خطبة ( قواعد مهمة تبين أهمية الأمن في حفظ الدين والدنيا )

خطبة ( قواعد مهمة تبين أهمية الأمن في حفظ الدين والدنيا )

مشاهدات: 464

خطبة

( قواعد مهمة تبين أهمية الأمن في حفظ الدين والدنيا )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمن من ضروريات حياة البشر، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام دعا الله عز وجل أن يجعل الأمن في البلد الحرام، وذلك لأنه لا قيام لمصالح العباد المصالح الدينية والدنيوية إلا عن طريق الأمن، ولذا فإن إبراهيم عليه السلام دعا ربه مرتين على أظهر القولين دعا الله عز وجل بالأمن للبلد الحرام قبل أن يبني البيت كما في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا} ثم دعا مرة أخرى بعد أن بناه كما ذكر عز وجل في سورة إبراهيم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ}

ولذا، فإن الله عز وجل قد امتن على كفار قريش بنعمة الأمن، قال تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْوقال تعالى {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}

ولذا فإن حياة العبد تسر بها إذا تحقق له الأمن في قلبه وفي فؤاده، وإذا تحقق له الأمن، وهو يمشي في الطرقات، وإذا تحقق له الأمن، وهو مستقر في بيته، ولذلك ثبت في الحديث الحسن بشواهده كما عند الترمذي  قال عليه الصلاة والسلام: (من أصبح منكم آمنا في سربه) (في سربه) يعني آمنا من حيث القلب والفؤاد وضبطت (من أصبح منكم آمنا في سَرْبِه) بفتح السين وذلك إذا كان يمشي في الطريق وضبطت (في سَرَبه) يعني في بيته، ما النتائج؟ مع صفات أخرى (من أصبح منكم آمنا في سِربه معاف في جسده عنده قوت يومه) ولو قل طعامه (عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)

فواجب على كل مسلم أن يحافظ على أمن وطنه؛ وذلك لأن من أراد بوطنه الفتن والفوضوية فإنه كما أنه مخالف للنصوص الشرعية مخالف لفطرته، ولذا، قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى قال: “والنفوس تحن إلى الوطن” والرجل الغريب عن بلده إذا كان مسافرا فذكرت له بلده وهو في السفر حن إليها واشتاق إليها، ولذا قال ابن القيم رحمه الله كما في إعلام الموقعين قال: الشرع أمر بجلد الزاني البكر مائة جلدة، ولم يكتف بذلك، وإنما أضاف إلى ذلك أن يغرب، وأن ينفى عن بلده سنة من أجل ماذا؟ قال: “من أجل أن يذوق مرارة وألم فراق البلد”

ولذا، من التعزيرات التي كان يفعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما قال شيخ الإسلام من أنه كان إذا عزر أحدا من أنواع التعزير من أنه يخرجه من بلدته، ولذا فالنبي عليه الصلاة والسلام من حبه للوطن، ولذا صرح ابن حجر كما في الفتح فقال مما يدل على مشروعية حب الوطن  أنه جاء في صحيح البخاري من حديث أنس من أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر، فرأى جدرات ـ جمع جدار كما بينته رواية الترمذي جدران المدينة ـ إذا رأى، وفي رواية درجات يعني إذا رأى طرق المدينة الطرق المرتفعة، وفي رواية إذا رأى دوحات، يعني رأى أشجار المدينة، النبي عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر فرأى جدران بيوت المدينة، ورأى الطرق المرتفعة، ورأى الأشجار ماذا يصنع حنينا إلى وطنه كما قال ابن حجر مما يدل على مشروعية حب الوطن، ماذا يصنع كان عليه الصلاة والسلام إذا قدم من سفر، فرأى جدرات وجدران ودوحات ودرجات وهي الطرق المرتفعة (أوضع ناقته) يعني أنه أسرع بناقته حنينا إلى المدينة.

ولذلك، مما يدل على أن حب الوطن من الفطر ما ذكره شيخ الإسلام كما في القواعد تبعه في ذلك ابن حجر كما في الفتح من أنهما قالا: لقد جعل الله عز وجل إخراج الإنسان من وطنه جعله قرينا لقتل نفسه، والدليل قال الله عز وجل {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْوهذا يؤكد ماذا؟ يؤكد من أن كل مسلم واجب عليه أن يحافظ على أمن وطنه، بل واجب على كل مسلم أن يحافظ، وليس كل سعودي فقط، وإنما كل مسلم واجب أن يحافظ على أمن هذه البلاد، هذه البلاد التي بها بقعتان حرمهما الشرع، بها مكة ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم ماذا قال: (إن الله حرم هذه البلد) متى؟ متى حرمت هذه البلد؟ قال (يوم أن خلق الله السموات والأرض)، فالله عز وجل حرمها، ولذا جاء إبراهيم عليه السلام كما في صحيح مسلم، وبين تحريمها من باب بيان، وإظهار ما حرمه الله يوم أن خلق السموات، ثم جاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام كما في فتح مكة فصدع بها عليه الصلاة والسلام.

وفيها المدينة، ولذا النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال عن المدينة: (إنها حرم آمن)

ومن ثم، فإن من يسعى إلى أن تكون الفوضوية في بلده، واختلال الأمن بها، فإن هذا يدل على مخالفته لفطرته ومخالفته للعقل الصريح والذوق  السليم مع مخالفته لما جاءت بذلك النصوص الشرعية، ولذا ماذا قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة) قال عليه الصلاة والسلام: (ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية)

ما هي سنة الجاهلية؟

سنة الفوضوية سنة الاختلال النهب السرقة القتل (ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ ليهرق دمه)

وتأمل هذه مما يدل على أن ما يفعل في هذه الأزمان من استهداف رجال الأمن إنما هو جريمة نكراء، ولا يفعلها إلا من اختل عقله، واختلت فطرته، وابتعد عن النصوص الشرعية، وعن منهج السلف الصالح، فانضم إلى الخوارج، وحمل هذا الفكر الخبيث.

وتأمل لو أن هذه الأشياء الثلاثة وجدت: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ ليهرق دمه، وهذا يدل على أن بعضهم حمل شبها وأفكارا بها جعله يعتدي على رجال الأمن.

وتأمل هذا الحديث وما به من هذه الجمل الثلاث مما يدل على قبحها، وتقبيح النبي عليه الصلاة والسلام لها، قال: (ملحد في الحرم) هذا تقبيح للفعل باعتبار عدم تعظيم المكان (ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية) هذا تقبيح للفعل باعتبار فاعله (ومطلب دم امرئ مسلم ليهرق دمه) هذا تقبيح للفعل ذاته.

فأين هؤلاء من قوله عز وجل {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}

حتى إن ابن عباس في أحد قوليه يقول: “ليس للقاتل توبة”.

فنسأل الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الشر والفتن، اللهم من أراد بهذه البلاد في دينها وفي عقيدتها وفي أمنها وفي رخائها سوءا وفتنة وشرا اللهم فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز.