ثلاثون فائدة عن (التوحيد)
من حجة النبي تؤكد حرصه حتى بعد دخول الناس في الدين أفواجا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوائد كثيرة، أختصر في هذا اليوم على الفوائد المتعلقة بالتوحيد حتى نعرف أن الدعوة إلى التوحيد لابد ولو كان المسلم في مجتمع سليم من الشركيات والخرافات، فهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل الناس في دين الله أفواجا حتى كما قال جابر رضي الله عنه لما اجتمع الناس حوله في الميقات العدد كثير ماذا كان يقرر صلى الله عليه وسلم، فأي إنسان يدعو إلى التوحيد لابد أن تكون هذه الدعوة على وفق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
من هذه الفوائد المتعلقة بالتوحيد:
أنه حج في السنة العاشرة، لكنه أرسل في السنة التاسعة من ينادي ” أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان”، لم؟ لأنه لا يجتمع التوحيد مع الشرك، ولا تجتمع العقيدة الصحيحة مع الخرافة
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر رضي الله عنه لما لبى قال جابر: “فأهل بالتوحيد”، لم؟ لأن التلبية تضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، ولم يزل حريصا عليها صلى الله عليه وسلم .
ومنها: أنه أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية حتى إن أصواتهم لتنبح من رفع الصوت، لم؟ لكي يلغي تلك التلبية الشركية التي عليها كفار قريش، كانوا يقولون: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا تملكه وما ملك” يقصدون الأصنام، فأراد أن يلغي تلك التبية الشركية.
ومنها : أنه لما وصل إلى الكعبة، ولما كان عند الحجر كبر قال: ” الله أكبر” تعظيما لله يعني ما طفنا حول الكعبة ولا استلمنا الحجر الأسود ولا الركن اليماني ولا قبلنا الحجر الأسود إلا تعظيما لله؛ لأن الله أمر بذلك، وإلا فهي أحجار لا تنفع، ولا تضر، ولذلك لما وقف عمر رضي الله عنه عند الحجر كما في الصحيحين قال: ” والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع، ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك”
ومنها :
ـــــــــــــــــ
أنه لما فرغ صلى الله عليه وسلم من الطواف أتى إلى المقام ورفع صوته بقوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، لم؟ لكي يعلم الناس مع أن العدد كبير، دخل الناس في دين الله أفواجا، لكي يعلم الناس أن الملة الحقيقية، وأن الدين الحقيقي هو دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم، ملة الحنيفية.
ومنها :
ــــــــــــــــــ
أنه لما صلى الركعتين خلف المقام ماذا قرأ كما في صحيح مسلم، قرأ في الأولى بعد الفاتحة ب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}؛ لأنها تتضمن التوحيد، وقرأ في الركعة الثانية ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لأنها تتضمن التوحيد.
ومنها :
ــــــــــــــ
أنه لما وصل إلى الصفا ماذا قرأ؟ قرأ صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ثم قال: ” أبدأ بما بدأ الله به؛ لأن الله بدأ بذكر الصفا قبل المروة في كتابه {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} لم؟ لأنه كان في الجاهلية صنمان عند الصفا وعند المروة، فلما أتى الصحابة تحرجوا من أن يطوفوا بين الصفا والمروة، لما سبق فيما مضى عندهم من تعظيم هذين الصنمين، فأنزل الله عز وجل {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه لما قام على الصفا استقبل القبلة، وكبر الله ووحده وقال ذكر ودعاء عن التوحيد: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” العاقبة التي حصلت له بالانتصار على كفار قريش: “لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده” كررها ثلاث مرات يدعو بين هذا الذكر والذكر الذي يليه.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى العلمين، وهو بطن لوادي سعى، وهما العلمان المعروفان الآن؛ تذكيرا بحال أم إسماعيل عليه السلام لما وضعهما إبراهيم النبي الحنيفي من أجل أن يعظم الله في هذا المكان إذا بنى البيت لما نبع ماء زمزم تذكيرا بحالها.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه لما أتى إلى المروة فعل عليها كما فعل على الصفا من غير قراءة آية {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} هي لا تقرأ إلا مرة واحدة إذا دنوت من الصفا، وليس على الصفا مرة واحدة فقط.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أن الصحابة رضي الله عنهم أمرهم صلى الله عليه وسلم : “من كان مفردا أو كان قارنا لم يسق الهدي أن يحل إحرامه بعمرة” فعظم ذلك على الصحابة رضي الله عنهم، كيف نفعل ذلك أمرا أمرا حتميا أن يجعلوها حج تمتع، لم؟ من باب أن يلغي تلك العقيدة الفاسدة عند العرب فيما مضى من أنهم كانوا يقولون: إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، كانوا يرون ذلك من اعتمر في شوال أو في ذي العقدة أو في ذي الحجة يرون أن العمرة من أفجر الفجور، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يبين أن ذلك المعتقد معتقد فاسد، حتى إن بعض الصحابة قالوا الحل يا رسول الله كله؟ قال: ” الحل كله” يعني تحلل، حتى قال بعضهم: أنرجع إلى منى، وفي رواية: ” أنرجع إلى عرفة ومذاكرينا تقطر منيا؟” يعني كيف نأتي إلى النسك، ومع ذلك استجابوا رضي الله عنهم.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما أفاض من منى بالنهار، وتوجه إلى عرفة قالت قريش: لا نراه إلا أنه سيقف في مزدلفة في المشعر الحرام؛ لأنهم ما كانوا يقفون بعرفة في جاهليتهم إذا حجوا ما كانوا يقفون يقولون: نحن أهل الحرم، فكيف نخرج من الحرم وعرفة من الحل، كيف نخرج إليها، فكانوا في اليوم التاسع في يوم عرفة كانوا يقفون بالمزدلفة فقالوا: لا نراه إلا أنه سيقف بمزدلفة اتباعا لنا ولعاداتنا السابقة، فوقف صلى الله عليه وسلم مضى حتى وقف بعرفة مخالفة لهدي المشركين
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه لما خطب صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ “كل أمر من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي” تقرير
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه في خطبة عرفة قال: ” تركت فيكم ما إن اعتصمتم فلن تضلوا كتاب الله” يبين للأمة أنه لا عصمة لهم إلا باتباع كتاب الله، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء ذكر ذلك في موطأ الإمام مالك قال: ” وسنتي”.
ومنها :
ـــــــــــــــ
تحذيره صلى الله عليه وسلم أن يتصف المسلمون بصفات أهل الكفر، ولو لم يقعوا في الكفر، قال في الخطبة: ” إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم” وكررها لما خطب يوم النحر، وكررها لما خطب في أوسط أيام التشريق، كرر هذه الجملة؛ تحذيرا للأمة من أن يستبيح بعضهم دماء بعض، ولذلك كان من حديثه عليه الصلاة والسلام: ” لا ترجعوا بعدي كفارا” يعني كحال أهل الكفر” يضرب بعضكم رقاب بعض”
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الصلاة أتى واستقبل القبلة، ودعا الله وذكر الله وأثنى على الله، كان حريصا على الدعاء؛ لأن الدعاء هو العبادة، لكن دعاء من؟ كان يدعو الله، ما كان يدعو غير الله، ما كان يدعو الأولياء، ولا يستغيث بالأولياء، وما كان يصرف عبادة لغير الله عز وجل، وما كان يتبرك، ولا يتمسح، لم يذهب عليه الصلاة والسلام إلى جبال عرفات أو تلك الأماكن التي يتبرك بها الآن، ويتمسح بها تعظيما لها، جمادات لا تنفع، ولا تضر، هذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه من حين ما فرغ من صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا ظل على راحلته يدعو حتى غربت الشمس، يدعو من؟ يدعو الله، يثني على الله عز وجل
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكر الأمة بما قد يغفل عنه الإنسان مع زخارف هذه الدنيا يذكر بقصر الدنيا يذكر بإتيان يوم القيامة، وهذا أصل من أصول الإيمان الستة الإيمان باليوم الآخر، قال: ” لم يبق” لما دنت الشمس على الغروب يعني ستغرب قال: ” لم يبق من دنياكم فيما مضى إلا ما بقي من يوم الجمعة”
ومنها :
ـــــــــــــــ
أن قريشا كانوا يفيضون إذا وقفوا بمزدلفة، كانوا يقفون قبل غروب الشمس، كانوا ينصرفون منها، لكنه صلى الله عليه وسلم ما انصرف من يوم عرفة إلا بعد ما غربت الشمس، واستحكم غروبها وغاب القرص، انطلق مخالفة لهم حتى كان يقول صلى الله عليه وسلم: ” هدينا مخالف لهديهم”
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما افاض من عرفة أردف خلفه من؟ أسامة بن زيد رضي الله عنه، أردف أسامة بن زيد مولى كان مولى، من باب أن يقرر أن تلك العادات عادات أهل الجاهلية منبوذة في الإسلام، إذ كانوا يفتخرون بالأحساب وبالأنساب، ويطعنون في الأنساب، فقرر عليه الصلاة والسلام أنه لا فضل لعربي ولا لعجمي ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما بات بمزدلفة، وصلى الفجر جلس عند المشعر الحرام، وهو جبل، وقد أزيل الآن، ووضع محله المسجد مسجد مزدلفة، جلس يذكر الله، هو عليه الصلاة والسلام لم يفض من مزدلفة إلا حينما أسفرت جدا أسفرت جدا، يعني لا تطلع الشمس، مخالفة لهدي المشركين الذين كانوا ينصرفون بعد طلوع الشمس.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ وادي محسر، وهو بين مزدلفة ومنى أسرع، قيل: لأن هذا المكان وقع فيه العذاب بأصحاب الفيل، وقيل إنه مكان أهل الجاهلية يجلسون فيه، ويمجدون آباءهم، وعلى كل حال هذا أو هذا فأراد عليه الصلاة والسلام أن يلغي ما كان عليه أهل الشرك، وأراد صلى الله عليه وسلم ألا يبقى في هذا المكان الذي عذب فيه المشركون وهم أصحاب الفيل.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة كان يكبر مع كل حصاة تعظيما لله ليس تعظيما لهذه الأحجار، ولا لهذه الشاخصات، لا، ولذلك في الحديث لعله أن يكون حسنا كما حسنه بعض العلماء: ” إنما جعل الطواف بالبيت والطواف بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل”
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم كان يكفيه سبع بدنة، لكنه أتى بمائة بدنة، وذبحها من باب إقرار أن الذبح لا يكون إلا لله، لا يكون إلا لله، بل إنه صلى الله عليه وسلم تذكيرا للأمة بالموت ذكرهم بقوله وبفعله، ذكرهم بقوله وبفعله، بقوله قال: ” خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”، ولما اتى بمائة بدنة لم ينحر إلا ثلاثا وستين بدنة إشارة إلى أنه سيموت في هذا العمر، وبالفعل مات وعمره وثلاث وستون سنة، وأكمل علي رضي الله عنه ذبح ما تبقى.
ومنها :
ـــــــــــــــ
أنه صلى الله عليه وسلم قال في منى لما أراد أن ينصرف قال: ” إننا نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر” خيف بني كنانة هو الشعب الذي اتفقت فيه قريش ومن معها من بني كنانة على أن يحاصروا بني هاشم، وألا يناكحوهم، وألا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: ” إنا نازلون غدا بخيف بني كنانة” من أجل أن يظهر معالم التوحيد في ذلكم المكان الذي أظهرت فيه قريش لما كان في أول بعثته لما أظهرت فيه قوتها.
هذه جملة من الفوائد المتعلقة بالتوحيد في حجة النبي عليه الصلاة والسلام لم نتعرض لفوائد أخرى، لكن انظروا: الناس دخلوا في دين الله أفواجا والعدد كبير كما وصفهم جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم، ومع ذلك كان حريصا عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله كما في تهذيب السنن قال رحمه الله قال: ” واتفقت الشريعة بأصولها على مخالفة المشركين قال ولاسيما في المناسك” حتى إنه من عظم الحج هذا الحج الذي يظهر من بعض الناس نسأل الله السلامة والعافية الشركيات من التمسح بالحيطان وبالجدران وبالتمسح بالجبال وتقبيل ما لا يجوز تقبيله من هذه الجمادات، وصرف شيء من العبادات لغير الله، حتى إن بعض المفسرين قال في قوله تعالى {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} قال معنى {حُنَفَاءَ} يعني حجاجا، مما يدل على أن الحج يجب أن يظهر فيه المسلم التوحيد لله في كل وقت، وفي كل زمان، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ما فعل مثل ما يفعله بعض الناس الآن، إذا فرغ من الحج ذهب إلى غار حراء أو غار ثور إلى المساجد التي في مكة، ما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان الصحابة يفعلون ذلك، ما كانوا يأتون إليها، يأتون للعمرة أو للحج ثم ينصرفون، ولذلك يجب على المسلم أن يعرفوا عظم التوحيد.
هذه فوائد يمكن غاب عني بعضها، يمكن، لكنها فوائد توقف المسلم على عظم التوحيد، فوائد من حجته صلى الله عليه وسلم في آخر عمره في آخر عمره، ولم أتعرض للفوائد الأخرى التربوية والفقهية والتفسيرية، صلوات ربي وسلامه عليه.