فهنا تنبيه قبل أن نشرع في درسنا ، أحيانا ندع القنوت ، وتركنا للقنوت هو من اتباع السنة ، لأن هذا القنوت ليس واجبا ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكرت عائشة رضي الله عنها في الصحيحين ، قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد على إحدى عشرة ركعة ، لا في رمضان ولا في غير رمضان ، يصلي أربعا فلا تسأل عن طولهن وحسنهن ، ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن طولهن وحسنهن ، ثم يصلي ثلاثا )، ولم تذكر رضي الله عنها أنه قنت ) فدل هذا على أن ترك القنوت في بعض الليالي من السنة ، هذا ما أردنا التنبيه عليه ، لأن بعضا من الناس إذا تركنا القنوت كأنه وجد في نفسه أنه لم يصل الوتر ، وليس من السنة أن يكون هذا الظن موجودا .
هنا أوصى الله سبحانه وتعالى الوالدين وصية يحرِّص فيها على الأبناء والأولاد ، فكما أن الله سبحانه وتعالى أوصى الأولاد بوالديهم خيرا ، فكذلك أوصى الله سبحانه وتعالى الوالدين بأولادهم خيرا ، إذاً هنا مصالح متبادلة ، حقوق متبادلة ، فكما يجب على الأولاد لوالديهم من الحقوق ، فكذلك يجب على الوالدين لأولادهم حقوق ، وإذا فرَّط أحد الطرفين في حقه الذي أوجبه الله عليه ، فإن الأمور تختل ، وما ترى اختلالا وضعفا في العلاقة بين الوالد وولده ، إنما هو حاصل من تفريط أحد الطرفين ، قد يكون الولد مفرطا وقد يكون الوالد مفرطا ، ومن ثمَّ فإن الواجب علينا إذا كانت هناك علاقة غير جيدة بيننا وبين والدينا أو بيننا وبين أولادنا
علينا أن نفكر فيما نفعل ، وفيما أوجبه الله علينا ، هل أقمنا الحق الذي أوجب الله علينا أم لا ؟ لا شك أن من حاسب نفسه وجد الخلل ، فقول الله تعالى { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } ذكر فرض وإرث الأولاد { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } بمعنى أنه لو اجتمع الأولاد من ذكور وإناث بعدما مات أبوهم ، هنا يكون للذكر نصيبان ، ويكون للأنثى نصيب واحد ، وأضرب على ذلك مثالا ، لو أن شخصا هلك وترك ذكرين وبنتاً ، وخلَّف عشرة آلاف ريال ، ما نصب البنت وما نصيب الأولاد ؟
قاعدة :
[ نأخذ المبلغ ونقسمه على رؤوس هؤلاء الأولاد ، فإن كان فيهم ذكور ، فالذكر نجعله اثنين ، والبنت نجعلها واحدة ]
هلك شخص عن ولدين ، وأنا أقول ولدين من باب مصطلح الناس ، وإلا فالولد في اللغة يطلق على الذكر والأنثى ، فلو خلَّف ذكرين من الأولاد وبنتا ، نأخذ عشرة آلاف ريال ونقسمها على كم ؟ خمسة ، الناتج ألفان ، هذا نصيب البنت ، ونصيب الولدين أربعة و أربعة ، فالمجموع عشرة ، هذا إذا اجتمع الذكور والإناث { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ }
إذاً لو ترك الأب ابنتين ولم يترك ذكورا ، هنا كم يكون للبنتين ؟ ثلثا التركة ، فلو ترك أربع بنات كم لهن ؟ الثلثان ، لو ترك عشر بنات لهن الثلثان ، وهكذا ، إذاً من اثنتين فأكثر الثلثان ، أضرب مثالا : لو أن شخصا خلَّف ابنتين ، وليس هناك ذكر ، وكانت التركة مثلا خمسة عشر ألف ريال ، كم يكون للبنتين ؟ عشرة آلاف ، المتبقي لأقرب عصبة ، قد يكون هناك عصبة أب ، وقد يكون هناك عصبة أخ { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } لكن إن كانت واحدة ؟ قال تعالى { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } يعني إن ترك الأب بنتا واحدة لها النصف ، ترك ابنتين فلهما الثلثان ، فلو أن شخصا هلك عن بنت وعن أب ، وكانت التركة عشرة آلاف ريال ، كم يكون للبنت ؟ خمسة آلاف ، والمتبقي للأب .
ثم لما ذكر سبحانه وتعالى فرض الأولاد الذين هم الفروع ، ذكر إرث الأصول ، من هم الأصول ؟ الأب والأم ، ولذا قال تعالى { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ }
إذاً متى تأخذ الأم السدس ؟ ومتى يأخذ الأب السدس ؟ إذا كان هناك ولد ذكر ، لو أن شخصا هلك عن ولد وعن بنت وعن أب وأم ، الأم والأب كم نعطيهما ؟ السدس ، والمتبقي للولد وللبنت { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } كيف نقسم مثل هذه القسمة بالآية الحاسبة لأنها أسهل ، وإلا للفرضيين طريقة في التقسيم والحساب ؟ الآن مثلا عندنا مائة ألف ريال تركها هذا الشخص ( هلك عن أب وعن أم وعن ولد وعن بنت ) أول ما نبدأ بأصحاب الفرض السدس ، نأخذ المبلغ مائة ألف ريال ونقسمه على ستة ، الناتج مقدار الأب ، ونأخذ مثله للأم ، إذا أخرجنا من مائة ألف السدسين اللذَيّن هما مقدار الأب والأم ، المتبقي نُقسِّمه على رؤوس الأولاد من الذكور والإناث، هو ترك ولد وبنت ، نننإذاً الولد عن اثنين والبنت عن واحدة ، إذاً المتبقي نقسمه على ثلاثة ، والناتج مقدار البنت والمتبقي للولد .
ثم قال سبحانه وتعالى { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ }
لو أن شخصا هلك ولم يدع أولادا لا ذكورا ولا إناثا ، كم نصيب الأم ؟ نص سبحانه وتعالى هنا على أن نصيب الأم الثلث ، وأبهم نصيب الأب ، فدل على أن الرجل لو هلك عن أمه وعن أبيه ، الأم كم نعطيها الثلث والمتبقي نعطيه الأب ، لما نص على نصيب الأم وهو الثلث ، دل على أن المتبقي للأب .
إذاً لو كان من بين الورثة أخوة ، هنا الأخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس ، ولابد أن يكونوا اثنين فأكثر ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا ، ثم كل هذا { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } دل على أن التركة لا تقسم على الورثة ، وإنما قبل ذلك إذا ترك الشخص تركة ننظر هل عليه دين ، أول ما ننظر إلى الدين ، لأن ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى ما عليه ) كما جاء عند الترمذي ، ننظر هل عليه ديون ، فإن كان عليه ديون ، استخرجنا هذه الديون من هذه التركة ثم سددنا الدين ، إذا لم يوجد دين ، ننظر هل هذا الميت أوصى أو لم يوصِ ؟ فإن أوصى نخرج الوصية ، والمتبقي بعد سداد الدين وبعد تنفيذ الوصية ، ماذا يصنع به ؟ يوزع على الورثة ، ومن ثم فإن هناك من الورثة من هو عاق وقاطع لميته ، فإن بعضا منهم قد يكون على مورثه ديون ولديه عقارات خلَّفها ، فينتظر حتى ترتفع أسعار هذه العقارات ثم يسدد ما على مورثه ، وهذا ظلم ، فإن الواجب على المسلم أن يسدد ما على مورثه من الديون ، ولو كانت الممتلكات التي تركها بعد وفاته لا تساوي إلا مبلغا قليلا ، ولا يُنتظر بها حتى ترتفع أسعارها ، فهذا ظلم وجور ، لأنه من حق الميت لا من حقك أنت أيها الوارث ، ما لك حق إلا إذا سددت الدين ونفذت الوصية ، ما بقي فهو لك .
ثم قال سبحانه وتعالى{ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }
قد يجنح بعض الناس فيحرم بعض ورثته ، قد يخصص المال لوالديه حتى يحرم أولاده ، أو يخصص المال لأولاده حتى يحرم والديه ، وهذا ظلم ،ولذلك قال تعالى { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا }
ما تدري النفع فيمن ، في الأولاد أو في الوالدين ؟
إذاً ما الواجب علينا ؟ الواجب علينا أن نقيم شرع الله في المواريث ، بأن نعطي كل ذي حقٍ حقه ، ومن ثم فهنا نصيحة لنفسي ولكم ، أن نتقي الله سبحانه وتعالى في الإرث ، لأن بعضا من الناس قد يوصي وصية لا يريد منها البر والتقوى ، لا يريد منها إلا أن يحرم ورثته هذا المال أو جزءا من هذا المال ، بعض الناس قد يوقف ويُسبِّل عقارات له من أجل أن يحرم ورثته ، وهذا ظلم ولا يؤجر عليه ، بل يأثم ، وهناك من الناس من يوقف ويسبل ممتلكاته على أولاده ، لم يا فلان تسبلها ؟ أتريد البر والتقوى ؟ إن كان يريد البر والتقوى وعدل في هذا الوقف وقسمه على الورثة ، فهنا شيء آخر يثاب عليه ، لكن إن أراد بالوقف أن يُحجِّر على أبنائه ، فيقول من أجل ألا يصل هذا المال في أيديهم ، أريد أن أحبس لهم هذا المال بعد وفاتي ، نقول هذا ظلم ، الله سبحانه وتعالى أوجب لهم هذا ، ليس لك حق ولا نصيب ، بعد موتك انتقل هذا المال منك إلى ورثتك ، فلا يجوز للإنسان أن يجنح إلى مثل هذا فيوقف أو يُسبِّل من أجل أن يحرم الورثة أو من أجل أن يحجر عليهم ، يقول أخشى أن هذا المال الذي جمعتهم أن يذهب مع فلان أو فلان ، أو ربما البنت تأخذ هذا المال ثم يأخذه زوجها ، أو ما شابه ذلك ، فهذا كله من الظلم ، الله سبحانه وتعالى أوجب وقدَّر لكل شخص قدره ونصيبه من الإرث ، فلا يجوز لك أن تعتدي ، ولذلك ماذا قال سبحانه وتعالى ؟ قال { فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } هو أعلم وأحكم جل وعلا ، فيضع الشيء في موضعه المناسب له { فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } فهذا المال بعدما يتركه الميت ليس له ، وليس له حق التصرف فيه ، وإنما ينتقل إلى الورثة إجبارا ، ولذلك مما يدل على أن هذا المال بعد وفاة الإنسان ليس مالا له وإنما انتقل إلى الورثة ، لو أن شخصاً عُلم واشتهر أنه يرابي وأنه يرشي وأن أمواله كلها سحت ، وأنه أخذها من طرق محرمة ، وأصبحت لديه ملايين ، ثم مات فإن هذا المال حِلٌ لأبنائه ، لهم الغُنم وعليه الغُرم ، هو يعذب في قبره نتيجة ما فعل وما صنع من سلب هذه الأموال من الطرق المحرمة ، لكن هذا المال انتقل إلى ورثته انتقالا شرعيا بسبب مباح شرعي وهو الإرث ، ثم ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك إرث الزوجات والأزواج والأخوة ، ونكتفي بهذا القدر