خطبة مختصرة عن ( عشرة أشياء ضائعة )

خطبة مختصرة عن ( عشرة أشياء ضائعة )

مشاهدات: 541

خطبة مختصرة عن ( عشرة أشياء ضائعة )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ:  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حديثنا في هذا اليوم عن عشرة أشياء ضائعة، تلك العشرة ذكرها ابن القيم في كتابه الفوائد، ذكرها مختصرة، وسأعلق عليها بتعليقات مختصرة، قال رحمه الله هناك عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها، قال رحمه الله:

الضائع الأول: علم من غير عمل

قلت: صدق رحمه الله، فالعلم إما أن يرفع صاحبه، وإما أن يسعره في نار جهنم، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍوإن لم يعمل به، فكما قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم والترمذي من حيدث أبي هريرة رضي الله عنه: (أول من تسعر بهم النار ثلاثة) ذكر منهم (العالم والقارئ وإنما تعلمت ليقال عالم وليقال قارئ فقد قيل ثم سحب به على وجهه إلى النار)

ولاشك أن هذا علم ضائع إذ تذهب الأوقات نعوذ بالله من الخذلان في حفظ العلم، وإذا به أول من تسعر به النار إذا لم يعمل به.

الضائع الثاني: عمل بلا إخلاص ولا اقتداء

قلت: فكيف لو رأى ابن القيم حال بعض من الناس في هذا الزمن إن ذهب إلى حج أو عمرة صور نفسه، ولربما نشرها وجعلها صورة عرض، يقول ذهبت، وأنا أنتظر في المطار، قرأت جزءا، أو جزأين، التقيت ببعض النصارى، فأسلم على يدي خمسة، نشرت ووزعت من الكتب ما يقرب من كذا وكذا، أشرفت على جمعيات خيرية، استقبلني الشيخ الفلاني، ثم لما خرجت قبَّل رأسي، أو قبلت رأسه، أتيت إلى أمي، أو إلى أبي، وقبلت يده ورأسه، وهكذا إذا بكل شيء ينشر، فكيف لو رأى ابن القيم حال بعض من الناس في هذا الزمن، ولا يقل أحد إن هذا من باب أن يقتدي بي الآخرون، كلا، الأصل في الأعمال أن تكون خفية، لكن في بعض الأعمال إن وجدت مصلحة تظهر من باب الاقتداء، وليس كل الأعمال، وليس عند عموم الناس، نعم، بل إن الشرع أمرك أن تكون لك أعمال صالحة لا يعلم بها حتى أقرب الناس إليك من زوجة وولد ونحو ذلك، قال عليه الصلاة والسلام كما عند الضياء كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: (من استطاع منكم أن تكون له خبيئة) وفي رواية (خبء من عمل صالح فليفعل)

فتنبه رعاك الله، ليس كل عبادة تنشر، والأصل عدم النشر، فتنبه رعاك الله، قال نبيك عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه عند الحكيم الترمذي: (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا)

هل تدرك دبيب النمل، وعلى ماذا على صخرة صماء؟ (الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا)

الضائع الثالث كما قال ابن القيم: مال لا ينفق منه

فصاحبه وجامعه لم يستمتع به في دنياه، ولم يقدمه أمامه في أخراه

قلت: نسي أولئك الذين يجمعون المال جمعا حثيثا من غير أن ينفق في دنياه، أو في أعمال صالحة، وهو كد ومال ضائع ولاشك في ذلك، نسي أولئك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم قال: (يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك) ثلاثة أشياء فقط ( إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت) هاتان للدنيا (أو تصدقت فأمضيت) فهذه الآخرة، البقية للورثة، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (يتبع الميت ثلاثة أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله)

الضائع الرابع كما قال ابن القيم: بدن ضائع لم يستخدمه صاحبه في طاعة الله

قلت: تأمل حال بعض من الناس لو شاء أن يهرول، وأن يجري الساعات الطوال، وأن يحمل الأثقال لقدر على ذلك؛ لأنه عود بدنه على ذلك بينما لو حضر إلى الصلاة إن حضر إن حضر خمس دقائق، أو عشر دقائق إذا بها شاقة عليه، بل قد يعجز عما هو سهل، ما هو؟ الذكر الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه عند أحمد والترمذي: (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله)

الضائع الخامس: وقت لا ينتفع به صاحبه

قلت: صدق ابن القيم، فكيف لو رأى حال بعض من الناس في جميع أوقاته من استراحة إلى استراحة، ومن نزهة إلى نزهة، ومن انتقال من صفحة في الانترنت من صفحة فلان إلى صفحة فلان، ماذا قال فلان؟ وماذا قال فلان؟ وماذا علق على ما قال فلان؟ وماذا قيل في السياسات، وما شابه ذلك، فإذا به وقت ضائع مهدر، لا طائل من ورائه، ونسي هؤلاء قول النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه عند الترمذي: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه)

الضائع السادس: محبة من لا تقربه محبتك له إلى الله

قلت: قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان) من بينها: (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله) ولذا قال ابن القيم: من أحب شيئا في الدنيا سوى الله، وليست تلك المحبة لله إلا عذب به في دنياه”

الضائع السابع: قلب فارغ من ذكر الله والشوق إليه والأنس به، والأنس به.

قلت: فقد قال عز وجل {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ}، في قسوة في ضيق، في عنت، في مشقة، بينما أولئك {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}

الضائع الثامن كما قال ابن القيم: خواطر في النفس تجول فيه ولا منفعة منها.

قلت: تجد أنه من حين ما يستيقظ من نومه، وعنده تلك الخواطر التي لا تعود إليه بمنفعة، ولا بمزيد مصلحة يشغل هذا الذهن من غير ما فائدة، ونسي قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن عند ابن ماجه: (من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد هم الآخرة كفاه الله سائر همومه ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك)

الضائع التاسع: خوفه ورجاؤه من مخلوق ذلكم المخلوق  ناصيته بيد الله، لا يملك هذا المخلوق  لا حذرا ولا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.

قلت: قال عز وجل عن هود عليه السلام {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} ولذا قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى قال: ” خف الله في الناس، ولا تخف الناس في الله، وارجو الله في الناس، ولا ترج الناس في الله”

ما معنى هذا الكلام؟

معنى هذا الكلام إن عملت أي شيء رجاء وخوفا، فاجعله رجاء لله وخوفا من الله.

قال: وليس معنى هذا ألا تحسن إلى الخلق، وليس معنى هذا أن تسيء إلى الخلق، وإنما قال أحسن إلى الخلق رجاء الله، لا لرجائهم، وكف شرك عن الخلق خوفا من الله، لا خوفا منهم، ولذلك قال الفضيل بن عياض: “من عرف الناس استراح” يعني من عرف أن الناس لا يملكون نفعا، ولا ضرا استراح

الضائع العاشر قال ابن القيم: خدمتك لشخص لا تعود تلك الخدمة له لك بمصالح في دنيا ولا في أخرى

قلت: تأمل حال بعض من الناس ينشر إما تغريدات لأناس روج لهم تلك التغريدات التي لا يرجى منها خير، ولا نفع، وإما أن ينشر أفلاما، أو مسلسلات، أو أغاني يخدم هؤلاء، لا فيما يعود إليه بالنفع في دنياه، ولا في أخراه، بل فيه المضرة في أخراه، وانظر إلى حال بعض المتعصبين للأندية، كيف يخدمونهم، وإذا بهم لا مصلحة تعود إلى هؤلاء المتعصبين لا في دنيا، ولا في أخرى.

إذًا اجعل عملك لله، نسي هؤلاء قول الله {وَاعْمَلُوا صَالِحًا}  {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)}

قال ابن القيم رحمه الله: وأصل هذه العشر الضائعات من أمرين ضائعين: هي عشرة أمور، قال أصلها ناتج من تلك العشر أصلها ناتج من أمرين:

ـ إضاعة القلب، وسبق الحديث عنها

ـ وإضاعة الوقت

كيف؟

قال لأن إضاعة القلب إضاعة القلب سببها إيثار الدنيا على الآخرة، تفضيل الدنيا على الآخرة، وسبب إضاعة الوقت طول الأمل، يؤمل، ويؤمل، ويؤمل، يقول فإذا ضيع القلب بالانشغال بالدنيا، وضيع الوقت بطول الأمل قال حصل الفساد كله.

لم يحصل الفساد كله؟

يحصل الفساد كله؛ لأنه سيتبع الهوى، ويطول به الأمل.

قال: وإنما أصل النجاة أصل النجاة ليس اتباع الهوى، ولا طول الأمل، أصل النجاة وحقيقة النجاة والخير كله في اتباع الهدى، والاستعداد للقاء، يعني للقاء الله.

قال في ختام ما  قال: والله المستعان.

وآخر ما أعلق به على كلامه حتى نسلم من تلك العشر الضائعات أن نتذكر قول الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ونتذكر قوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ونتذكر قوله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُوقول الله تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًاونتذكر قوله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)}

أسأل الله أن يلطف بنا، وأن يرحمنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.