خطبة ( 2) إمرارة سريعة على ( أربع قواعد مهمة ) من آية ( إياك نعبد وإياك نستعين )

خطبة ( 2) إمرارة سريعة على ( أربع قواعد مهمة ) من آية ( إياك نعبد وإياك نستعين )

مشاهدات: 611

خطبة

إمرارة سريعة على ( أربع قواعد مهمة ) من آية

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

قال عز وجل مقدما لجملة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على جملة {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، لم؟ لأمور ذكرها ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين لعلي أذكر شيئا منها مما يتعلق بهذا المقام، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} متعلقة بألوهيته عز وجل التي هي راجعة إلى اسمه عز وجل الله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} متعلقة باسمه عز وجل الذي هو الرب، فكما قدم اسم الله على اسم الرب في أول السورة قدم هنا أيضا أول السورة {الْحَمْدُ لِلَّهِ} قدم الله {رَبِّ الْعَالَمِينَ} على الرب.

ثانيا: أن أول سورة الفاتحة ماذا؟ ثناء على الله عز وجل، فكانت جملة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} متعلقة بما لله عز وجل مما سبق من ثناء {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، هذا ثناء على الله، لكن {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} متعلقة بما يخص العبد من الاستعانة بالله، ولذا يقول بعد ذلك مستعينا بالله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.

ثالثا: أن العبودية عامة، واستعانة من ضمن العبودية، فإذاً قدم الأصل، ما الأصل؟ العبودية، لكن الاستعانة هي نوع من أنواع العبادة، لكنها أفردت؛ لأهميتها كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله في جامع الرسائل.

رابعا: أن العبودية هي شكر لله عز وجل، أما الاستعانة به عز وجل إعانته عز جل لك على هذه العبادة، العبودية حق لله أما الاستعانة فعله عز وجل بك.

خامسا: أن العبودية إنما تكون من المخلص فقط، ما يعبد الله إلا المخلص، العبويدة الحق، لكن {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الاستعانة يمكن يستعين أهل النفاق وأهل الشر بالله على مآربهم الفاسدة، أيضا من ذلك: العبودية متعلقة بمحبته عز وجل، هو يحب أن العبد يعبد الله عز وجل، أما الاستعانة فهي فعله عز وجل بالعبد أن يفعل هذه، وما كان لله مقدم، لم؟ لأن العبودية كما سلف يحبها الله عز وجل، بينما الاستعانة متعلقة بمشيئته عز وجل، وما كان متعلقا بمحبة الله عز وجل فهو أكمل كما قال ابن القيم رحمه الله أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته عز وجل قال ـ سبحان الله ـ قال: ولذلك لا يبقى أحد في النار يوم القيامة من أهل محبته، ما يبقى أحد من أهل محبته في النار.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذه إمرارة سريعة لسبب تقديم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على قوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

إمرارة أخرى سريعة لماذا قدم الضمير الذي يعود على الله على الفعل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؟ قال ابن القيم رحمه الله كما في مدارج السالكين قال: هذا من باب تأدبهم مع الله إذ قدموه على الفعل من بيان قدره عز وجل، ولأنه يفيد الحصر يعني لا نعبد غيرك ولا نستعين إلا بك، يقول هذا الحصر، مثل قوله تعالى {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} يعني لا ترهبوا غيري، ولا تتقوا سواي، كذلك {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هنا حصر  العبودية لله، لا نعبد غيرك، حصر الاستعانة بالله لا نستعين إلا بك، وتأمل كيف كرر الضمير، فيقول: هذا أبلغ يعني يقول لو أتيت إلى ملك من ملوك الدنيا، ولله المثل الأعلى لو قلت له إياك أحب وأخاف يقول ليست أبلغ من قولك إياك أحب، وإياك أخاف.

إمرارة ثالثة سريعة كن عبد الله لما بين فضل العبادة وفضل الاستعانة، كن عبد الله ممن يعبد الله التعبد المطلق لا التعبد المقيد، كيف؟

يقول ابن القيم رحمه الله كما في مدارج السالكين: بعض الناس عنده تعبد مقيد، فهو يتعبد لله عز وجل بهذه العبادة، فإذا لم يأت بها أحس من نفسه أنه نقص من عبادته لله، مثل ماذا؟ الأمثلة كثيرة مثل من يرى أن العبادة أن أفضلها هو ما كان أشدها وأعسرها، ولذلك استدلوا بحديث: ” أفضل الأعمال أحنزها” يعني أشق وأصعب ما فيها، لكنه حديث لا أصل له كما قال ابن القيم رحمه الله، وكذلك طائفة تقدم العلم المتعدي نفعه على العمل القاصر، ويستدلون بحديث النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: “فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لكم من حمر النعم”، وما جا في صحيح مسلم: ” من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا” باعتبار أن عملهم مستمر بخلاف أصحاب العبادة القاصرة، هذه أمثلة، تعبد مقيد، لكن يقول: ” التعبد المطلق هو أن العبد يعبد الله ويسعى إلى مرضاته في كل وقت بحسب عبادة ذلك الوقت”

هو يتنقل من عبادة إلى عبادة لا يعبد الله بعبادة مقيدة، كيف؟ يقول مثلا إنسان مثلا نزل به ضيف فيقول: القيام بحقه أولى من الذكرالمستحب، لما يأتي وقت السحر الصلاة والاستغفار أولى من غيره، لما يؤذن المؤذن إجابة المؤذن في ذلك الوقت أولى من غيره، إنسان يأتي إليك من أجل أن تعمل معه حاجة هذا نفع يقول هو أولى من أن يبقى الإنسان في خلواته، وهكذا ذكر عبادات قال: فهو يتنقل، فيقول: إن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين فهو معهم، وإن رأيت الذاكرين لله فهو معهم، يقول: فهو يدور حيث دار الأمر يأنس به كل محق ويستوحش منه كل مبطل، يعني من يراه من أهل الخير والحق يأنس به ويفرح به، أهل الباطل يستوحشون منه، يقول: فهو كالغيث أينما وقع نفع، وهو كالنخلة منافعها متعددة، يقول: حتى شوك النخلة به منفعة بالنسبة إليك، فهو الشوك الذي في النخلة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام شبه المؤمن بالنخلة في أحاديث، فالشوك من هذه النخلة منه بمثابة الغلظة على  أهل البدع وأهل الأهواء، فهو يقول: هذا بالله ولله ومع الله، ثم قال: والله المستعان وعليه التكلان.

ما هي باليد، ما هي باليد، فهي بإعانة من الله وبتوفيق من الله، فلابد أن تستعين به.

قلت: هذا أمر مهم جدا، لا يعني في قوله التعبد المطلق أن من قام بالواجبات، وترك المحرمات، واقتصر على نوافل معينة أنه مذموم، لا فهو يتكلم عن الأكمل من قام بالواجب وترك المحرم، وفعل لو بعض  السنن، فهو على خير لكن الحديث عن التعبد المطلق.

ثم انتبه: هذا إذا لم تتعارض المصالح يعني مثلا تعليم الناس العلم الشرعي، أو القيام معهم في قضاء حوائجهم، وفي نفعهم هذا أولى من العبادة المحصورة من ذكر مستحب، أو صلاة مستحبة هذا أولى إذا تعارضت، إذا تعارضت فإذا تعارضت الأعمال قدم، ولا تخرج من دائرة التعبد المطلق، قدم إذا تعارض، يعني في وقت ما لابد إما أن توقع هذا العمل الذي يتعدى نفعه للناس، أو تقدم هذا العمل القاصر ماذا تصنع؟ قدم العمل المتعدي النفع، ولا تخرج من دائرة التعبد المطلق، وهذا القول قولي، والأدلة كثيرة منها ما جاء في الصحيحين أن عليه الصلاة والسلام لما سألته أم سلمة رضي الله عنها عن الركعتين اللتين صلاهما بعد صلاة العصر ماذا قال؟ قال عليه الصلاة والسلام: ” أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن ركعتي الظهر فهما هاتان” ، قال: ” أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم” يعني هو اشتغل بتعلميهم الإسلام، وترك سنة الظهر البعدية حتى خرج وقتها من أجل ماذا؟ لأنها مصلحة تعليم هؤلاء لما تعارضت مع سنة الظهر أولى.

الإمرارة الرابعة السريعة وأختم بها فيما يتعلق بالعبادة والاستعانة وهي موضوع عظيم وطويل النفع لكن ما اختصار هذا الكلام؟ ما هو الاختصار؟ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} نريد اختصارا، يقول ابن القيم رحمه الله: العبودية اسم جامع لمراتب أربع:

انتبه معي: تأتي بها يعني تأتي بهذه المراتب الأربع، ما هي؟ قول القلب، قول اللسان، عمل القلب، عمل الجوارح، سبحان الله! قول القلب، القلب له قول؟ نعم، قول القلب أن تعتقد، وأن توقن بما أخبر به الله عز وجل مما له من الأسماء والصفات، وما ذكره عن لقائه والإيمان به وبرسله وبكل ما أخبر به، هذا هو قول القلب، ما هو؟ أن تعتقد وأن توقن بما أخبر به عز وجل وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام، هذا هو قول القلب.

قول اللسان: أن تخبر بلسانك ما كان في قلبك من قول، أن تخبر بهذا الدين، وأن تدعو إليه وأن تحميه وأن تحفظه من أهل البدع ومن أهل الأهواء، هذا هو قول اللسان.

ما هو عمل القلب؟ القلب له عمل؟ نعم، التوكل على الله، رجاء الله، الخوف من الله، الإخلاص لله، هذه هي أعمال القلوب، وما شابه ذلك من هذه الأعمال، أعمال الجوارح ما يتعلق بالله كالصلاة والحج وما يتعلق بالإحسان إلى المخلوقين، قال: فهذه هي مراتب العبودية من قام بها فقد قام بالعبودية، هنا، ما الذي بعدها؟ لابد أن تستعين بالله على ماذا؟ على أن تأتي بهذه المراتب الأربع، قلت: ولذلك ما الذي بعدها {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لأننا ضعفاء بحاجة إلى الله، بحاجة إلى أن ندعو الله نقول في ركعة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} صراط من {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يعني غير صراط المغضوب عليهم الذين هم اليهود {وَلَا الضَّالِّينَ} يعني غير صراط الضالين الذين هم النصارى.

فإذاً أنت تدعو الله عز وجل أن يهديك صراط من أنعم الله عليهم، أنعم عليهم بماذا؟ بهذه المراتب الأربع والتي أعانهم الله عليها، هذه باختصار:

قول القلب، قول اللسان، عمل القلب، عمل الجوارح، هذه تستعين بالله عز وجل على أن تقوم بها، هنا تحقق ماذا؟ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

 أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أوليائه ومن أحبابه.