيد لزوجته حينما تذهب وحينما تخرج لاشك أن الإنسان يجب عليه أن يتابع { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا }

 أما أن يقع هذا الأمر بالإنسان إلى أنه يرتاب في زوجته وبالتالي تتحطم الأسر لأنه بهذه الطريقة لو صنع هذا الصنيع من كل شخص تحطمت الأسر وإذا تحطمت الأسر تحطم المجتمع ، لو ثبت باليقين القطعي فإنه لا يؤخذ منه أن يترصد للزوجة حينما تذهب وحينما تخرج تتابع لا إشكال في ذلك لأن الإنسان مأمور بأن يتابع زوجته لكن إذا لم تكن هناك ريبة فإن هذا مذموم في الشرع ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه  قال ( إن من الغيرة ما يحبها الله وإن ما الغيرة ما يبغضها الله فإن الغيرة التي يحبها الله الغيرة التي في الشك وأما الغيرة التي لا يحبها الله فهي الغيرة من غير شك )

ثم إن سائر الصحابيات كن يخرجن للمسجد عائشة رضي الله عنها الملقبة بالحميراء وبها من الجمال ما بها ومع ذلك كانت تخرج ، ففي الصحيحين انها كانت تخبر ( أن النساء كن يخرجن إلى المساجد فيصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر ثم يرجعن وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد من الغلس )

وهذا متى ؟ يعني في أواخر الظلمة مما يدل على أن الأمر هذا معروف ولذلك ابن عمر رضي الله عنهما لما أنكر ابنه قال والله لنمنعهن اجتهد ابنه فلما رأى الفتنة في ذلك الزمن قال والله لنمنعهن ، فابن عمر ما كلمه أبدا حتى مات

انظر ما كلمه ، لم ؟ لأنه رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول ابن حجر قال لعل الفترة التي كانت بينهما كانت فترة يسيرة وبالتالي فإنه مات قبل أن يكلمه وإلا فإنه لا يهجر مثل هذه المدة

ثم ليعلم أن الزبير إن ثبت هذا فإنه صنع هذا الصنيع مع هذه المرأة لأن هذه المرأة بها من الجاذبية ما ليس في غيرها مع أنه ذو غيرة ، وبالتالي فإن أسماء كانت تخرج وهي تحت الزبير وهي زوج الزبير كانت تخرج تستقي الماء ، وهذا خروج إلى أمر دنيوي فكيف تمنع المرأة من الخروج إلى أمر ديني ؟!

خلاصة القول :

هذا الأثر يجب أن يربط إن صح بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ بجميع النصوص الشرعية وحتى لا تسوقنا العاطفة إلى أمور لا تحمد عقباها مع زوجاتنا

إن كان يستدل بهذا الأمر على أن المرأة لا تعمل فعمل المرأة في الإسلام له حكم آخر وله حديث آخر ، لكن أنه يفرع على هذا أن الإنسان يتنكر بصورة معينة إذا خرجت زوجته ثم يفعل معها مثل ما فعل الزبير إن صح عنه أو أنه يتنطر لنساء المسلمين وبنات المسلمين ويفعل معهن مثل هذا الفعل فلا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان النساء في عصره يخرجن ، ولذلك قال كما في السنن قال ( لا تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )

مما يدل على أنهن يخرجن ، والشواهد في مثل هذا كثيرة

وأرى أن المسلم يربط نفسه بالكتاب وبالسنة وإذا كان لا يستطيع ليس لديه من أدوات العلم والاجتهاد عليه أن يرتبط بالعلماء الكبار وأن ينظر إلى كل كلمة يقولها وكل تغريدة يغرد بها وقد يجتهد الإنسان ، الإنسان قد يكون حسن النية لكن قد لا يوفق في إصابة الحق عن طريق حسن نيته

وهذا من المشكلة لأن الإنسان محاسب في مثل هذا الزمن كثيرا ما سمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يسأل أسئلة ، وأنا كنت في الجامعة في سن العشرين يسأل أسئلة أقول لو سئلت عنها لأجبت لكنه يقول لا ، لكن لما كبرت يعني الآن في التويتر أو في وسائل التواصل كل يتحدث فأصبح الجميع علماء فلما كبرت عرفت ، لم ؟ لأن الشيخ لما يفتي بفتوى هو عالم كبير فلما تنتشر فتواه هذه من المشكل كيف يرجع مرة أخرى فيريد أن يتثبت أكثر وإلا فعنده من العلم ما ليس عندنا

إذا كان الشيخ ابن باز في وقته وليس هناك وسائل تواصل فكيف بهذا الزمن الذي إذا تكلم الإنسان أو غرد تغريدة وصلت إلى الآفاق ثم من حرص السلف على أنه لا يخرج الفتوى أو الحكم الشرعي من الحرص  على دينه أن المسألة يسأل عنها أحدهم فيقول اذهب إلى فلان فتذهب إلى عشرات الأشخاص ثم تعود إليه كل يقول اذهب إلى فلان ، ولذلك ذكر ابن عبد البر في كتابه العلم أن ابن عباس رضي الله عنهما كان في مجلس وكان هناك أبو هريرة فأتى رجل يسأل ابن عباس رضي الله عنهما فقال اسأل ذاك وأشار إلى أبي هريرة فلما ذهب قال ابن عباس لأبي هريرة يا  أبا هريرة لقد أتتك معضلة

يعني الدخول في الفتيا أو في العلم الشرعي من غير علم قوي قد يوقع الإنسان في مهالك ما الذي دعا ابن تيمية مع أنه حبر وعالم جليل في كل فن ما الذي دعاه إذا استشكلت عليه مسألة يكثر من الاستغفار ويمرغ جبهته في التراب يطلب من الله أن يفتح عليه

ما الذي دعاه ؟ لما يحمله قلبه من الإيمان
أنه إذا أفتى بفتيا أو تكلم بكلام فإن هذا الكلام صعب أن يرد مرة أخرى ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما لما أفتى بفتيا قيل له يا ابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان

كيف ترد هذه الفتوى وكيف تعاد ؟

والإنسان محاسب أمام رب العالمين وكذلك على آحاد الناس وعموم الناس أن يأخذوا العلم الشرعي من أهله { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ }

ابن سيرين كما في مقدمة صحيح مسلم يقول : ”  إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم “