بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة:
( بشرى وموعظة لمن أدرك رمضان)
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
29-8-1446هـ
————————————————-
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً – يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
أما بعد فيا عباد الله:
من أدرك رمضان فهي نعمة من الله عز وجل عليه فليري الله من نفسه خيرا
فإن هذا الشهر شهرٌ يُفرح بمقدمه
ولذا شُرعت التهنئة إذا دخل هذا الشهر بدلالة حديث (أن النبي ﷺ إذا دخل رمضان قال: أتاكم شهر مبارك)
هذا الحديث أصلٌ في تهنئة المسلمين لبعضهم البعض بدخول هذا الشهر
وما يُهنَّأُ به إلا لأن المُهنَّأ به عظيمًا يدل على فضله
فحريٌ وخليق بكل مسلم أبقاه الله في هذه الحياة صحيحًا سليما أن يغتنم أيام وليالي هذا الشهر لأنه بوابة توصل العبد إلى تقوى الله عز وجل حتى ينال التقوى كما قال عز وجل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾ [البقرة: 183]
بل ثبت عنه ﷺ في شأن ذلك الرجل الذي سأله كما في المسند وصحيح ابن حبان: ” قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟ قَالَ: «مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”
الصديقين: مرتبة ومنزلة بعد النبيين.
هذا يدلُّ على عظيم هذا الشهر مع ما سبق من ذِكرِه من أركان الإسلام، ومن أعظم أركان الإسلام، بل هو الإسلام: التوحيد شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وربي إنها لغنيمة فأسأل الله لي ولكم العون والتوفيق والسداد لاغتنام هذا الشهر فيما يرضيه عز وجل عنا.
من مجموع ما جاء في الصحيحين وسنن النسائي والترمذي وابن ماجه قال ﷺ:
” إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ ” أول ليلة ما لنا – لكن العبد يلجأ إلى الله أن يعينه وأن يوفقه وأن يسدده فإنه ضعيف إلا بعون من الله وتسديد وتوفيق- ” إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فُتِحَتْ ” وتُضْبط [ فُتِّحَت ] وأكثر ما جاء في القرآن [ فُتِحَت ]
” فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ” دل هذا من دلالة هذا الحديث أن بعض أبواب الجنة في غير رمضان تُغلق لكن قال: ” فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ “
أين المشمرون؟
” فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ “
يعني أين من يريد هذه الجنة للدخول فيها والتَّنعُّم فيها؟ كيف الطريق؟
هذا الشهر المبارك باغتنامه.
وفي رواية: ” فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ “
نعم لصعود الأعمال ﴿ إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]
” فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ “لمن أراد أن يدعو الله عز وجل فهو شهر تستجاب فيه الدعوات، عند البيهقي: ” ثلاثة لا ترد دعوتهم” منها: “الصائم حتى يفطر”.
وفي رواية: “فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ” دل هذا على أن الرحمة لها أبواب.
“فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ” هذا يدل على أنه شهر الرحمات فهي فرصة للتوبة والرجوع إلى الله عز وجل.
“فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ” “وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ” كلٌ يريد أن ينجو من هذه النار لكن لا قدرة للإنسان إلا بما أقدره الله كيف الوصول؟ الدعاء؛ دعاء الله ولذلك عَظُم الدعاء في رمضان، ولذلك لما ذكر عز وجل آيات الصيام ذَكَر في ثناياها: ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾ [البقرة: 186] لاحول لنا ولا قوة إلا بالله ولذلك ماذا قال عز وجل؟
﴿ فَمَن زُحزِحَ) ما تزحزح، ما أحد يستطيع إلا بإمداد من الله وعون وتوفيق وتسديد فلا أحد يفتخر ﴿ فَمَن زُحزِحَ) يعني زحزحه الله
( فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ﴾ لكن نسأل الله أن يبصرنا بعيوبنا وبما في مضامين هذه الدنيا من المُتَع التي تَغُرّ ولذلك قال:
( وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ) [آل عمران: 185]
مجرد متعة! لكن متعة ماذا؟ متعة اغترار
“وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ” وفي رواية: “أَبْوَابُ جَهَنَّمَ” من الغِلْظة.
وفي رواية: “أَبْوَابُ الْجَحِيمِ” أيضًا من الغلظة
” فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ” ما يُفتح منها باب، إذًا الوصول إلى المُبتغى ميسر في رمضان. ماهو المبتغى والمطلوب والمرجو؟
أبواب الجنة، أبواب السماء، أبواب الرحمة.
الخلاص من المخوف المرهوب -إي والله- نتوحوح في هذه اليومين من شدة البرد كأن البرد يحرق البدن فكيف بزمهرير جهنم؟ وكيف بحرارتها؟ برد لا يُطاق، نارٌ لا تطاق، فقال: ” فَلَمْ يُفْتَحْ”عن النار “فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ” إذًا المخُوْف الذي يخاف الإنسان أن يكون المصير هذا مصيرًا له ميسر للنجاة منه في رمضان.
من الذي يدعو إلى نار جهنم؟ من الذي يصرف الإنسان عن الجنة وعن أبوابها؟ الأمور ميسرة في رمضان:
” وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ” التصفيد: الأغلال في الأعناق مع الأيدي وفي رواية:
” وَسُلْسِلَتِ” بالسلاسل في الأقدام.
لا إله إلا الله! أيُّ عذرٍ لنا؟
“وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ” المردة: العُتاة الذين تمردوا على الشر.
لكن احذر من شياطين الإنس في القنوات الفضائية التي ربما تبُثُّ ما يثير الشهوة أو الشبهة، واحذر أيضًا من شياطين الإنس في وسائل التواصل والله إنها لأعظم ما وقع للمسلمين من الشر وإبعادهم عن الخير في هذه الأزمان نعم.
شهوات، شبهات
شهوات بجميع أنواعها وأشكالها نسأل الله السلامة والعافية؛
لِنحفظ ديننا!
“وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ” ولذلك تقع ذنوب في رمضان لأن الشياطين لو سلسلت قد يقع منها.
لأن من كان مسلسلا ومغلغلا فد يكون منه الشر بلسانه، لكن بقطع النظر حتى لو لم يكن لهؤلاء من الشياطين ومردة الجن أي أثر، احذر احذر شياطين الإنس نعم، الذنوب تقع من هؤلاء -مع- انتبه، مع ما تولعت به النفس الشريرة من الذنب.
النفس إذا استمرأت الذنب واعتادت عليه؛ تدعو صاحبها إلى الشر نعم، ولذلك لما كانت نفس إبليس لما كانت نفسه شريرة خبيثة؛ أوَّل ما أُمر بالسجود -لم تقع منه معصية من قبل- أول ما أُمر بالسجود عصى لأن نفسه خبيثة!
لنطهر أنفسنا، لنُعطِّل الدخول في وسائل التواصل، لنُعطِّل أو على الأقل نقلل مع أني أرى أن التعطيل خير وبركة إي والله؛ خيرٌ للإنسان في دينه ودنياه، في حفظ وقته، في حفظ مصالحه الدينية والدنيوية فلا تُستخدم إلا فيما يحتاج إليه الإنسان حاجة ضرورية .
تتمة الحديث من مجموع ما ذُكر:
” وَنَادَى مُنَادٍ ” يعني بعد ما ذُكر مالك عذر!
” وَنَادَى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ” ليس لك عذر
وفي رواية: ” يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ “
أقبل أقبل على الله عز وجل حتى ترى الخير في صحتك النفسية والبدنية والدينية والمالية وكل ما ترغبه نفسك؛ ترى الخير.
“يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ” الجانب الآخر: ” وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ” أقصر يعني: امتنع. مع هذه الفضائل ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟
“وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ” حديث عظيم!
“وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ” خسران أن تمضي ليلة من ليالي هذا الشهر ولم يُعتق الإنسان إي والله خسران!
بل لتعلم أن العتق كما هو بالليل أيضًا بالنهار، في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح قال عليه الصلاة والسلام:” إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ” في يوم: في النهار، ليلة: بالليل نسأل الله عز وجل أن يرحمنا برحمته، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ياحي ياقيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك.
الحديث يطول، والله هذا الحديث يكفي.
يكفي؛ عبرة وعظه لي أولًا ولكم ثانيا ونكتفي به.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه
إنه هو التواب الرحيم
الحمدلله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ أما بعد فيا عباد الله: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد -إي والله- ما الذي ذكرته؟ ما ذكرت إلا آية أو حديث هذا هو الخير، ليس الكلام الملفوظ الذي يلفظ به الإنسان مهما كان فصيحًا بليغًا وأتى بالجُمَل المزخرفة من أنه نافع للقلب لا، لا والله
لو كان الإنسان عاميًّا لكنه يعظ بكلام الله وبسنة رسول الله ﷺ وقع في القلب! هذا هو الخير.
ولذلك في كل خطبة من حديث جابر عند مسلم يقول:
كان النبي ﷺ في كل جمعة يقول: ” إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى”وتُضبط وخير الهَدِيْ ” هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ “
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا
اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن،
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين
رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك وطاعة نبيك ﷺ
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.