فوائد مجهولة وسنن مهجورة ــ الجزء الرابع
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد فيا عباد الله )
ما زال الحديث يتبع بعضه بعضا في ذكر أحاديث تضمنت ” إما فوائد مجهولة أو سننا مهجورة “
( فمن الفوائد )
أن من السنة : إذا قدم المسلم من سفره أن أول من يتلقاه هم أطفال بيته “
جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ)
( ومن الفوائد )
أن من السنة :إذا أراد إنسان أن يسافر أن يُودَّع ، وإذا وُدِّع فإن المُودِّع لا ينزع يده من يد المودَّع حتى ينزعها المسافر ، جاء عند الترمذي : ( كان النبي ﷺ إذا ودع رجلا أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يد النبي ﷺ )
فلم يكن يجذبها صلوات ربي وسلامه عليه.
( ومن الفوائد )
أن من السنة في حق من أحب أن يمسك عصا بيده : أن يتخذها من العراجين التي هي غصون النخل التي ينبت عليها التمر ، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود عن أبي سعيد رضي الله عنه :
( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْعَرَاجِينُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ )
( ومن الفوائد )
وهي مناسبة في مثل هذا العصر لكثرة القراء الذين أعطوا حسناً في قراءة القرآن في الصلوات ، عليهم أن يحذروا من الرياء والنفاق ، فإنه أسرع إليهم من غيرهم ، ولذلك صح عنه عليه الصلاة والسلام كما في المسند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
( أَكْثَرُ مُنَافِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا )
( ومن الفوائد )
أن الناس تركوا سنة وهي : “قتل الوزغ “ ويسمى عند بعض الناس ” الظاطور “ تُرِك قتله ، وهذا من الخطأ ومن المخالفة للسنة ، بل من قتله في أول قتلة فله أجر عظيم ، جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ )
( ومن الفوائد )
أن من يُحمِّل على البهائم ولاسيما الجمال ” لا يحمل على مؤخرتها ولا على مقدمتها ، هذا ليس من الإرفاق بالحيوان ، بل السنة الواردة أن يوضع الحَمْلُ على وسط ظهر البعير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( أَخِّروا الأحمالَ فإن الأيدى مُغْلقةٌ والأرجلَ مُوثقةٌ )
يعني أن يدي الجمل موثقة وكذلك المؤخرة ، فعلى المسلم أن يرفق بهذا الحيوان وألا يضع حمله عليه إلا على وسط ظهره ، وهذا يدل على أن الإسلام سبق العالم الغربي الذي يدَّعي الرفق بالحيوان .
( ومن الفوائد )
أن من السنة : ألا يستقصي اللبن الموجود في ضرع البهيمة بل يدع شيئا منه ، لم ؟
لأن هناك فائدة وهي أن هذه البقية من هذا اللبن تجذب وتجلب غيرها من هذه البهيمة ، ولذلك في المسند من حديث ضرار بن الأزور قال صلى الله عليه وسلم :
( دَعْ دَاعِيَ اللَّبَنِ )
يعني اترك بقية من اللبن في ضرع البهيمة .
( ومن الفوائد )
أن من السنة : ألا يشرب الساقي للقوم من قهوة أو من شاي أو من عصير لا يشرب أولهم ولا في ثناياهم ، بل يكون هو آخر واحد يشرب ، قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه :
( إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا)
هناك حديث يمكن أن يشكل على بعض الناس لقربه من هذا وهو ( خَادِمُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ ) هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
( ومن الفوائد )
أن المسلم إذا شرب أي شراب من ماء أو عصير أو لبن أو نحوه عليه أن ” يشرب ثلاث مرات ” يقول بسم الله في الأولى وفي آخر شربته يقول الحمد لله ، هذه شربة أولى ، الشربة الثانية يقول ” بسم الله ثم يحمد الله عز وجل في آخرها ، ثم يشرب الشربة الثالثة من الإناء ويقول ” بسم الله ثم يحمد الله “
لما جاء عند ابن السني وغيره من حديث نوفل بن معاوية :
( كان رسول الله ﷺ يشرب بثلاثة أنفاس، يسمي الله عز وجل في أوله، ويحمده في آخره. )
وقد صححه ابن حجر والألباني رحمهما الله وغيرهما .
( ومن الفوائد )
أن الإناء أو الفنجان أو القدح إذا انكسر : لا يسن أن يشرب من الثلمة ، جاء عند الطبراني من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه :
( أن النبي ﷺ نهى أن ينفخ في الشراب وأن يشرب من ثلمة
القدح)
لم ؟
إما لأن هذه الثلمة قد تجرحه .
وإما – وهو الأظهر – أن الزهومة من الدسم تبقى في هذه الثلمة فلا يستطيع الماء حين غسل الإناء أن يزيلها ، وهذا يدل على أن الإسلام حريص على النظافة .
( ومن الفوائد )
وهي سنة مهجورة وهي :
” إذا أعطاك المسلم وسادة وهي ما نسميه بـ ( المركاة ) السنة ألا تردها ، وإذا أعطاك لبناً لا ترده “
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي :
(ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ : الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ ) وليس هو السمن أو الشحم – لا – وإنما الدهن هو الطيب .
( ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ : الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ )
( ومن الفوائد )
أن من السنة أن نحرص على : الشراب الحلو البارد “
النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
( كَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوُ الْبَارِدُ)
( ومن الفوائد )
وهي سنة تكاد أن تندثر في بيوتنا لاسيما في هذه السنوات القريبة وهي ” أن أهل البيت لا يجتمعون على الطعام ، كل يأكل بمفرده ” هذا يأخذ من البقالة وهذا يأخذ من البوفيه ، هذا شعار بيوت المسلمين في مجتمعنا السعودي الذي يكاد أن يكون عاماً ، وهذا مخالف للسنة ، في حديث وحشي بن حرب رضي الله عنه في المسند وسنن أبي داود ، قال صلى الله عليه وسلم
( اجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ )
وعند ابن حبان من حديث جابر رضي الله عنه :
( أحَبُّ الطَّعامِ إِلَى الله مَا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الأيدي )
( ومن الفوائد )
وهي سنة مهجورة :
” أن البعض من الناس إذا فرغ من الطعام لا يلعق أصابعه ، وإنما يبادر بمسحها بالمنديل “
والسنة أن يَلعقها أو يُلعقها غيره ممن لا تتكدر ولا تتقزز نفسه بذلك ، كالزوجة أو الولد أو نحو ذلك ، وهذا قد يكون بعيدا في مثل هذا العصر ، لكن قد يقبل مثل هذا زوجة الإنسان ، جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم :
( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا ) يعني يُلعقها غيره
( ومن الفوائد )
أن بعضا من الناس يترك سنة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه يجهلها وهي ” أنه إذا أعطى أعطى بشماله ، وإذا أخذ أخذ بشماله ” هذا خطأ ، جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ ) صححه الألباني في الصحيحة
( ومن الفوائد )
أن بعض الناس يتركون سنة ولاسيما إذا كان متعبا مرهقا ، فإنه إذا أكل وجبة دسمة سواء كانت في القيلولة أو في الليل ولاسيما في القيلولة لا يغسل يده ، هذا ليس من السنة ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ، وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ) يعني دسم ( وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ فَلَمْ يَغْسِلْ يَدَهُ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلَا يَلُومَنَّ، إِلَّا نَفْسَهُ)
( ومن الفوائد )
أن بعضا من الناس يخالف السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في جلسته للأكل ، في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي جحيفة :
( أما أنا، فلا آكلُ متكئًا )
ليس من السنة إذا أكلت شيئا أن تتكئ ، والاتكاء أنواع :
إما أن تتكئ بيدك اليسرى على متكأ وتأكل باليمنى .
وإما – كما هو فعل كثير من الناس – يضع يده اليسرى متكئا بها على الأرض ويأكل بيمينه .
هل ” التربع ” من الاتكاء أم لا ؟
الصواب من قولي العلماء : أن التربع ليس من الاتكاء المنهي عنه ، والتربع لا يدخل ضمن الاتكاء .
( ومن الفوائد )
وهي سنة مهجورة : أن بعضا من الناس إذا أكل طعاماً لا يأكل من جوانبها وإنما يأكل من أوسطها ولاسيما الأطفال ، ولابد أن نربي الأطفال ، النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في المسند من حديث ابن عباس رضي الله عنهما :
( كُلُوا فِي الْقَصْعَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا، وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا ؛ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا )
( ومن الفوائد )
وهي سنة تكاد أن تندثر عند الشباب :
” أنهم لا يحبون التمر “ بل ترى أن التمر قد استعيض عنه بالحلويات في بيوتنا ، ولا ندري ماذا سيكون في المستقبل إذا استمر هذا الرخاء على بلادنا ما ندري ربما أن البيوت تخلو من التمور ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها :
( بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ )
وأنا أعرف بعض الشباب من حين ما وُلد إلى الآن وعمره يصل إلى العشرين أو ما دونها لم يأكل تمرة في حياته .
( ومن الفوائد )
أن من السنة : إذا أكل الإنسان تمرا أن يفتشه لاسيما إذا كان قديما ، ولله الحمد الناس في سعة ، ولكن ربما يأتي على الناس ضيق في أي مكان آخر في غير بلادنا ، أو يحصل للإنسان حالة عارضة كأن يكون في البر أو ما شابه ذلك ، فيجد تمرا ، فالسنة أن يفتش هذا التمر وأن يخرج السوس والدود منه ، يدل على ذلك : حديث أنس رضي الله عنه كما عند أبي داود :
( أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ عَتِيقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ السُّوسَ مِنْهُ )
وما ورد من حديث ( أن النبي ﷺ نهى عن تفتيش التمرة ) هذا لا يصح .
( ومن الفوائد )
وهي ظاهرة ليست بطيبة ولاسيما عند بعض أهل ” مزاين الإبل “ أن الأطعمة تكثر كثرة تزيد عن حاجة المدعوين بآلاف المرات ، كل هذا ليس من أجل إطعامهم وإنما من أجل التعاظم بحيث لا يكون غيره مما يشاكله في هذا الأمر أن يكون هو أعلى منه ، وبالتالي فإن السنة في حقك إذا حضرت مثل هذه الأطعمة ألا تأكل منها شيئا ، جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما كما في سنن أبي داود :
( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ )
قال العلماء : هما المتعارضان بفعلها في الطعام لكي يمتاز أحدهما على الآخر لكي يغلبه .
وللحديث تتمة إن شاء الله في الجمعة القادمة حول هذا الموضوع .
الخاتمة : ………………….