الشعر والشعراء

الشعر والشعراء

مشاهدات: 491

”  الشعر والشعراء  ”

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

حديثنا في هذا اليوم عن ” الشعر والشعراء ” وسأذكر ما أذكره على صورة فوائد حتى تجتمع المعلومات في أذهان الجميع .

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن الشعر في هذه الأيام أو في هذه الأزمان أُهتم به اهتماماً كثيراً ، على التسليم من أن ما يذاع ويشاع في قنوات فضائية أو غيرها من وسائل الإعلام ، مع التجوز في وصفه بأنه شعر ، كثر الاهتمام به ، وليعلم أن ما يذاع – وهي فائدة قد تكون جديدة على كثير من الناس – ولربما وجد بعض الناس فيما أقوله وجد في نفسه ما يجد من أن هذا ليس بشعر من حيث الحكم العربي فليس هذا بشعر ، لأن الشعر كما ذكر ابن حجر رحمه الله في الفتح هو ” الكلام الموزون المقفَّى قصدا “

الكلام الموزون على أوزان العرب ، ما هي أوزان العرب ؟

هناك ” خمسة عشر بحرا “ أنشأها الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وزاد الأخفش واحدا فأصبحت ” ستة عشر بحرا ”

فأي كلام ولو كان مقفَّى – يعني له قافية – لم يكن على بحر من هذه البحور فليس بشعر ، ولذلك يسعى إلى أن تُترك هذه البحور ، وقد سُعي من قبل ، في أواخر الدولة العباسية ، قالوا هذه البحور ا لعربية لا تفي بالغرض ، وهذا ولا شك أنه عجز في أفهامهم وفي قدراتهم ، وإلا فكما قال الشاعر :

إذا بَعُد العنقود عنه ولم يصل    إليه بوجه قال مُرٌّ وحامض

فلصعوبتها قالوا هذا القول .

ومما يذكر – مما يسمى بشعر – في جملة منه من حيث المعنى يحمل معاني سامية ، وبعضه إنما هو كلام ملفَّق يجمع بعضه إلى بعض ، لا فيه فائدة لا من حيث المعنى ولا من حيث المبنى ، ولكن ليعلم أن ما يُلقى وليس على هذه البحور فليس بشعر .

ونحن نقول هذه الأشياء وإن سمَّى الناس ما يذكر الآن شعرا ، وإن وضعوا أوزانا يقولون هذه أوزان لهذا الشعر العامي أو الشعر النبطي ، فإنها ليست أوزانا عربية وليست بشعر ، ولو غضب من غضب فهذا حكم لابد أن نوضحه .

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن قوله جل وعلا :

{ الشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225}

يعني أنهم يتحدثون بمدح أو بذم كالهائم على وجهه في الصحراء لا يدري أين يذهب وأين يتوجه

{ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ{226}

هذا ذمٌّ للشعراء ، لكن استثنى منهم صنفا ، ولذلك كما سيأتي أن للنبي صلى الله عليه وسلم شعراء

{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً } يعني أكثر ما يتكلمون به هو  ذكر الله عز وجل

{ وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا }

يعني لو أنهم ظُلموا بشعر انتصروا بقدر مظلمتهم ولا يزيدون ، لا كما هو حال بعض من الناس الذي إذا هجي أو ذمَّ بشعر إذا به يذم القبيلة بأسرها ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الأدب المفرد من حديث عائشة رضي الله عنها :

( إن أعظم الناس فرية رجل هاجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها )

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وحسَّنه الهيثمي والألباني لشواهده ، وإن كان ابن حجر يرى خلاف ذلك

( الشعر بمنزلة الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح )

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه :

( إن من الشعر لحكمة )

الحكمة في أصلها اللغوي : المنع ،لما يكون الإنسان حكيما تمنعه حكمته من أن يقع فيما فيه سفه .

إذاً دل على أن من الشعر ما ليس بحكمة ، وضد الحكمة ” السفه ” فدل على أن بعض الشعر فيه سفه .

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

هل الشعر  هو قرآن الشيطان ؟

جاء في حديث عند الطبراني :

( أن الله عز وجل لما أهبط إبليس إلى الأرض ، قال يا رب اجعل لي قرآناً ، قال إن قرآنك هو الشعر )

هذا حديث أبي أمامة وهو حديث لا يصح ، ولو صح كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : فإنه محمول على الشعر الذي فيه ما يخل بالآداب الشرعية ، ويحمل عليه أثر ابن مسعود – إن صح –  ( الشعر مزمار الشيطان )

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب من الشعر ما كان صافياً وفيه من الآداب السامية والقيم العالية ، ولذلك قال عمرو بن الشِّريِد عن أبيه كما في الأدب المفرد ، قال

( استنشدني ) يعني طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن ينشده شعرا  ( استنشدني الرسول صلى الله عليه وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت )

وأمية بن أبي الصلت مات على الكفر – نسأل الله السلامة والعافية – مع أن شعره كما قال صلى الله عليه وسلم ( كاد شعره أن يسلم ) لكن الموفَّق من وفقه الله .

فقال ( كلما أنشدته قال هيه ) يعني زدني ( قال فأنشدته مائة قافية ) كما في الأدب المفرد ، وعند الترمذي في الشمائل ، قال ( فأنشدته مائة بيت ) عليه الصلاة والسلام .

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتناشدون الأشعار ، ولكن الشعر العفيف الطيب النقي ، ولذلك في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :

( أنه التقى بإياس بن خيثمة – وكان شاعرا – فقال إياس أسمعك شعرا يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال عبد الله بن عمر أسمعني ، ولكن لا تسمعني ولا تنشدني إلا ما كان حسنا )

ولذلك عند ابن أبي شيبة في مصنفه وحسنه ابن حجر من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، قال :

( لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين )

يعني يهزون الأقدام والأجساد عند إلقاء الشعر – لا –

( وكانوا يتناشدون الأشعار في مجالسهم ، فإذا أريد دين أحدهم بشيء دارت حماليق عينيه من الغضب )

مع أن الشعر عفيف ونقي ، لكن له وقته .

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن الله جل وعلا قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم :

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ }يس69

النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن شاعرا ، لكن هل كان يتمثل بالشعر ؟

نعم ، كما قالت عائشة رضي الله عنها عند الترمذي

( كان يتمثل بأبيات ابن رواحة ، ويأتيك بالأخبار ما لم تُزَوِّد  )

ولذلك كان أحيانا يكسر البيت حتى لا يصدق عليه أنه ألقى البيت كما هو ، ومن يتمثل الشعر ليس بشاعر ، فلو ألقي أشعارا وأحفظها فلست بشاعر .

والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث البراء في غزوة حنين ، لما انفض من انفض من الصحابة لما اغتروا بقوتهم – رضي الله عنهم – وقالوا لن نغلب اليوم عن قلة ، وكانوا اثني عشر ألفا ، كما ذكر عز وجل في سورة التوبة ، قال صلى الله عليه وسلم :

( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )

هذا ليس بشعر ، لم ؟

للتعريف ، قلنا الشعر هو ” الكلام هو الموزون المقفى قصدا “

فلو أني ألقيت كلاماً موزونا على أوزان العرب وكان مقفى – له قافية – لكن من غير قصد فلا يسمى شعرا ، فلابد أن يكون كلاما موزونا مقفى وأن أقصد بذلك الشعر

قال صلى الله عليه وسلم :

( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )

وجاءت زيادة عند الطبراني :

( أنا عربي من العرب ، ولدتني قريش ، ونشأت في بني سعد ، فأنَّى يأتيني اللحن )

يعني في اللغة العربية ، لكن هذه الزيادة منكرة ولا تصح.

 

 

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن من أنواع الشعر ما يسمى بـ ( الرَّجَز  )

وقد نقل ابن حجر رحمه الله عن أكثر العلماء من أنه شعر ، وسمي شعرا لتقارب ألفاظه وجمله عند اضطراب اللسان به ، كما قال بعضهم :

أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ       اتق الله الذي عز وجلّ

وقل الفصل وجانب من هزل

 

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

 

ومن أنواع الشعر ( الحُداء ) يقصر ويمد ، كما قال ابن حجر رحمه الله ، فتقول ( الحدى ) وتقول ( الحداء )

وهو ضرب من الشعر يفعله الأعراب عند سوق الإبل .

هذا الحداء من أين أتى ؟

جاء عند ابن سعد بإسناد صحيح مرسلا عن طاووس ، ورواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما موصولا ، كما قال ابن حجر رحمه الله :

( إن هناك عبدا لمضر بن نزار بن معن بن عدنان ، كان يسوق الإبل وكان حسن الصوت ، فقصَّر في سوق الإبل ، فضربه مضر على يديه ، فقال يداه يداه ، فأسرعت الإبل ) فمن تلك اللحظة أنشئ الحداء .

أما كونه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح كما بيَّن ذلك الألباني رحمه الله .

وهذا الحداء يدخل فيه من حيث الجواز إذا كانت ألفاظه سليمة : ما تفعله المرأة لتسكيت ولدها عند النوم ، وأيضا ما يفعله المسافرون – كما سيأتي – ويسمى بـ ( النَّصب ) إذا خلا من المحظورات الشرعية .

وهذا الحداء كما قال ابن عبد البر في التمهيد ، قال:

أجمع العلماء على جوازه “

وكان هناك من يحدو مثل عامر بن الأكوع في غزوة خيبر كما في الصحيحين ( كان يحدو لما نزل المعركة )

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم حادي يسمى بأنجشة كما في الصحيحين قال ( يا أنجشة رويدك سوقاً بالقوارير )

وفي رواية ( يا أنجشُ ) من باب الترخيم له .

وكان يحدو بالنساء ، ما معنى قوله ( رفقا بالقوارير ) ؟

قيل : رفقا بقلوب النساء لأنهن تملن نفوسهن إلى حب الكلام الحسن

وقيل : رفقا بالنساء لأنك إذا أسرعت بالإبل خُشي على النساء من السقوط وهن بمثابة القوارير اللواتي لا يتحملن .

للعلماء في ذلك كلام ، بعضهم يرى الوجهين ، وبعضهم يرى أحد الوجهين ، وممن لا يرى أنه ليس المقصود بذلك رفقا بقلوب النساء لأنهن تملن نفوسهن إلى حب الكلام الحسن ” الألباني ” رحمه الله ، قال ويؤيده رواية أحمد في زيادة شعبة ، قال ( كان أنجشة يحدو بنساء النبي صلى الله عليه وسلم فلما أسرعت الإبل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم فنحَّى نساءه ) يعني جعل نساءه يتقدمن عليه ، عليه الصلاة والسلام حتى لا تسرع بهن النوق .

ولذلك قال أبو قلابة كما في الصحيحين :

( لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة لو قالها غيره لعبتموها عليه )

لأنه صلى الله عليه وسلم كان بليغا ، ولا يقصد من ذلك ما يقصده بعض الناس ، ولذلك ينبغي للمسلم أن يكون حذرا في ألفاظه ، ويشبه هذا ما جاء عن شداد بن أوس رضي الله عنه كما في المسند ، وأيضا عند ابن حبان من طريق محمد بن المعافى العابد بصيدا ، وصيدا من مدن الشام .

فائدة عرضية هنا : محمد بن المعافى كان عابدا ، قال ابن حجر كما في ” إتحاف المهرة ” قال ” جلس ثمان عشرة سنة لا يأكل طعاما إلا حساءً ، يعني دقيق يأكله على ماء مغلي “

وذكر ابن حبان ” أنه لم يشرب الماء ثمان عشرة سنة “

وهذا مخالف ولا شك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد قال عز وجل  { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }البقرة172

 قال رضي الله عنه :

( ائتوني بسفرة – طعام – نعبث بها )

فلما رأى القوم ينظرون إليه ، قال لا تحفظوها عني ، ما حدثتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم فاحفظوه ، أما هذه فلا تحفظوها )

سبحان الله ! قالها عند مَنْ ؟ عند قلة ، كلمة جرت على لسانه لا يُقصد بها شيء ، فكيف الآن بمن هو في تويتر وفيسبوك يأتي بكلمات تخالف المروءة عند مَنْ ؟

عند العالم أجمع ، بل بعضهم يقصد من ذلك أن تروج هذه الكلمة وتشتهر ، مع أنها معيية ، ليست في الدين فحسب ، بل حتى فيما يخص المروءة .

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء “

أن هناك ما يسمى بـ ( النَّصْب )

وهي قصائد ترقق القلوب ، أدق من الحداء ، ولذلك جاء عند البيهقي بإسناد حسن :

( أن عمر رضي الله عنه أتى إلى عبد الرحمن بن عوف وهم في سفر ، فإذا هم يتناشدون هذا النصب يرققونه ، فقال ما هذا يا أبا محمد ؟ فقال إنما نلهو به في السفر ، فقال إن كنت ولابد فاعلا ً فعليك بشعر ضرار بن الخطاب )

ويسمى هذا النصب بـ ( الركبانية )

ولذلك قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :

( إنَّا إذا خلونا قلنا ما يقوله الناس )

وليس هذا اللفظ من قول عمر ، وإنما هو من قول عبد الرحمن بن عوف كما أشار إلى ذلك ابن عبد البر في التمهيد ردَّا على المُبرِّد في كتابه الكامل .

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء”

ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( فوالله لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا حتى يَرِيه )

يعني حتى يصل إلى رئته ، لأن القيح إذا وصل إلى الرئة أفسد الإنسان  .

( فوالله لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلأ شعرا )

بعض الآن امتلأ جوفه بالشعر ولو لم يكن شاعرا ، بعض الناس يحفظ الأشعار وليس بشاعر ، امتلأ جوفه بالشعر ، أين هو من ذكر الله عز وجل ؟

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عوف بن مالك عند الطبراني بإسناد حسنه ابن حجر وقبله شيخه الهيثمي :

( لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا من عانته إلى لهاته خير له من أن يمتلأ شعرا )

لأن هذا الحديث الذي في الصحيحين له سبب كما جاء عند مسلم :

( لما سمع شاعرا ينشد قال امسكوا الشيطان )

لأن هذا الرجل امتلأ قلبه بالشعر ، ثم قال :

( لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا )

 

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء”

أن من ابتلي بالشعر ولاسيما بالشعر القبيح أو ابتلي بالشعر ولو كان شعرا ليس به ما يُخل ولكن وقته قد زاد معه فيعمل بهذه النصيحة ، جاء عند الطبراني من حديث مالك بن عمير السلمي :

( أنه كان شاعرا وقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الفتح وما بعدها ، لما قال صلى الله عليه وسلم ” لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلأ شعرا ” قال يا رسول الله ضع يدك على رأسي ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه وعلى كبده وبطنه ) وفي زيادة البغوي ( قال : إن رابك شيء ) يعني إن تاقت نفسك إلى أن تعود مرة أخرى إلى الشعر ، لأن النفس ضعيفة ( قال : إن رابك من شيء فاشبب بامرأتك ) يعني تغزل بامرأتك ، لا تتغزل بنساء المسلمين ، لأن الناس يشعرون لماذا؟ إما غزل وإما مدح ، قال ( فإن رابك منه شيء فاشبب بامرأتك وامدح راحلتك ) يعني بعيره .

” من الفوائد المتعلقة بالشعر والشعراء”

وهذا ما أريد أن أصل إليه في هذا الزمن

قال الألباني رحمه الله في :” تحريم الغناء وآلات الطرب ” في الفصل السابع ، قال :

” إذا أُلقيت القصائد التي هي حسنة وتدعو إلى الخير وإلى الجنة بترتيل وترجيع ، فإن هذا مما جاءت به الآثار ما لم تصحبها مؤثرات صوتية “

الآن يقولون ” أناشيد إسلامية ” وأنّى لها أن توصف بأنها إسلامية ، وأي عاقل لما يسمع هذه الأناشيد التي فيها مؤثرات صوتية كأنها أغاني ، كيف توصف بأنها إسلامية ؟! القصائد والأناشيد قديما هي مثل ” النَّصْب والرجز ” أما الآن ، والله لو حضرها مشايخنا ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله لقالا بالتحريم ، هذه بمثابة الأغاني ، ولو كانت من حيث الألفاظ سليمة ، بل إن بعضهم اتخذها مهنة وحرفة ، يأتي إلى ألفاظ بعض المغنين ويلقيها بنفس اللحن ، أمن أجل كسب المال على حساب الدين ؟

اتقوا الله في أنفسكم ، قل هذه مؤثرات وكلمات من عندي ، لكن لا تقل إنها أناشيد إسلامية فتغرر بالناس ، هذه تلهي القلوب ، وبعضهم الآن استفاض في ذلك فجعل مؤثرات صوتية في كلام المشايخ ، لما يلقي محاضرة إذا به يأتي ويضع مؤثرات صوتية ، القلب حينما يسمع إنما يتوجه إلى هذه المؤثرات ولا يستمع لكلام الشيخ المبني على الكتاب والسنة ، وأنا لا أجيز لأي شخص مهما كان أن يضع فيما أقول أي شيء من هذه المؤثرات ، بعض الناس يأتى إلى أغاني ويقول ليس فيها مزامير ، أمن أجل المال على حساب الدين ؟

كفى تدليسا وتلبيسا على الناس باسم الدين ، هذا غلط ، أناشيد إسلامية ! كل شيء إسلامي ، مثل كلمة ” مذبوح على الشريعة الإسلامية ” حتى السمك يقولون مذبوح على الطريقة الإسلامية ، والسمك لا يذبح – هذا غلط – قال الألباني رحمه الله :

” ما لم تصحبها مؤثرات صوتية أو آلة ضرب ، وما لم يحصل معها تثني “

بعض الناس الآن يحرك يديه وجسمه مثل الصوفية ، وأن أتحدى من هذا المقام أي شخص يسمع ويكثر من هذه الأناشيد المسمى بالإسلامية أن يكون حريصا على قراءة القرآن ، أو إذا قرأ القرآن أنه يتأمل ويتدبر القرآن  .

قال رحمه الله :

” ولم يحصل معها التثني وضرب الأقدام كما هو حال الصوفية “

ثم ذكر الآثار التي ذكرنا شيئا منها

قال : ” فهذه الأحاديث والآثار تدل دلالة ظاهرة على جواز ترتيل القصائد الحسنة في بعض المناسبات “

وليس في جميع الأوقات

قال رحمه الله  :

” فهي تدل دلالة ظاهرة على جواز ترتيل القصائد الحسنة في بعض المناسبات كالتذكير بالموت والشوق إلى الأهل والترويح عن النفس من وعثاء السفر ونحو ذلك ، شريطة – ضع تحتها آلاف الخطوط – شريطة ألا تتخذ مهنة –يعني وظيفة وعمل يتكسب منه – وألا تخرج عن حدِّ الاعتدال ، فلا يقترن به لا اضطراب ولا تثني ولا طرب مما يخل بالمروءة ، ولذلك قال الشاطبي في الاعتصام عن الصحابة رضي الله عنهم ، قال  كانوا يرققون الصوت ويمططونه على وجه يليق بأمِّية العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى فلم يكن عندهم التذاذ ولا طرب يلهي ، وإنما كان لهم من النشاط كما كان ابن رواحة يحدو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر أثرا عن الإمام أحمد لما أنشد له بيتان من الشعر جلس يبكي ويردد ، لأنها كانت نظيفة وسليمة

قال الشاطبي رحمه الله : هذا ما يفعله القوم –  يعني الصحابة – ومع ذلك لم يقتصروا على وعظ قلوبهم بالشعر وإنما وعظوا أنفسهم بكل موعظة من الكتاب والسنة “

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله /

هنا فائدة عزيزة وجميلة ولها توجيه مني في هذا المقام

هناك مثل عند العرب ” عند الصباح يحمد القوم السُّرَى “

يعني يثنى عليهم لأنهم ساروا بالليل ، فلما أصبحوا وجدوا أنهم قطعوا مسافة عالية ، هذه الجملة وردت في حديث عند الطبراني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع أصحابه بعد المغرب وأتى قوم وكانوا مسافرين ، فقال لهم عليه الصلاة والسلام لا يصحبكم شاعر وعند الصباح يحمد القوم السُّرى )

هذا الحديث لا يصح ، وأنا ذكرت هذه الفائدة لأن لها علاقة بالشعر ، قال ( لا يصحبكم شاعر )

لكن هذه الجملة أول من قالها هو ” خالد بن الوليد ” رضي الله عنه ، كيف ؟

ذكر ابن كثير في البداية – حتى أبين لكم حالنا وحال الصحابة رضي الله عنهم – في خلافة أبي بكر رضي الله عنه في معركة اليرموك بين المسلمين وبين الروم ، كان خالد بن الوليد في العراق ، وكان الصحابة يحاربون الروم في الشام ، فقال هرقل لأشغلن أبا بكر بجيوش الروم ، فقال أبو بكر والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد ، لأنهم أصحاب هوى والشيطان يأتيهم ، فلما حُصر المسلمون في الشام وكان عدد جيش المسلمين ما يزيد عن عشرين ألفا ، ولكن الروم أكثر من مائة وعشرين ألفا ، فاستنجدوا بأبي بكر ، يريدون المدد ، والمدد إنما هو خالد بن الوليد في العراق ، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن اذهب إليهم في الشام فإذا وصلت إليهم فأنت أميرهم ، كيف يأتي إليهم هناك مسافة فيها مفاوز وصحراء ؟

ولذلك رافع الطائي قال إني أعرف هذه الطريق يا أمير ،  فيها من الموت ما فيها ، هذا هو الهلاك المعجَّل ، قال خالد سنطرقها ، حتى يختصر الوقت – سبحان الله – يقول لي أحد الباحثين هم الآن يدرسون الخطط العسكرية لخالد بن الوليد ، ومن بينها كيف قطع تلك المسافة من العراق إلى الشام ، يدرسونها هم ، ونحن في وسائل التواصل شتم وسب وضياع أوقات وقيل وقال ، والناس يشتغلون بسيرة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا صنع خالد  رضي الله عنه ؟

اشترى مائة ناقة ، وعطَّشها وأشربها ماء وسدَّ أفواهها ثم رحل ، وانطلق مع هذه الطريق المهلكة ، فلما سار ، قال رافع له لن تصل إليها إلا بعد خمسة أيام ، فلما سار وإذا به بعد يومين إذا بالناس على وشك الهلاك من العطش ، فنحر الإبل وشق بطونها وأشرب الناس الماء وأكل من اللحم ، وكان رافع قد قال إن رأيتم أمامكم شجرا من السدر فهذا هو النجاة ، الماء قريب منها ، وإن لم تروا فهو الهلاك ، فلما بلغوا اليوم الرابع إذا بهم يبصرون شجر السدر ، فألقيت بعض الأشعار في ثناء خالد بن الوليد ورافع ، لو كان المقام يسمح لذكرتها  .

الشاهد أن ممن حضر أبو سفيان رضي الله عنه ، الذي قاتل النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ما كنت أظن أني أشهد محضرا مثل هذا المحضر ، ولكن أعطيكم رأيي ، ليذهب الثلث الأول أمام الروم ، والأثقال يحملها الثلث الآخر ، وخالد في المؤخرة ، وبالفعل قالوا نِعم الرأي رأي أبي سفيان – الأمة بجميع أفرادها حتى من أسلم مؤخرا كأبي سفيان رضي الله عنه له تأثير في الأمة ، لم لا يكون لك تأثير في الأمة ؟

لما وصلوا في اليوم الرابع ورأواالشجر ، قال خالد بن الوليد ( وعند الصباح يحمد القوم السُّرى )

قال ابن كثير رحمه الله في البداية :

” فصارت مثلا في العرب “

اللهم ارض عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الخاتمة : ………………….