خطبة (مواعظ وعبر بعد وفاة النبي عليه السلام – تغسيله- تكفينه- الصلاة عليه – دفنه)

خطبة (مواعظ وعبر بعد وفاة النبي عليه السلام – تغسيله- تكفينه- الصلاة عليه – دفنه)

مشاهدات: 555

خطبة

(مواعظ وعبر بعد وفاة النبي عليه السلام – تغسيله- تكفينه- الصلاة عليه – دفنه)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدثنا في الجمعة الماضية عن مراحل مرض النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، وقد جاء في صحيح البخاري قول عائشة رضي الله عنها: “مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي يومي وفي بيتي”.

وهذا يدل على ماذا؟ يدل كما قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ” من أن ما جاء عند الحاكم من أن النبي صلى الله عليه وسلم مات في حجره ” قال: فهي أحاديث ضعيفة لا يعتد بها، فلا تخلو من شيعي.

إذًا مات صلى الله عليه وسلم في حجر عائشة رضي الله عنها، تقول عائشة رضي الله عنها كما عند البزار وجوَّد إسناده ان كثير في البداية قالت: “خرجت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فما شممت ريحا قط أطيب منها”

توفي صلى الله عليه وسلم ولم يباشر الصحابة دفنه على الفور مع أن هذا في ظاهره يخالف ما جاء في الصحيحين: ” أسرعوا بالجنازة”، لم تأخروا في دفنه؟

من أجل أمر عظيم، حتى يتفقوا على خليفة من بعده صلى الله عليه وسلم، فهم أرادوا بذلك أن يحضروا بأنفسهم على تولية من يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن في هذا المصلحة الكبرى، فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فأتاهم أبو بكر مع عمر رضي الله عنهما مع بعض المهاجرين  فقال الأنصار: ” منكم أمير ومنا أمير” فبين أبو بكر رضي الله عنه من أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الإمارة في قريش.

يقول عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وفي غيره لما رأى الاختلاف قال: ” يا أبا بكر ابسط يدك، فبسطها أبو بكر رضي الله عنه، فبايعه عمر رضي الله عنه، ثم بايعه المهاجرون والأنصار” يقول عمر رضي الله عنه: ” ما فعلت هذا الأمر إلا خيفة من أن نخرج  فلربما بايعوا رجلا لا نوافق على بيعته، أو أن نخالفهم فيحصل بذلك فساد”

وهذا من حكمته رضي الله عنه، ولذا يقول أبو بكر كما ثبت في المسند قال: ” ما قبلتها إلا خيفة أن تكون فتنة تكون بعدها ردة”

وهذا في يوم الاثنين في بقية يوم الاثنين، فلما جاء يوم الثلاثاء والنبي صلى الله عليه وسلم لما توفي كما في الصحيحن سجي ـ يعني غطي ـ ببردة حبرة وهي ثياب ذات خطوط غطي بها صلى الله عليه وسلم ، فلما كان في يوم الثلاثاء  قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما عند البخاري وقال: ” كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا” يعني حتى يكون آخرنا موتا، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن الله قد جعل لكم من بعده نورا تهتدون به هدى الله، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين في الغار، وهو أولى بأموركم فقوموا فبايعوه” فلم يزل عمر رضي الله عنه يقول لأبي بكر رضي الله عنه: ” اصعد المنبر اصعد المنبر” فصعد أبو بكر رضي الله عنه، فبايعه الناس، قال ابن كثير: ” باتفاق الصحابة تمت بيعته وفي هذا الرد على الروافض”  قال: ” فالبيعة التي في سقيفة بني ساعدة يوم الاثنين، ثم اجتمع المسلمون على  بيعته في يوم الثلاثاء”

ولذا: حتى علي رضي الله عنه بايعه، وفي هذا رد على الرافضة، ولذا عند البيهقي من حديث علي بن محمد عن الحسين بن علي عن أبي بكر بن خزيمة ثم ذكر السند، لما كان ذلك اليوم، فصعد أبو بكر رضي الله عنه المنبر، فقال: ” أين الزبير فدعي به فقال ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريد أن تشق عصا المسلمين، فقال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فبايعه، فنظر، فلم ير عليا رضي الله عنه، فدعا به فقال ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته أتريد أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: ” لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام، فبايعه”

قال أبو بكر بن خزيمة أتاني مسلم بن الحجاج يسألني عن هذا الحديث، فكتبت له هذا الحديث في رقعة، وقرأته عليه، فقال مسلم بن الحجاج: “هذا الحديث يساوي بدنة: فقال أبو بكر بن خزيمة يساوي بدنة؟! بل يساوي بذرة.”

قلت: ” البذرة حسب المعاني في اللغة العربية من أنه الكساء الذي يملأ بالعطايا”

وهذا يدل على اتفاق الصحابة حتى علي رضي الله عنه.

أما ما جاء عند البخاري من أن فاطمة رضي الله عنها ـ وأردت الاستفاضة في مثل هذا الباب؛ للرد على الرافضة في مثل هذا العصر، وفي كل عصر من أن فاطمة رضي الله عنها كما عند البخاري: ” أتت تسأل هي والعباس رضي الله عنه أتت تسأل أبا بكر رضي الله عنه ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه : ” إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا نورث ما تركناه صدقة وإنما يأكل آل محمد من هذا المال” فجاء في صحيح البخاري: ” فهجرته حتى ماتت”

معنى الهجران هنا: من أنه لم تأت، وليس معنى ذلك أنها لم تكلمه، ولذلك في المسند ثبت، والأصل في صحيح البخاري، وذكرت متن مسند الإمام أحمد: ” من أن عليا بن أبي طالب رضي الله عنه خرج مع أبي بكر رضي الله عنه من صلاة العصر بعد ليال ـ للتأكيد ذكرت كلمة بعد ليال ـ بعد ليال من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فمر بالطريق، فإذا به يرى الحسن بن علي رضي الله عنه يلعب مع الصبيان، فأخذه أبو بكر رضي الله عنه فجعله على عاتقه، فقال: ” بأبي ـ ليس قسما وإنما بأبي يعني فداء هوـ بأبي ـ يعني أفديه ـ بأبي شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس شبيها بعلي، وعلي معه يضحك”

فدل هذا على ماذا؟ على أنه لا شيء من ذلك تدخل به الرافضة على صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك عند البيهقي وجود إسناده ابن كثير في البداية: ” من أن أبا بكر رضي الله عنه أتى فاطمة رضي الله عنها في مرضها، فطرق الباب، فقال علي رضي الله عنه: هذا أبو بكر، فقالت: أتحب أن آذن له؟ فقال علي: أحب ذلك، فدخل أبو بكر رضي الله عنها عليها، وجعل يترضاها، فقال: ” والله ما تركت الأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضات الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومرضاتكم أهل البيت” فجعل يترضاها حتى رضيت.

ومن ثم فإن فاطمة رضي الله عنها لم تخالف في قضية الميراث، ولذا في المسند قالت لأبي بكر: ” أنت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، وإنما هي رضي الله عنها أرادت أن يكون علي ناظرا وعاملا على تلك الأوقاف، فرفض أبو بكر رضي الله عنه، وقال: ” لا أدع شيئا عمله النبي صلى الله عليه وسلم”

ولذا كما قال ابن عبد البر في التمهيد ما جاء من أحاديث صحيحة من أن العباس وعليا رضي الله عنهما أتيا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:” لم يأتيا من أجل أنهما لم يرضيا بما ذكره أبو بكر رضي الله عنه، وإنما أتيا من أجل أن يجعلهما عاملين على تلك الأموال” فقال رحمه الله: “فهذا مما يسوغ فيه الاختلاف” قال: ” أما قضية الميراث فإنه لا يخالف فيها إلا الروافض”

أردت بذلك بيان هذا الأمر؛ لأنه أمر عظيم يتعلق بالعقيدة.

إذًا اتفق الصحابة على بيعة أبي بكر رضي الله عنه وعلى فضله، فلما بايعوا أبا بكر رضي الله عنه جاء عند أبي داود اختلفوا: ” هل نجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء تغسيله كما نجرد موتانا أم أننا نغسله وعليه ثيابه؟

تقول عائشة رضي الله عنها: ” فأصاب القوم نومة، ولم يفق أحد حتى ناداهم مناد من البيت يقول: ” اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه” فجعلوا يصبون الماء على قميصه ويدلكونه دون أيديهم، وقد قام بتغسيله كما ثبت عند ابن ماجه قام بتغسيله: ” علي بن أبي طالب رضي الله عنه” وجاء عند أبي  داود مرسلا: ” من أن الذي ساعده الفضل بن عباس وأسامة بن زيد”

يقول علي رضي الله عنه كما ثبت عند ابن ماجه يقول: “غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أنظر ما يخرج من الميت، فلم أر شيئا، فكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم”

تقول عائشة رضي الله عنها كما ثبت عند أبي داود: ” لو استقبلت من أمري ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه”

غسل عليه الصلاة والسلام، ثم كفن، وكفن صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين: “في ثلاثة أثواب بيض سَحولية ـ ويصح ضم السين سُحولية، والأشهر عند الأكثر بفتح السين سَحولية يعني هي ثياب من اليمن سحولية ـ كفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ـ من قطن ـ وهي بيض ليس بها قميص ولا عمامة”

أما ما جاء في صحيح مسلم من أنه عليه الصلاة والسلام كفن في حلة، والحلة لا تكون إلا من ثوبين إزار ورداء، قالت عائشة رضي الله عنها: “إنما وهم من وهم وإنما اشتريت ليكفن بها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عدل عنها، فأخذها عبد الله بن أبي بكر قال من أجل أن أكفن بها، فلما مضى زمن قال لم يرضها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فباعها، فتصدق بثمنها رضي الله عنه.

فلما كفن صلى الله عليه وسلم  صلى عليه الصحابة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ” جاء في المسند ورجاله رجال الصحيح، وقد قال ابن كثير: ” اتفق السلف على ذلك من أ، الصحابة صلوا عليه أرسالا، يقول ابن كثير: ” أدخل الرجال، فصلى كل رجل وحده على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أدخل بعد ذلك لما خرج الرجال أدخل النساء فصلين عليه فرادى، ثم أدخل الأطفال، ثم أدخل العبيد”

قال ابن كثير:” والحكمة من ذلك من أن أجل أن يباشر كل شخص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم منه إليه دون إمام ولتكرر صلاة المسلمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما كانت ليلة الأربعاء تقول عائشة رضي الله عنها ـ كما في المسند ويؤيده كما قال ابن كثير من أن هذا ما اتفق عليه السلف، وهناك أقوال غريبة يقول رحمه الله قالت عائشة رضي الله عنها: ” ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا المساحي ليلة الأربعاء” المساحي التي يحفر بها في الأرض.

اختلف الصحابة رضي الله عنهم كما جاء في المسند وغيره: “هل نضرح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو نلحد له؟ “

وكان في المدينة رجل يلحد ورجل يضرح، اللحد: هو المعروف عندنا، وهو أن يؤتى إلى القبر، ويحفر حفرة صغيرة من جانب القبر، هذا هو اللحد، أما التضريح فهو أن يحفر حفرة في وسط القبر.

فقالوا نفعل؛ لأن هناك من يضرح في المدينة، وهناك من يلحد، فقالوا: “نبعث إليهما فمن أتى فعلنا فبعثوا إليهما، فأتى الأول من؟ الذي يلحد، فلحد لرسول صلى الله عليه وسلم، والذي تولى ـ كما جاء في مستدرك الحاكم بإسناد صحيح ـ الذي تولى دفنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وساعده في ذلك الفضل بن العباس، والعباس، وأيضا صالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم، فأهيل التراب على النبي صلى الله عليه وسلم، ونصب عليه اللبن نصبا، فدفن صلى الله عليه وسلم، يقول أبو سعيد كما جاء  عند البزار بإسناد جوده ابن حجر رحمه الله قال: ” ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا” ويقول أنس رضي الله عنه كما ثبت عنه قال:” ما رأيت يوما أحسن، ولا أضوأ من يوم دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وما رأيت أقبح ولا أظلم ـ ليس هذا سبا للدهر وإنما هو الإخبارـ قال: ” وما رأيت يوما أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا ثبت عند الترمذي: “لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا إليها أضاء منها كل شيء” يعني نور معنوي وليس نورا حسيا حتى لا يدخل بذلك الصوفية في هذا الأمر، قال: ” فلما مات صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء”

رجع أنس رضي الله عنه، في صحيح البخاري قالت فاطمة رضي الله عنها: ” يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب” يقول ابن حجر: “هي علمت عظم محبتهم وشفقتهم عليه صلى الله عليه وسلم” فقالت: ” أطابت وعند ابن ماجه: ” أسخت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! يقول ابن حجر رحمه الله : ” إنما سكت رضي الله عنه تطييبا لخاطرها، ورعاية للسان الحال، وكأنه يقول والله ما طابت أنفسنا بذلك، ولكننا أرغمنا نفوسنا امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم في دفن الموتى.”

ولذا عند ابن ماجه كما ثبت والراوي عن أنس ثابت البناني، والذي روى عن ثابت حماد بن زيد، قال حماد بن زيد: ” كان ثابت البناني إذا حدث عن أنس بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه رحمه الله”

“أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب” وقد رثته كما عند الطبراني وحسن إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد رثته عمته صفية بقصيدة ورثاه غيرها صلى الله عليه وسلم.

مات النبي صلى الله عليه وسلم انظروا إلى حالنا مع هذه الدنيا، تقول ميمونة كما في الصحيحين عما خلفه تقول رضي الله عنها: ” ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة، إنما ترك بلغته البيضاء التي يركبها، وسلاحه وأرضا جعلها صدقة” هذا هو الذي تركه النبي صلى الله عليه وسلم.

هذه الدنيا أتدرون ما حال درعه صلى الله عليه وسلم؟ كما جاء  في الصحيحين: ” مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي” بماذا؟ عند البخاري: ” بثلاثين صاعا من شعير”هذا هو حاله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تركه صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا هو الدَّين الذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

جاء في المسند، ومن بين رواته الزهري قال: ” حدثني رجل من الأنصار وهو فقيه، وفي السند الآخر قال: ” من لا أتهم” وهذا يدل على أنه أراد أن يقوي الحديث، في المسند يقول عثمان رضي الله عنه: ” لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد بعض الصحابة أن يوسوس قال: وأنا من بينهم” يعني اشتغل خاطره، واشتغل خاطر بعض الصحابة بذلك، فمر عليه عمر رضي الله عنه، فسلم عليه عمر رضي الله عنه، فلم يرد عليه عثمان السلام، فدخل عمر على أبي بكر رضي الله عنهما فقال: ” أتعجب من حال عثمان مررت عليه فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ السلام، فأتاه أبو بكر مع عمر فقال: ” لم صنعت ذلك؟” فقال عثمان رضي الله عنه: ” ما مر عليَّ، ولم يسلم عليَّ” من شدة ما وجده في قلبه على النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن فقال: ” ما مر عليَّ، ولم يسلم عليَّ” فقال أبو بكر رضي الله عنه:” صدق عثمان يا عمر” فقال أبو بكر: ” ما الذي أشغلك يا عثمان؟ قال: ” أشغلني من أن النبي صلى الله عليه وسلم مات، ولم أسأله عن نجاة هذا الأمر” فقال أبو بكر: سألته، قال: “وما هو يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألته عن نجاة هذا الأمر قال: ” الكلمة التي عرضتها على عمي، فردها مَن قبلها فهي له نجاة، ما هي الكلمة؟ كلمة التوحيد؛ لأنه عرضها على عمه أبي  طالب، فرفض: ” قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله”  قال : ” من قبل الكلمة التي قلتها لعمي ثم ردها فهي له نجاة”

مات النبي صلى الله عليه وسلم وتولى أمر المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، وفي يوم الاثنين في السنة الثالثة عشرة من الهجرة في يوم الاثنين ليلة الثلاثاء مات أبو بكر رضي الله عنه، وبهذا سقط القمر الثاني الذي رأته عائشة رضي الله عنها، فسرت رؤياها كما بينا ذلك في الخطبة السابقة قلنا، ولعله أن يؤيد بحديث أنس لما قالت:” رأيت أن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها” فقال أبو بكر: إن صدقت رؤياك فسيدفن في بيتك ثلاثة من خيار أهل الأرض” هذا هو القمر الثاني أبو بكر رضي الله عنه.

عمر رضي الله عنه تولى الخلافة من بعده، فتوفي وهو القمر الثالث، أتدرون ما العجب؟! في صحيح مسلم: ” توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمره كم؟ ثلاث وستون سنة، أبو بكر توفي وعمره ثلاث وستون سنة، عمر توفي وعمره ثلاث وستون”هذا ثابت في صحيح مسلم.

فنسأل الله أن يجمعنا بهم في جنات النعيم….