خطبة
خمسة أحكام فقهيّة مهمّة بأدلّتها عن [ رؤية الهلال ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حَدِيثُنا في هذا الْيَوْم عن أحكامٍ فِقهِيَّةٍ مُختَصَرَة بِأَدِلَّتِها الشَّرعِيَّة عن رُؤْيَة الهِلال وما يَتَعَلَّقُ به مِن أحكام .
▪ أَوَّلًا :
الأُمَّةُ مَأْمُورَةٌ بِتَرائِي هِلال شَهْرِ رمضان
فقد جاء في سُنَنِ أبي دَاوُد بإسنادٍ صحيح
قال ابن عمر رَضِيَ الله عنهما ( تَراءَى الـنَّـاسُ الهِلالَ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسلَّم فَرَأَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ . فَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيام )
فَدَلَّ هذا على أنّ الأُمَّةَ مَأْمُورَةٌ بِتَرائِي الهِلال
▪ثانيًا :
إذا رُئِيَ الهلال مِن شَخصٍ واحدٍ سواءٌ كان ذَكَرًا أو أُنثَى وكان قَوِيَّ البَصَر ، وكانَ عَدلًا《 فإنّهُ يؤخَذُ بِقَولِه ، ولو كان شَخصًا واحدًا 》 .
وهذا مِمّا《 يَنفَرِدُ بِهِ دُخولُ شهرِ رَمَضانَ 》عن الشهورِ الأُخرى .
فَالشُّهور الأُخرَى لابُدّ مِن اثنَين .
لَكِن في شَهرِ رمضانَ بِالنِّسبَة إلى دُخُولهِ فإنّهُ يُكتَفَى بِواحِدٍ
كما ثَبَتَ بِذلك الحديثُ عن ابن عمر رَضِيَ الله عنهما عند أبي دَاوُد ( تَراءَى الـنَّـاسُ الهِلالَ فَرَأَيتُهُ فَأَخبَرتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيامِه )
《 أمّا خُروجُ رمضانَ 》فهو كَسائِرِ الشهورِ الأُخرى 《 لابُدَّ مِن شهادةِ اثنَين 》.
▪ثالِثًا :
مِن اهتمامِ الشَّرع بِرُؤيَة هِلالِ رمضانَ ، ولِأَهَمِّيَّة الرُّؤيَة قد ثَبَتَ الحديثُ عند التِّرمِذِيّ :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( أَحْصُوا هِلالَ شَعْبانَ لِرَمَضانَ ))
أُمِرنا بِإِحصاءِ هلالِ شعبانَ مِن أَجْلِ رُؤيَةِ هلالِ رمضانَ .
فدلّ هذا على ماذا ؟
على التأكيد على أَهَمِّيَّة الِاعتِماد على رُؤية الهِلال
▪رابِعًا :
دُخولُ الشُّهور إنَّما يَكوُن بِرُؤيَة الهِلال
ولا يكونُ بِالِاعتِماد على الحِساب الفَلَكِيّ .
فاللهُ جلّ وعلا ورسولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم جَعَلَا لِلنَّاس اليُسرَ
ولِذا قال رسولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين : (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ))
فَعَلَّقَ الأَمْرَ على ماذا ؟ 《 على الرُّؤْيَة 》
ولذلك إجماعُ سَلَفِ هذه الأُمَّة مِن الصحابة رَضِيَ الله عنهم ومَن جاء بَعدَهُم
دلّ على ماذا ؟
على اعتِماد الرُّؤيَةِ ، وعلى تَركِ الحِساب الفَلَكِيّ .
وهَذا إجماع مِن السابقين .
وما يُذكَرُ مِن خِلافٍ مِن بعض المُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ 《 خِلافٌ شاذٌّ لا يُعَوَّلُ عَلَيهِ 》
وهُمْ يَقُولُون : إن الحِسابَ الفَلَكِيَّ أدَقُّ .
سبحان الله !!
الأَدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ قَطعِيَّةٌ (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ))
هُم يَقُولُون .
ولَو قالوا ، فنَحنُ لا نَلتَفِتُ إلى هذا القَول ولَو قالوا
فإنّنا نَلتَفِتُ إلى ما جَاءَ في شَرعِنا ، وأُمِرْنا بِذلك ؛ لِأَنّ هذه عِباداتٌ . مَبنِيَّة على ماذا ؟
عَلَى أَدِلَّةٍ شَرعِيَّةٍ (( صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ))
فلا يُلتَفَتُ إلى قَولِ فُلانٍ أو فُلانٍ
هُم يَقُولُون : هُوَ أَدَقُّ مِن الهِلال
سبحان الله !!
هذه السَّنَة بعضُ الدُّوَل تَعتَمِدُ الحِسابَ الفَلَكِيّ .
في هذه السَّنَة بعضُهم – وهو يَعتَمِد الحِساب الفَلَكِيّ – صامَ يومَ الأربعاء ، وبعضُهم صامَ يَوْمَ الخميس .
فاعتَمَدَ دُخُول الشَّهرِ على الحِساب الفَلَكِيّ . فَتَناقَضوا . فَكَيفَ تَكُونُ هُناك دِقَّة ؟
فدلّ هذا على ماذا ؟
على أنّ الشَّرع يَسَّرَ على النَّاس
فَيُتَنَبَّهُ لِمِثلِ هذا ، ولا يُلتَفَتُ إلى ما يُقال .
فَالحَذَر الحَذَر
▪خامِسًا :
التحذير ممّا يُسَمَّى بِإِمساكِيّةِ شَهْرِ رمضانَ.
إمساكِيّة الصِّيام لِبَيانِ :
– وَقت الإمساك عن الأكل والشُّرب وسائِرِ المُفَطِّرات
– وأيضًا لِدُخولِ وقت الإفطار
فهذا لَيسَ مِن الشَّرع .
بل إنّ بعضَ هذه الإمساكِيّات تَتَقَدَّمُ على الوقت :
– على أذان الفجر بِخَمسِ دقائقَ أو بِعَشرٍ أو بِرُبعِ ساعةٍ .
– كذلك الشَّأنُ في الإفطار .
فَإِنْ كان كَذَلِكَ فيها تقديم ، فهذا مِنَ البِدَع التي ابتَدَعها النَّاس وشَقُّوا على أنفُسِهم ، وظَلمُوا غَيرَهم .
حَتَّى هذا يَدخُلُ فيه ماذا ؟
مَن يَحتاط مِنَ بعض المؤذّنين ، فَيحتاط بِدَقِيقَتَينِ أو بِثَلاثٍ أو بِخَمسِ دقائِقَ .
هذا جِنايةٌ على الشَّرع .
لِمَ ؟
لِأنّ اللهَ عزّ وجلّ قال { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصَّحِيحَين (( كُلُوا واشرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مَكتوم )) .
وفِي رِواية (( فإنّه لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطلُعَ الفَجرُ ))
نحنُ مَأمُورون بماذا ؟
بِالإِمساكِ عندَ طُلوعِ الفجرِ الثاني .
وحتّى فيما يَتَعَلَّقُ بِالغُروب . ما يَتَأَخَّر عن الوقت .
ولذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحِيحَين ماذا قال ؟
قال (( إذا أَقبَلَ اللَّيلُ مِن ها هُنَا وأَدبَرَ النهارُ مِن ها هُنَا وغَرَبَتِ الشَّمسُ فَقَد أَفطَرَ الصَّائِمُ ))
يعني أنتَ في بَرٍّ أو تَسِيرُ مَثَلًا وأنتَ مُسافِر ورأيتَ الشمسَ قد غَرَبَت ، فهُنا يَتَحَقَّقُ لَكَ الفِطر .
ولا تَلتَفِت تقول : واللهِ ، سأنتظر حتّى أَسمَعَ أذانًا أو ما شابهَ ذلك . لا
(( إذا أَقبَلَ اللَّيلُ مِن ها هُنَا وأَدبَرَ النهارُ مِن ها هُنَا وغَرَبَتِ الشَّمسُ – غربَت الشمس – فَقَد أَفطَرَ الصَّائِمُ ))
أَيضًا فيه جِناية على النّاس
بَعضُ النّاس ربّما يريدُ ماذا ؟
– أن يَتَسَحَّر . رُبَّما لمْ يستيقظْ إِلّا مُتَأَخِّرًا
فيُؤَذِّن بعضُ النّاسِ بِأَذانٍ مُتَقَدِّمٍ ، فَيَجنِي على الآخَرِين
– رُبَّما أنّه يُريد أن يُصَلِّيَ . فيه جناية .
◼الحديث عن هذه الإمساكِيّات [ وذُكِرَ الأَذان ، أو ذُكِرَ بعضُ ما يفعَلُه المُؤَذِّنِين ذُكِرَ تَبَعًا ] .
فَعَلَى كُلِّ حالٍ ، مِثلُ هذه الإمساكِيّات التي انتشرت فيها تشَدُّد وتَنَطُّع
وقَدْ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيح مُسْلِم (( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ )) قالَها ثَلَاثًا
سبحان الله !!
ما أعظمَ دينَنا !
يُسْر وسَماحَة