فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
نحن نستقبل عشرا مباركات ، هذه العشر هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك .
لعظمتها أقسم الله عز وجل بها على أحد وجوه التفسير في قوله تعالى : { وَالْفَجْرِ{1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ }
فقد قال بعض المفسرين : إن الليالي هنا المقصود منها هي ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان .
فلما أقسم الله عز وجل بها دلّ على عظمها ورفعة مكانتها .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لهذه العشر مزاياها ، وفضائلها ، ومناقبها ، فكان عليه الصلاة والسلام كما أخبرت عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ، قالت : ” كان إذا دخل العشر شدّ مئزره “
قيل : كناية عن اجتهاده في العبادة
وقيل : كناية عن اعتزاله للنساء ، فليس هناك وقت لمعاشرة النساء في هذه الليالي لأنها ليالي مباركة .
” فإذا دخلت هذه العشر شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله “
أحيا ليله : جعل الليل كله محلا للعبادة
أما ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم ليلة كاملة قط ، فالمقصود من هذا القيام : يعني إنه لم يصلِ عليه الصلاة والسلام الليل كله ( يعني لم يثبت منه عليه الصلاة والسلام : أنه أحيا ليلة كاملة بالصلاة )
فيُحمل ما ذُكر في العشر الأواخر من أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا لله عز وجل في هذه الليالي العشر بالصلاة وتلاوة القرآن ، بالذكر، بالسحور ، وما شابه ذلك من أنواع العبادات .
وأيقظ أهله : لأن هذا الوقت وقت ينبغي ألا يُفوت حتى على الأهل ، وهذا من منطلق قول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا }
ومن قوله تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }
ولذا جاء في صحيح مسلم :
(( كان عليه الصلاة والسلام يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها .))
في العشرين من شهر رمضان الأُول كان عليه الصلاة والسلام يخلط تلك الليالي يخلط صلاته بشيء من النوم .
أما هذه العشر فإن النوم لم تكتحل به عينه عليه الصلاة والسلام قط
ومن مزايا هذه العشر التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليها هذا الحرص :
أن فيها ليلة ، وهي ليلة القدر
ولذا اعتكف كما جاء في الصحيحين اعتكف في العشر الأُول من شهر رمضان بحثا عن هذه الليلة ، فأُخبر عليه الصلاة والسلام بعد أن اعتكف أيضا في العشر الأوسط ، أُخبر أنها في العشر الأواخر فخصص العشر الأواخر للاعتكاف طلبا لهذه الليلة الفاضلة .
ولذا هذه الليلة وهي ليلة القدر أنزل الله عز وجل فيها آيتين : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } فهي مباركة مما تشتمل عليه من البركات والخيرات .
بل أنزل الله عز وجل فيها سورة : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } يعني ” القرآن ” نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا .
وقد نزل كما جاء في معجم الطبراني بإسناد حسنه الألباني رحمه الله : ” أن القرآن نزل جملة واحدة ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان المبارك ، ثم نزل بعد ذلك مُنجَّما “
منجما : يعني مفرقا على حسب الحوادث التي تحصل في عصره عليه الصلاة والسلام .
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ } ــــــــــــ في أي ليلة ؟- { فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }
وليلة القدر لا تكون إلا في شهر رمضان ؛ لأن الله عز وجل أخبر أن هذا القرآن نزل في رمضان : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }
فدلّ على أن هذه الليلة إنما تكون في رمضان ، وبدلالة الحديث السابق تكون هذه الليلة في العشر الأواخر من هذا الشهر .
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
سُميت بهذا الاسم لشرفها ، وعظم مكانتها ؛ ولذا استفهم عنها عز وجل تفخيما لشأنها :
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }
هذا استفهام تفخيم ، وتعظيم لها.
وسُميت بهذا الاسم :
لأن العبادة فيها لها قدر ، ولها مكانة ، ولذا في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام : (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
وسميت بهذا الاسم :
لأن الله عز وجل يقدر فيها ما يكون في هذه السنة ؛ لأن تقدير الله عز وجل تقدير عام ، وهذا التقدير لا يُنسخ ولا يُبدل : {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }
أم الكتاب :
أصل الكتاب ، لا يُغير ، ولا يُبدل ؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : (( قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء ))
هذا لا يتغير .
ثم تأتي الملائكة بأمر من الله عز وجل فتوزع هذه الأقدار :
فمنها تقدير عمري يخص عمر الإنسان :
إذا بلغ أربعة أشهر يأتيه الملك فيؤمر بكتابة رزقه ، وأجله ، وعمله، وشقي أو سعيد كما جاء في الصحيحين .
ومنها تقدير سنوي :
وهو يكون في ليلة القدر ـــــــ يعني ماذا يكون في هذه السنة ؟
سيحج فلان
سيُعافى فلان
سيمرض فلان
سيغتني فلان
سيفتقر فلان
وهناك تقدير يومي :
كما قال تعالى { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } فهو جل وعلا في شأن مع عباده :
يفرج همَّا
يعطي سائلا
ينفس كربا
يحيي ويميت جل وعلا.
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ }
ثم أخبر وفسّر هذه الليلة ؛ لأن الله عز وجل كما قال بعض العلماء كما جاء في صحيح البخاري : إذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ” وما أدراك ” فاعلم أنه سيدريه ، وإذا قال ” وما يدريك ” فاعلم أنه لن يدريه
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }
العبادة في هذه الليلة خير من عبادة الله عز وجل ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر ( 83 سنة ، و4 شهور ) ليس فيها ليلة القدر
ولا يمكن أن يستوثق من أنه أدركها إلا إذا قام العشر كلها ؛ لأن هذه الليلة على أصح الأقوال الكثيرة من أقوال العلماء تنتقل .
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال :
(( أُريت أني أسجد صبيحتها في ماء وطين ))
يقول أبو سعيد رضي الله عنه : ” فأمطرت السماء ليلة إحدى وعشرين ” فيقول : ” فصليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر ،فلما سلم رأيت أثر الطين على جبهته عليه الصلاة والسلام “
فتنتقل .
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري : (( التمسوها في العشر ))
وقال في الصحيحين : (( التمسوها في كل وتر ))
أرجاها : في الأوتار :
إحدى وعشرين
وثلاث وعشرين
وخمس وعشرين
وسبع وعشرين
وتسع وعشرين
وأرجى هذه الأوتار :
ليلة سبع وعشرين ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كما جاء في الصحيحين قد رأى معظمهم رؤيا أنها في ليلة سبع وعشرين ، فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( أرى رؤياكم قد توطأت على سبع وعشرين ، فمن تحراها فليتحرها ليلة سبع وعشرين ))
ولكن يمكن أن تكون في الشفع ؛ بدلالة الحديث الذي عند الطبراني الذي يحسنه الألباني من أن القرآن نزل ليلة أربع وعشرين ، فلربما ان تكون في الشفع .
ولذا يحرص المسلم على ألا تفوته هذه الليالي العشر الفاضلة
ولذا كما قلت هي أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة ، وأربعة أشهر ليس فيها ليلة القدر
{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }
من مزاياها :
{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا }
الملائكة معروفون : خلق من خلق الله عز وجل خُلقوا من نور كما جاء في صحيح مسلم .
((تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ))
الروح : هو جبريل عليه السلام
سبحان الله !
إذاً لما تنزلت الملائكة في هذه الليلة دلّ على عظمها ورفعة منزلتها
ولذا جاء في مسند الإمام احمد :
(( أن الملائكة فيها أكثر من عدد الحصى ، ولا يُرمى فيها بنجم ))
وجاء من علامتها كما جاء في المسند :
من علامتها التي يستبشر ، ويطمئن إليها ، ويستأنس بها المسلم :
أن الضوء ، والإنارة تكون أقوى، وهذا لا يدركه إلا من يكون في الصحراء ، لأن من كان في المدن فإن هذه الأنوار الكهربائية تغطي عليها
ومن علامتها كما جاء في المسند :
أن الرياح ساكنة ، لا حارة ، ولا باردة
الجو معتدل
{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } يعني بما قدره الله عز وجل من كل أمر يكون في تلك السنة.
{ سَلَامٌ هِيَ }
يعني كلها سلام :
تنزل الملائكة
تنزل الرحمات
تنزل الخيرات
العتق من النيران
مغفرة الذنوب
{ سَلَامٌ هِيَ } تسلم صاحبها إذا أتى بالعبادة حق عبادتها تسلمه من الإثم ، والوقوع في الزلل
{ سَلَامٌ هِيَ }
قال { هِيَ } لا غيرها { سَلَامٌ هِيَ } يدل على فضلها
{ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }
فمن غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني هذا المحل كله سلام في ليلة القدر .
ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام من باب التبشير أيضا كما جاء في صحيح مسلم قال : (( إن لها علامة لاحقة )) بمعنى أن الإنسان يدرك أن الليلة التي مضت أنها ليلة القدر.
قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم : (( تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها ))
رواية أحمد رحمه الله تبين معنى لا شعاع لها : يعني كما جاء في المسند ، قال : (( تطلع الشمس كالقمر ليلة البدر ))
يعني إذا رأيت الشمس كأن الشمس في صورتها ، و في حياتها مثل القمر ليلة البدر ، فاعلم بأن الليلة التي ذهبت أنها ليلة القدر .
ومن مزايا هذه العشر :
الاعتكاف كما أسلفت .
والاعتكاف سنة ، ولا يجب إلا إذا نذر الإنسان ، إذا نذر فقال :
” عليّ نذر أن أعتكف ليلة أو ليلتين أو ما شابه ذلك أو يوما أو يومين ، فإنه يجب عليه الوفاء بهذا النذر ، وإلا فإن الأصل أن الاعتكاف سنة .
ولذا لو دخله الإنسان على الصحيح من قولي العلماء وأراد أن يقطعه فلا إثم عليه ولا جناح عليه ؛ لأنه سنة .
ولذا اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : ” اعتكف حتى توفاه الله عز وجل “
وهذا الاعتكاف موجود في الأمم السالفة ، ولذا قال تعالى : ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ))
نصّ على العاكفين وهذا متى ؟
في زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام .
ولذا جاء في الصحيحين : أن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلة .
فقال عليه الصلاة والسلام : (( أوفِ بنذرك ))
فدل على أن ما كان عليه أهل الجاهلية من الاعتكاف الذي نذره عمر في الجاهلية إنما هو بقية من بقايا دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام .
وهذا الاعتكاف حرص عليه الصحابة فاعتكفوا رضي الله عنهم .
وكذلك اعتكفن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن كما جاء في الصحيحين .
وهذا الاعتكاف ينبغي للمسلم ألا يدعه ، ولو قلّ .
ولذا عمر كما ذكرت لكم نذر ليلة ، إذا لم يتمكن الإنسان من أن يعتكف العشر الأواخر كلها فليعتكف ولو ليلة ، ولو يوما أو يومين على حسب ما يتيسر له .
المهم ألا يفوت مسلم هذا الزمن إلا وقد اعتكف ولو بعضا من الزمن .
فلو أن الإنسان اعتكف مثلا من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني ( يعني من قبل آذان المغرب إلى أن يصلي الفجر فقد حُسبت له ليلة )
والاعتكاف : هو لزوم مسجد طاعة لله عز وجل .
لزوم مسجد طاعة لله يعني غير المساجد لا يُعتكف فيها ؛ ولذا قال تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }
المصليات التي في الدوائر الحكومية هذه ليس لها حكم المساجد ، ولا يصح فيها الاعتكاف ، لكن الاعتكاف إنما يكون في المساجد .
ولذا نص العلماء في قولهم : ” طاعة لله “
يعني يتمخض فيها الإخلاص ، يتمخض في هذه العبادة الإخلاص مع الحرص عل الطاعة .
وليس معنى الاعتكاف – كما يفعل البعض ولاسيما من زمرة بعض الشباب – ليس الاعتكاف هو الأكل والشرب والمسامرة والحديث بحيث تمضي هذه الليالي وهو في مجاذبة في الأحاديث مع زملائه : مع فلان ، ومع فلان ، ومع فلان ، ومع فلان
لأن بعض من اعتكف من الشباب في بعض المساجد لم يُر أنه فتح المصحف ، وإنما هو في حديث ، وهذا اعتكافه قد يعود إليه بالشرــ لم ؟
لأن اللسان قاطع لابن آدم ، وقاصم له .
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين قال : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ))
يعني أن القاعدة فيك يا ابن آدم إذا أردت أن تسلم من الشرور القاعدة فيك أن تكون صامتا إلا إن كان هناك خير .
حتى قال العلماء : لو أن الإنسان يتكلم بكلام لا يدري أهو خير أو شر( يعني الأمر طبيعي ) يقولون : الأولى به ألا يتكلم ؛ لأن هذا الكلام ربما يجره إلى ذنب وإلى إثم .
ولا بأس أن يحدث الإنسان زميله بعض الشيء من باب إدخال بعض الفرح ، وإذهاب الملل عن النفس لا بأس بذلك :
فالنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين لما زارته زوجه صفية رضي الله عنها حادثها ، وسامرها لكن ليس بهذه المدة الطويلة .
وهي والله فرصة كبيرة لكل مسلم أن يغتنم هذه العشر .
فهو لزوم مسجد طاعة لله عز وجل ؛ ولذا لا يجوز له إن كان هذا النذر واجبا لا يجوز له أن يخرج إلا لما بد له منه .
أما إذا كان مسنونا فإنه إذا خرج ينقطع اعتكافه ولا إثم عليه ؛ لأنه سنة، لكن اعتكافه لا يكون ثابتا .
ولذا :
لا يخرج – كما قالت عائشة رضي الله عنها في سنن أبي داود : ” من السنة “ يعني من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريقته
من السنة : ألا يخرج المعتكف إلا لما بد له منه .
لا تخرج إلا لما بد لك منه إما حسا ، وإما شرعا
إما حسا :
كأن ترغب في قضاء حاجتك ، كأن تحضر طعاما لك
هذه من الأمور الضرورية الحسية
أو لما لابد منه شرعا :
وذلك أن تخرج لرفع الحدث الأصغر أو رفع الحدث الأكبر أو أن تخرج لأداء صلاة الجمعة إذا كنت معتكفا في مسجد تُصلى فيه الصلوات المفروضة فقط ماعدا الجمعة .
ولذا العلماء يقولون : الأفضل لمن تخلل اعتكافه جمعة أن يعتكف في جامع حتى لا يضطر إلى الخروج .
ولذا لا يخرج إلا لما بد له منه : إما حسّا ، وإما شرعا.
ولذا حتى تجديد الوضوء إذا كان الإنسان على طهارة سابقة وأراد أن يجدد هذا لا يكون له ؛ لأنها نافلة .
ولذا نصّ العلماء على أنه لا يخرج لنافلة إلا إذا اشترط ، قالوا : إذا اشترط فله شرطه قياسا على الاشتراط في الإحرام ، والمسألة طويلة في قضية الاشتراط ، والخلاف فيها .
فإذاً من الضرورة بمكان للمسلم أن يعتكف ولو بعض الشيء .
والإنسان لا يجوز له إذا كان معتكفا وأراد ان يأكل أو أن يأتي بطعام من بيته لا يجوز له أن يباشر زوجته ، وإن جامعها فإن اعتكافه يبطل ؛ لأنه قد يذهب في الليل من أجل أن يأتي بطعام ثم يصادف زوجته ثم يريد أن يجامع ، فإن جامع فإن اعتكافه لا يصح وينقطع ، ولا يجوز له إن كان اعتكافه نذرا لا يجوز له أن يباشرها
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان توابا رحيما .
الخطبة الثانية
أما بعد ، فيا عباد الله :
مما ينبغي للمسلم في هذا الشهر في عمومه ليس في العشر الأواخر فحسب :
أن يحرص على ” السحور”
والسحور سُمي بهذا الاسم لأنه يقع في وقت السَحَر وهو بركة ” السحور بركة “
قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( تسحروا فإن في السحور بركة ))
وقال – كما عند أبي داود – قال : (( هلم إلى الغداء المبارك ))
جعله وسماه غداء مباركا .
وقال في سنن النسائي عليه الصلاة والسلام ، قال : ((هو بركة أعطاكم الله إياه ، فلا تدعوه ))
فينبغي للمسلم أن يحرص على السحور ، بل إن حرصه على السحور يميز صومه عن صوم أهل الكتاب .
أهل الكتاب يصومون ، ولكنهم لا يتسحرون .
فتكون بذلك حققت الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام بحرصه على السحور من فعله ، ومن قوله وتكون بذلك مخالفا لليهود في صيامهم .
ولذا في صحيح مسلم : قال عليه الصلاة والسلام : (( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ))
وهو فلاح ، والفلاح : هو الفوز بالمطلوب ، والنجاة من المرهوب
فهو فلاح ، ولذا سماه بعض الصحابة سماه بالفلاح ، لما قال قمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى كاد أن يفوتنا الفلاح .
( يعني كاد أن يفوتنا السحور من طول صلاته عليه الصلاة والسلام )
وأفضل ما يتسحر به الصائم التمر ، هذا أفضل ما يتسحر به :
لما عند البيهقي : (( نِعم سحور المؤمن التمر ))
وهذه فيها معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام ومنقبة وفضيلة تدل على عظم ما أتى به عليه الصلاة والسلام :
فإن الأطباء أثبتوا أن السكريات ، ولاسيما التمر مفيدة للصائم .
فانظر – رعاك الله – كيف حث النبي صلى الله عليه وسلم على التمر قبل الصيام ، وعند الإفطار .
وإن عجز الإنسان عن أن يأكل شيئا فلا أقل من أن يجرع جرعات من ماء
ولذا عند ” أبي يعلى ” قوله عليه الصلاة والسلام ، قال : (( ولو أن يتجرع جرعة من ماء ))
لو جرعة أو جرعتين ، فإنها كافية بإذن الله لتعطي الإنسان قوة وبركة .
والسُنّة في السحور : أن يُؤخَّر ، لا أن يُبكر
أن يؤخر ، لكن لو أنه بكَّر به بساعة أو بساعتين لا يقال : بأن هذا الرجل لم يتسحر ، بل تسحَّر ، لكنه ترك الأفضل ، والأفضل : أن يكون متأخرا عند قرب طلوع الفجر الثاني ، يعني بما يقرب من نصف ساعة أو ثلث ساعة قبل طلوع الفجر الثاني .
ولذا جاء في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت ما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أخَّر هذا السحور .
ومما يجب على المسلم إذا أراد الصيام أنه إذا طلع الفجر الثاني ، وتحقق طلوعه أن يمتنع عن الأكل والشرب .
ولذا نحن الآن في مشكلة بالنسبة إلى هذه التقاويم ، وبالنسبة إلى ساعات المؤذنين ، فإن الإنسان لا يدري : هل هذا المؤذن أذن في نفس الوقت أو أن ساعته غرته ؟ أو هذا تقدم بدقيقة أو بنصف دقيقة ؟
ولذا :
الاحتياط للمسلم من حين ما يسمع الأذان ، وكان هذا المؤذن يؤذن على هذه التقاويم أن يمسك ؛ لأن البعض من الناس كما هي عادة ولاسيما نحن في هذه البلاد أنهم يأكلون ، ويشربون إلى أن يختم الأذان ، هذا ليس بصحيح ، لو ثبت أن المؤذن يؤذن عند طلوع الفجر الثاني يقينا فلا يجوز أن تأكل أو أن تشرب شيئا إذا قال : ” الله أكبر ” تمتنع ، اللهم إلا في حالة رخّص فيها النبي عليه الصلاة والسلام – كما عند أبي داود : انه إذا كان الإناء في يدك ، وأردت أن تشرع في الشرب فلك أن تشرب ، لقوله عليه الصلاة والسلام – كما عند أبي داود – قال : (( إذا أذّن المؤذن ، والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي منه حاجته ))
ولذا لما كانت هذه التقاويم قد تكون مختلفة أو تكون هذه الساعات مختلفة فالأولى والأحوط والأجدر به من حين ما يسمع النداء أن يقف ، وان يمتنع عن الأكل وعن الشرب .
ومن السنن التي ينبغي أن تُفعل ” الفطور “
وأفضل وقت للفطور ” التعجيل ” إذا تحقق الغروب :
إذا تحقق غروب الشمس ، فالأفضل أن تبادر بذلك حتى تميز صيامك عن صيام اليهود ، فقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ومسلم ، قال : (( لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر ))
جاء في رواية أبي داود : (( فإن اليهود يؤخرون )) اليهود يفطرون ، ولكنهم يؤخرون .
ولذا فالذي ينبغي لك أن تبادر بالإفطار من حين ما يتحقق غروب الشمس .
والأفضل أن يكون هذا الفطور على ” تمر ” .
لما جاء في السنن والمسند : (( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإنه بركة ، فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور ))
قال : (( فإن لم يجد – عند الإفطار – فعلى ماء فإنه طهور ))
ثبت عند الأطباء : أن ابن آدم إذا شرب الماء على خلاء المعدة فإن هذا الماء يطهره .
فانظر – رعاك الله – كيف حث النبي صلى الله عليه وسلم – إذا لم يوجَد التمر كيف حث على الماء ، والمسلم صائم لأن معدته خالية من الطعام ففيه نفع ، وفائدة له .
ومما ينبغي للمسلم :
أن يحرص على الدعاء :
جاء عند ابن ماجة بسند يحسنه البوصيري من أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن للصائم عند فطره دعوة لا تُرد ))
عند : العندية تفيد القرب ، سواء كان قبل الأذان بيسير أو أثناء الأذان ، أو بعد الأذان .
بل إن الأفضل له كما جاء عند البيهقي الأفضل له أن يجعل ساعاته كلها محلا للدعاء ، ويُؤكد ذلك عند الفطر ؟ نعم
لكن لا ينسى أن ساعاته الأخرى لها فضل ، ولذا جاء عند البيهقي ، وحسنه الألباني رحمه الله – قول النبي عليه الصلاة والسلام : (( ثلاث دعوات لا تُرد : ….. ذكر منها عليه الصلاة والسلام : دعوة الصائم حتى يفطر ))
من حين ما تمسك من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، وهذا وقت يُستجاب فيه الدعاء بإذن الله عز وجل .
ومما ثبت بعد الإفطار :
عند أبي داود قال النبي عليه الصلاة والسلام (( إذا أفطر قال : ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله ))
وهناك دعاء : ” اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ” هذا فيه خلاف بين العلماء :
منهم من يحسنه
منهم من يضعفه
وعلى كل حال فالأولى بالمسلم ألا يستمر على هذا الدعاء لما فيه من الضعف، ولكن كما أسلفت لك : الصائم ينبغي له أن يحرص على الدعاء ، ولاسيما الثابت :
(( ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى ))
أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا منكم الصيام ، والقيام ، وسائر الأعمال وان يعيننا على عبادته ، وذكره ، وحسن عبادته وشكره إنه ولي ذلك ، والقادر عليه .