ما الأسباب التي جعلت البعض يقول ( ما عاد عرفنا الحلال من الحرام)؟ وهذا هو الجواب الشافي

ما الأسباب التي جعلت البعض يقول ( ما عاد عرفنا الحلال من الحرام)؟ وهذا هو الجواب الشافي

مشاهدات: 1674

بسم الله الرحمن الرحيم

فائدة للشيخ زيد البحري من خطبة نور على نور

ما الأسباب التي جعلت البعض يقول: ( ما عاد عرفنا الحلال من الحرام)

وهذا هو الجواب الشافي

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

_________________________

 

قال ابن القيم:وَالنُّورُ عَلَى النُّورِ: نُورُ الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِدْرَاكِ الصَّحِيحِ، وَنُورُ الْوَحْيِ وَالْكِتَابِ، فَيَنْضَافُ أَحَدُ النُّورَيْنِ إِلَى الْآخَرِ فَيَزْدَادُ الْعَبْدُ نُورًا عَلَى نُورٍ، وَلِهَذَا يَكَادُ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَالْحِكْمَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ مَا فِيهِ بِالْأَثَرِ ثُمَّ يَبْلُغُهُ الْأَثَرُ بِمِثْلِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ وَنَطَقَ بِهِ فَيَتَّفِقُ عِنْدَهُ شَاهِدُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَالْفِطْرَةُ وَالْوَحْيُ فَيُرِيَهُ عَقْلُهُ وَفِطْرَتُهُ وَذَوْقُهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ الْحَقُّ لَا يَتَعَارَضُ عِنْدَهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ الْبَتَّةَ بَلْ يَتَصَادَقَانِ وَيَتَوَافَقَانِ ا.هـ

 يقول سبحان الله! المؤمن لصفاء قلبه ولنور قلبه يعرف الحق؛ يعرفه من حيث الإجمال يعرف الحق، وإن لم يسمع فيه أثرا، فإذا جاء ذلكم الأثر الذي من الشرع وافق تلك الفطرة، وافق تلك الفطرة، فالفطرة تأتي ببيان الحق على وجه الإجمال، والشرع يأتي بذلك مفصلا {نُورٌ عَلَى نُورٍ}.

قلت: وهذا ما أريد أن أتحدث عنه في مثل هذا الزمن: بعض الناس يقول  والله ما عاد عرفنا الصح من الغلط في هذا الزمن إنسان يحرِّم، وإنسان يحلل، إنسان يقول كذا بالإثبات، وآخر ينفي، نعم؛ لأن أمثال هؤلاء ممن يقول هذا القول لم يأخذ العلم الشرعي من أهله المعتبرين المحققين، وإنما يقبل كل شيء كل ما أتاه مما يتعلق بالدين قبله، وهذا يذكرني بكلام ابن القيم في الوابل الصيب يقول: “إزاء هذا القلب الذي هو النور إزاءه قلبان: قلب حجري صلب” بعض الناس قلبه ليس كالقلب الأول القلب الأول قلب نوراني، نور، يقول: ” قلب حجري صلب” قاسي، لم؟ قال: “لأنه لا يعرف الحق، فليس عنده صفاء، ولا رحمة في قلبه بالخلق ما يرحم؛ لأن  قلبه قلب قاسي، فليس بصاف حتى يعرف الحق، ويعرف الشرع، وليس بقلب رقيق، وإنما هو قلب قاسي، فلا يرحم الخلق بخلاف صفات المؤمن”

القلب الثاني: قال: “قلب مائي ضعيف”، نعم بعض الناس قلبه قلب مائي ضعيف يقبل أي شيء يقبل أي صورة يقبلها، يخالط أي شيء، يسمع أي شيء، يقبله سواء كان طيبا أم خبيثا، وهذا هو حال بعض من الناس نسأل الله السلامة والعافية يقول ما أدري ما هو الصح من الغلط، والله لو بقيت فطرتك على ما هي عليه، وذلك بأن تلقيت العلم الشرعي من أهله، والله من حين ما تسمع الكلمة يقع في نفسك شيء تقول والله هذا ما يوافق الشرع، قلبي لا يطمئن إليه، نعم، ولذلك معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام كما قال صلى الله عليه وسلم سئل كما عند أبي داود كما ثبت عنه لما قيل له: كيف أعرف الحق من الباطل؟ فقال معاذ: ” فإن على الحق نورا” فإن على الحق نورا، ولذلك بعضهم يقبل أي شيء، ويقول والله ما أدري ما الصح من الغلط، والله لو أخذت العلم الشرعي من أهله لعرفت بإذن الله، ولكن بعض الناس يقول فلان نفع الله به، نفع الله به، ما مصدر هذا النفع؟ هل ما نفع على ما جاء به شرع الله على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم أنه تأثير وقتي سرعان ما يزول، إما بانحراف أخلاقي، وإما بانحراف فكري

