الخطبة الثالثة من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

الخطبة الثالثة من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

مشاهدات: 544

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثالثة من المسائل والأحكام لمن يذهب إلى الصحراء

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

۹ ۲۲٧ ۳ ٤ ۱ هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المسائل: النبي ﷺ كما في حديث سلمان كما ثبت عنه ﷺ عند عبد الرزاق وغيره وسلف الحديث عنه وهو أنه ﷺ قال: « إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ قِيٍّ » يعني لا أنيسَ ولا أحدَ بها

« فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ»

فدل هذا على فضيلةِ الأذانِ والإقامةِ في الصحراء

لكن ليُعلم: أن المقصود من هذا الحديث أنه إذا وقع اتفاقا لا قصدا؛

بمعنى أنه اتفق حالَ وقتِ الصلاة أنك في الصحراء فتظفر بهذا الفضل

لكن كونُ الإنسان يتقصد الصحراء من أجل أن يصليَ فيها لهذا الغرض؟!

 فإن هذا غيرُ مشروع؛ ولم يرد عنه ﷺ؛ إنما المقصود: فيما لو اتفق حالُ الإنسان حالَ الصلاة أنه في الصحراء؛ فلْيَحرِص على الأذان والإقامة؛ حتى يحوزَ على هذا الفضل.

ــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: وهذه ربما تكثر في الصحراء وربما تقع في غيرِ الصحراء؛ قد تقع في بيت الإنسان:

انتبه: إذا صليتَ -ولو كانت صلاةَ نفل- إذا صليتَ فلا تجعل نعليك عن يمينك؛

أو إذا أردتَ أن تصلي فرأيتَ عن يمينك نَعلين فغير هذا المكان

 أو انقل هذين النعلين إلى مكانٍ آخَر

وإن كان معك جماعة: فلا تضع نعليك عن يسارك

 إن لم يكن هناك أحدٌ عن يسارك؛ فلو وضعت النعلين عن يسارك: فلا حرج في ذلك.

وربما هذا يكثر فيما لو كان الإنسانُ مخيما مثلا في الصحراء؛ وأرادوا أن يصلوا فإن نِعالَهم مجتمعة

هنا: يقول النبي ﷺ كما ثبت عنه عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

  «إذا صلَّى أحدُكم فلا يضعْ نعْليه عنْ يمينهِ ولا عنْ يسارِه،

فتكونَ عن يمينِ غيره إلَّا أنْ لَا يكونَ عن يسارِه أحدٌ، وليضعْها بين رجْلَيه».

لم؟ من باب تنزيه جهة اليمين

إن لم يكن هناك أحدٌ عن يسارك: فضع النعلين

 لكن إن كان هناك أحد: فلا؛ حتى لا تكون عن يمينه>

لماذا قال « وليضعْها بين رجْلَيه» لماذا لم يقل ليضعهما وراءه؟

ج/ خيفةً من أن تكون قُدام من خلفه فيما لو صلى خلفه أحد

 وخيفةً من أن يذهب خشوعه لأن إذا وضعها خلفَه ذهب خشوعه خيفةً عليها من أن تسرق

-ولا تنظروا إلى هذا الزمن! فالنعمة ولله الحمد وفيرة- لكن هذا يصدق في الأزمان الماضية

 أوفي مثل هذا الزمن في غيرِ مجتمعنا لأن النعمة عندنا ولله الحمد كثيرة-

فخلاصة القول:

كنت في صحراء، في بيتك، في أي مكان لا تضع ولا تجعل نعليك عن يمينك؛ لم؟

قال النبي ﷺ كما ثبت عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود:

«إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَلَا يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَوْ لِيُصَلِّ فِيهِمَا»

ولتعلموا: أن الصلاة بالنعال في صحراء أو في غيرها؛ لكن بما أن الفرش موجودة في البيوت وفي المساجد فهنا حتى لا تتلوث تلك الفرش فإن الإنسان يصلي حافياً 

لكن لتعلموا: أنه متى مَا تيسَّر لك أنْ تُصليَ بِنعليكَ فإن هذه السًّنّة الغالبةَ منه عليه الصّلاة والسّلام؛ كما ذكرَ ذلكَ ابنُ رجب في فتح الباري قال:

 وهذه هي سنته المستمرة منه عليه الصلاة والسلام لما ثبت عند أبي داود:

بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ» اقتداءً به ﷺ «فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ: أَذًى » وَقَالَ:

«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا»

فدل هذا على أنه معتاد، فليُعلم أن أكثر السلف يرون فضيلة الصلاة بالنعال

لكن ليس معنى هذا أنه لا يصلي حافيا؛ لا

ثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الحديث الحسن عند أبي داود قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ «يُصَلِّي حَافِيًا وَمُنْتَعِلًا» “

لكن الأغلب أن السنة أن يصلي بنعليه – واحرص على ذلك إن تيسر لك-

الأغلب أن السنة أن يصلي بنعليه؛ لاسيما حديث شداد بن أوس الذي عند أبي داود كما ثبت عنه ﷺ: « خَالِفُوا الْيَهُودَ ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ »

ــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: إذا أردت أن تقضيَ حاجتَك في الصحراء فاذهب بعيداً بحيث لا يراك أحد

وهذه هي السنة منه ﷺ

هذه سنة؛ لكن لو ترتب على أنك لم تذهب بعيداً أن يرى أحدٌ عورتَك: فيجب أن تبتعد،

لكن لو تيقنت مع القرب أنه لن يرى عورتَك أحد: هنا السنة لك أن تبتعد بُعداً تختفي عن ناظري أصحابك ومن يراك

الدليل: جاء في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة أنه أخبر أنه كان مع النبي ﷺ

في سفر فأراد أن يقضي حاجته قال:

  «فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ »

تَوَارَى: يعني اختفى عنه؛ صلواتُ ربي وسلامُه عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: كما هو معلوم لا يجوزُ أنْ يَستجمرَ الإنسانُ بِعظامٍ ولا بِبَعر البَهائم،

لا يجوز أن يستجمر بها؛ لم؟

لأن النبي ﷺ لما جاءه وفدُ المسلمين من الجن فأخبرهم أن الطعام – كما عند مسلم-

قال: « لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ »

ليس هذا هو موضع الشاهد

الشاهد الذي سآتي إليه هو:

إذا كنت في صحراء وأتى اللهُ بالخير وبالربيع فلا تقضِ حاجتَك على ما تأكلُه البهائم مِن حشيشٍ ونحوِ ذلك؛ إذا عرفتَ أن هذا الحشيش وهذا الشجر تأكله البهائم فلا يجوز لك أن تقضيَ حاجتَك عليه

لم؟ لأنه إذا نهينا أن نستجمر ببعر الدواب ببعر الدواب من أجل طعام دوابِّ إخواننا الجن من المسلمين؛ إذًا: طعام دوابِّنا مِن باب أولى ألا نلوثها على دوابنا.

ومِن هنا تأتي مسألة أخرى وهذه تصدق في كل حال وربما في الصحراء أكثر وهي:

أن بعضهم يستجمر بمخلفات النار مِن فحمٍ ونحو ذلك؛ وهذا لا يجوز

ثبت عند أبي داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:

 «قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا:

 يَا مُحَمَّدُ، انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ »

الحممة: يعني الفحم وما تخلفه النار من مُخَلّفَات

« أَوْ حُمَمَةٍ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا ».

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: إذا كنت في الصحراء واحتاج أحد إلى كبريت ليُشعِلَ نارَه

 أو كنتَ أشعلتَ ناراً فأراد أن يأخذَ مِن نارِك جزءًا منها:

فيتعين عليك أن تعطيَه وألا تمتنع من ذلك؛ الدليل:

ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما ثبت عنه ﷺ قال: 

« ثَلَاثٌ لَا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ، وَالْكَلَأُ؛ وَالنَّارُ»

“الْكَلَأُ” يعني العشب سواءً كان رطبًا أو يابسًا

 « النَّارُ َ» كيف تُمنع من النار؟

ج/ فيما لو احتاج أن يأخذ مِن نارِك فلا تمتنع

إذًا: في مِثلِ هذا الزمن فيما لو احتاج إلى كبريت ليُشعل النار

 إذًا لا تمنعه من أخذ ما يشعل نارَه أو ما يأخذ مِن نارِك مما يحتاجُ إلى ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المسائل: لو أن شخصا تعطلت سيارتُه في الصحراء؛ أو كما يُقال: غَرَّزَ في الصحراء؛ وأنت تعلم أنه قادرٌ على إصلاحها أو أنه قادرٌ إلى إخراجها

 فالسنة في حقك أن تعينه، لكن إن كنت تعلم أنه لن يستطيع أن يُصلحها ولن يستطيع أن يُخرجها: فيجبُ عليك؛ حتى تُنقِذَه مِن هذه الهَلَكَة.

 لكن إن كنت تعلم أنه قادر: هنا يُستحب لك أن تساعده

الدليل: جاء في الصحيحين:

أن النبي ﷺ لما ذكر الصدقات مما يكون على أعضاء بني آدم قال:

 « يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا»  يعني تساعده عليها « أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ».

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: أن إرشادَ مَن ضَلَّ في الصحراء واجب عليك

-ولله الحمد المسلم سيقوم بهذا؛ لكن احتسب الأجر حتى تؤجر وتثاب على ذلك –

النبي ﷺ لما ذكر الصدقات كما عند البخاري في روايته قال: «وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

هذا دل الطريق في أي حال من الحالات؛ في البلد أو في الصحراء

لكن في الصحراء ما دليله؟

ثبت عنه ﷺ كما عند الترمذي قال: «وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ» 

أَرْضِ الضَّلَالِ: أرض ضلال مَهْلَكَة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن المسائل: ترى في الصحراء كثيراً أن هناك بعض الأغصان

أو مما هو خفيف كالريشة؛ قد تعلَق بشجرة

 وتعرفون أن الصحراء ليس بها بيوت؛ فإذا بتلك الريشة أو الشيء الخفيف إذا تعلق بشجرة يتقلب بها يَمنةً ويَسرة؛ تذكر حالَها؛ واسأل ربَّك دائماً ألا يُقلبَ حالَك؛ وأن يثبتك على الدين

قال ﷺ كما ثبت عنه عند الطبراني قال: ” إنَّما سُمِّيَ القَلبُ مِن تَقلُّبِه، إنَّما مَثلُ القَلبِ كمَثلِ ريشةٍ مُعلَّقةٍ في أصلِ شجرةٍ تُقلِّبُها الرِّيحُ ظَهرًا لبَطنٍ “

حينما ترى تلك الريشة التي تتقلب ظهرا لبطن فاعلم أن قلبَك شبيه بها

 فاسأل ربَّك عز وجل الثبات

ليس عند رؤيتها، لا! المقصود من ذلك:

 أن قلبك بحاجة إلى أن يثبته الله؛ فلتسأل ربك الثبات

ولذلك ثبت عند الترمذي من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قال لها سائل:

 « يَا أمَّ المؤمِنينَ، مَا كَانَ أكثْرُ دعاءِ رَسُولِ الله إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟

 قالت: كَانَ أكْثَرُ دُعائِهِ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ »

نسأل اللهَ عز وجل أن يثبت قلوبَنا وقلوبَكم على طاعته ودينه.