خطبة (29)
سبعة أصول يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
(محركات القلوب إلى الله)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سابقةٍ عن ثَمانِيةٍ وثَمانينَ أَصْلًا بعدَ المِئةِ مِنَ الأُصولِ المُهِمَّة التي يحتاجُها العامّيُّ وطالبُ العِلم في هذا الزّمن حتّى يُعْصَمَ بِإِذْنِ اللهِ عزّ وجلّ مِنَ الزَّلَل
◾الأصلُ التاسِعُ والثَّمانون بعدَ المئة :
مُحَرِّكاتُ القُلُوبِ إلى اللهِ كما قال شيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ في مجموعِ الفتاوى
مُحَرِّكاتُ القلوبِ إلى الله ثلاثة : ( مَحَبَّةُ الله ، وخَوْفُ الله ، ورَجاءُ الله )
– مَحَبَّةُ الله : تُلْقِي العَبْدَ في طَريقِ اللهِ
– رَجاءُ اللهِ : يَقودُهُ في هذا الطّريقِ
– خَوْفُ اللهِ : يَمْنَعُهُ عنِ الخُروجِ عن طَريقِ اللهِ عزّ وجلّ
وَلَوْ قِيل هذهِ المُحَرِّكات قد تَضعُف . فَكَيفَ تُقَوَّى ؟
فَقال رَحِمَهُ اللهُ :
مَحَبَّةُ الله تَقْوَى في قَلْبِ العَبْدِ إذا أكْثَرَ مِن ذِكْرِ اللهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} الأحْزاب
– وتَقْوَى محبّةُ الله في قَلْبِكَ أيُّها العَبْد : بِالنَّظَرِ وبِالِاطِّلاعِ على إنْعامِ اللهِ و إفْضالهِ وخَيْراتِه
ولِذا ماذا قَالَ هودٌ عَلَيْهِ السَّلام لِقَوْمِه { .. فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) } الأَعْراف
– خَوْفُكَ مِنَ اللهِ يَقْوَى : بِأن تَتَذَكَّرَ المَوْتَ ، وما بَعْدَ المَوْتَ ، وما أَعَدَّهُ اللهُ عزّ وجلّ لِمَن كَفَرَ بِهِ وَعَصاهُ
– رَجاءُ اللهِ يَقْوَى في قَلبِك : إذا تَذَكَّرْتَ رَحْمَةَ اللهِ وما أَعَدَّهُ اللهُ عزّ وجلّ لِأَوْلِيائهِ مِنَ الخَيْرِ في الدُّنيا وفِي الآخِرَة .
◾ الأصْلُ التِّـسعونَ بعدَ المِئَةِ :
إذا أَرَدْتَ أن يُحِبَّكَ اللهُ فَاتَّبِعْ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم . فإذا اتَّبَعْتَهُ دَلّ هذا على مَحَبَّتِكَ لِلّهِ حتّى يُحِبَّكَ اللهُ .
قال تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي } ما الثِّمار ؟
{ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) } آل عِمران
◾الأصْلُ الواحِدُ والتِّسعونَ بعدَ المِئة :
أعْظَمُ النِّعَم هي النِّعمَةُ التي هِيَ رِسالَةُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالقُرآنِ وبِالسُّنَّةِ .
هذه أعظمُ نِعْمَة .
وَلِذا ماذا قال تعالى { .. وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) } ما الذي بعدها ؟
{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) }
{ الْكِتَابَ } : القرآن
{ الْحِكْمَةَ } : السُّنَّة
لأنّهُ لا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أن يَهتَدِيَ أبدًا إِلَّا بِاتِّباعِ محمّدِ بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم بِمَا أوْحَى اللهُ إليهِ ، حتّى أنّ اللهَ عزّ وجلّ أَمَرَ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَن يَقولَ إنّ هِدايَتي عن طَريقِ وَحْيِ اللهِ لي :
{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } سبأ(50)
فَبِهَدْيِ محمّدِ بنِ عبداللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبِمَعْرِفَةِ ما جَاءَ في الْكِتَاب وفِي السُّنَّة يُعْرَفُ الخَيْرُ مِنَ الشَّرِّ ، والإسلامُ مِنَ الْكُفْر ، والتَّوْحِيدُ مِنَ الشِّرك ، والسُّنَّةُ مِنَ البِدْعَةِ ، ويُعْرَفُ طَريقُ أَهْلِ الخَيرِ مِن طَريق أهلِ الضَّلال .
فَواجِبٌ وُجُوبًا ضَرورِيًّا أن يَتعلَّمَ العَبدُ ما جَاءَ في هذا القرآنِ وما جَاءَ في سُنَّةِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
◾الأصْلُ الثاني والتِّسعونَ بعدَ المِئَةِ :
إذا أَرَدْتَ أن تكونَ وَلِيًّا لِلّهِ ( مِن أوْلِياءِ الله ) فَعَنْ طَرِيقَيْنِ :
الإيمان بِالله وبِتَقْواهُ
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(62) يُونُس
{ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } لا في الدُّنيا ولا في الآخِرَة ، لا حُزْنَ في الدُّنيا ولا في الآخِرَة
ما صِفاتُهم ؟ { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }(63) يُونُس
فَبِقَدْرِ إيمَانِكَ وتَقْواكَ تَكُونُ لَكَ وِلايَةُ اللهِ . تَضعُف بِحَسَبِ ضَعف الإيمان والتَّقوَى .
وتَقْوَى وِلايَةُ اللهِ لَكَ بِقَدْرِ تَقوِيَتِكَ لِلإيمانِ باللهِ وبَتَقوى الله عزّ وجلّ
ما الثَّمَرَة لِوِلايَةِ اللهِ ؟
{ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (64) يُونُس
قال شَيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ كما في مجموعِ الفتاوى ، قَالَ :
وأعْظَم أولياء الله هُمُ العُلَماء الذين وَرِثُوا العِلْمَ عن رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونافَحُوا عن دِينهِ ، وَحَفِظوا سُنَّتَهُ
قال : بَلْ إنّ لَهُم دَرَجَة أعلىٰ
{ .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (11) المجادلة
◾الأصْلُ الثالثُ والتِّسعونَ بعدَ المِئَةِ :
اللهُ عزّ وجلّ أَمَرَنا في كُلّ رَكْعَةٍ أن نقولَ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }
مِن أجلِ ماذا ؟
حتّى لا نَنْحَرِفَ إلى طَريقِ ( اليهود ) الذين هُم المغضوب عليهم أو إلى طريق ( النَّصَارَى ) الذينَ هُم الضالّون .
ولذلك ماذا قَالَ بَعْدَهَا ؟
{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } يَعني : غَير صراط المغضوب عليهم { وَلَا الضَّالِّينَ }
ولذلك قَالَ السَّلفُ رحمهم الله :
مَن انْحَرَفَ مِن عُلَماءِ هذه الأُمَّة فَفِيهِ شَبَهٌ بِاليهود ، ومَن انحَرَفَ مِن عُبَّادِ هذه الأُمَّة فَبِهِ شَبَهٌ مِن النَّصَارَى .
◾الأصلُ الرابعُ والتِّسعونَ بعدَ المِئَةِ :
إذا تَرَكَتِ الأُمَّةُ [[ بَعْضَ .. ]] ، فما ظَنُّكم لوْ تَرَكَتِ الأَكثَرَ أو تَرَكَتِ الكُلّ
إذا تَرَكَتِ الأُمَّةُ بعضَ العَمَلِ بِهذا الدِّين أوْقَعَ اللهُ عزّ وجلّ بَينَهم الشِّقاقَ والخِلافَ والنِّزاعَ .
وتَأَمَّلْ واقِعَ المُسلمين !
ماذا قال تعالى ؟
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ }
فَمَا الذي جَرَى ؟
{ فَنَسُوا حَظًّا .. } يَعني نَصِيبًا { مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } لَمّا تَرَكُوا بَعضَ العَمَل .
فما ظَنُّكُم لَو تَرَكُوا الأكثر أو تَرَكُوا الكُلّ ؟
وإذا حَصَلَ النِّزاعُ والشِّقاق بَينَ أفراد الأُمَّة . ما الذي يَجري ؟
يَجري البَغيُ . يَظلِمُ بَعضُهم بعضًا .
بل إنّ بعضَهم قد يَبغِي على شَرعِ الله فَيُحَرِّف في دِين الله .
قال تعالى { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } ما السَّبب ؟ { بَغْيًا بَيْنَهُمْ .. }
{ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .. }
فَدَلَّ هذا على أنّ الأُمَّةَ لا يُمْكِنُ أن تَجتَمِعَ إِلَّا على دِينِ اللهِ عزّ وجلّ . ولا يُمْكِنُ أن يَحصُلَ بَـيْـنَ المسلمين مَحَبّة وَوِفاق إِلَّا إذا اجتَمَعوا على دِينِ اللهِ عزّ وجلّ
لا حِزبِيّات ولا قَوْمِيّات ولا بِدْعِيّات ولا خُرافات وَماشابهَ هذهِ الأشياء .
◾الأصل الخامس والتِّسعونَ بعدَ المِئَةِ :
يَقُولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -كما في أحكامِ أهلِ الذِّمَّة
يقول : ( مَن هَنَّأَ أَحَدًا بِمَعْصِيَةٍ أو بِبِدْعَةٍ أو بِكُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبةِ اللهِ وسَخَطِهِ ومَقْتِهِ )
قَدْ يَقَعُ بَعْضُ النَّاسِ في مِثلِ هذا الأَمْرِ مِن المسلمين وهُوَ لا يَدْرِي ، أَوْ يَدْرِي لَكِنْ عن شَهْوَة أو شُبْهَة
مَن هَنَّأَ أَحَدًا بِمَعْصِيَةٍ أو بِبِدْعَةٍ أو بِكُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعِقابِ اللهِ ومَقْتِهِ وسَخَطِهِ
مِثال :
بَعضُ الناس لمّا يأتي إلى الحَلّاق ، فَيَحلِق له لِحيَتَه [ حَلْقُها حَرَام ] أو يَقُصّ قَصّات مُخالِفة لِشَرعِ الله وهِيَ مُحَرَّمَة .
يَقُولُ له الحَلّاقُ : نَعيمًا .
أيُّ نِعْمَة ؟!
وهذا القَولُ الذي قالَهُ ابنُ الْقَيِّم – رَحِمَهُ اللهُ – تَدُلُّ عَلَيْهِ الأَدِلَّة ؛ لأنَّ الشَّرعَ نَهَى عن فِعلِ المُحَرَّم .
⚫ فَكَيْفَ تُهَنِّئُ شخصًا بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ ؟!
فَيقولُ : ( نَعيمًا ) . أيُّ نِعْمَةٍ !!
⚫ أوِ التَّهْنِئَةُ بِبِدْعَةٍ
كما يَجرِي مِنَ التَّهنِئة بما انتَشَرَ بَينَ النَّاسِ . ولا سِيَّما في الأيّامِ الماضِيَةِ ( عن عِيدِ الأُمِّ ) أو عيد الحُبّ أو عيد الميلاد أو عيد الزَّواج أو ما شابَهَ ذلك مِن هذه الأعياد التي أساسُها ومَصدَرُها مِنَ الْكُفَّار !
وتِلكَ أعيادٌ مُخالِفَةٌ لِدِينِ الله
[ وَلَدَيَّ كَلامٌ مُطَوَّلٌ مِن أكْثَرِ مِن عشرةِ أَدِلّة تَدُلُّ على تحريمِ هذه الأعياد ] فَلا يُلَبَّس عَلَى الناس .
والآثارُ عن الصحابة رضي الله عنهم ( عن عُمَرَ رضي اللهُ عنه ومَن جَاءَ بعدَهُ ) .
والأَدِلَّةُ الشرعِيّةُ مِن كِتابِ الله وَمِن سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم تُحَرِّمُ ذلك .
ومع ذَلِكَ بَعضُهم يُهَنِّئُ بعضًا . فما ظَنُّكم لَوْ أَتَى بِهَدِيَّة .
لِأنَّ بعضًا مِن الـنَّـاسِ يقول : سأُعطي أُمِّي هَدِيَّةً في هذا الْيَوْم .
فلا يجوزُ مِثلُ هذا .
أو أنّ الأُمّ تَغضَب إذا لَمْ تأتِ لها بِهَدِيَّة .
وَلَوْ غَضِبَت ؛ رِضا الله مُقَدَّم علىٰ رِضَا المَخلوق .
بَل إنّ أَعظَمَ البِرِّ بِوالِدَيك أن تَمنَعَهُما مِن الوُقوعِ في المُحَرَّمِ بِالّتِي هِيَ أَحْسَن ( بالتَّبْيِينِ وبِالتَّوضِيح )
إذًا ( مَنْ هَنَّأَ بِمَعْصِيَةٍ .. ) فما ظَنُّكُم بِبِدْعَة ! فما ظَنُّكُم مَن هَنَّأَ بِعَمَلٍ كُفْرِيّ أو بِقَوْلٍ كُفْرِيّ
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ : ( فَقَدْ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ اللهِ ومَقْتِهِ وَغَضَبِه )
فَيَجبُ أن يُتَنَبَّهَ لِمِثْلِ هذه الأُمورِ
هذهِ أُصولٌ مُهِمَّة
وهيَ مُهِمَّة وَلَهَا تَتِمَّة بِإذن الله عزّ وجلّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