“نفع الله به”، ثم إذا نفع الله به انظر ما لديه من الطوام، والمصائب في دين الله، ولذلك فالناس الآن في مثل هذا الزمن يأتي أي رسالة دينية ما يدرون عنها، نسخ ولصق وإرسال، أي مقطع يأتي نسخ ولصق وإرسال، ثم بعد حين إذا بأحد العلماء المحققين يأتي ويفند خطأ تلك الرسالة، أو ذلك المقطع، ويقول بعض الناس والله ما عاد ندري ما الصح من الغلط، خذ  العلم من أهله المعتبرين حتى يحصل لك ماذا؟ “نور على نور”

معاء بن جبل قال: “فإن على الحق نورا”، ولذلك يقول ابن القيم: هذا قلب  مائي ضعيف، ضعيف يتأثر بأي شيء يأتي إليه يتأثر، يخالط خبيثا أو طيبا يقبله، فهذا ضعيف لا يمدح، وذلكم قلب قاسي مظلم لا يمدح.

يمدح من؟ صاحب القلب مثل الزجاجة صافية؛ لأنه يعرف الحق لما في قلبه من نور الشرع، رقيقة؛ لأنه يرحم إخوانه، وأعظم ما يرحم المسلم إخوانه أن يرحمهم في دين الله عز وجل، وأن يكف لسانه وظهوره وبروزه عن دين الناس؛ حتى لا يضلهم بما يقوله من الخرافات والخزعبلات.

إذن قلب رقيق؛ لأنه رحيم، وقلب أيضا صلب هو لا يتوانى مع أعداء الله من المبتدعة والضالين، ولذلك بعض الناس مما حصل في قلبه من الظلمة؛  لأنه قلب مائي ضعيف يقول لماذا تردون على أهل البدع، لا تبخل في دين الله عز وجل، بعض الناس يقول: لماذا تردون ولماذا تبين هذه الأخطاء؟

سبحان الله! راجع قلبك عبد الله، حاسب قلبك عبد الله، إن أردت النور على النور نور على نور والله لا حياة لك إلا مع هذا النور، نعم، ولذلك يقول ابن القيم كما في الوابل الصيب يقول: ” ما يمكن أن يعيش آدمي ولا حيوان إلا في نور” لا يعيش أي حيوان إلا في نور، ما يعيش في ظلمة، الحيوان لا يكون إلا في نور، هذا نور حسي، ولذلك: ما ظنكم بنور الشرع؟!  تأمل معي ولذلك يذكر الله عز وجل الحياة مع النور {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} هذه الحياة {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} هذا النور، سبحان الله! جمعت الحياة مع النور قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا} سماه روحا؛ لأن به حياة {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا}

قال ابن القيم: بجمع بين الحياة وبين النور؛ لأنه لا يمكن أن يعيش أحد من غير نور، فالحياة مع النور متلازمان قال: فأمة فقد فيها نور الوحي أمة ميتة، وقلب فقد منه نور الوحي قلب ميت، قال رحمه الله: وبقدر ما في قلبك من هذا النور تصدر أقوالك وأفعالك، وعليها النور بحسب ما في هذا القلب، ويوم أن تصعد روحك إلى السماء حال الموت، وتفتح لها أبواب السماء حتى يكتبها الله في عليين أرواح المؤمنين على حسب ذلك النور الذي في قلوبهم، قال ولذلك: لا تصعد أرواح الفجرة الكفار، لا تصعد؛ لأنه ليس بها نور، وإنما تطرح في الأرض طرحا كما في حديث البراء الطويل ولذلك {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، لم؟ لأنها صادرة من نور فأقوالك وأفعالك عليها من النور بحسب ما في قلبك في هذه الدنيا، روحك تصعد إلى السماء، وتفتح لها أبواب السماء، وتصعد بحسب ما في قلبك من هذا النور، نورك يوم القيامة في الظلمة على الجسر على متن جهنم نورك على قدر هذا النور الذي في قلبك.

انتبه عبد الله: نور على نور، ليكن قلبك بمثابة هذا القلب، لا يكن قلبك قلبا قاسيا مظلما حجريا، وانتبه وهذا الذي يقع فيه وللأسف بحسب العاطفة الدينية، وهي عاطفة محمودة، العاطفة الدينية محمودة، لكن إذا لم تربط بالشرع فهي عاطفة مذمومة تجر صاحبها إلى ويلات، وانتبه لا يكن قلبك قلبا مائيا ضعيفا فتقبل أي شيء، فدينك أعظم ما يكون لديك، والموفق من وفقه الله.

أسأل الله أن ينير أقوالنا وأعمالنا وبصائرنا وقلوبنا وأرواحنا، وأن ينير لنا في محشرنا وفي قبورنا.