شروط من يلزمه الصوم ( 3 )

شروط من يلزمه الصوم ( 3 )

مشاهدات: 36

 شروط من يلزمه الصوم ( 3 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

أما بعد :

ذكرنا في الدروس الماضية أن الشهر إذا ثبت فإن الشهر يلزم كل ( مسلم – بالغ – عاقل – قادر – مقيم – سالم من الموانع ) .

وتحدثنا عن جمل ( مسلم – وبالغ – وعاقل  ) وتبقى معنا جملة ( قادر – ومقيم – وسالم من الموانع ) .

القاد :  ضده العاجز ، والعَجز إما أن يكون عن مرض وإما أن يكون عن كِبَر ، ثم إن المرض على نوعين :

  • مرض يُرجى برؤه .
  • مرض لا يُرجى برؤه .

فمن عجز عن الصيام لمرض لا يرجى برؤه ، عافانا الله وإياكم من كل بلاء كمرض ( السرطان ) مرض لا يرجى برؤه عند الأطباء لكن ليس هناك مرض ليس له علاج أبدا ، لكن الأطباء إلى الآن عجزوا عن التوصل إلى الشفاء وإلى الدواء وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء عَلِمه من علمه وجهله من جهله ) .

فنقول : مرض لا يرجى برؤه بالنسبة إلى عقول البشر ، وإلا فليس هناك مرض ليس له دواء أبدا ، قال تعالى { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } الشعراء80 ، فمن عجز عن الصيام عجزا مستمرا كمرض لا يرجى برؤه لا يقدر على الصيام فإن الصيام يسقط عنه ، ولكن يلزم بالإطعام ” يطعم عن كل يوم مسكينا ” قال الله عز وجل { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } البقرة184، قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري ( بَقِيت هذه الآية في حق الرجل الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم  فيطعمان عن كل يوم مسكينا ) .

والإطعام ” هو مخيَّر فيه بين أن يفدي كل يوم بيومه أو يؤخره إلى نهاية الشهر ويدفع كيسا من الأرز ووزنه [ خمسة وأربعون كيلا ] ويستحسن خروجا من خلاف من أوجب الإدام ، يستحسن أن يرفق معه شيء من الإدام كدجاج أو لحم أو نحو ذلك .

إذاً من عجز عجزا مستمرا كمرض لا يرجى برؤه أو كِبَر فيسقط عنه الصوم ويلزم بالإطعام ، لكن قلنا إن من كان طاعنا في السن وذهب عقله وهو المهذري والمخرف فلا صيام عليه ولا إطعام لأن القلم قد رفع عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، أما من كان به مرض ليس مرضا مستمرا وإنما مرض عارض وهذا يحدث لكل شخص فإن كان المرض يسيرا فلا يجوز له أن يفطر ، لكن إذا كان المرض يشق عليه فإنه يفطر ويلزم بالقضاء بعد رمضان .

لكن ما ضابط المرض  ؟

بعض الناس يقول عندي قدرة على الصيام مع هذا المرض ولكن لو صمت مع وجود هذا المرض تضاعف المرض أو ازدادت أيام المرض فنقول : هذا عذر تستبيح به الفطر .

إذاً من كان به مرض طارئ ويخشى أن يطول معه المرض أو يتزايد مع المرض فيقال له في هذه الحال تفطر وعليك القضاء فيما بعد ذلك .

أيضا ممن يلزمه الصوم ( المقيم )

المقيم : ضده المسافر ، وسمي المسافر بهذا الاسم لأمرين :-

الأمر الأول : لأن المسافر يُسْفر ويظهر ويبرز عن بنيان قريته فهو أسفر يعني خرج .

الأمر الثاني : لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، فهو يسفر أخلاق الرجال ، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له  ( أني أشهد أن فلانا رجل تقي ، فقال عمر رضي الله عنه : أجاورته ؟ قال : لا ، قال : أعاملته بالدينار والدرهم ، الذي به تظهر معادن الرجال ؟ قال : لا ، قال: أسافرت معه ؟ قال : لا ، قال : إذاً لا تعرفه) لأن هذه الأشياء الثلاثة تُبين معدن وجوهر الإنسان ، قال الله عز وجل مبينا بأن السفر عذر يستباح به الفطر { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يعني من كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر .

إذاً { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } هناك محذوف [ فأفطر ] .

إذاً  من لم يفطر هل عليه أن يقضي هذه الأيام التي سافر فيها ؟

تصوَّر لو أن إنسانا سافر ثلاثة أيام أو يومين وصام هل يقال له ما دمت أنك على سفر تقضي ولو كانت صائما ؟

نقول : ( لا ) وإنما الآية فيها محذوف [ فأفطر { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .

لو قال قائل : ما حكم الصيام في السفر ؟

حكمه على ثلاثة أقسام :-

يكون محرما إذا أضر بالإنسان ، إنسان مسافر ولو صام لحصل له ضرر في بدنه أو بمن معه ففي هذه الحال يحرم عليه الصوم ، النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين وكان في سفر  ( رأى الناس  مجتمعين وإذا بهم يظللون رجلا ، فقال عليه الصلاة والسلام : ما به ؟ قالوا : صائم ، فقال عليه الصلاة والسلام : ليس من البر الصيام في السفر ) فالصيام في السفر الذي يضر بالإنسان ليس من البر ، وزاد في رواية النسائي ( فعليكم برخصة الله التي أرخصها لكم ) والنبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من المدينة وبلغ موضعا قريبا من المدينة يدعى ( بكراع الغميم ) وكان ذلك بعد العصر وكان له قدرة على الصيام ( فقالوا يا رسول الله إن الناس ينظرون إليك وأنت صائم وقد شق بهم الصيام ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فشربه بعد العصر والناس ينظرون إليه ، فقال بعض القوم : إن البعض لم يزل صائما ، فقال عليه الصلاة والسلام : أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) فإذاً إذا كان الصوم في السفر يضر بالإنسان فيحرم ، أما إذا كان لا يضر به ولكن فيه مشقة ، نقول هذا مكروه ، لماذا مكروه ؟ لأنه ترك الرخصة ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى محارمه ).

وإما إذا لم يكن هناك مشقة ولا ضرر فيقال : الأفضل الصوم لأنه أسرع في إبراء الذمة ، ومما يدل على ذلك أن البخاري رحمه الله ذكر في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال ( إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسافرون وكان من بينهم الصائم والمفطر فكان الصائم لا يعيب على المفطر والمفطر لا يعيب على الصائم ) لماذا ؟ لأنهم كانوا قادرين على الصيام ولا يلحقهم بهذا الصيام  لا مشقة ولا ضرر ، وقال أبو الدرداء كما في صحيح مسلم ( كنا في اليوم الحار شديد الحرارة وإن الرجل ليتقي بيده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة ) يعني عبد الله بن رواحة ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يترك أشياء خيفة من أن تفرض على أمته أو يشق على أصحابه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين ( صلى في أول رمضان إلى ثلاث ليال أو أربع ليال كان يصلي صلاة التراويح في المسجد وكان الناس يصلون بصلاته فلما جاءت الليلة الرابعة أو الخامسة على الشك ، لم يخرج وإذا بالمسجد يزدحم فلما أصبح قيل يا رسول الله لمَ لمْ تخرج ؟ فقال : إني خشيت أن تفرض عليكم ولو فرضت عليكم ما استطعتم أن تقوموا بها ) و ( كان عليه الصلاة والسلام يواصل الصيام ، يواصل اليوم واليومين والثلاثة الأيام دون أن يأكل شيئا ، وأراد الصحابة أن يقتدوا به ، فقال : إني لست كهيأتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فألحوا عليه ، فقال: من شاء منكم أن يواصل فليواصل إلى  السحر ) ولكن الأفضل أن يبادر بالإفطار ، وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام ، ولكن البعض أراد أن يتبعه وكان في آخر رمضان ( فواصل بهم يوما ويوما لكن هلال شوال قد أَهَل فقال عليه الصلاة والسلام : لو لم يهل لواصلت بكم يوما ويوما ) كالمنكل بهم .

إذاً النبي صلى الله عليه وسلم يُطعم ويسقى ، لكن لو قال قائل : كونه يظل يومين أو ثلاثة أيام وهو لا يتناول شيئا ، ما نوع هذا الطعام وما نوع هذا الشراب ، إذ قال ( إنما يطعمني ربي ويسقيني ) هل هو طعام حسي أو طعام معنوي ؟ بمعنى هل يحضر له من الجنة كما قال بعض العلماء طعام وشراب يأكله فيتغذى بهذا الطعام ؟ أو أن حلاوة التذلل والدعاء والافتقار إلى الله عز وجل التي تكون في القلب أكسبته غذاء للجسم ؟

قولان : وجنح ابن القيم رحمه الله ومال إلى أن هذا الطعام ليس طعاما حسيا وإنما لمناجاته لربه وانكساره بين يديه حصل في قلبه من اللذة والنعيم ما استغني بهذا عن غذاء الأجسام ، وقال رحمه الله : هذا له مثال ، كون الإنسان جائعا فيأتيه خبر يسره إذا بالجسم يتغذى بهذا الخبر ، تصوَِّر لو كانت جائعا في أشد حالات الجوع ، وإذا بشخص يأتي  إليك ويسمعك خبرا سارا جدا يتلذذ به قلبك ، تجد أن الجوع يزول عنك تلقائيا دون ما تشعر ، فانشغلت بهذا الخبر السار عن غذاء الأجسام ، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم انشغل قلبه بمناجاة ربه والافتقار بين يديه فحصل له طعام معنوي وهو طعام القلب ، فاستغنى بهذا الطعام عن غذاء وطعام الأجسام .

إذاً / الصوم في السفر إما أن يكون محرما إذا أضر به .

أو يكون مكروها إذا شق عليه .

أو يكون مندوبا إذا لم يحصل مشقة ولا ضرر .

ولا يستبيح رخص السفر إلا إذا خرج من عامر قريته ، بعض  الناس إذا أراد أن يسافر وعزم على السفر قد يفطر أو قد يجمع بين الصلاتين وهو في بلدته وهذا خطأ ، صحيح أن بعض أهل العلم قال بهذا ولكن الصحيح أنه لا يكون مسافرا إلا إذا أسفر بجسمه عن بلدته ، فإذا جاوزت البلدة وخرجت منها ولو كانت تراها فتستبيح رخص السفر ، تصور لو أردت السفر إلى مكة ثم خرجت وتجاوزت البيوت التي على ( خط المائة ) تجاوزتها ولو بشبر ، ولو كنت تراها ، فلك أن تستبيح رخص السفر .

إذاً إذا أسفرت ببدنك عن عامر قريتك ولو بشبر ولو كنت تراها فلك أن تستبيح رخص السفر ، أما كون الإنسان في بلدته وعزم على أن يسافر فكونه يستبيح رخص السفر ، هذا غير صحيح وهو قول مرجوح ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين .

إذاً / عندنا من يلزمه الصوم ( مسلم –  بالغ – عاقل – مقيم – قادر – سالم من الموانع )

سالم من الموانع وهذا ليس للرجال وإنما هو للنساء ، السالم من المونع هي المرأة الحائض والنفساء ، فالحائض والنفساء لا يصح منهما الصوم بل لو صامتا تأثمان ، قال عليه الصلاة والسلام لما سألته المرأة لما ذكر أنهن ناقصات عقل ودين ( قالت : ما نُقصان دينها ؟ ) يعني هل هذا النقص عام في كل شيء ، فأرادت أن تستفسر هل نقصان العقل ونقصان الدين عام في كل شيء ؟ ( فقال عليه الصلاة والسلام : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين بشهادة رجل ) قال تعالى { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }

{ أَن تَضِلَّ } يعني أن تنسى ، وأما نقصان دينها ، فقال عليه الصلاة والسلام ( أليست إذا حاضت لم تصلي ولم تصم ) ؟  ، ولا شك أن تركها للصلاة والصيام يؤثر على دينها وإن كانت لا تأثم بذلك .

إذاً من كانت حائضا أو نفساءَ فلا يصح منها الصوم .

وقد ذكر العلماء حسب التتبع أن هناك ثمانية من الإناث يحضن ، ليس الحيض خاصا ببنات آدم بل هناك بعض الحيوانات يحضن

[ امرأة –  ناقة –  أرنب – وزغ – ضبع – كلبة – فرس – خفاش ] وجمعت في بيتٍ من الشِعر :

 

           إن اللواتي يحضن الكل قد جمعت

في ضمن بيتٍ فكن ممن لهن يعي

                امرأة ناقة مع أرنــــبٍ وزغ

 وكلبة فرس خفـــاش مع ضبعِ

 

هذا ما ذكره الفقهاء حسب التتبع والاستقراء .

إذاً يلزم الصوم كل  [ مسلم – بالغ – عاقل – مقيم – قادر – سالم من الموانع ]

وإلى هنا ينتهي درس هذه الليلة ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .