خطبة (اثنتا عشرة فائدة ) من حديث ( لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل )

خطبة (اثنتا عشرة فائدة ) من حديث ( لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل )

مشاهدات: 757

خطبة

(اثنتا عشرة فائدة )

من حديث

(( لا تَكُن مِثل فلان كان يَقوم الليل فتَرَكَ قيام الليل ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

elbahre.com/zaid

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  أخرج البخاريّ ومُسلِم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رَضِيَ الله عنهما أنّ رسولَ اللَّـهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :

   (( يا عَبدَاللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيلَ ، فَتَرَكَ قِيامَ اللَّيلِ ))

  هذا الحديث نأخذُ مِنْهُ بعضَ الفوائدِ والأحكامِ المُختَصَرَةِ

 ▪أوّلًا :

النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حَذَّرَ عَبدَاللَّـهِ أن يَكُونَ كَهذا الرَّجُل .

 وأَتَى إلَيهِ بِهذا الأُسلوب ، معَ أنّ قِيامَ اللَّيلِ [[ سُنَّةٌ ]] .

لَكِنْ مَنِ اعتادَ عَلَيهِ فَتَرَكَهُ كانَ هذا الأُسلوبُ مِنْهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم تَحذِيرًا لِعبدِاللَّـهِ ولِسائرِ الأُمَّة .

فَما ظَنُّكُم .. ؟!

 لأنّهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم لَوْ كانَ قِيامُ اللَّيلِ واجِبًا لَذَمَّهُ على هذا التَّركِ ، لَكنّهُ أَتَى بِهذا الأُسلوب

فما ظَنُّكُم بِمَن تَرَكَ الواجِبات التي أَوجَبَها اللَّـهُ عزّ وجلّ عَلَيهِ سَواءٌ كانَ عَمِلَها في رَمضانَ أو في أيّ مَوسِمٍ مِن المَواسِم ويَكُونُ الذَّمُّ عَظِيمًا .

ولِذا مَن تَرَكَ الواجِبَ فإنّهُ بَعْدَ أن عَمِلَهُ ، وهُوَ قَبْلَ أن يَعمَلَهُ مَذمومٌ لِتَركِهِ لِلواجِب ، فإذا عَمِلَه وتَرَكَهُ فَهُوَ مَذمومٌ أيضًا

ولِذا لِيَتَنَبَّه أُولئكَ الَّذِينَ ضَيَّعُوا الصَّلَواتِ بَعْدَ ذَهابِ المَواسِم كَمَوسِمِ رَمَضانَ أو غيرهِ . لِيَحذَرُوا .

ولِذا مِن دُعاءِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيحِ مُسْلِم :

مِن دُعائه في أسفارِه (( وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الحَورِ بَعْدَ الكَورِ ))

وفِي رِواية (( .. بعدَ الْكَوْنِ ))

يعني أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّقصِ بَعْدَ الزِّيادَة .

▪ثانيًا :

قال النَّوَوِي رحمه اللَّـهُ في شَرحِه على صَحِيح مُسلِم

قال : ذَمَّ اللَّـهُ عزّ وجلّ قَوْمًا أَكثَروا مِنَ العِبادة ثُمَّ تَرَكوها .

قال تعالى { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا }

▪ثالِثًا :

حُذِّرَ الإنسانُ في كِتابِ اللَّـهِ عزّ وجلّ أن يَكُونَ كَتِلكَ المَرأَة الحَمقاء الَّتي كانت تَغزِلُ غَزلَها في مَكّةَ فإذا غَزَلَت ما أرادَتهُ نَقَضَت هذا الغَزلَ

فقال اللَّـهُ عزّ وجلّ { وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا }

فما ظَنُّكُم بِمَن تَرَكَ طاعةَ اللَّـهِ عزّ وجلّ

▪رابِعًا :

حَذَّرَ اللَّـهُ عزّ وجلّ في كتابِه أن يَتَشَبَّهَ المؤمِنُ بِأَهلِ الكِتَاب الَّذِين انصَرَفوا عنِ العِلم وعن العِبادة فَتَرَتَّبَ على ذَلِكَ أن قَسَت قُلُوبُهم

قال تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

▪خامِسًا :

 سُنَّةُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وطَرِيقتُه ، وطريقةُ أصحابِه رَضِيَ اللَّـهُ عنهم أنّهم إذا عَمِلُوا العِبادةَ مِنَ النَّوافِل لَزِمُوها وثَبَتُوا عَلَيها .

فَقُل لِأولئكَ الَّذين ضَيَّعُوا الواجِبات

ولِذا في صَحِيح مُسْلِم قالت عائشةُ رَضِيَ اللَّـهُ عنها : ( كان رَسُولُ اللَّـهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ ) يَعني استَمَرَّ عَلَيهِ

وفي صحيح مسلم مِن رِوايةِ القاسِم عنها :

( كانت عائشةُ رَضِيَ اللَّـهُ عَنها إذا عَمِلَتِ العَمَلَ لَزِمَتهُ )

 اقْتِداءً بالنَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبِما أُمِرَت بِهِ في كِتابِ اللَّـهِ .

▪سادِسًا :

النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في قِيام اللَّيلِ ، [[ كانَ يُصَلِّي في اللَّيلِ إِحدَى عَشْرَةَ رَكْعَة ]]

 – فإذا لَمْ يُصَلِّ لِنَومٍ أو لِمَرَض :

قَالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّـهُ عنها (( كانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا نامَ مِنَ اللَّيلِ أو مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثِنتَي عَشْرَةَ رَكعَة ))  لِمَ ؟

لِأنّهُ كانَ يُصَلِّي بِاللَّيل إحدى عَشْرَةَ رَكعة ، فإذا جَاءَ النّهار شَفَعَها ( يُصَلِّي رَكعَتَين ، كُلّ رَكعَتَين بِتَسلِيمةٍ )

فإذا كُنتَ مِمَّن يُصَلِّي بِاللَّيل ..

مَثَلًا ، على سَبِيلِ المِثال ( وعلى هذا فَقِسْ )

لَوْ كُنتَ تُصَلِّي ثلاثَ رَكَعات فَفاتَتْكَ لِعُذرٍ ، فإنّكَ تُصَلِّي مِنَ النّهارِ أَربَعَ رَكَعات ( كُلّ رَكعَتَين بِتَسليمَةٍ ) .

▪سابِعًا :

جاء في الصَّحِيحَينِ أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما قالت عائشةُ رَضِيَ اللَّـهُ عنها :

(( أَحَبُّ الدِّينِ إلَيهِ … ))

 – (( إليهِ )) : وَرَدَت الرّوايات يعني : إِلَى اللَّـهِ

ووَرَدَت رِوايةٌ في مُسْنَدِ أَبِي دَاوُد : (( أَحَبُّ الدِّين إلى رَسُولِ اللَّـهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم .. ))

(( أحبُّ الدِّينِ إليهِ ما داوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُه ))

ولذلكَ في الصَّحيحَينِ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( أحبُّ الأعمالِ إلى اللَّـهِ أَدوَمُها وَإِنْ قَلَّ ))

 ولَو كان العَمَلُ الذي تَعمَلُه – كَمِثالٍ – :

لَوْ كُنتَ تُصَلِّي بِاللَّيل فقط رَكعَةً واحِدة ، رَكعة الوِتر [[ واحِدة واستَمَرَّيتَ عليها ]] لَكانَ خَيرًا مِن رَكَعاتٍ كثيرةٍ تَنقَطِع بَعدَها  .

ولا شَكَّ أنّ مَن أَتَى بِإِحدى عَشْرَةَ رَكعة أو بِأَكثَر مِن رَكعة واستَمَرَّ عَلَيها أَفضَل مِمَّن أَتَى بِرَكعةٍ واستَمَرَّ عليها

(( أَحَبُّ الأَعمالِ إلى اللَّـهِ أَدوَمُها وَإِنْ قَلَّ ))

▪ثامِنًا :

ومِمّا يَدُلُّ على أنّ العَبدَ لا يَتْرُكُ قَلْبَه ولا يترك جَوارِحَهُ مِن فِعل العِبادة ( الّتي هِيَ النوافِل ) لأنّ الواجِبات مُحَتَّمَةٌ عَلَيهِ

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صَحيحِ مُسْلِم :

(( مَن نامَ عن حِزبِه مِنَ اللَّيلِ فَقَرَأَهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجرِ إِلَى صلاةِ الظُّهرِ فَكَأنّما قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ ))

(( فَكَأنّما قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ ))

وهذا يَدُلُّ على عَظِيمِ هذا الأَمْرِ

▪تاسِعًا :

عائشةُ رَضِيَ اللَّـهُ عنها كما في الصَّحيحَينِ ، تَصِفُ عَمَلَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّمَ بِالمَطَرِ المُستَمِرّ 

[[ يَدُلّ عَلَى الِاستِمرار ]]

ولِذلكَ رَضِيَ اللَّـهُ عنها فيما يَتَعَلَّقُ بِعَمَلِهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحِيحَينِ ، قالَت :

(( كانَ عَمَلُهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم دِيمَةً ))

يَعني أنّه مُداوِمٌ عَلَيهِ ومُستَمِرٌّ عَلَيهِ كاستِمرارِ هُطُولِ المَطَرِ

▪عاشِرًا :

النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالَ :

(( يا عبدَ اللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ ))

لمْ يُذكَر فُلانٌ :

 – إمّا [[ مِن بابِ السِّترِ عَلَيهِ ]] كما قيل

مَعَ أنّ العَيْنِيّ -رحمه اللَّـهُ- في شَرحِهِ على صحيح البخاريّ في عُمدَةِ القارِي يَقُول :

إنَّما أَبهَمَهُ بعضُ الرُّواة ، وليسَ سِترًا ؛ لأنّ هذا الرَّجُل لمْ يَتْرُك شيئًا مُحَرَّمًا ( لأنّ قِيامَ اللَّيلِ لَيْسَ بِواجِب وإنَّما هُوَ سُنّة ؛ حتّى يُتَسَتَّرَ عَلَيهِ )

 – قال : وأَضعَفُ مِن ذَلِكَ :

مَن يَقُولُ أنّه لمْ يَقَع شيءٌ مِن أيّ شَخصٍ وإنّما ذَكَرَهُ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم [[ مِن بابِ التَّحذِير ]] .

فيقول رحمَهُ اللَّـهُ : كيف يُحَذَّرُ الشّخصُ مِن عَمَلِ غَيرهِ وهو لمْ يَقَع .

فَدَلّ هذا كما قال رحمهُ اللَّـهُ مِن أنّ هذا إِبهامٌ مِن بعضِ الرُّواة

▪الحادي عَشَر :

أَكثَرُ الأحاديث بِأَلفاظِها -كما قال العَينيّ – (( يا عبدَاللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيلَ ، فَتَرَكَ قِيامَ اللَّيلِ ))

قال : وَرَدَت لَفظَة (( يا عبدَاللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيلَ .. ))

بِزِيادَةِ ( مِن )

قال : وتَوجِيهُها :  بأنَّ ( مِن ) بِمَعنَى ( في )

 يَعنِي : كان يَقُومُ في اللَّيلِ

▪الثاني عَشَر :

هذا الحديث [[ أخرَجَهُ البُخارِيّ ومُسلِم ]]

وهيَ فائدة حَديثيّة نَختِمُ بِها

مِن أنَّ الأَوزاعِيّ اختَلَفَ الرُّواةُ عَنْهُ رحمه اللَّـهُ .

فَقَد رَواهُ الأوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كثير عن أبي سَلَمَة بن عبدالرحمن عن عبدالله بن عمرو بن العاص (( يا عبدَاللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيلَ ، فَتَرَكَ قِيامَ اللَّيلِ ))

وبعضُ رُواة الأوزاعِيّ رحمه الله أَدخَلُوا بينَ يَحْيَى بن أَبِي كثير وبَينَ أَبِي سَلَمَة بن عبدالرحمن أَدخَلُوا عُمَر بن الحَكَم بن ثَوبان

ولِذَلِكَ لمْ يَذكُرهُ البُخارِيّ – بإدخالِ عُمَر بن الحَكَم – لمْ يَذكُرهُ إِلّا مُعلَّقًا ، بينما ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رحمهُ اللَّـهُ في صَحِيحِه

ولا تَعارُضَ ، ولا يَدُلُّ على تَدليس .

بَل قال ابنُ حَجَر – رحمهُ اللَّـهُ – في الفَتح :

هذا مِن مَزيدِ اتِّصالِ السَّنَد ؛ لِأنّ يَحيَى بنَ أَبِي كثير ذَكَرَ أنّه حَدَّثَهُ بِصيغةِ التَّحديثِ ( حَدَّثَهُ أبو سَلَمَة ) .

ويُحتَمَلُ أيضًا : وهذا احتِمالٌ قَوِيٌّ :

 – مِن أنّ يَحيَى بن أبي كَثير حَدَّثَ عن أبي سَلَمَة بن عبدالرحمن ( بِواسطة ) بِهذه الواسِطة

 – ثمّ لَقِيَ يَحْيَى أبا سَلَمَةَ فَحَدَّثَهُ ( مِن غَيرِ واسِطة ).

 هَذِهِ جُملَة مُختَصَرَة مِن الفوائد والأحكام تَحْتَ هذا الحديث .

ذَكَرتُ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمّا هُوَ مُناسِبٌ لِلحالِ

وأيضًا هِيَ عِبرَة وعِظَة لنا . أن نَحرِصَ على النَّوافِل ، وأنّنا إذا فَعَلنا نافِلة لِنَثبُتْ عليها ولَنَستَمِرّ  عليها وَلَوْ قَلَّت .

وفِيهِ تَحذِيرٌ ؛ إذا كان يَقُولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم (( يا عبدَاللَّـه لا تَكُن مِثْلَ فُلانٍ كانَ يَقُومُ اللَّيلَ ، فَتَرَكَ قِيامَ اللَّيلِ ))

حَذَّرهُ مِن صَنِيعِ فُلانٍ الذي تَرَكَ قِيام اللَّيلِ .

فما ظَنُّكم بِتَحذِيرٍ يَقَع على مَن تَرَكَ واجِبًا مِن واجِباتِ الدِّين الّذي إن تَرَكَهُ يُعاقَبُ عَلَيهِ .

أسألُ اللَّـهَ عزّ وجلّ لِي ولَكُم الثباتَ على دِينِهِ حتَّى نَلقاهُ