خطبة رقم [4]
ــــــــــــــــــــ
( عشرة أصول )
يحتاجها العامي وطالب العلم في هذا الزمن ليعصمه الله من الزلل
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
ذكرنا في الخُطب السابقة ثلاثين أصلًا من الأصول المهمّة التي يحتاج إليها العامّيّ ، وطالب العلم في هذا الزمن حتّى يُعصمَ بإذن الله عزّ وجلّ من الزّلل
الأصل الحادي والثلاثون :
الشرك نوعان : أكبر وأصغر
فيجب الحذر منهما
والشرك الخفيّ على الصحيح داخل ضمن الشرك الأصغر ، قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبت عند أحمد : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . فسئل عنه . فقال : الرّياء ))
وقال صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما ثبت عند أحمد عن الشرك الخفيّ مفسّرًا له بأنّه هو الرياء : (( ألا ترون ما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجّال ؟ [ من المسيح الدجّال ]
فقالوا : بلى يا رسول الله . قال : الشرك الخفيّ
قالوا : وما هو يا رسول الله ؟
قال : الرجل يقوم يصلّي ، فَيُزيّن صلاتَه لما يرى من نظر رجل ))
يعني من نظر رجل إليه
وهو شرك السرائر :
ثبت عند ابن خزيمة ، أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم قال : (( ألا أنبئكم بشرك السرائر ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : الرجل يقوم فيصلّي ، فيزيّن صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه . فذاك شرك السرائر ))
فتنبّه رعاك الله لما تنشره ، أو ينشره غيرك في وسائل التواصل ، فإنّه وللأسف البعض قد يقع في هذا الرِّياء الذي قد يُطلق عليه بالرّياء الإلكترونيّ
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الأصل الثاني والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الرِّياء والسُّمعة شقيقان
اللَّهُمَّ إِلَّا أنّ الفرق بينهما :
أنّ الرياء هو : ما يتعلّق بحاسّة البصر
والسمعة : ما يتعلّق بحاسّة السمع
فمن يعمل العمل من أجل مدح الناس وثناء الناس ، فيأتي بعبادة تُرى هذا هو الرياء ( تُرى : مثل الصلاة وما شابه ذلك )
أو أتى بعبادة تُسمع لِيُمدح ويثنى عليه ، مثل الذكر من تسبيح و تهليل و نحو ذلك . فهذا هو السُّمعة
وأدخل بعض العلماء في السُّمعة :
مَن يعمل العمل الصالح ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ ، لكنّه إذا أتى إلى الناس أخبر بما عمله ، مع أنّه عمله في أول أمره في خفاء ، لله ، لكنّه يخبر به الناس افتخارًا بعبادته :
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في الصحيحين (( مَن سمّع ، سمّع الله به ، و من يُرائي ، يُرائي الله به ))
الأصل الثالث والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الرياء :
كما سبق : يعملُ العملَ الصالح لِثناء الناس عليه ، للمدح .
وهناك صنف آخر :
يعملُ العملَ الصالح من أجل تحصيل غرض من أغراض الدنيا ، كتحصيل وظيفة أو مال أو وجاهة أو ما شابه ذلك ، لا يريد ثناءً ، يريد غرضًا دُنيويًّا :
قال جلّ وعلا : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وهذه وإن كانت عند جملة من العلماء في الشرك الأكبر إِلَّا أنّ العلماء يستدلّون بها على أحوال هؤلاء
والنبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم قال ـــ كما عند البخاريّ ـــ : (( تَعِسَ عَبْدُ الدرهم وعبد الدينار ))
ومن أعظم ما يكون من العبادات الجليّة التي تُبتغى بها الدنيا و تحصيل أغراض الدنيا :
أن تُتّخذ الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بأن يتصدّر شخص للدعوة إلى الله ، فيستغلّ هذه الدعوة في تحصيل مآربه ومشاربه من هذه الدنيا ، وقد يكون عَلَنًا في وسائل التواصل أو في القنوات الفضائيّة من تسويقات و دعايات شرائيّة وتجاريّة تُعرض ، ويُعرض معها من الأدلّة الشرعيّة لتسويق هذا المُنْتَج أو هذا المُنتج ، حتى لو لم يكن بها نصوص شرعيّة ، فكَوْن الإنسان وُصِفَ بأنّه داعية إلى الله واجتمع الناس حوله ، فلا يجوز له أن يَتَّخِذ هذه الدعوة .
وهي عبادة عظيمة : دعوة الرسل ، لا يجوز له أن يجعلها تحصيلًا لمآربه الدنيويّة
نسأل الله السلامة والعافية
الأصل الرابع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
التحقير لمن كان من أهل الرياء أو من أهل السمعة أو من أراد بالطاعة أراد بها تحصيلًا لأغراضه الدنيويّة :
التحقير له من الله عزّ وجلّ ، وما يعمله من تلك العبادات باطلة .
هذا إذا كان رياءً يسيرًا في بعض العبادات ، فإن كان في كلّ عبادة فذلك هو الوصول إلى الشرك الأكبر ؛ لأنّه لم يجعل شيئًا لله .
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في صحيح مسلم ، قال الله :
(( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عَمَلًا أشرك فيه معيَ غيري تركته وشركه ))
وثبت عند أحمد قال :
(( فأنا بريء – أي من هذا العمل – وهو للذي أشرك ))
وَأَمَّا في الآخرة :
فقد ثبت عند أحمد . قال صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم :
(( إنّ الله تبارك وتعالى يوم القيامة ، يوم تُجازى العباد بأعمالهم ، يقول الله عزّ وجلّ : اذهبوا إلى مَن كُنتُم تُراؤون عندهم بأعمالكم ، هل تجدون عندهم جزاءً ؟ ))
الأصل الخامس والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
كيف الخلاص من الرياء والسمعة ؟
الخلاص :
أن تتعلّم التوحيد ، ومن هذا التوحيد : [ تعظيم الله ]
فهؤلاء ما عظّموا الله ، ولا عرفوا لله قدره . فهو الغنيّ الوَهَّاب الرزّاق المعطي .
ولذلك :
قال الفُضيل بن عياض رحمه الله : ( من عرف الناس استراح ) من عرف أنّ الناس لا يملكون له نفعًا ولا يدفعون عنه ضُرًّا استراح ، علّق قلبه بالله عزّ وجلّ
وأيضًا من العلاج :
أن يلجأ إلى الله وأن يدعوَ بهذا الدعاء الذي قال عنه النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما عند أبي يَعلى قال : (( ألا أدلّكم على قول إذا قاله أحدكم أذهب الله عنه صِغاره وكِباره ؟ قالوا : بلى يارسول الله . قال : اللَّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أُشركَ بكَ وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ))
الأصل السادس والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الدعوة إلى الله يجب أن تكون بحكمة وبرفق :
حتّى يُقبَل القول ، حتّى يُقبل دين الله .
ولذلك :
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في الصحيحين لمّا أرسل عليًّا رضي الله عنه يوم خَيْبَر ، قال : (( انفذ على رِسلك ))
يعني الرِّفق (( انفذ على رِسلك ))
قال عزّ وجلّ : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..}
ومن الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بحكمة :
ألّا تُمَكِّن لأحد ممّن عنده بدعة أو ما شابه ذلك ، لا تمكّنه من الجلوس ولا أن تُصاحبه فضلًا عن أن تثنيَ عليه أو أن تُدافعَ عنه ، فإنّ المتلاعبَ بدين الله عزّ وجلّ إذا كان في الدعوة أفسد الدعوة إلى الله عزّ وجلّ
وهذا أمرٌ مُشاهد ؛ لأنّ دين الله صفاء نور ليس به غِشّ
الأصل السابع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
قوله عزّ وجلّ :
{ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
الدعوة إلى الله بالحكمة :
هذا لمن كان جاهلًا . جاهلٌ يريد أن يتعلّم تدعوه بالحكمة
والموعظة الحسنة :
هذا شخص عنده علم، لكنّه علم ليس بصحيح ، ويريد أن يعبد الله ، نيّته طَيِّبَة ، لكنّه لم يتوصّل إلى العلم الصحيح . فهذا يُعلَّم العلم الصحيح ؛ ليعبد الله ، لكن بالموعظة الحسنة
المُجادَلة { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } :
هذه دعوة مَن ؟ دعوة من عرف الحقّ وعاند
هذا يُجادَل بالتي هي أحسن . وقد أشار إلى ذلك ، إلى ما ذُكِر ابن القيّم رحمه الله
الأصل الثامن والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الدعوة إلى الله عزّ وجلّ ليست مربوطةً بمكان ولا بزمان :
وأعظم ما يُدعى إلى الله عزّ وجلّ بالتوحيد .
فليست مربوطةً بتحديد خروج أيّام للدعوة إلى الله ، كما يفعله بعض الناس ، سواء سمّوا أنفسهم جماعات أو لم يسمّوها .
والجماعات الدينيّة مذمومة في دين الله عزّ وجلّ كما سأبيّنه إن شاء الله تعالى في الأصول القادمة ، الأصل الآتي أو الذي يليه .
فتحديد أيّام في الخروج للدعوة إلى الله أو طرق غير شرعيّة ، كأن تُسبق بأذكارٍ معيّنة ، أو إذا أُرسل شخصٌ من هؤلاء لدعوة شخص اجتمعوا على أن يدعوا لهذا الشخص وأن يفتح الله على قلبه ، أو غير ذلك من هذه الطرق . فهي طُرق بدعيّة
الطريقة الصحيحة :
قال عزّ وجلّ :
{ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } يعني على علم { أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم أرسل الدعاة إلى الله كما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه كما في الصحيحين .
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم في حَضَرِه وفِي أسفاره وفِي حجّه وفِي كلّ مكان يُرسل الدعاة إلى الله بأن يبيّنوا لهم التوحيد .
فدين الله فيه صفاء فيه نقاء فيه ظهور وضوح ، لا جماعات سريّة ولا حزبيّات ولا ما شابه ذلك
الأصل التاسع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الجماعات الدينيّة أو الأحزاب الدينيّة كلّها باطلة وليست من شرع الله عزّ وجلّ .
الله جلّ وعلا ماذا قال :
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }
يعني أنت بريء منهم وهم برآء منك . لمَ ؟
لأنّها ليست بطريقة النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم ، فلا تبجّل جماعة ولا حزب لأي غرض ، لا من أجل تكوين جماعة لنشر الدِّين ولا من أجل تكوين جماعة للوصول إلى سياسة أو ما شابه ذلك
دين الله واضح ، طريقة النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم واضحة
باختصار :
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم عن هذه الجماعات وعن أمثالها :
(( ستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في النار إِلَّا واحدة . قيل : مَن هي يارسول الله . قال : على ما أنا عليه وأصحابي ))
[ في رواية في السُّنن ] قال : (( الجماعة ))
إذًا ، سبحان الله !!
(( على ما أنا عليه وأصحابي ))
في رواية : (( الجماعة ))
يعني :
جماعة واحدة ، يحرصون على الكتاب والسنّة ، ويحرصون على اجتماع الكلمة واتّحاد الصفّ ، على وِفْق ما جاء به شرع الله عزّ وجلّ . ليس اجتماعًا مع أشخاص أو مع جماعات ، وعندهم بدعيّات وعندهم مخالفات
فالحزبيّات والجماعات في دين الله مذمومة :
{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
كلّ حزب يقول الحقّ معي
والحقّ واضح
الأصل الأربعون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
كثيرًا ما يسمع الناس :
( مذهب أهل السنّة والجماعة ) :
أُضيفوا إلى السنّة ، وأضيفوا إلى الجماعة
أُضيفوا إلى السنّة : باعتبار اتّباعهم للسُّنَّة
قال عن تلك الجماعات :
(( كلّها في النار إِلَّا واحدة . قيل : مَن هي يارسول الله ؟ قال : على ما أنا عليه وأصحابي .))
سُمُّوا بهذا الاسم أو أُضيفوا إلى السنّة لاتّباعهم للسُّنَّة ، كما جاء في الحديث الثابت في السُّنَن :
(( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين ))
وأُضيفوا إلى الجماعة :
لأنّهم أهل الجماعة كما في هذا الحديث قال :
(( كلّها في النار إِلَّا واحدة ، قيل : مَن هي يارسول الله ؟ قال : الجماعة ))
اتّحاد الصفّ ، واجتماع الكلمة مع ولاة الأمر ، ولِنفع المسلمين ، واجتماع الكلمة واتّحاد الصفّ ، هذا هو طريقة أهل السنّة والجماعة . والمتتبّع لأحوالهم يجد ذلك .
ليس عندهم منازعات ، ولا مُخالفات مع أُوْلِي الأمر ، وليس معنى ذلك السكوت ، لا ، هم يتحدّثون ويبيّنون الحقّ من الباطل . الطاعة من المعصية ، لكن لا ينازعون ولاة الأمر ، ويجتمعون على كتاب الله وعلى سنّة رسوله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم ، وهم السَّلَف
مَن أتى بعد هؤلاء هم السَّلَف { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ ..}
ما الذي بعدها ؟
{ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } ليس اتّباعًا بالكلام ، لا ، قيّد { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والصواب في القول وفي العمل ، وأن يثبّتنا على التوحيد والسنّة