تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 119 ) / الجزء الثاني
قوله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنكمل ما توقفنا عنده من تفسير قول الله عز وجل { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه من المتعين على هؤلاء أن يؤمنوا برسول الله عليه الصلاة والسلام لوجود الأمارات الواضحة البينة على صدقه ، كيف ؟ هو من حيث الأصل كان يسمى عندهم بالصادق الأمين عرفوا صدقه وعرفوا أمانته وعرفوا نزاهته عليه الصلاة والسلام ، إضافة إلى أنه لما جاء هذا الذي أتى به وهو الوحي ، الوحي حق ، فمع ما كانوا يعرفون من حال النبي عليه الصلاة والسلام كان واجبا عليهم بعد مجيء الحق أن يؤمنوا به ، ومن هنا كلمة الحق تدل لأن هذا الأمر نحتاج إليه في هذا الزمن ، كثر الملقون ، وما أكثر ما تتلقى من غيرك ممن يقول في الدين ، وقد قال معاذ بن جبل رضي الله عنه ، وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام قال : ” إن على الحق نورا ” ، لا تقل إني لا أعلم ، هناك أشياء معلومة من الدين بالضرورة ، ما تجهل ، بمجرد ما يأتي شخص لا تقل فلان ولا فلان بمجرد ما يتحدث هذا الشخص بكلام تنكره القلوب والعقول هنا ليس بحق ، لا تقل إني لا أعرف هناك أشياء واضحة ويعرفها الجميع ولا عذر لأحد في جهله ، ولذا قال رضي الله عنه ” إن على الحق نورا ”
كيف تعرف الحق من أن عليه نورا ؟ لأن الله عز وجل قال { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } فالقرآن نورا ، إذن من ينطق بهذا النصوص الشرعية على ما فهمه سلف هذه الأمة ، والله بإذن الله عز وجل تعرف صدقه ، ولذلك عرف الناس هذا كمثال وإلا ففي سالف هذه الأمة من العلماء الكثير كمثال عرف نحسبه والله حسيبه عرف صدق كلام شيخ الإسلام ، لم ؟ لأنه لا يتكلم إلا بالكتاب وبالسنة وعلى فهم سلف الأمة فأصبح الكلام الذي يقوله عليه نور ، يقبل
تلميذه ابن القيم لما لازمه ستة عشر عاما فقط وأخذ منه واستفاد منه هنا نفس القضية
فالشاهد من هذا :
أن قوله عز وجل { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ } فيجب عليك أنت يا من تتلقى بالليل وبالنهار عبر وسائل التواصل أن تعرف الحق والحق واضح ليه نور ، أنا لا أتحدث قضايا نسبية خفية على عوام الناس ، لا ، وإنما هي واضحة وجلية ، فلا نقبل أي شيء ، لأن على الحق نورا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } بشيرا حال من الكاف في قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ } يعني أرسلناك حالة كونك يا محمد بشيرا ونذيرا ، يعني حالتك التي أتيت بها البشارة والنذارة ، البشارة هي الإخبار بما يسر والنذارة الإخبار الذي يحمل فيه التخويف ، لم ؟ لأن الناس لابد لهم من تخويف وترغيب ، ولذلك يجمع الله بينهما في آيات كثيرة { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
لابد أن يكون العبد بين الخوف والرجاء مع محبته لله عز وجل
هنا { بَشِيرًا } لمن أطاعه نذيرا لمن خالفه ، اقرأ أول سورة الكهف { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } والبشارة هي كما أسلفت الخبر الذي يسر ، سميت بهذا الاسم لأن الخبر السار سبحان الله ! يظهر على البشرة ، ولذلك سميت بشارة لأن الخبر السار يظهر على بشرة الإنسان من حيث الأنس والراحة ، فإذا قيدت البشارة بخير فهي للخير إن أطلقت لو قال شخص بشرى يا فلان لم يقيدها بشيء فالمقصود منها الخير ، لا تكون البشرى للشر إلا إذا قيدت { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه عز وجل قال هنا { وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } يعني أنت يا محمد لا تسأل عمن أضله الله إنما عليك البلاغ { لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } وهنا : تأنيس للنبي عليه الصلاة والسلام ، ولذلك قال { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } يعني مهلك نفسك ألا يكونوا مؤمنين
{ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } وهنا فائدة أيضا لمن دعا إلى الله على علم وبصيرة أنه متى ما لم يستجب له فلا يحزن ، إنما عليك الدعوة إلى الله ، قضية الثمرة فلان يهتدي أو لا يهتدي هذه ليست ملكا لنا { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } حتى قد يكون هذا الشخص الذي تدعوه قد يكون أقرب الناس إليك قد يكون ابنا لك أو أخا لك أو أبا لك إنما عليك البلاغ قضية الهداية من عدمها هذه ليست ملكا لنا
{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا { أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } قال بعض العلماء لم يقل الكفار ، يعني يا محمد من عتى وعاند واستكبر فهؤلاء لا تطمع في هدايته { إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ } يعني مصير هؤلاء إلى النار
قال { وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } يعني حكم عليهم بأنهم من أصحاب الجحيم ، ولا يعني هذا أن الإنسان ييأس ، لا ، ادع إلى الله عز وجل ، ولذلك ذكر أهل السير أن عامر بن ربيعة تهيأ للهجرة وتهيأت زوجته للهجرة وكان عمر بن الخطاب آنذاك لم يسلم وكان شديدا على ضعفاء المسلمين فذهب زوجها عامر إلى أمر ثم رجع فقالت زوجته إن ابن الخطاب أتى إلينا وكأن في وجهه رقة فقال إليك عني يعني ابتعدي عني والله لو أسلم حمار ابن الخطاب ما أسلم عمر
لكن مع هذا ، سبحان الله ! { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } بل نحن نعرف وأنتم تعرفون أناسا من حيث النظرة الأولى لنا نقول هؤلاء لن يهتدوا
سبحان الله !
يعني في أعماق الإنسان يقول هؤلاء ربما لن يهتدوا ومع ذلك هداهم الله وصاروا أحسن مما كان بل أحسن ممن سبقهم إلى الهداية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا { وَلَا تُسْأَلُ } لأن لا هنا نافية ، هناك قراءة سبعية بالنهي { وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } يعني يا محمد لا تسأل هنا نهي من الله للنبي عليه الصلاة والسلام أن يسأل عن أصحاب الجحيم ، وإذا كان لن يسأل عن أصحاب الجحيم سواء كان هؤلاء أصحاب الجحيم من أقربائه أو لم يكونوا
ولذلك : هناك حديث لكنه مرسل لا يصح قال ( ليت شعري ) القائل هو النبي عليه الصلاة والسلام ( ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ، فأنزل الله هذه الآية على القراءة الأخرى { وَلَا تَسْأَلْ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }
وهنا أمر وهو : هل والد النبي عليه الصلاة والسلام هل أمه وأبوه من أهل النار أم لا ؟
بعض العلماء يقولون نسكت لا إثباتا ولا نفيا ، وهناك من تأثر بحديث قال عنه ابن كثير في التفسير لا يوجد في كتب السنة وهو ما تنشره وتبثه الرافضة لكن ربما تأثر من تأثر من أهل الإسلام بهذا القول من أن الله أحيا له أبويه من قبرهما فأسلما ثم ماتا ، هذا منكر ، هذا منكر
وبالتالي : فنحن نقول مثل ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي حكم في صحيح مسلم ( أتاه رجل فقال يا رسول الله أين أبي ؟ قال إن أباك في النار ، فولى الرجل ووجد في نفسه شيئا فناداه النبي عليه الصلاة والسلام فقال إن أبي وأباك في النار )
هذا خبر من النبي عليه الصلاة والسلام
أمه في صحيح مسلم : ( لما مر بقبرها وزار قبرها فرجع إلى أصحابه فقال استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي ) والذي لا يجوز الاستغفار له هو الكافر
إذن هو حكم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله على أبويه على أمه وأبيه