تفسير سورة البقرة الدرس 173 (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) الآية ـ 118 الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس 173 (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) الآية ـ 118 الجزء الثاني

مشاهدات: 560

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 118 ) / الجزء الثاني

قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

من فوائد هذه الآية الكريمة :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا قال { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ }

قال من ؟  إما أن يكون كما أسلفنا أن الأمم السابقة قالت تعنتا وتكبرا على الحق كما قالت كفار قريش أو أن الخطاب كما أسلفنا يكون عاما فيكون من قبل كفار قريش واليهود والنصارى كذلك قالوا مثل ما قالت هذه الأمم

من بين التعنتات التي ذكرها عز وجل عن الأمم السابقة من بينها :

قالوا { لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ }  قالوا { أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً }

إلى غير ذلك مما ذكروا وذكره عز وجل في كتابه العزيز

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن أهل الضلال قولهم واحد ولو اختلفت الأساليب ، لم ؟ لأنه كما قال هؤلاء قال من قبلهم أهو قول يختلف من حيث المعنى ؟ لا ، هو واحد لكن الأسلوب أسلوب الكلام تغير فدل هذا على أن منهج أهل الضلال واحد وإن اختلفت الأساليب وإن تنوعت الطرق فكل هؤلاء يجتمعون على أمر واحد وهو الضلال

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن على الإنسان أن يعنى بقلبه لأنه قال عز وجل هنا { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } إذن محل الخلل في القلب ولا صلاح للقلب إلا بتوحيد الله عز وجل لأنه لا يمكن أن تعبد الله إلا بثلاثة أشياء وهي أركان العبادة :

ــ محبة الله     ــ خوف الله   ــ رجاء الله

فإذا صلح القلب ولا صلاح للقلب إلا بتوحيد الله هنا تصلح الجوارح

لا أن يعنى الإنسان بجوارحه وبمظهره لكن خباياه وخفاياه فيها ما فيها من الدنس

ولذلك أنظر : تلكم الأقوال نبعت من ماذا ؟ من القلوب ، فما في القلب يظهر على الجوارح ، ولذلك يقول شيخ الإسلام كما في الفتاوى يقول: “إن اللسان مغراف ما في القلب ” القلب الإناء هو الإناء اللسان مغراف ما في القلب

ولذا كما أسلفت وذكرت لكم بالأمس لا تنظر إلى ذات الشخص ، ولا تقل هذا فلان أو هذا فلان ، لا ، انظر إلى ما يقول لأن ما يقوله ما صدر إلا من أعماق قلبه ، ولذلك إذا صلح هذا القلب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله )

فإذا صلح القلب أعطاك الله خيرا وإذا كان لديك ما لديك من القصور ، إذا عظم خوفك ورجاؤك وعظمت محبتك لله فإن الله عز وجل يوفقك ويعطيك

ولذلك : ماذا قال عز وجل عن الصحابة ؟ { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } حتى الأسرى خاطبهم الله عز وجل إن رجعوا وتابوا { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }

ولذا ما في القلب يظهر على الجوارح ولا تعجب من قول بعض السلف تأملت قوله وتأملت بعض الآيات في كتاب الله فوجدت أن كلامه مذكور في كلام الله ، وهذا إن دل يدل على أن السلف لما نذكر السلف لأن السلف إنما نطقوا بمثل هذه الجمل التي نطقوا بها إنما هي مستقاة من الكتاب والسنة ليست من الآراء ولا العقليات ولا الاستحسانات التي نسمعها في هذا العقل ، لا تأتيني برأيك ، نحن لا ننظر إلى الآراء ولا الاستحسانات ولا العقليات ، أرى ما أرى أظن ما أظن كذا أو كذا ، هذه لا تفيد ، نحن نريد اليقين نريد الدليل ، ولذا قال بعض السلف يقول : ” ما أضمر أحد شيئا في قلبه إلا ظهر ذلك على تقاسيم وجهه وفلتات لسانه “

الدليل على أن ما في القلب يظهر على الوجه تأملت ذلك فوجدته في كلام الله { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ }

انظر لما سمعوا الآيات ولم تقبلها قلوبهم ظهر المنكر على وجوههم

وأما على الألسنة { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ }

يعني هم أصحاب مراوغة أصحاب الضلال وأصحاب النفاق هم أصحاب مراوغة يعني لا يمكن أن تعرف له طريقا واضحا وبينا

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن من أراد الحق فالحق واضح لا يحتاج فيه إلى مثل هذه التعنتات لكن من طلب مثل هذه الأشياء إنما طلبها عنادا وتكبر وإلا لو أراد الحق لطلب آية البيان والاسترشاد حتى يهتدي

ولذلك ماذا قال عز وجل { قَدْ بَيَّنَّا } وضحنا ، الآيات واضحة { قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ليس في قلوبهم شك ولا اضطراب ولا خلل ولا فساد

ولذلك : قال هنا { قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } اليقين هو العلم الذي لا يخالطه شك  ، سبحان الله ! هذا فيه فائدة : أن الإنسان كلما تمعن في آيات الله عز وجل زاده الله علما { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا }

وكلما ازداد الإنسان يقينا كلما ازداد علما فهما مترابطان ومتلازمان

فإن أردت العلم فعليك بآيات الله ، إن أردت اليقين فعليك كذلك بآيات الله عز وجل ، لم ؟ قلنا إن اليقين هو العلم الذي لا يخالطه شك ، لم ؟ أتدرون وهذا هو الجواب عن هذا السؤال : أتدرون أن الكفار يوقنون يوم القيامة عندهم يقين لكنه يقين لا ينفع لأنه انتهى وقته لأنهم رأوا الحق الواضح الذي لا مرية فيه  كما قال عز وجل عنهم { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } أتاهم العلم أمامهم ليس خبرا بل يرون ذلك

إذن : العلم إن أردته فعليك بطلبه مما يدل على أن الإنسان إذا تعلم العلم الشرعي وازداد يقينا وخيرا زاده الله علما { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } الهداية لا يمكن أن تحصل عليها إلا بعلم

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } لو لم يكن هناك علم لو لم يكن هناك وحي ما اهتدى الناس ، إذن فأنت بحاجة إلى علم الله وإلى علم منه لتهدى ، ولذلك قد يعطى الإنسان علما تفضلا منه عز وجل على علمه الذي اكتسبه يفتح الله له أبواب الخير كما قال تعالى عن الخضر { آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا }

يفتح الله عليك ، ولذلك من يقرأ كتب السلف وحتى من المتأخرين من السلف كشيخ الإسلام يرى العجائب كيف فتح الله على هذا الرجل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { الْآَيَاتِ } وآيات الله نوعان : كونية وشرعية ، الكونية مثل ماذا ؟ الشمس القمر السموات ، الشرعية : الوحي ومنه القرآن

وهنا يخطئ بعض الناس خطأ فادحا  ، كيف ؟ يخطئ في عبارة قسما بآيات الله أو يقول أقسم بآيات الله ما حصل كذا

هنا : الحلف لا يجوز إلا باسم من أسمائه عز وجل أو بصفة من صفاته

تقول وعزة الله وقدرة الله ومشيئة الله جائز ، تقول والرحمن والرحيم والتواب والغفور على أنه ما حصل ذلك ، جائز ، اسم من أسماء الله أو صفة من صفاته ، تقول والقرآن ما فعلت كذا جائز ؛ لأن القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفاته فلو قلت وكلام الله ما حصل مثل هذا أو والقرآن ما حصل مثل هذا جائز لأنه قسم بصفة من صفات الله

هنا ينظر إلى عبارة هذا القائل أقسم بآيات الله أو قسما بآيات الله ، إن أراد الآيات الكونية كما مثلنا من شمس وقمر ونجوم ، حلف بغير الله ، شرك كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الترمذي ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )

إن أراد بها القرآن يجوز لأنه أراد بذلك كلام الله عز وجل ، إن أراد الاثنين أقسم بآيات الله وأراد الآيات الكونية والشرعية معا فلا يجوز ، إذن إذا قلت أقسم بآيات الله أو قسما بآيات الله فليكن مرادك الآيات الشرعية فإن أردت الكونية أو أردت الكونية والشرعية معا فقد وقعت في الشرك