خطبة ( ستة تنبيهات مهمة عن زكاة الفطر وليلة القدر )

خطبة ( ستة تنبيهات مهمة عن زكاة الفطر وليلة القدر )

مشاهدات: 477

بسم الله الرحمن الرحيم

خُطبة ستة تنبيهات مهمة عن زكاة الفطر وليلة القدر

للشيخ زيد بن مسفر البحري حفظه الله

هنا بعض التنبيهات مع أواخر هذا الشهر المبارك:

أولا: تنبيهات مهمة عن زكاة الفطر:

البعضُ من الناس إن لم يكن الكثير، إذا أخرج زكاةَ الفِطر لا يستحضر هذه الأمور وهي:

أن تستحضِر أنها فرضٌ عليك، لقول ابنِ عمر رضي الله عنهما كما في الصحيحين: (فرضَ رسول الله ﷺ زكاة الفِطر).

ثانيا: أن تستحضر أنك تقتدي بالنبي ﷺ وبصحابته الكِرام -رضي اللهُ عنهم- وذلك في إخراجها طعاما وليس نقودا كما يُدعى إليهِ في مثل هذا الزمن، ولو قال به بعضُ العلماء ممن سبق إلا أنَّ الدليلَ من فعلهِ ﷺ ومن فِعل الصحابة الكِرام -رضي اللهُ عنهم- أن يُخرجَ المسلم هذه الزكاة  على أنها طعاما، ولم يُلتَفت إلى قضية والله هذه حاجة الفقير! هذه شعيرة.

ثالثا: أن تستحضر أنكَ تُحسن إلى هؤلاء الفقراء.

رابعا: أن تستحضر أنها طُهرَة مما حصل لكَ في صيامِك من لغوٍ أو رَفَثٍ أو نحوِ ذلك، فهي تطهير؛ كما انها مواساة للفقير هي أيضا تطهير، ثبت عندَ أبي داود قول ابنِ عباس رضي الله عنهما: (فرضَ رسولُ اللهِ ﷺ زكاةَ الفِطرِ، طُعمةً للمساكين) هذا أمر، الأمر الثاني وهو من حيثُ ترتيبُنا يكونُ الرابع: (وطُهرةً للصائم من اللغو والرَّفَث).

فلا يُخرجها المسلم هكذا على أنه يُخرجها والمقصود: الاستحضار وليس المقصود النية والتلفظ بها، لا.

ومن الأمور: أن بعضا من الناس إذا كانت لديه زكاةُ الفِطر أكثر من صاع يظنُّ أنه لا بدَّ أن يُوَزِّعَها على أكثر من فقير، لا، النبي ﷺ حددَ مقدار ما يُخرج، حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين: (فرضَ رسول الله ﷺ زكاة الفِطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير)

يعني: لو أعطيتَها فقيرا واحدا لا إشكال.

الصاع الواحد لو أعطَيتَهُ أكثر فقير، يعني: وزعت الصاع الواحد على أكثر من فقير فلا إشكالَ في ذلك.

ومن الأمور: أنَّ الأمرَ فيما يتعلق بصوم رمضان فيمن كانَ عاجزا لذهابِ عقلهِ، أو عاجزا لعدمِ قُدرتِهِ على الصيام ليس مُرتبطا بزكاةِ الفِطر من حيثُ إخراجها. كيف؟

زكاةُ الفِطر تجب على كل مسلم، صامَ أو لم يَصُم، على أي مسلم، حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين: (فرضَ رسول الله ﷺ زكاة الفِطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) قال: (من المسلمين)

فعن أي مسلم يَلزَم أن تُخرَج.

ومن الأمور: أنَّ الصاع، وهنا يقع بعض الناس -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية- في أكثر من جِناية ممن يبيع الأرز أو ما شابه ذلكَ من هذه الزكوات، يُنقِص الميزان!

الصاع التقدير له: كيلوان وأربعونَ جراما لكن كثير من أهل العلم يقول: ثلاثة كيلوات.

بعضهم يريد أن يُخرج مثلا كيسا كبيرا من الأرُز ليفي بعددِ أسرتِهِ.

فبعضهم يُبخِس ذلكَ ويُنقِصُهُ من بعض التجار -نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية- حتى يكسب!

يكسَب على حسابِ شعيرة من شعائر الدين-نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية-!

يعني إذا كان سيَكسَب من أخيه المسلم في أمرٍ سيأكُلُهُ دون أن يتعلقَ بهذه الشعيرة فكيف بما يتعلق بفريضة، بشعيرة من شعائرِ الإسلام، ومن ثمَّ فنتنبَّه: إذا اشتريتَ كيسا فانظُر إلى وزنِهِ حتى لا يُغرّرَ بك، حتى يُغلقَ الباب على هؤلاء وحتى تضمنَ حقَّك، وحتى تُقيم هذه الشعيرة على أتم ما يكون؛ فهؤلاء جَنَوا على هذه الشعيرة وجَنَوا على إخوانِهِم المسلمين.

ومن الأمور: الغني في زكاة الفِطر يختلف عن الغني في زكاة المال

بعض الناس ربما أنه بعد أربعة أيام من استلامِ راتبهِ لا يبقى منهُ شيء، باعتبار ماذا؟ باعتبار أنه محتاج، راتبهُ قليل، وعنده أسرة كثيرة، يعني ليس مُفَرِّطا أو مُسرفا في الكماليات، لا، حتى الضروريات ما يجدُها، فقير، يُعطى من زكاة المال.

لكن هو غني في زكاة الفِطر، سبحان الله! كيف؟

السُّنَّة أن تُخرَج زكاة الفِطر قبل خروج الناس إلى المصلى كما في حديث ابنِ عمر في الصحيحين، لكن لو أخرَجها المسلم كما جاءَ من فِعلِ الصحابة -رضي اللهُ عنهم- كما في صحيح البخاري لو أخرجها قبل العيد بيوم أو بيومين فلا إشكال.

الفقير هذا الذي نعنيه ربما تأتي إليه الزكوات من الناس قبل العيد بيوم أو بيومين، يعني: قبل غروب شمس ليلة العيد وجدَ طعاما يَفضُلُ عن حاجته وحاجة من يعولُه من أسرته في ليلة العيد وفي يومِ العيد، هنا: هذا الفاضل عمَّا يحتاجُ إليه في ليلة العيد وفي يومِ العيد هذا يُعتبرُ مُلكًا لهُ، ومن ثَمَّ فتجبُ عليهِ زكاةُ الفِطر.

 فالغني في زكاة الفِطر يختلف عن الغني في زكاة المال

 

تنبيهات مهمة عن ليلة القدر:

فهنا نصيحةٌ مني لأولئك: من؟ الذين يتتبعونَ علامات ليلة القدر حينَ تطلُع الشمس! في كل يوم يتتبعونها وينظرونَ إليها.

بقَطعِ النظر، أنا لا أعلم أصلا في السُّنَّة أنَّ الناس يخرجون وبهذه الطريقة بهذه الأعداد، بل إنَّ بعضَهم قد يُوصي بعضا بأن ينظُر كلَّ يوم، لا أعلم لذلك أصلا في السُّنَّة لأنه من الأمور التي لو كانت في السُّنَّة لكانّ مثل تحرِّي الهلال!

ومن ثَمَّ فإنَّ على هؤلاء أن يرفُقوا بأنفسهم وأن يرفُقوا بالناس.

الأمرُ الثاني: أنَّ هذه الصور التي تأتي عن علامة ليلة القدر إذا طلعت الشمس لا شُعاعَ لها كما جاء في صحيحِ مسلم؛ الصور لا تُعطي الحقيقة، ومن يُعنى بمجال التصوير يعرف أنَّ الصورة لا تُعطي الحقيقة كاملة، فربما أن يكونَ هناك تشويش على هذه الصور، فيُظن أنه لا شُعاعَ لها وهيَ بها شُعاع.

الأمرُ الثالث: ما الذي أدراك – لو ثبت- ما الذي أدراك أنَّ هذهِ الشمس طلَعَت في رمضان، يمكن -بعض الناس نسألُ الله السلامةَ والعافية خصوصا في وسائل التواصل أهلُ البدع وأهلُ الأهواء أو أهلُ العبَث يريدون أن يُشككوا الناس أو أنهم يَظهرونَ ويشتهرون على حسابِ الدين- ما الذي أدراك ربما لم تكن هذه الصورة في رمضان هذه السَّنَة، ربما في السنوات الماضية، هذا إن ثبت أنها صورة حقيقية ثابتة.

ولو كانت صورة حقيقية فالصورة ليست كالحقيقة.

رابعا: النبيُّ ﷺ كان حريصا على أن يُدرِك ليلة القدر وأن ينفعَ أمته، لو كان بها تعيين في ليلة معينة لأخبر بها ﷺ، بل إنه ﷺ كما في الصحيحين (لما خرجَ لِيُخبِرَ أمتَهُ بعلامتها فتلاحا فلان أيعني: تخاصَما، رُفعت، قال: عسى أن يكونَ ذلكَ خيرا)، قال ابنُ بطَّال رحمه الله: لأنه -يعني- البحث عن ليلة القدر بكثرة العمل خير من البحث عن ليلة القدر بهذه العلامات.

وقال رحمه الله كما في شرحه لصحيح البخاري: هذه الليلة لو أَخبرَ النبي ﷺ بأنها ليلة في ليالي السنة لكان الواجبُ على كلِّ مسلم والخَليق به أن يقوم كل ليالي السَّنَة؛ لم؟ قال: لأنها يسيرة بالنسبة إلى مغفرة الله وإلى ثواب الله عز وجل؛ قال: فرفَقَ الله عز وجل بهم فجعلها في العشر؛ من أجل ماذا؟ قال: من أجل أن يتسنى للضعيف، ليتسنى له أن يطلُبها في هذه العشر

وهؤلاء يريدون أن يبقى الناس على ما هم عليه؛ يقولون: تلك الليلة هي ليلة القدر، حتى يدع الناس هذه الأيام الفاضلة.

ولذلك لما قال ﷺ: (عسى أن يكونَ خيرا) قال السُّبكي -كما ذكر ابنُ حجر رحمه الله في الفتح- قال: وفي هذا الحديث دليل على أنهُ يُسَن أن تُكتَم، أن تُكتَم علامة ليلة القدر؛ قال: والعلة؟ قال: لأنه اللهَ عز وجل قدَّرَ لنبيه ﷺ أنه ينساها فكان هذا المُقدَّرُ خيرا، وما أخفاهُ اللهُ عز وجل يكونُ مُستحبا.

لكن كَون الإنسان يرى علامة من علامة ليلة القدر كما جاءت بذلك العلامات في السُّنة، نعم يحصُل، لكنَّ الإشاعة هكذا! لا؛ النشر هكذا! لا!

ولذلك النشر بهذه الطريقة حتى إنَّ بعضَهم يُلَمِّح في كلامه يقول: هذه ليلة القدر -يعني لا تحرص كثيرا، لا تحرص كثيرا-! وهذا من الخطأ.

النووي رحمه الله يقول: وما قاله المُهَلَّب ابنُ أبي صُفرَة -كما ذكر ذلك عنه القاضي عياض وذكر ذلك النووي في شرح صحيح مسلم- قال: إنه يستحيل أن يعرفَ أحدٌ ليلةَ القدر، قال: هذا كلامٌ غيرُ صحيح تردهُ الأدلةُ الشرعية، قال النووي: وإنما نبهتُ عليه لئلا يُغتَرَّ بهِ.

والنبي ﷺ أخبر أمته ببعض العلامات.

ولذلك في حديث أبي سعيد -في الصحيحين- قال: (إني أُريت ليلتها أني اسجُد في ماء وطين) ليلة إحدى وعشرين نزل المطر وما في السماء سحاب سبحان الله، فالنبي ﷺ لما انصرف من صلاة الصبح في اليومِ الحادي والعشرين رؤيَ الطين في أنفهِ وعلى جبهته ﷺ.

ابنُ حجر رحمه الله في الفتح -نَقَل- قال: (ونحنُ نوقِن بأنَّ ليلة القدر في العشر الأواخر معَ أنهُ لم ينزِل مطر في بعضِ السنوات.

نعم، كم سنة مرت علينا لم ينزل مطر برمضان؛ هل يعني أنَّ ليلةَ القدر تُربَط بهذه العلامة؟! لا.

يُحرص على جميع ليالي العشر.

ولذلك نحنُ وسط: ليس في جانب من يمنع الإخبار بعلامة ليلة القدر، ولسنا مع أولئك الذينَ ينشرونَ تلكَ الرسائل ويفعلون هذه الأفعال من النظر إلى الشمس والبحث عنها كل يوم وتثبيط الناس، لا.

نحنُ وسط، الإخبار بعلامة ليلة القدر ثابت في السُّنَّة، ثابت في السُّنَّة.

ولذلك في صحيح مسلم، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (تذاكَرنا ليلةَ القدر) -يعني: علامة ليلة القدر- (عندَ النبيِّ ﷺ فقال: ألا ترونَ القمر إذا طلع، هوَ مِثلُ شِق جَفنَة) شِق: يعني نصف، جَفنَة: يعني قَصعَة يعني إناء.

قال الشُّرَّاح: هذا لا يكونُ إلا في أواخر العشر، لأنَّ القمر إذا طلع، لا يطلُع بهذه الصورة إلا في أواخرِ الشهر.

فتذاكُر العلامات بهذه الطريقة من غير التكلُف ومن غير تثبيط الناس، هذا جاءت به السُّنَّة.

أيضا في الجانب الآخر يكون طالب العلم ويكون المسلم حكيم يعني إذا رأى في الناس الضَّعف في الطاعة يُخفيها حتى لو رآها، نعم، الدليل: جاء في صحيح مسلم:

قال أُبَيّ ابنُ كَعب لما قيل له: إنَّ أخاكَ ابنَ مسعود يقول: “من يقم الحَول” يعني: السَّنَة- “يُصِب ليلةَ القدر” فقال أُبَيّ ابنُ كَعب رضي الله عنه: “واللهِ إنَّ ابنَ مسعود قال هذا القول لكي لا تتكلوا” -طبعا هيَ في رمضان- “قال هذا القول لكي لا تتكلوا”.

وهم لن يتكلوا، لأن الصحابة رضي الله عنهم والسلف سيحرصون، لكن ربما أن النفس يقِل عملُها بالنسبة لأولئك يقل بالنسبة إذا علِموا أن تلك الليلة ليلة القدر قدر يقل في بعض الأيام؛ وإن كان الشأن بهؤلاء أنهم حريصون؛ فقال: “أرادَ أن لا تتكلوا”.

إذا رأيتَ الناس بهم ضَعف وأنتَ عرفتَ وعلِمتَ بتلكَ الليلة، بتلك العلامة لا تُخبر الناس، هذا مصلحة، لكن إن لم يكن فلا إشكالَ أن تُخبرَ، لكن بهذه الطريقة بهذا التوسع لا أعلمُ أنَّ هذا الفعل من سُنَّةِ النبيِّ ﷺ.

قالَ أُبَيّ: “واللهِ إنَّ ابنَ مسعود ليَعلم أنها في رمضان وأنها في العشرِ الأواخر وأنها ليلة سبعٍ وعشرين” -يرى أُبَيّ ابن كَعب أنها ليلة سبع وعشرين-

لكن كما سلف ليلة القدر في العشر احرِص عليها، احرص على هذه الليالي.

أسألُ اللهَ لي ولكم العلمَ النافعَ والعملَ الصالح.