شرح حديث ( مثل ابن آدم وبجنبه تسع وتسعون منية …. )

شرح حديث ( مثل ابن آدم وبجنبه تسع وتسعون منية …. )

مشاهدات: 571

( ما مثل ابن آدم ؟ ) 

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

فقد أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن الشِّخير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( مُثِّل ابن آدم وبجنبه تسع وتسعون منية ، إن أخطأته المنايا أدركه الهَرَم ثم يموت )

ما معنى هذا الحديث ؟

معنى هذا الحديث أن ابن آدم يسير في هذه الدنيا وليس بمأمن من الموت ، لأن المنايا تحيط به ، كم عددها ؟ تسع وتسعون منية ، وهذا العدد على سبيل المبالغة ، يعني أن ابن آدم ما يخطو خطوة ولا يتحرك حركة ويسكن في سكون إلا عرضة أن يأتيه الموت ، فإن تجاوز هذه المنايا بهذا العدد ، ما المَرَدُّ ؟ الهرم ، ما بعد الهرم ؟ الموت .

فهذا يدعونا إلى أن نحذر من الأمل ، قال تعالى { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }الحجر3 ، فلا يغفل الإنسان عما يراد به ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند أهل السنن ( ما لي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كرجل سائر في يوم صائف فاستراح تحت شجرة ثم راح وتركها ) هذه هي الدنيا في تصوير النبي صلى الله عليه وسلم ، كمثل رجل مسافر يسير في يوم شديد الحرارة استراح تحت شجرة ثم راح وتركها .

يقول ابن القيم رحمه الله ” تصوروا لو أن شخصا كان مسافرا يريد مدينته، فمر في سفر على أرض خصبة معشبة نضرة فأعجبته فأقام فيها وبنى فيها قصرا منيفا ، وشيدها وجمَّلها ، أهذا من العقل ؟

إنسان يسير في الصحراء فلما رأى تلك الروضة المعشبة بنى فيها قصرا وجملها وهو يريد مدينته وأهله ، هل هذا من العقل ؟

يقول رحمه الله ” هذا ليس من العقل “

إذاً هذه هي الدنيا ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر رضي الله عنهما كما عند البخاري ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) هل المسافر أو الغريب في بلدة ، هل يمكث في هذه البلدة ؟ ويجتهد في بنائها ؟ لا ، لأنه على جناح سفر ، سيرجع إلى أهله ، فكذلك نحن في هذه الدنيا ، والمقصود من هذا أن الإنسان لا يغفل عن ذكر الله عز وجل ولا يغفل عن طاعته ، ولا تلهينه هذه الدنيا ، لأن هذه الدنيا لا يشبع منها ابن آدم ، بل تزدان له ، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند ابن حبان ؟

قال صلوات ربي وسلامه عليه ( إن مطعم ابن آدم مُثِّل للدنيا وإن قزَّحه وملَّحه ، فانظر ماذا يصير ؟ )

يقول ( إن مطعم ابن آدم ) عندك لحم أو ما شابه ذلك ( قزَّحه وملَّحه ) يعني جعلت فيه التوابل ، وله من الدسومة والرائحة الطيبة والنكهة الشهية ما الله به عليم  ( فانظر ماذا يصير ؟ ) من الفضلات ؟ أسوء ما يكون ، كلما كان الأكل شهيا دسما ، كلما كانت الفضلات أسوء وأقبح وأنتن ، يقول هذا مثل للدنيا ، يعني الدنيا مثل مطعم ابن آدم ولو كان دسما وشهيا فانظر إلى ماذا يكون ؟!

فالغرض من هذا الحديث أن نلتفت إلى أمور ديننا ، ولا يعني أن الإنسان يترك الدنيا – لا- { وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }القصص77، لكن على الإنسان الحرص على طاعة الله عز وجل .

أسأل الله عز وجل أن يبصرنا بعيوبنا وأن يعيننا على شكره وعلى ذكره وعلى حسن عبادته .

والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .