إزالة كل الشبه حول مسألة إحراق الآدمي بالنار

إزالة كل الشبه حول مسألة إحراق الآدمي بالنار

مشاهدات: 432

إزالة كل الشبه حول مسألة إحراق الآدمي بالنار

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول أبو هريرة رضي الله عنه كما في صحيح البخاري :

((بعثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما  ، فلما أردنا الخروج قال إني أمرتكم إذا رأيتم فلانا وفلانا فأحرقوهما ثم قال : إنه لا يعذب بالنار إلا الله فإذا وجدتموهما فاقتلوهما ))

فهذا الحديث نص واضح منه عليه الصلاة والسلام على أنه لا يجوز إحراق الآدمي بل لا يجوز إحراق من به روح من البهائم والحشرات ونحوها

ولذلك :

ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم أن النخعي حذر من حرق العقرب

والإمام أحمد نهى أن يشوى السمك بالنار وهو حي

فهذا الحديث فاصل في  الموضوع

 

ولكن لو قال قائل :

قال بعض العلماء إن الحديث وهو قوله (( لا يعذب بالنار إلا الله ))

إنه من باب التواضع منه عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه جاء عند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام لما عاقب العرانيين وسمل أعينهم يعني حرق أعينهم بالنار عاتبه الله فأنزل قوله { إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } الآية

هذا الحديث في سنن البيهقي الكبرى ، وهو مرسل كما قال البيهقي لأنه من قول أبي الزناد التابعي رحمه الله

إذاً لا يعول عليه

ثم مع هذا كله ليس هذا الحديث خاصا بالنبي عليه الصلاة والسلام

لم ؟

لأنه جاء بصيغة العموم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (( لا تعذبوا بعذاب الله ))

وهذا للنبي عليه الصلاة والسلام ولغيره

بل جاء عند أبي داود :

من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهو حديث صحيح (( إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ))

كما قال ابن القيم رحمه الله إذا جاءت في النصوص فإنه يستحيل أن تقع شرعا أو عقلا

فكلمة ” لا ينبغي ” تدل على أن الشرع لا يؤيد مثل هذا

 

قصة العرانيين كما جاء في الصحيحين :

 

أنهم وفد قدموا على النبي عليه الصلاة والسلام فأسلموا فلم يناسبهم جو المدينة ، فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فشربوا فاستصحوا فقتلوا الراعي وسملوا عينيه “

كما جاء عند مسلم

ولذلك قال ابن حجر في الفتح قال قصر من اقتصر في نسبة هذا الحديث إلى الترمذي والنسائي بل هو في صحيح مسلم

فإنهم حرقوا عين الراعي وقتلوه وساقوا الإبل فصاروا محاربين

هنا لما أدركهم النبي عليه الصلاة والسلام سمل أعينهم بالنار

لم ؟

لأن هذا من باب القصاص

ولذلك جاء في حديث (( ومن حرق حرقناه ))

قال ابن حجر في تلخيص الحبير أخرجه البيهقي في المعرفة لكن قال فيه بعض من يجهل

وليست العمدة على هذا الأثر بل إن البخاري رحمه الله بوب في صحيحه فقال باب إذا أحرق الكافر المسلم هل يحرق ؟

يعني : هل يحرق الكافر

قال ابن حجر في  الفتح كأنه أشار البخاري إلى أن هذا الحديث ( لا يعذب بالنار إلا الله ) مخصص بالقصاص

يعني من أحرق شخصا بالنار فإن العاقبة أن يحرق بالنار نظير ما فعله قصاصا

ومن ثم :

فإن شيخ الإسلام نص على هذا نقلا من تلميذه ابن مفلح في الفروع وفهم كلام شيخ الإسلام

ودائما قلت :

كلام أهل العلم السابقين يجب أن يقرأ الأول منه والأخير وإذا لم يفهم يرجع إلى كتبه الأخرى ولاسيما شيخ الإسلام

هنا :

فهم أن شيخ الإسلام بل تهجم على شخصية شيخ الإسلام في هذا الزمن قالوا كيف يقول هذا الكلام ؟

وشيخ الإسلام من باب الدفاع عنه لأنه دفاع عن الحق أقرأ لكم نص ما نقله تلميذه ابن مفلح في الفروع حتى تعلموا أن شيخ الإسلام رحمه الله ما جوز أن يحرق الآدمي بالنار ابتداء ، لا ، وإنما من باب المثل بالمثل

يعني قصاصا واستيفاء للحدود

بدليل ماذا ؟

أن ابن مفلح ذكر مسألة المثلة

أول ما ذكر مسألة التمثيل ذكر قبل أن يتكلم وأن يذكر كلام شيخ الإسلام ذكر كلام الإمام أحمد

ماذا قال ؟

أقرأه بنصه لأنه مهم جدا

قال ابن مفلح : وعنه يعني عن الإمام أحمد أنه قال ” إن مثلوا يعني الكفار مثل بهم يعني القصاص

ثم أورد ابن مفلح كلام شيخ الإسلام

قال شيخ الإسلام

قال ابن مفلح قال شيخنا يعني شيخ الإسلام ” المثلة حق ، فلهم فعلها  ” ابتداء ؟ لا

اقرأ ما بعدها

للاستيفاء وأخذ الثأر

من باب أخذ الثأر والاستيفاء

قال وتركها أفضل

قال وتركها أفضل

يعني مع أنهم فعلوا بالمسلمين ومثلوا بهم قال تركها أفضل

لكن في حالة ماذا ؟

قال : والصبر أفضل وهذا بحيث لا يكون في التمثيل زيادة في الجهاد ولا يكون فسادا لهم عن نظيرها

عن نظير التمثيل

ثم قال رحمه الله : قال فأما إذا كان في التمثيل الشائع

التمثيل ابتدءا لا ؛ لأنه يتحدث عن عقوبة بالمثل يعني أنت بين حالتين الأفضل كما قال في حالة ألا تعاقبهم بالمثل وفي حالة أخرى لك أن تعاقبهم بالمثل

لكن متى ؟

قال رحمه الله : فإذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن ماذا ؟ عن العداون

قال فإنه من إقامة الحدود والجهاد المشروع

يقرأ ما بعدها

قال :

ولم تكن القصة في أحد كذلك

فلهذا كان الصبر أفضل يعني في غزوة أحد

ما الذي جرى في غزوة أحد ؟

مُثل بحمزة

النبي عليه الصلاة والسلام حزن فماذا قال عز وجل في أواخر سورة النحل { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ }

قال هناك عفا عنهم مع أنهم مثلوا لأن هناك يختلف عما هنا

ثم ماذا قال ابن مفلح ؟

لتعرفوا أنه ليس المقصود أن شيخ الإسلام يجوز التمثيل والتشويه بالآدمي سواء كان كافرا أو مسلما ابتداء لا وإنما عن طريق القصاص

قال رحمه الله قال ابن مفلح قال :

وهذا كلامه كلام شيخه

ثم ما الذي بعدها ؟

قال وكذا قال الخطابي يعني الخطابي قال مثل ما قال شيخ الإسلام

 ماذا قال الخطابي ؟

قال وكذا قال الخطابي قال ” يمثل بالكافر إذا مثل بالمسلم “

إذاً كلام شيخ الإسلام دار في ماذا ؟

ليس  في كونه يجوز أن يحرق أو أن يشوه الآدمي ، لا

وأزيدكم على هذا :

أنه رحمه الله لما ذكر في مجموع الفتاوى أن عليا رضي الله عنه لما حرق المرتدين بالنار أنكر عليه ابن عباس قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى قال وجمهور الفقهاء مع قول ابن عباس رضي الله عنهما

لو قال قائل :

هل أحرق المرتدين ؟

الجواب عن هذا :

نعم أحرقهم

ولذلك أنكر عليه ابن عباس كما عند البخاري قال : لو أنه أنا ما أحرقتهم لأن النبي قال ” من بدل دينه فاقتلوه “

ما الذي جرى ؟

انظروا :

في مسند الإمام أحمد قال علي : ويح ابن أم عباس

كلمة ” ويح ” ترحم وتوجع ففهم بعضهم أن ابن عباس لم يوافقه علي

وهذا خطأ

لم ؟

لأن تتبع روايات الأحاديث مهمة جدا لطالب العلم ولمن يريد أن يحكم

ولذا عند الترمذي قال علي رضي الله عنه صدق ابن عباس

فدل هذا على أن عليا قد اجتهد وأنه وافق ابن عباس

لذا قال الألباني كما في السلسلة الصحيحة قال كلمة ” ويح ” في اللغة تدل على الترحم وتدل على التعجب ، وعلي رضي الله عنه تعجب من قول ابن عباس واستحسنه كما هو الظاهر

انتهى كلام الألباني

ولو قال قائل :

في تاريخ الطبري :

خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة وهذا مشهور في هذا الكتاب وأنه حرق هذا الرجل أحرق رأسه ووضعه في قدية

هذا لا يصح وقد رددت عليه من عشرة أوجه تدل على ضعفها وهذا الكلام موجود في اليوتيوب لمن أراد أن يرجع إلى ذلك

لو قال قائل :

أم فرقد لما ارتدت وفعل بها أبو بكر ما فعل

يجاب عن هذا :

من أن هذه لا تصح

ولا يصح إسنادها

 

لو قال قائل :

في تاريخ الطبري :

أن أبا بكر رضي الله عنه أحرق الفجاءة وهو كاتب عبد ياليل أحرقه لما ارتد

فالجواب عن هذا :

أن هذه القصة لا تصح ففي إسنادها سيف بن عمر التميمي يتهم بالزندقة ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب قال عن ابن معين قال هو حديث ضعيف

قال أبو حاتم : هو متروك أحاديثه تشبه حديث الواقدي

قال أبو داود : ليس بشيء

قال ابن عدي : معظم ما يأتي به من المنكرات التي لا يتابع عليها

قال ابن حبان : هو يروي الموضوعات

إذاً هذه القصة لا تصح

ومع هذا كله لو سملنا بهذا فإنه جاء في نفس تاريخ الطبري أن أبا بكر رضي الله عنه ندم على ما فعل

ومع هذا كله فأصل القصة لا تصح

 

ولو قال قائل :

الصحابة رضي الله عنهم لما كتب إليهم خالد بأنه وجد رجلا يعلو على رجل يعني لواط فاتفق الصحابة على أن يحرقوا فكتب أبو بكر إلى خالد أن يحرقوا

هذه لا تصح لأنها من وراية صفوان بن سليم وهو تابعي عابد ثقة ولكن كما قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ذكر أنه وهو صفوان بن سليم لم ير أحدا من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام إلا أبا أمامة وعبد الله بن بسر كما ذكر ذلك السختياني

ولما ذكر هذه القصة أو هذا الأثر الشوكاني في نيل الأوتار قال فيها إرسال

ولذلك قال البيهقي هي مرسلة يعني ليست ثابتة يعني ضعيفة

وما ورد :

أنهم قتلوا ثم حرقوا

فهذا أيضا رواية مرسلة ولا تصح

سلمنا بأن تلك الآثار صحيحة فقد قال ابن قدامة كما في المغني وذكر ذلك غيره قال : وبعد هذه الآثار لم ير خلاف بين العلماء في تحريم هذا الفعل ونقل الإجماع غير ابن قدامة رحمه الله

لو قال قائل :

وهذه يستدل بها وأردت أن أستوفي المسألة بكاملها :

النبي عليه الصلاة والسلام قال في حق من لم يشهد الصلاة قال (( فأحرق عليهم بيوتهم بالنار  ))

نقول : وهي في الصحيحين من حديث أبي هريرة اقرأ ما قبلها ، قال : (( لقد هممت ))

هم ولم يفعل صلى الله عليه الصلاة والسلام

وما جاء عند أحمد أنه قال (( لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتهم بالنار ))

هذه الرواية ضعيفة ولا تصح

 

ولو قال قائل :

الإسلام أجاز الكي فالجواب عن هذا :

فرق بين الكي من أجل التعذيب ومن أجل التشويه وبين غيره من مصلحة العلاج ونحوه

ففرق بين هذا وهذا

هذه المسألة من خلال ما قرأت وهي في كتب مطولة واختصرتها  ؛ لأن المعول عليه ما جاءت به النصوص الشرعية فطرحتها بأسلوب ميسير بحيث تعرف بإذن الله أن كل ما ورد في مثل هذه المسألة قد ذكرتها لك في هذه العجالة

فخلاصة القول :

أن التحريق والتعذيب بالنار لا يجوز للحديث (( لا يعذب بالنار إلا الله ))

لكن :

إن كان من باب القصاص فيجوز ، والدليل أنهم لما أحرقوا عين الراعي بالنار أحرق النبي عليه الصلاة والسلام أعينهم بالنار

{ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }

{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين }

أما ابتداء فعندنا حديث النبي عليه الصلاة والسلام وهو الفيصل في المسألة

( لا يعذب بالنار إلا الله )