خطبة خمس عشرة فضيلة ( للمرابطين على الحدود ) وهل يدخل فيهم المرابط في المدن

خطبة خمس عشرة فضيلة ( للمرابطين على الحدود ) وهل يدخل فيهم المرابط في المدن

مشاهدات: 506

خطبة خمس عشرة فضيلة

 ( للمرابطين على الحدود )

وهل يدخل فيهم المرابط في المدن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه هي فضائل من؟ فضائل المرابطين على الحدود، نسأل الله أن ينصر إخواننا المرابطين على حدودنا، وأن يثبتهم، هذه الفضائل قبل أن أذكرها أبين قبلها ما هي المرابطة؟

المرابطة: هي حفظ حدود المسلمين من الأعداء، ولا يلزم خلافا لمن قال لا يلزم في المرابطة أن يكون المرابط خارج حدوده في حدود العدو، هذا قول رد عليه كما رد عليه العيني وابن حجر رحمهما الله، إذاً: من وقف في حدود بلدته؛ لحفظها من الأعداء، ولو لم يكن داخل حدود العدو، فإن المرابطة تصدق عليه.

بل لو قال قائل:

 تلك المرابطة التي يأمر بها ولي أمر المسلمين، والتي تكون داخل البلد في المدن أتصدق هذه الفضائل على هؤلاء، أم أن هذا الفضل ينحصر فقط على من كان عند الحدود؟

الجواب:

إن كانت تلك المرابطة داخل المدن من أجل أن تكون عونا للمرابطين على الحدود، فإنهم بفضل من الله جل وعلا يدخلون في ذلك، لم؟ لأنهم بهذه المرابطة يعتبرون ردءا للمرابطين على الحدود؛ لأنه لا يمكن أن يتم أمن عند الحدود إلا إذا كان هناك أمن في الداخل، ولذا الفقهاء يقولون الردء يكون في حكم المجاهد، ولو لم يجاهد؛ لأنه كان عونا وردءا لهذا المجاهد فيصدق عليه، وذلك لماذا؟ لأن كلا منهما أي من كان عند الحدود، ومن كان في المدن كلاهما حبس نفسه من أجل أن يحفظ البلد ونظير هذا ما يقوله بعض العلماء كما ذكر ابن عبد البر في كتاب الاستذكار، قال تحت حديث النبي عليه الصلاة والسلام (من أن المصلي إذا جلس في المسجد الملائكة تصلي عليه تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)، قال: وهذا في المساجد، قال ويلحق بذلك والله أعلم المرأة إذا قعدت في مصلى بيتها تنتظر الصلاة فإنها تدخل، لم؟ لأنها حبست نفسها عن أن تنشغل عن الصلاة القادمة بأمر آخر.

إذن فضل الله عز وجل واسع، ومع هذا كله وهذه الفضائل التي سأذكرها، وهذه المقدمة يجب أن يستحضر المرابط أنه إنما يرابط ابتغاء الأجر من الله، وأنه يدافع عن بلده؛ لأن بلده بلد إسلامي؛ ليحفظها من الشرور، لا يغفل عن هذه النية، حتى يظفر بهذه الفضائل.

ثم علينا نحن ممن سمع هذه الفضائل أن ينقلها إلى هؤلاء المرابطين حتى يعلموا بها، ويستحضروا النية.

 وإليكم بعضا من هذه الفضائل:

من فضائل المرابط:

أن اليوم الواحد مع الليلة، وربما ليلة، أو يوم، لرواية ابن حبان (رباط يوم أو ليلة) أتى بكلمة “أو” وجاء في بعض الروايات “الليلة” مفردة عند ابن ماجه، وجاء كلمة “يوم” في بعض الروايات، الشاهد من هذا: “يوم وليلة في الرباط خير من صيام شهر وقيامه”، قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه) سبحان الله! لم؟ لأن عمل المرابط عمل متعدي النفع، بينما الصيام والقيام نفع لمن؟ لصاحبها فقط، أما المرابط فهو ينفع غيره من المؤمنين، بل وذلك فضل االله، وحمله بعض العلماء على أن الله زادهم فضلا على فضل، أو كما قيل تلك الفضائل وتلك الأجور تختلف باختلاف حال المرابطة، وباختلاف الأماكن والأزمان، بل جاء عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام: (رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَنَازِلِ)

ألف يوم ما المقصود؟ لعل رواية ابن ماجه تبين أنه خير من ألف يوم من حيث الصيام، ومن حيث القيام، بل جاء عند البخاري قول النبي عليه الصلاة والسلام: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها) ( خير من الدنيا وما عليها) كما عند البخاري.

ولذلك بعض العلماء قال عبر هنا في هذا الحديث بكلمة (وما عليها) لأنها أبلغ من “وما فيها”؛ لأنها تدل على الاستعلاء، بمعنى أنه جمعت له الدنيا كلها، ومع جمع الدنيا كلها له إلا أن يوما يرابط فيه في سبيل الله خير من هذه الدنيا التي جمعت له، واستولى عليها (خير من الدنيا وما عليها) أي خير من التلذذ بها لأنها زائلة، أو كما قال بعض العلماء “رباط ذلك اليوم خير من أن يملك الدنيا ويتصدق بها ابتغاء وجه الله”، وهذا يدل على فضل المرابطة.

ومن فضائل المرابطة في سبيل الله، ومن فضائل المرابط:

 أن عمله لا يتوقف إن مات، عمل ماذا؟ عمل المرابطة وما قام به أثناء المرابطة لرواية الطبراني.

عند مسلم: (وأجري له عمله)، في رواية الترمذي: (ينمي له عمله) عند أبي داود: (ينمو له عمله) سبحان الله!

رواية الطبراني: (يجري له عمل وأجر المرابط في سبيل الله ما ينقطع)، وهذه خصيصة كما قال النووي في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج قال هذه خصيصة للمرابط لا يشاركه فيها أحد أبدا (عمله يستمر لو مات) لو مات مرابطا فإن هذا العمل يستمر له، ولذلك عند الطبراني كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل عمل يختم عليه إلا المرابط في سبيل الله) 

 

ومن فضائل  المرابط:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما جاء في صحيح مسلم: (يجرى له رزقه)، قال النووي في معنى هذه الجملة قال: بها تلميح لما ذكر جل وعلا {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} يعني هم نظراء الشهداء، فإنهم يرزقون  عند الله عز وجل، قال كما صرحت بذلك الأحاديث من أن أرواحهم تكون في حواصل طير يأكلون من ثمار الجنة، ولذلك عند الطبراني (وهدي له برزقه من الجنة).

ومن فضائل المرابط:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم: (وأمن من الفتان)، وضبطت (وأُمن) بهمزة مضصومة وبعدها الواو، ما معنى هذه الجملة (وأمن من الفتان) في رواية الترمذي، (ووقي فتنة القبر) وفي رواية أبي داود (من فتاني القبر)؟

قال العراقي قال: هذا الحديث يحتمل إما أن هذا المرابط التي مات فإن الملكين لا يأتيانه، ولا يسألانه في قبره، وإما أنهما يأتيانه ويؤنسانه ولا يرعبانه، بل لتعلموا أن الرواية المشهورة بضم الفاء (الفُتان) جمع فاتن يعني أنه يوقى أي فتنة حتى قال بعض العلماء يوقى من فتنة الدجال لو أدركها، وهذا الضبط صحيح (الفتان) يعني أنه ليس فقط أنه يوقى فتنة الملكين الذين يسألانه في قبره، لا، بل كل فتنة تمر عليه في قبره، وما يستقبله بعد خروجه من قبره سبحان الله يكفها.

قلت: ويدل لذلك أيضا رواية ابن حبان (وأمن من عذاب القبر) يعني كما أنه يؤمن فتنة القبر بحيث أنه يأمن من فتاني القبر كذلك في رواية ابن حبان، وهي رواية صحيحة (أمن من عذاب القبر)، وهذا إن دل يدل على  فضله.

ومن فضائل المرابط:

أنه إذا بعث يوم القيامة لا يفزع الفزع الأكبر، لا يفزع، ولذلك كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام قوله كما عند ابن ماجه (ويبعث المرابط يوم القيامة آمنا من الفزع الأكبر)

ومن فضائل المرابط:

أن عينه لا تصيبها النار كما جاء عند الترمذي، بل جاء عند غيره (لا ترى النار عينان لا تريان عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله)، بل في رواية خرى (عين باتت تحرس) من؟ (تحرس الإسلام وأهله).

ومن فضائل المرابط:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه إذا اشتدت عليه المرابطة، وكان في أرض خوف يخشى أن لا يعود إلى أهله يرى الموت أمامه، فإن الليلة الواحدة من تلك أفضل من ليلة القدر مع بقاء فضل ليلة القدر إلا أن تلك الليلة أفضل من ليلة القدر، حديث ابن عمر كما عند الحاكم، وهو أيضا عند النسائي في السنن الكبرى حديث ابن عمر، ويرويه يحيى القطان موقوفا ومرفوعا، ولا يضر، فالحديث ثابت حتى عن النبي عليه الصلاة والسلام على الصحيح من حديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: ( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسٌ حَرَسَ فِي أَرْضِ خَوْفٍ، لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ) وفي رواية ابن أبي شيبة (يخاف ألا يقوم) يعني ألا يرجع إلى أهله.

من تبويب النسائي في السنن الكبرى: قال “باب فضل حارس الحرس” كأنه يشير والعلم عند الله على أن هذه المزية تحصل لمن حرس أصحابه وزملاءه إذا انشغلوا، أو إذا ناموا، ولذلك لعله على تبويب النسائي ربما والعلم عند الله يكون النطق حارسُ حرسٍ، حارسُ حرسٍ في أرض خوف، وفضل الله واسع، من لو لم يحرس أصحابه لعل ما عند ابن حبان يبين ذلك لو لم يحرس أصحابه، وإنما في أرض خوف، ولا يدري أيرجع إلى أهله فينجو أم لا؟ أن أبا هريرة كما عند ابن حبان كما ثبت عنه أنه كان في الرباط، ففزع بعضهم إلى الساحل، فوقف فقيل له ما يوقفك؟ فقال أبو هريرة سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول (موقف ساعة في سبيل الله خير من ليلة القدر عند الحجر الأسود)

ومن فضائل المرابط:

أنه كما قال شيخ الإسلام والنصوص تدل على ذلك النصوص العامة تدل على ذلك قال رحمه الله قال: الرباط أفضل من مجاورة المسجد الحرام، أفضل من أن يبقى الإنسان في المسجد الحرام، لم؟ لأن نفع المرابطة متعدٍ، بينما المكث، والمرابطة في المسجد الحرام، والبقاء فيه إنما هو نفع لصاحبه.

ومن فضائل المرابط:
أن بعض العلماء أخذ من قوله عليه الصلاة والسلام (أنه ينمو له عمله) قال إن هذا العمل الذي قام به يعد صدقة جارية، يعد صدقة جارية عليه، لم؟ قالوا: لأنه إنما وقف في تلك الحدود من أجل أن ينفع إخوانه المسلمين؛ ليحفظهم بإذن الله، ووقف من أجل أن يعود هؤلاء الكفار أن يعودوا إلى الإسلام، فإذا عاد بعضهم إلى الإسلام هنا صار هناك نفع، وبالتالي فإنه يعد بمثابة الصدقة الجارية عليه.

ومن فضائل المرابط:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه خير عيش يكون للإنسان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (من خير معاش الناس لهم رجل) حذف المضاف أي عيش رجل (رجل ممسك بعنان) بكسر العين (بعنان) يعني لجام الفرس (بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة) يعني صوتا (أو فزعة) يعني استنفارا (طار على متنه) يعني على ظهره (طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانه) (مظانه) بدلا اشتمال من الموت، أو منصوب على الظرفية عند الأكثر (يبتغي القتل أو الموت مظانه) مظان يتوقع هو أن يتوقع الإنسان أن هذا الشيء يوجد في هذا الموضع، وفي هذا المكان، قال (مظانه) ولم يقل مظانهما؛ لأنه كما قيل الموت والقتل سواء، وقيل أعاد الضمير إلى أقرب مذكور، وهو الموت، سبحان الله!هذه تذكرني بفائدة وهي: قال بعض العلماء تحت هذا الحديث قالوا: فضيلة من مات في الرباط في سبيل الله، ولو لم يقتله العدو، ولو لم يقتله العدو، فإن قتله العدو كان الفضل أعظم وأعظم.

ومن فضائل المرابط:

أن العلماء اختلفوا هل المجاهد أفضل أم المرابط؟

قال بعض العلماء: المرابط، وقال بعضهم: المجاهد، حتى من قال إن المجاهد أفضل من المرابط قال: إذا كانت المرابطة بأمر ولي المسلمين كان الرباط أفضل من الجهاد، إذن إذا أمر ولي أمر المسلمين بالرباط حتى على القول الذي يفضل الجهاد يقول يكون الرباط أفضل من الجهاد، سبحان الله! لم؟ اسمع: وهي فائدة لطيفة أذكرها لك، واللطيفة سذكرها بعد ما ذكره العلماء: “لم كان الرباط أفضل؟”

قالوا: لأنه سبحان الله قالوا لأنه يعني الرباط إنما أراد أن يحفظ، وأن يحقن دماء المسلمين، وإنما الجهاد إنما أراد به يهريق به دم الكفار والأعداء، وهذا يدل على، يدل سبحان الله، هذه اللطيفة: يدل على عظم دماء المسلمين إذ إن المرابطة عظمت عند هؤلاء العلماء؛ لأن المرابط يحفظ بإذن الله دماء المسلمين، بينما الجهاد يهريق دماء الأعداء، فأين أولئك وهذه اللطيفة؟! سبحان الله! يدل على عظم وحرمة دماء المسلمين، أين أولئك الذين لا يتقون الله، ولا يخشون الله في دماء المسلمين، فيقتلون المسلمين باسم الدين وباسم الجهاد، والجهاد بريء من أفعالهم، بل أين أولئك الذين يستهينون بدماء المسلمين، فيقدم على قتل صاحبه من أجل متر أرض، أو مبلغ من المال، أو من أجل اصطدام سيارة، أو ما شابه ذلك.

أين هؤلاء من هذا البيان الذي بين ودلل على عظم حرمة ماء المسلمين، فعظم الرباط عند هؤلاء العلماء أفضل من الجهاد بهذا الاعتبار.

أسأل الله أن ينصر إخواننا المرابطين على الحدود، وأن يحفظهم، وأن يثبت أقدامهم، وأن يسدد رميهم، وكما أسلفت في مقدمة الخطبة ننقل مثل هذا الكلام إلى هؤلاء حتى يصل إليهم عبر وسائل التواصل؛ ليعلموا أنهم على خير عظيم.

أسأل الله أن يوفقهم، وأن يسددهم، وأن يفرج همهم، وأن ينفس كربهم، فإنهم يقومون بعمل عظيم.