خطبة
نعم الله على هذه البلاد فكيف نحافظ عليها
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قل أن تفتح وسيلة إعلامية في أي ساعة من ساعات اليوم إلا وتسمع أو تقرأ عن نكبة حلت ببلد أو بلاء نزل بوطن على مختلف مسمى هذا البلاء ، أوبئة أمراض ، حروب مدمرة ، رعب ، خوف ، اختطافات وقل ما تشاء
بينما نحن في هذا البلد في ظل هذا العالم نعيش في أمن بل مع الأمن ولله الحمد زيادة الرخاء
نعمتان امتن الله بهما على قريش نعمة الأمن ونعمة الشبع
لا تكتمل نعمة من هاتين النعمتين إلا بالأخرى { الَّذِي أَطْعَمَهُم } لم يطعموا أنفسهم لا من حولهم ولا من قوتهم { الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف }
{ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون }
تأمل معي :
{ أَوَلَمْ نُمَكِّن } بصيغة التمكين وهي لفظ يدل على الاستقرار والثبات
{ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى } :
لا يجبونهم هم وإنما يجبى يأتي إليهم ينزل في أسواقهم وفي مدنهم
{ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ }
{ كُلِّ شَيْءٍ } :
اذهب إلى المراكز الكبرى تجد المشروبات المطعومات المعلبات على مختلف أنواعها وأشكالها وتصنيعها وبلدانها
{ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا }
بل إن الواحد منا يسافر وإذا اشتهى أي شيء خطر في ذهنه إذا به يقف عند إحدى المحطات فيجد ما اشتهاه من مأكول من مشروب من مطعوم من فاكهة من منظفات وقل ما تشاء { رِزْقًا مِن لَّدُنَّا }
لا بحولهم ولا بقوتهم ولا بذكائهم { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون } لا يعلمون عاقبة من كفر هذه النعمة
لا يعلمون عظم هذه النعمة
وفي الآية الأخرى :
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ }
يتخطف الناس بل تتخطف البلدان من حولنا والواحد منا لو شاء أن يطرق المملكة كلها من شرقها إلى غربها من شمالها إلى جنوبها ومع نساء أو ليس معه أحد وليس معه سلاح فإنه آمن مطمئن
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُون }
فمن أعظم النعم أن ينعم الله عليك بالأمن لأن بالأمن تتحقق ليست مصالح الدنيا فقط ، لا
أهم شيء مصالح الآخرة
بالأمن تتحق مصالح الدين ثم تأتي بعد ذلك مصالح الدنيا
إبراهيم عليه السلام لما دعا لهذه البلد أول ما دعا دعا بالأمن ثم أخر الدعوة إلى التوحيد لأنه لا يقام توحيد ولا تقوم شريعة من شعائر الدين إلا بالأمن
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا }
ما الذي بعدها ؟
{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام }
فنحن في هذا البلد في نعمة عظمى فيجب علينا أن نحافظ عليها
وكيف تكون المحافظة على هذه النعم ؟
لأن هناك من يحسدنا على هذه النعم
كيف تكون المحافظة على هذه النعم ؟
أولا :
الحرص على التمسك بالتوحيد
فما وجدت والله هذه النعم إلا بالتمسك بالتوحيد وبقدر ما يكون التوحيد معظما بقدر ما يكون الأمن عظيما كبيرا في البلد { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } يعني بشرك ما النتيجة ؟ { أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون }
ثانيا :
علينا أن نحافظ على هذه الصلاة
وأن ندفع حقوق الفقراء من الزكاة وأن نسعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ } ماذا صنعوا ؟
{ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور }
ثالثا :
علينا أن نغيث الملهوفين
فالنبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند الطبراني (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ))
ليس هذا على مستوى الأفراد فحسب بل حتى على مستوى الدول (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ))
رابعا :
أن نعلم وأن نوقن بأن هذه النعمة من الله لا من حولنا ولا من قوتنا
{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ }
{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ }
فإن أعطاك المخلوق فالله هو المعطي حقيقة
وذلك المخلوق يشكر على عطيته لقوله عليه الصلاة والسلام عند الترمذي
(( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ))
خامسا :
علينا أن نثني على الله بألستنا
ثناء على الله تواضعا لله لا افتخارا ولا تكبرا { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث }
سادسا :
أن نستعمل هذه النعم في طاعة الله عز وجل حتى تبقى
{ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }
قال : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا }
سابعا :
علينا أن نحرص على الالتفاف حول علمائنا
لأنه ما ظهرت الفتن في أي بلد من البلدان إلا بسبب عزوف الناس عن العلماء الربانيين
وتأمل معي خذها :
الشرع ما ترك شيئا
في حديث أبي هريرة كما في الصحيحين
ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( يتقارب الزمان ) تأمل معي هذه الجمل ( يتقارب الزمان ويقبض العلم ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج ، قيل ما الهرج يا رسول الله قال القتل )
نعم إذا قبض العلم ، والعلم لم يقبض كله قال ابن حجر كما في الفتح : لا يدل على أن ذلك الزمن ليس به علماء ليس به علماء ربانيون كلا ، وإنما قال هناك علماء ربانيون لكن الناس لا يأبهون لهم
وهذا واقع ولا شك في هذه الأزمنة وللأسف فإذا انصرف الناس عن تلقي العلم الصحيح من علمائهم ظهرت الفتن
تظهر وإذا ظهرت الفتن ما الذي يجري ؟
انظروا إلى الواقع لم أقل شيئا من عندي
لما انصرف الناس عن العلماء الربانيين وتابعوا غيرهم ما الذي جرى ؟
ظهرت الفتن
(( وتظهر الفتن ))
وإذا ظهرت الفتن أين الدماء أين النفوس المعصومة ؟
قال (( ويكثر الهرج ))
يكثر بلفظ الكثر
(( ويكثر الهرج قيل ما الهرج يا رسول الله ؟ قال القتل القتل ))
ثامنا :
علينا أن نحذر من المتلونين الذين ينطلقون حيث تنطلق مصالحهم ويقفون حيث تقف مصالحهم ويدبرون حيث تدبر مصالحهم فالواجب على من أذنب ذنبا بينه وبين الله أن يتوب وأن يستر على نفسه
لكن من كان داعية إلى كفر من كان داعية إلى بدعة إلى هوى فالواجب عليه إن كان صادقا في توبته لأن بعضا من الناس ليس صادقا مع حق الله مع شرع الله وليس صادقا مع الخلق يتلون حيث تتلون مصالحه ومنافعه وأغراضه مثل هذا يجب مع توبته إن كان صادقا أن يبين أنه على خطأ فيما مضى وأن يصلح خطأه
{ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } هنا من هم ؟
قال ابن كثير هذه في الداعية إلى الكفر أو الداعية إلى بدعة فإن توبته تقبل لكن بهذه الشروط { إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } انتهى ؟ لا ، { وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ }
أما أن يلعب بالناس وإذا بهؤلاء يتلونون حيث تتلون مصالحهم وأغراضهم فالحذر الحذر ومتى ما تاب العبد إلى الله توبة نصوحا عما بدر منه فإن قدره ومكانته ترتفع ليس عند الخلق فحسب بل عند الله ثم عند الخلق لكن أن يكون بعض الناس متخذا التقية وهي الستار تنطلق حركاته حيث تنطلق مصالحه وتقف حركاته حيث تقف مصالحه فقد قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى التقية هي شعار النفاق التقية هي شعار النفاق
والحق واضح
ومن يحمل الحق وهو شرع الله يجب أن يكون واضحا في أي زمن في أي مكان في أي فتنة في أي حدث
الشرع واضح
من يحمله يجب أن يكون واضحا وإلا فالخسران له في الدنيا قبل الآخرة
أسأل الل بمنه وكرمه أن يحفظ علينا ديننا وعقديتنا وأمننا وولاة أمرنا وعلماءنا إنه ولي ذلك والقادر عليه