تفسير قوله تعالى ( واضرب لهم مثلا رجلين …) سورة الكهف الآيات (32 ـ 42 )

تفسير قوله تعالى ( واضرب لهم مثلا رجلين …) سورة الكهف الآيات (32 ـ 42 )

مشاهدات: 556

تفسير قوله تعالى :

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا   كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد فيا عباد الله /

مما تلوناه في هذه الليلة قول الله تعالى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } {الكهف:32} ما ذكره سبحانه وتعالى عن قصة رجلين مؤمن وكافر ، والقصص أيها الأحبة في الله الواردة في كلام الله فيها عبر وفوائد قال تعالى { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ } {يوسف:3}

وقال { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ } {يوسف:111}

وبين سبحانه وتعالى أن قصص الأنبياء فيها تثبيت لقلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان فيها تثبيت لرسولنا صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى تثبيت لقلوبنا لأننا أحوج  منه صلى الله عليه وسلم إلى التثبيت قال تعالى { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ }

{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا } أي : الكافر

 { جَنَّتَيْنِ }  يعني :بستانين،  بينما الفقير وهو المؤمن ليس لديه ما لدى هذا الكافر ونستفيد من هذا فائدة وهي : أن كثرة المال لا تدل على رضا الله عز وجل ، وأن قلة المال لا تدل على أن الله سبحانه وتعالى ساخط عليك ، كلا  –  فالأمور لا توزن عند الله بالأمور المادية 

 جنتين من ماذا ؟

من أعناب وهاتان الجنتان من الأعناب { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } أي: في جوانبهما نخل { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } أي:  بين الجنتين  ، وهذا يدل على أنه ليس هناك مما يملكه هذا الرجل الكافر من هذين البستانين ليس فيه موضع خراب  وإنما هي موضع خضرة ، وإضافة  إلى ذلك  { وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا }

 وهذه هي أعظم متع الدنيا ، أن يرى الإنسان الماء والخضرة

 ولذا جاء في حديث لكنه لا يصح  وهو متناقل بين الناس على أنه مثل ،أو قول دارج و هو: (  من السعادة الماء والخضرة والوجه الحسن  )

 الشاهد من هذا :

 أن الله سبحانه وتعالى أعطى هذا الرجل الكافر هذين البستانين  ، وهذان البستانان يثمران 

 { كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا } يعني  : ثمرها {  وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } أي :لم تنقص منه شيئا ، وإضافة إلى ذلك كله كان له ثمر

فما الذي جرى ؟

الذي جرى أن هذا المؤمن لما التقى بهذا الكافر ، رأى هذا الكافر أن له منزلة ورفعة على هذا المؤمن ، ومما يتنبه إليه الإنسان إذا أغناه الله بالمال يتنبه إلى عدم الطغيان لأن الإنسان إذا كان فقيرا كان متواضعا لكن في الغالب إلا من رحم ربي من أغناه الله سبحانه وتعالى طغى قال تعالى  { كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى }

لم ؟

 { أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى }

وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ }

لم ؟

{   أَنْ آَتَاهُ اللهُ المُلْكَ   }

وقال تعالى  : { وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ }  

 طغى هذا الكافر وقال للمؤمن أنا أكثر منك مالا وخدما وعشيرة وولدا ،

{  وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } ولم يقل جنتيه لأن الجنة هنا معناها الروضة  ، و الروضة تشمل الجنتين ، أو كما قال بعض المفسرين ذكر إحداهما استغناءً بها عن الأخرى

{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } بماذا ؟ بالكفر  لما أعجبه حسن هاتين الجنتين فماذا قال ؟ قال : { مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا }

وأنكر البعث وقال كما في قوله تعالى :{ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }

 { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي } على زعمك أنت أيها المؤمن  { لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا }

 لم هذا الظن ؟

لأنه ظن أنه من أكرمه الله في الدنيا أكرمه الله في الآخرة ، وهذا خطأ

قال تعالى  { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا }

  فماذا قال صاحبه المؤمن ؟

 { أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا }

خلق أباك آدم من تراب ، وأنت من حيث الأصل نطفة ، ثم أكرمك الله أن بلغت مبلغ الرجال ، ثم أكرمك بهذا المال

 { لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا }

معناه : لكن أنا أقول { هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا }

ثم قال له منصحا :{ وَلَوْلاَ } يعني :هلا لو دخلت جنتك قلت { مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ  }  يعني : هذا المال وهذه النعمة لا يمكن أن تبقى إلا بقوة من الله وبمشيئة منه ، فإذا رأى الإنسان خيرا على نفسه أو على ولده أو على ماله فليقل : { مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ } أو رأى على أخيه المسلم قال :{  مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ } تبارك الله  

ثم ماذا قال  { إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا } {الكهف:39}    لما رأيتني أقل منك مالا وولدا تكبرت وتعاظمت علي { فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا } يعني :  عذابا { مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا } يعني : أرض ملساء لا نبات فيها تزل بها الأقدام

{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا }  : أي غائرا بالأرض { فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا }  ، فحلت به  نكبة من الله { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا }

ولن ينفع الندم إذا نزل عذاب الله سبحانه وتعالى ففيها تذكرة وعظة ، لذا يجب علينا ألا نتعاظم إذا أكرمنا الله عز وجل بل إن العاقل كلما ازداده الله خيرا ازداد تقربا إلى الله سبحانه وتعالى ، ولا أفضل ولا أحسن مما ضربه الصحابة رضوان الله عليهم فإنهم لما خرجوا من مكة وهم فقراء كعبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان و غيرهم من الصحابة و تملكوا هذه الأموال الطائلة  لم يتكبروا  ولكنهم ازدادوا وتقربا إلى الله سبحانه وتعالى  

والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .