خطبة رقم (12)
( سبعة أصول )
مهمة يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم بإذن الله من الزلل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سابقة عن مِئَةِ أصلٍ من الأُصول المهمّة التي يحتاجها العامّيّ وطالب العلم في هذا الزمن حتّى يُعصَمَ بإذن الله عزّ وجلّ من الزّلل
الأصل الأوّل بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين ، قال :
(( وَلا هامَة ))
والهامَة : هو طير البومة
كانوا يعتقدون أنّ هذا الطير – وليس الحُكم خاصًّا بهذا الطير ، بل لو تَجدَّد مِثلُ هذا الاعتقاد فيأخذُ الحُكم – كانوا يعتقدون إذا وقع هذا الطير على بيت فلان أو صاحَ دَلّ على قُربِ موت صاحبه أو موت أحدٍ في البيت .
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنكر ذلك ، نَعَم
طير صاحَ أو وقع على جدران البيت ، فأيّ تأثيرٍ له ؟! إنّما ذلك يدلّ على عدم التوكّل على الله عزّ وجلّ .
الأصل الثاني بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما عند مسلم : (( وَلا غُول ))
الغُول : كانت العرب تعتقد بأنّه في الصحراء جِنس من الشياطين يَتَلَوّن للناس حتّى يُضِلّهم في أسفارهم في الصحراء
فنفَى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجود هذا الغول كما قالت طائفة مِن أهل العِلم .
والذي يَظهر مِن أنّ هذا الغول موجود، كما جاء في حديث أبي أيّوب رضي الله عنه : ( كانت الغول – كما في السُّنَن – تأتي فتأخذ مِن تَمْرٍ له ) وإن كان فيه مَقال إلّا أنّ الألبانيّ صحّحَه رحمه الله
فدلّ هذا على ماذا ؟
على أنّ هذه الغول إمّا هي غير موجودة في الواقع أو أنّها جِنس من الشياطين لَكِنْ لا يمكن أن يكون لها تأثير في إضلال الناس ، إنّما الأمْرُ بقضاء الله وبِقَدَرِه عزّ وجلّ .
والعوامّ عندنا قديمًا يُسمّونه بِالهُول أو بِالهُولة ، ولا أدري هل بقِيَت هذه التسميةُ أم اندثرَت .
فلا يستطيع أحد أن يؤثّرَ إلّا بِأمْرِه عزّ وجلّ ، لا الشياطين ولا غير الشياطين.
الأصل الثالث بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( وَلا صَفَر ))
كانوا يتشاءمون بِشهر صفر مِن أنّه شَهْرٌ تأتي فيه النَّكَبات والبلايا والأحزان
فَنفى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يكون لِهذا الزمن تأثير . شهرٌ كَسائر الشهور
ولذلك :
بعض الناس إذا انتهَى مِن عملٍ أو ربّما إذا نَطَق عن صفر قال :
( صَفَر الخَيْر ) ، أو ( انتُهِي منه في صفر الخير ) هذا أيضًا ضلال ، معالجة بدعة بِبدعة
صَفَر لا خير ولا شرّ ، هو زمن كَسائر الأزمان
ولذا :
كانوا قديمًا يتشاءمون بِشهر شوّال مِن أنّ المصائب والبلايا تكون فيه ، فَردَّتْ عليهم عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم ، قالت :
( تزوّجَني -يعني عَقَدَ عَلَيّ- رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في شوّال ، وبَنَى بي – يعني دخل بي – في شوّال ، فأيّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أحظى عنده منّي ) تقول مَن لها مرتبة وحَظوَة ومكانة مِن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أعظَم منّي.
فدلّ هذا على أنّ شوّال لا يأتي بِخير ولا يأتي بِشَرّ ، إنّما هو زمن كَسائر الأزمان ، وكذلك الشأن في شهر صَفَر .
الأصل الرابع بعدَ المئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( وَلا عَدْوى ))
لا يعني أنّ المرض المُعدي لا ينتقل ، ليس هذا هو المقصود .
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند البخاريّ قال :
(( فِرَّ مِن المَجذوم فِرارَك مِن الأَسَد ))
المَجذوم هو مَن به مرض مُعدي
فَفِعلُ الأسباب حتّى لا تَنتقِل العَدوى عن طريق الأمراض أمْرٌ نَدَبَ إليه الشرع ، بل إنّ رَجُلًا – كما عند مسلم – لمّا أتَى إلى المدينة لِيُبايِعَه وكان مجذومًا ، قال : (( قد بايعناك فَلا تَدخُل المدينة ))
وأمّا ما وَرَدَ مِن حديث مِن أنّه -كما في السُّنَن- مِن أنّه أخَذ يَدَه بِيَد رَجُلٍ مَجذوم وقال :
(( كُلْ مِن القَصْعَة ثِقةً بِالله وتَوَكُّلًا عليه ))
فهو حديث ضعيف
إِذَن انتبه ، الإنسان يَتَوَقَّى الأمراض المُعدية .
لكِن قال هُنا : (( لَا عَدوَى )) أي هي لا تَنتقِل بِنفْسِها وبِذاتِها ، إنّما الذي يَنقُل المرض هو الله ، لا هذا المرض .
وهذا شيء مُشاهَد ، بعض الأمراض المُعدِية تأتي إلى أهل البيت ومع ذلك لا يُصاب أحدٌ منهم .
الأصل الخامس بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما عند أحمدَ وغَيرِه كما ثَبَتَ عنه :
(( مَنِ اقتَبَسَ شُعبَةً مِنَ النُّجوم فَقَد اقتَبَسَ شُعبَةً مِنَ السِّحر ، زادَ ما زاد ))
وهذا ما يُسَمَّى بِعِلم التنجيم الذي هو عِلم التأثير .
مَن اعتَقَد أنّ هذه النجوم تُؤَثِّرُ بِذاتِها في الحوادث الأرضيّة فهو مشرك بِالله شِركًا أكبر ، لأنّه اعتَقَد أنّ مع الله خالِقًا .
هذه نجوم ليس لها مِن الأمْرِ شيء
ومَن اعتَقَد أنّ هذا النَّجم أو ذاك النّجم سيكون بِسَبَبِه وسَيَقَع بِسَبَبِه حادث في الأرض أو أمْر في الأرض فقد كَفَر بِالله عزّ وجلّ كُفرًا أكبر
لِمَ ؟
لِأنّه ادَّعَى عِلمَ الغَيب ، قال عزّ وجلّ :
{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }
وإن وَقَعَ الحَدَث في الأرض ( وَقَعَ ) – ليس كالنَّوع الأوّل ، لَم يقع وإنّما قال سيقع شيء في الأرض بِسَبب ذلك النّجم –
الثالث هنا : وقع في الأرض ، فقال وقوع هذا الشيء في الأرض بسبب ذلك النجم ، فهذا شِركٌ أصغر .
فلا تأثيرَ لِهذه النُّجوم ، ولذلك لَو أنّ إنسانًا – وهذا يُقال عند بعضٍ مِن الناس – بعضٌ مِن الناس إذا لَم يُوَفَّق فلان قالوا ( سوءُ الطّالِع له )
سوء الطالع : الطالع يعني النَّجم ، مِن أنّ نجمَهُ ليس بِحَسَن
وهذا يَصدُقُ على ما ذُكِرَ ، فَلْيُتَنَبَّه لِمِثل هذا الأمر
أمّا مَن تعلّم النجوم :
مِن أجل معرفة جهة القِبلة فهذا واجب ، ومَن تعلّم النجوم مِن أجل معرفة الجهات فهذا جائز ، مَن تعلّم النجوم مِن أجل معرفة دخول الفصول
( فصل الشتاء، فصل الربيع ) أو معرفة الأوقات فهذا جائزٌ على الصحيح كما قال الإمام أحمد ولا وَجهَ لِكراهيّته
ولذا :
مَن صَدّق هؤلاء فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد ، قال : (( ثلاثةٌ لا يَدخلون الجنّة .. ))
ذَكَرَ منهم :
(( .. ومُصَدِّقٌ بالسِّحر )) يعني بالتنجيم ، لأنّه إذا صدَّقَ هذا الذي قال هذا القَول وهو عِلم التأثير الذي سبق ، هُنا صدّقَهُ بأنّه يعرف عِلْم الغيب ، فيَدخُل في حُكمِه .
الأصل السادس بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين لمّا نزل مطر وصلَّى بهم الفجر ، نزل المطر مِن الليل
قال :
(( قال الله عزّ وجلّ : أصبَحَ مِن عبادي مؤمنٌ بي وكافر ، فَأَمَّا مَن قال مُطِرنا بِفَضْلِ الله ورحمتِه فذلك مؤمنٌ بي وكافرٌ بِالكواكب ، وَأَمَّا مَن قال مُطِرنا بِنَوْءِ كَذا – يعني بِنَجمِ كذا – فذاك كافرٌ بي مؤمنٌ بِالكواكب ))
إِذَن النُّجُوم سواءً النجم الوسميّ أو كان غَيرَهُ ، مَن اعتقدَ أنّ النجم الوسميّ مثلًا هو الذي يأتي بالمطر فقد أشرك بِاللّه شِركًا أكبر لأنّه زعمَ أنّ هناك خالقًا مع الله
ومَن زَعَمَ أنّ الوسميّ هو السبب في نزول المطر فهذا مشرك بالله شركًا أصغر لأنّه جعلَه سببًا لَم يجعلْهُ الشّرع ، فَلَيس بِسَبَب
حتّى لو قال إنّ الوسمي سبب في نزول المطر بإذن الله ، لو قَيَّدَها بِإِذْن الله فهذا غلط لأنّ الله عزّ وجلّ لَم يجعَلْهُ سببًا
وِلذا :
تَمُرّ بنا بعض السنوات ويأتي الوسميّ ، ويأتي الوسميّ ومع ذلك لم ينزل مطر ، هل هو سبب ؟
أمّا لو قيل ( الوسميّ وقتٌ وزمنٌ بإذن الله لنزول المطر ) فلا بأس لأنّها نِسبةُ وَقت ، أمّا نِسبةُ تأثير وإيجاد أو نِسبة سبب ، فَلا
وليس الأمر محصورًا بِالوسميّ ، لا ، حتّى النجوم الأخرى مِثل ما يتعلّق بالنّجوم المِربِعانيّة وشباط ( الذي هو الشبط ) هذه لا تأتي بِالبَرْد وليست سببًا في مجيء البَرْد
وقت لِلبَرْد نَعَم ، زَمَن ؟ نعم بإذن الله
وقد يَمُرّ وقت بِنَا ، ومَرَّ بِنَا في بعض السنوات – وأذكُرُ ذلك – مِن أنّ حَرًّا أتانا في المِربِعانيّة
ولذا :
ما يقولُه عوامّ الناس عندنا ، وقد يُتناقَل بلَ رأيتُ ذلك في بعض المواقع ويأتون به على أنّه ليس بِشَيْءٍ سيِّئ ، بل ربّما يَذكُرُه بعض كبار السنّ لِلأولاد هكذا ، لا يدرون ما خطورة هذا القَول ، وهو مَثَل شَعبيّ : المِربِعانيّة
تُخاطِب وَلَدَها شباط أو الشبط – بِلُغةٍ عامّيّةٍ – تقول :
المِربِعانيّة يا ولدي مَرِّيت ولا ضرِّيت ، وما قَدَرت إلّا على اللي شُبوبه
( يعني النار ) لِيف وأَكله دنِيف ( يعني ليسَ بِدَسَم ) فَعليك يا وليدي باللّي شبوبه سَمر ( يعني الحَطَب سَمر ) وأكْله دِسَم [ أو نوعًا مِن هذا ]
عُمومًا : أنا قلتها بِاللهجة العامّيّة مِن باب التَّبيين . سواءٌ هذه اللفظة أو كان غيرَها ، فيمَا يتعلّق بهذا النَّجم أو بِغَيره .
سبحان الله !!
هذه نجوم لا تأثيرَ لها ، فكيف توصي المِربِعانيّة الشِّبْط بِكذا أو بِكذا !! فهذا كلامٌ خطيرٌ يؤثّر على عقيدة الإنسان .
بعض الناس ما يدري . لَكِنْ يُتَنبَّه لِمثلِ هذا الأمر .
الأصل السابع بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صحيح مسلم مِن حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال :
( مُطِرْنا على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : قالَ بعضُهم : صَدَقَ نَوءُ كذا ) صَدَقَ نَوءُ كذا : أي نَجْم كذا
فأنزل الله عزّ وجلّ :{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
انْتَبِهْ : بعضُ الناس يقول : نَجْمٌ صادِق ، أو الطالِع الحَسَن لِفلان ، أو حَسَنُ الطالِع . حَتَّىٰ لو قال : حَسَن الطالِع بإذن الله .
فالله عزّ وجلّ لَمْ يجعلْهُ سَبَبًا ، حَتَّىٰ لا يقع الإنسان في الشِّرك . فَهِيَ نجوم
ولذلك حَتَّىٰ – وهو يُتناقل – الناس لا يقصدون هذا . أَعْلَمُ أنّهم لا يقصدون هذا . لكنّها تَسمِية تمرّ على الناس .
مثل ما يُقال : سَعْد الذَّابِح . نَجم ، كيف يَكُونُ ذابِحًا ؟!!
أو سَعْد السُّعود .
هذه الناس يتناقلونها . ونعرف ذلك ، وهي في التقاويم .
لكن :
تُجتَنَب مِثْلُ هذه الألفاظ ، تُجتَنَب مِثْل هذه الألفاظ .
ولذلك :
لمّا قال بعضهم : ( صَدَقَ نَوْءُ كَذا ) أي نَجم كذا . أنزل الله عزّ وجلّ قولَه { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
ولذلك بعض الألفاظ ، والأوصاف التي يُوصَف بِها هذه النُّجوم .
يُـتَـنَـبَّـه لِخطورتها .
والإنسانُ يُعَوِّدُ لِسانه على الألفاظ الشرعيّة التي ليس بها خَلَل ، ويُجَنِّب لِسانه الألفاظ – ولو لَمْ يَكُن يقصد – الألفاظ الشِّركيّة أو الألفاظ المُخالِفة للشَّرع
أسأل الله لي ولكم الْعِلْمَ النافع والعمل الصالح
هذه أُصُــولٌ مُـــهَـــمِّـــةٌ ولَها تَتِمَّة لِعامّة الأُمّة . لها تَتِمّة بإذن الله تعالى