التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (103) إلى (112) الدرس (68)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة النساء من الآية (103) إلى (112) الدرس (68)

مشاهدات: 430

تفسير سورة النساء

من آية ١٠٣ إلى آية ١١٢

الدرس ٦٨

للشيخ زيد البحري – حفظه الله –

 

الحمد لله رب العالمين  وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين    أما بعد

فكنّا قد توقفنا عند قول الله عز وجّل

﴿فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُم ﴾

أمر الله عزوجل بكثرة الذكر بعد  الفراغ من الصلاة الخوف وذلك  لأن صلاة الخوف يحصُل فيها ما يحصل من ترك بعض الواجبات، أو كثرة الحركة  فأمروا  بكثرة الذكر حتى يكون  هذا الذكر متمماً لما حصل من نقص في صلاة الخوف ( فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُم)

فالقيامُ والقعود والجنوب معروفة وهذا يدلُ على دوام  الذكر وعلى كثرة الذكر في جميع الأحوال كما مر معنا في قوله عزو جل في أواخر سورة آل عمران( الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم) وبعض المفسرين قال من أن هذه الآية كالآية التي في سورة  آل عمران  ( الَّذينَ يَذكُرونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِهِم) من بين الأقوال في سورة آل عمران

من أن المصلي إذا لم يستطع الصلاة قائماً  فليصلِّ  قاعداً  كما جاء عند البخاري من حديث عمران ” صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ  فصلِ قَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍك ولا تعارض بين هذين القولين فكلاهما يدخلان في الآية ثم  أن قوله هنا ﴿فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُم) هذا خلاف ما ذهبت إليه الصوفية  فالصوفية يفسرون كلام الله عز وجل على حسب أهوائهم كحال  الرافضة فانهم  يقولون بناءً على هذه الآية   يقولون بمشروعية الذكر الجماعي  لما قالوا لأن قوله ﴿فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ) يعني فرغتم  من الصلاة  لأن كلمة قضيتم الصلاة معناها الفراغ في الآية نعم معناها الفراغ  لكن هم يقولون  (فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ) أي فرغتم من الصلاة أمرنا بالذكر  أمرنا بالذكر ومن ثم فإن بعضهم يذكر الله ذكراً جماعياً إما  على حالة القيام وإما على حالة  القعود وإما على جنبه كما يشاهد من أحوال هؤلاء  وهذا الكلام منهم لا يقبل في الآية  بل هو ظلال  مبين  فإن الذكر الجماعي من البدع والصحابة رضي الله عنهم  بل كان النبي  ﷺ  قبل ذلك ما كان يفعل هذا الذكر الجماعي لا  بعد الصلاة  ولا في الأحوال الأخرى ولذا فهذا من البدع قال ﷺ كما في الصحيحين “من أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ” أي مرود على صاحبه  ثم إن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك السلف ممن جاء بعدهم لم يفهموا  هذا الفهم من هذه الآية والقرآن والسنة كما سبق لابد أن يفهما  على فهم السلف رحمهم الله فدل هذا على  خبث ما ذهبوا اليه ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه  كما ثبت عنه لما مر على طائفة  وهم يذكرون الله  على صورة  الذكر  الجماعي مع أنهم ليسوا بعد صلاة فقال رضي الله عنه لأنتم أهدى من سنة النبي  ﷺ أو أنكم أصحاب شر فدل هذا على  ماذا  دل على أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر  الذكر الجماعي فكيف  يكون هذا الذكر الجماعي مستحباً  وكيف يؤكدون ذلك بعد الصلاة   فقال عزوجل هنا  (فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ)  أي فرغتم من صلاة  الخوف

( فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُم)  (فَإِذَا اطمَأنَنتم) أي استقرت نفوسكم  وأصبحتم في حالة أمن

(فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقيمُوا الصَّلاةَ)  أي أقيموها على وجهها  الشرعي بالقيام بأركانها  وبواجباتها  وبشروطها وهذا نظير الآية التي مرت  معنا في سورة البقرة  ﴿فَإِن خِفتُم فَرِجالًا أَو رُكبانًا فَإِذا أَمِنتُم فَاذكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُم ما لَم تَكونوا تَعلَمونَ﴾ (فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَوقوتًا﴾

أي مفروضة ومقدره  بزمن ومن ثمّ فإن  هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يجوز له أن يخرج الصلاة عن وقتها بأي عذر من الأعذار  مهما  كان هذا العذر لو كان الإنسان مريضاً لا يستطيع أن يتحرك منه شيء فإن الواجب عليه  أن يصلي الصلاة في وقتها وعليه أن يأتي  بما يقدر عليه من الواجبات والأركان وما لا يقدر عليه فإنه  يسقط عنه  أما كونه يؤخر  الصلاة  من أجل أنه لم  يستقبل القبلة  أو أنه ليس على  وضوء  أو ما شابه  ذلك فإن هذا لا يجوز له بل حتى  كما هنا   بدلالة  الآيات السابقات تدل على ماذا  من النبي ﷺ  صلى بالصحابة صلاة الخوف في الوقت بل  كما قال عز وجل  في سورة البقرة  ﴿فَإِن خِفتُم فَرِجالًا)  أي صلوا على أرجلكم  ( أَو رُكبانًا)  أي صلوا علي الجمال والدّواب تأتون بما تستطيعون  به  من الركوع  والسجود حتى لوكان  إيماءً بالرأس  من أجل أن  تحصلوا على القيام بهذه  الصلاة في وقتها فدل هذا على أن  الصلاة الخوف دليل  على أن الإنسان لا يجوز له أن يؤخر الصلاة  عن وقتها لأي عذر من الأعذار اللهم إلاّ أن هناك حالة استثناها بعض العلماء وهي حالة ما  إذا بدأ القتال بين المسلمين ولم يستطيعوا أن يصلوا لا  بإشارةٍ  ولا بإيماءٍ ولا بما شابه ذلك ويخشون  من الأعداء ويخشون  أن يذهب عنهم النصر  فهنا في مثل هذه الحالة استثنى بعض  العلماء وليس إجماعاً  و اتفاقاً  استثنى بعض العلماء جواز ذلك  قلت و مما يدل على ذلك   ما ثبت من أن أنس رضي الله عنه قال لما كانت  وقعت توستر كانت بين المسلمين وبين الأعداء لم يتمكنوا من صلاة الصبح في وقتها  حتى طلعت الشمس ففتح الله عليهم تلك البلدة فصلوا بعد  أن   طلعت الشمس  فهذا يدل على  أنها حالة ضرورة لم يتمكنوا حينها لا من الصلاة  لا بالإيماء ولا بغير ذلك.

فقال عزوجل هنا  (فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَوقوتًا﴾ أي كتبت وفرضت في وقتها، وفي زمنها، حتى قال بعض العلماء إن وقتها كوقت الحج فوقت الحج إنما هو مخصص بزمن متى ما فات  فات على الإنسان الحج فكذلك شأن  الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ ﴾

وذكر المؤمنين  لأن من يحافظ على الصلاة إنما هم   أهل الإيمان ولذا سمى الله عز وجل  الصلاة إيماناً   لأنها  تزيد الإيمان.

كما قال تعالى(  وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُم) (وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم  يَألَمونَ كَما تَألَمونَ) هذه الآية أتت بعد ما يتعلق  بالقتال باعتبار ماذا باعتبار أن  القتال ربما يصيب أهل الإسلام ما يصيبهم من الجراح وماشابه ذلك وهذه الآية عامة ويدخل فيها  قول من يقول ولاشك أنه قول سديد  لكن الآية  عامة ليست محصورةً بغزوة أحد كما مر معنا.

(إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ)

فهذه داخلة ولكن ليست محصورة بغزوة أحد   بل هي عامة لأهل  الإسلام  في كل زمن  وفي كل حال قال هنا (وَلا تَهِنوا)  أي  ولا تضعفوا   ولا تجبنوا (وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ) أي طلب (وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ) يعني الكفار(إِن تَكونوا تَألَمونَ) من الجراح وما يصيبكم (فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ) لكن هناك خصيصة  لكم (وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ) أنتم ترجون ثواب الله، وترجون النصر من الله، وترجون العون  من الله عز وجل ولذا ماذا قال تعالى  عن أهل الإيمان ﴿قُل هَل تَرَبَّصونَ بِنا إِلّا إِحدَى الحُسنَيَينِ وَنَحنُ نَتَرَبَّصُ بِكُم أَن يُصيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِن عِندِهِ أَو بِأَيدينا) فقال هنا ﴿وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾ فهو العليم بكل شيء  وهو الحكيم  الذي يضع  الأمور في مواضعها  المناسبة ومن ذلك  فهو عز وجل   حكيم  في ما لو  أن الألم   أصابكم فهو حكيم عز وجل لمّا  شرع  لكم هذه الأحكام  وهو عليم بحالكم وبضعفكم  وبحاجتكم و إذا اعتقد المؤمن هذا الاعتقاد  من أن الله عليم  حكيم فالله عزوجل سيكون ناصراً لهُ ومؤيداً له  وموفقاً له .

﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا﴾ هذي الآية والتي بعدها قيل إنها نزلت في  رجل يقال له طعمه  بن أبيرق  سرق من شخص متاعاً وكان هذا المتاع في  كيسِ من  الدقيق وهذا الكيس به خروق   فذهب به إلى بيته ثم  وضعه عند رجلُ يهودي ومن ثم  فإن هذا الرجل الذي سرق منه أتى إلى النبي ﷺ وأخبره بالخبر فتتبع  الأثر فإذا بالأثر  يصل إلى بيت طعمه  بن أُبيرق  فقال قوم  طمعه بن أبيرق قالوا  للنبي ﷺ لتجادل عن صاحبنا من أجل ألا تكون له سمعةٌ  سيئة  لأنهم لما رأوا الأثر وجدوا أن  هذا  الأثر انتهى  من باب طمعه بن أبيرق  إلى ذلك اليهودي ثم أتت هذه الآيات موضحةً لما جرى  فهمّ النبي ﷺ أن يقطع يد هذا اليهودي فأنزل الله هذه الآيات  هذي التي  يذكرها المفسرون واشتهر ذكرها  في تفسير   وهذه القصة حسنها بعض أهل العلم باعتبار  ما جاء عند الترمذي  لأنها  جاءت من روايات أخرى منها المرسل  ومنها غير ذلك والذي يظهر لي ظهوراً واضحاً  من أن هذه القصة لا تصح ولا يؤيدها ما جاء عند الترمذي لأن في هذه القصة فيها   اختلاف و اضطراب  من حيث ماذا من حيث إن الأسانيد بها ضعف أيضاً  هذه القصة إنما  فيها من الروايات من أن طعمه وضعها عند اليهودي كأمانة وفي رواية من أنه  وضعها  عند بيت اليهودي يقال له زيد ابن السمين وفي رواية الترمذي التي بها  يحسن بعض العلماء هذي  الرواية من أن المتهم  إنما هو للبيدُ ابن سهل  ولذا لما قيل للبيد من  أنك أخذت المتاع  اخترط  سيفه فقال لتُبَيّنُنَ هذه السرقة أو لأختلطنكم بسيفي هذا  فدل هذا على أن هناك تعارضاً وتضارباً ومن  ثمّ فإن بعض العقلانيين في هذا الزمن يقول من باب التشويه  للصحابة رضي الله عنهم  يقول إن الله عز وجل دافع عن يهودي من أجل أن الصحابة  اتهموه بل إن بعضهم يتوصل  بذلك إلى اتهام النبي ﷺ فالقصة إذاً غير صحيحة فيما يظهر ليّ ولو صحت ولو صحت فإنه  لا تهمة فيها  لا للنبي ﷺ ولا للصحابة  كما سيأتي بيان ذلك فقال عز وجل  ﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ) دل هذا كما مر معنا من أن  القرآن كما هو  معتقد أهل السنة والجماعة منزل غير مخلوق وقال بالحق باعتبار ماذا باعتبار أنه اشتمل على الحق  وهو نزل بالحق فلم تستطع الجن أن تأخذ منه شيئاً أو أن  تبدل منه شيئاً كما قال تعالى ( وَبِالحَقِّ أَنزَلناهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ)

(إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ)  يعني القرآن  (بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ) أي بما وفقك الله  وأطلعك  الله عليه فدل هذا على ماذا  دل هذا على أن النبي ﷺ معصوماً  من حيث ما يبلغه  عن الله عز وجل من شرعه

﴿إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ النّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ﴾

أي بشرع الله وبما ذكره الله عزوجل إليك

(بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا﴾

على قول من يقول الخائنين  على قول من يقول بصحة القصة   فالخائن من طعمة بن أبيرق لكن نقول  هنا الخطاب في قوله  ( وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا) الخصيم هنا بمعنى اسم الفاعل أي مخاصماً (وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا) الخطاب موجه للنبي ﷺ والمراد  غيره لما لأن   النبي  ﷺ لا يمكن  أن  يكون  خَصيمًا لِلخائِنينَ ثم أيضاَ  النبي  ﷺ  في مطلع الآية مما يدل على وهن هذه القصة وعلى ضعفها  ماذا قال عز وجل( إِنّا أَنزَلنا إِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ)  من أجل ( لِتَحكُمَ بَينَ النّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا﴾

فكيف يكون  خصيماً للخائن  وهؤلاء حصلت بينهم وبين أولئك  قضية  وهو الحاكم هو الذي يحكم هو الذي يحكم   بين المتخاصمين  فكيف يكون  مجادلاً ومخاصماً لمن لهذا  الخائن  ولذا ماذا قال عز وجل هنا (وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا) وهذا يدل على ماذا يدل على أن من يشتغل في المحاماة  أو في التوكيل ولا يلزم أن تكون محاماة   لوكلك شخص في قضية  ما  أو أيضاً المحاماة الموجودة من  أنه إذا  عرف من أن هذا الذي أعطاه القضية يعرف أنه على باطل فلا يجوز له أن  يتولى هذه  القضية فلا يجوز له أن  يتولى هذه القضية ثم أيضاً  إذا لم يعرف الحق من الباطل لا يجوز له أن  يتولى القضية  إنما يتولاها  كمحاماة  أو كوكالة إذا عرف أن  الحق مع من وكله أو جعله محامياً له  ولذا قال هنا (وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا)﴿وَاستَغفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفورًا رَحيمًا﴾ أُمر  النبي ﷺ بالاستغفار وأنا أفسر هذه الآيات بناءً على ما أراه أنا أن القصة ليست صحيحة  وإلا من قال بأنها  صحيحة  قال  ﴿وَاستَغفِرِ اللَّهَ ﴾ بمعنى أنك يا محمد أردت أن تكون لهذا الخائن أن تكون له خصيم  فاستغفر الله  مما هممت به  لو قيل تنزلاً في صحة هذه القصة  فالنبي ﷺ تنزلاً لو أنه  خاصم ما خاصم وهو يعلم  أنه  خائن وإنما خاصم بناءً على ظاهر الحال ولذلك النبي  ﷺ  كما ثبت عنه قال إنما أقضي على نحوِ ما أسمع فمن قضيت له  بحقِ أخيه  فإنما أقضي  له بجمرٍ من جهنم  فالشاهد من هذا من أن قوله على ما أراه    

(وَاستَغفِرِ اللَّهَ) يعني إن وجد منك ذنب فاستغفر الله ومن ثم هل يقع من النبي ﷺ ذنب هنا بعض المفسرين قال (وَاستَغفِرِ اللَّهَ) أي المراد من ذلك أن يستغفر لأمته  أو أن  الأمه مأمورة بالاستغفار وإنما وجه إليه  الخطاب فقط  والصحيح الذي عليه جمهور العلماء  وعليه الآثار من السلف  وهذه المسالة  ما تسمى بعصمة الأنبياء الذي عليه السلف والآثار المنقولة عنهم ويدل لذلك ظاهر القرآن  والذي عليه أكثر العلماء وجماهير العلماء كما ذكر شيخ الإسلام  رحمه الله في مجموع الفتاوى  في أكثر من موطن  من أن الأنبياء معصومون من حيث ما يبلغونه    عن الله عز وجل ومعصومون عن الكبائر أما الصغائر قال فالآثار عن السلف والذي عليه جماهير الأمه أنهم غير معصومين من الصغائر لكن الله  لا يقرهم عليها فيخبرهم ومن ثمّ يستغفرون الله عز وجل قال شيخ الإسلام رحمه الله ولذا لم يذكر الله عز وجل  نبياً أذنب إلا  ذكر له توبة ،إلّا ذكر له توبة  ولذلك ماذا قال نوح عليه السلام ﴿ إِنّي أَعوذُ بِكَ أَن أَسأَلَكَ ما لَيسَ لي بِهِ عِلمٌ) إلى غير ذلك قال عزوجل (فعصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ ﴿ثُمَّ اجتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيهِ وَهَدى﴾﴿قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسَنا وَإِن لَم تَغفِر لَنا وَتَرحَمنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ﴾

فخلاصة القول من أن الأنبياء معصومون من الذنوب إلا الصغائر فإنها تقع منهم  لكن لا يقرون عليها ومتى ما أطلعهم الله عز وجل على ذلك  فأنهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه

 قال شيخ الإسلام رحمه الله وهناك من يقول بعصمتهم مطلقاً يقول هم أرادوا تصديق الأنبياء فوقعوا في تكذيبهم  لأن النصوص جاءت بهذا قال رحمه الله قال وأول من ادعى العصمة بالأنبياء حتى فيما يحصل منهم من  خطأ أو سهو قال هم الرافضة  هم الرافضة ولذا قال نقلوا هذا الحكم من الأنبياء إلى من إلى أئمتهم يقولون إن أئمتنا معصومون  من كل ذنب هذا ملخص ما ذكره  شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع  الفتاوى ولذا  ماذا قال عزوجل

( فَاعلَم أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَلِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ) الآية

 وقال عز وجل  ( لِيَغفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ) فهذه المسالة مهمةٌ جداً في توضيحها 

فقوله عزوجل (وَاستَغفِرِ اللَّهَ) أي إن وجد منك ذنب

﴿وَاستَغفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفورًا رَحيمًا﴾ ولذا كان  النبي ﷺ مأمور بالاستغفار   إذاً غيره من باب أولى ولذا كان  ﷺ لعلو منزلته  حتى  فيما لم يقع  منه ذنب كان يستغفر الله كما جاء  في صحيح مسلم ” إني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة”

 ﴿وَاستَغفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفورًا رَحيمًا﴾  فالله عز وجل  غَفورٌ  يستر الذنب   ورحيم  يعطي الخير فإذاً من وقع في ذنب فلا يقنط من رحمة الله عزوجل ( وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم) ولا تجادل الخطاب هنا ولو كان  موجهاً للنبي ﷺ فالمراد جنس الإنسان  يعني المراد أنه موجهه لغيره  بدليل  ماذا بدليل كما سبق من أن هو الذي يحكم فكيف يكون مجادلاً وهو  الذي  يحكم  بين المتخاصمين  وبدلالة الآيات  الآتيات 

قال تعالى (فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ) 

(ها أَنتُم هؤُلاءِ جادَلتُم)  بصيغة الجمع  مما يدل على أن  المقصود غير  النبي ﷺ ﴿ها أَنتُم هؤُلاءِ جادَلتُم عَنهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ أَم مَن يَكونُ عَلَيهِم وَكيلًا﴾

(وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم)  لأن  من وقع في الذنب فقد خان نفسه  ولذا ماذا قال عزوجل كما مر معنا في سورة البقرة ﴿أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُم هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَأَنتُم لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أَنفُسَكُم)  فدل هذا على  أن من أذنب فإنه يخون نفسه ﴿وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ خَوّانًا أَثيمًا﴾

فالله عز وجل لا يحب  الخوان الذي يكون خائناً والخيانة  هنا بمعنى من أنه يخون غيره وأيضاً  يخون نفسه  لأنه قال ﴿وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم) فلما  قال هنا (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ خَوّانًا أَثيمًا﴾ الخوان هنا هو الذي خان نفسه بالوقوع بالذنب  وخان غيره بأن رماه بالذنب  أو أنه  أخذ منه شيء من حقوقه  ثم وصفه  بأنه أثيم  بمعنى أنه واقع في الإثم .

 (يَستَخفونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَستَخفونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم) (يَستَخفونَ مِنَ النّاسِ) بمعنى أنهم يستترون عن الناس و يتضمن القول الآخر من أنهم يستحيون من الناس لأنه ما استخفى إلاّ استحياءً من الناس ولا تعارض بين القولين (يَستَخفونَ مِنَ النّاسِ) يعني  في حال الخلاء يفعلون ما يغضب الله عز وجل.

(يَستَخفونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَستَخفونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم) المعية هنا كما قررنا  سابقاً  المعية هنا معية عامة بمعنى أنه عزوجل  عالم بخلقه مطلع عليهم  ومشاهد لأحوالهم لكن ليس معنى ذلك من أنه كما تقول الجهمية من أن الله حل في كل مكان تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا فمعتقد أهل السنة والجماعة من أن الله في العلو ولا يحيط به شيء ولا يقله شيء ومع ذلك فهو مع خلقه بعلمه وإحاطته وبتدبيره ولذا ماذا قال عز وجل  ﴿هُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ) قال ( ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ) يدل على ماذا يدل على العلو( ثُمَّ استَوى عَلَى العَرشِ)

(يَعلَمُ ما يَلِجُ فِي الأَرضِ وَما يَخرُجُ مِنها وَما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعرُجُ فيها وَهُوَ مَعَكُم أَينَ ما كُنتُم) فدل هذا على أنه لا تعارض بين علوه عز وجل وبين معيته بدلالة هذه الآية ومن ثمّ فإن قول هؤلاء ترتب  عليه ما ترتب عليه من القول البذيء  الفاحش  على الله يترتب عليه أن الله حل في أماكن  القاذورات  تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ولذا بعضهم إذا عبد الله فإنه  يعتقد أن الله في كل مكان وأن الله معه  بل إن  بعضهم تجاوز و هؤلاء هم النظراء  العقلانيون الذين هم من الجهمية لأن العبّاد من الجهمية قالوا إن الله حل في كل مكان بينما النظراء والعقلانيون من الجهمية   يقولون أن الله  اتحد في كل شيء بمعنى  أن  كل ما تراه هو الله تعالى الله عما يقولون علواً كبير ومن ثمّ  إذا عرفت هذا الأمر تعرف معنى قول الله عز وجل ﴿وَهُوَ الَّذي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرضِ إِلهٌ ) بمعنى أنه كما هو معبود في السماء  هو معبود في الأرض ولذا ختم الآية (وَهُوَ الحَكيمُ العَليمُ﴾ قال العليم  مما يدل  على أنه  ليس كما يتصور من أنه عزوجل في الأرض وقال عز وجل ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الأَرضِ) يعني هو المعبود في السموات والأرض.

﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الأَرضِ يَعلَمُ) قال يعلم هنا قال يعلم (سِرَّكُم وَجَهرَكُم وَيَعلَمُ ما تَكسِبونَ﴾ ومن ثم فإنه قوله عز وجل  (ما يَكونُ مِن نَجوى ثَلاثَةٍ إِلّا هُوَ رابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلّا هُوَ سادِسُهُم وَلا أَدنى مِن ذلِكَ وَلا أَكثَرَ إِلّا هُوَ مَعَهُم) معية ماذا عامة

(وَلا أَدنى مِن ذلِكَ وَلا أَكثَرَ إِلّا هُوَ مَعَهُم أَينَ ما كانوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما عَمِلوا يَومَ القِيامَةِ)

ختام الآية (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ) ولذا ماذا قال الإمام أحمد لما قيل له استدلالاً بهذه الآية قال إن الله افتتحها بالعلم (أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ) وختمها بالعلم فدل هذا على أن هذه قاعدة تنطلق من خلالها هذه معية عامة و هناك معية خاصة وهي المعية مع الصابرين المعية مع المحسنين يؤيدهم، ويوفقهم، ويسددهم ، ويعينهم  أما المعية العامة فهي المعية لجميع خلقه بتصريفه بتدبرية  بعلمه باطلاعه جل وعلا وهذه قاعدة خذها معك في جميع الآيات التي تمر بك نظير هذه الآية.

(وَلا يَستَخفونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتونَ ما لا يَرضى مِنَ القَولِ )( إِذ يُبَيِّتونَ ما لا يَرضى مِنَ القَولِ) قال  ( ما لا يَرضى مِنَ القَولِ) دل هذا على ماذا على أن هؤلاء إذا كانوا في خفاء فإنهم يفعلون  ما يغضب الله عز وجل ولذا ماذا قال عز وجل حتى تعلم أن السورة يتعلّق بعضها ببعض  ماذا قال عزوجل عن أولئك  (وَيَقولونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزوا مِن عِندِكَ) كما مر معنا (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنهُم غَيرَ الَّذي تَقولُ وَاللَّهُ يَكتُبُ ما يُبَيِّتونَ )

 فقال هنا ( وَلا يَستَخفونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتونَ ما لا يَرضى مِنَ القَولِ)

مالذي بعدها ( وَكانَ اللَّهُ بِما يَعمَلونَ مُحيطًا) سبحان الله لما ذكر المعية ذكر العلم ولذلك تجد في تفاسير أهل السنه يقولون في قوله  تعالى(وَهُوَ مَعَكُم) أي بعلمهِ (وَهُوَ مَعَهُم) أي بعلمه  هذا تفسير اللازم بمعنى للرد لماذا قالوا بعلمه مع أنها معيه بعلمه  بإحاطته  بتصرفه بتدبيره من باب الرد على  من؟ من باب الرد على الجهمية الذي يقولون إن الله حل في كل مكان وليس في العلو فقال هنا :  (إِذ يُبَيِّتونَ ما لا يَرضى مِنَ القَولِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعمَلونَ مُحيطًا﴾ فهو محيط بكل عمل يقيمون به   وإذا علم العبد بأن الله محيط به ومحيط بعمله،  ومحيط بأحواله  فإنه حينها  إن كان في قلبه  إيمان فإنه يقوم بطاعة الله ويمتنع عن معصية الله عزوجل 

(ها أَنتُم هؤُلاءِ جادَلتُم عَنهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا)

تجادلون عن هؤلاء (فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ) أي لا تجادل عن هؤلاء الخونة  وهم كما مر معنا

(وَلا تَكُن لِلخائِنينَ خَصيمًا)  فلا يجادل عن هؤلاء (ها أَنتُم هؤُلاءِ جادَلتُم عَنهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا) تصور لو جادلتم عن هؤلاء في الحياة الدنيا فظفروا بما ظفروا به من الدنيا أو أنه  ردّ عنهم ماردّ عنهم من الأحكام التي  تكون عليهم  في هذه الدنيا ما حالهم  يوم القيامة.

(فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ) من يجادل لا أحد لأن الكل  في قبضته  وهم في قبضته في الدنيا وفي الآخرة ولكن هنا قال (فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ أَم مَن يَكونُ عَلَيهِم وَكيلًا﴾ من هو الذي  يتوكل عنهم ويقوم بشؤونهم،  وبأحوالهم وبالمجادلة عنهم

 و بإبراء ذممهم الجواب لا أحد ولذا قال هنا  (فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنهُم يَومَ القِيامَةِ أَم مَن يَكونُ عَلَيهِم وَكيلًا﴾

﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا﴾ سبحان الله مع تلك الآثام التي فعلها هؤلاء مما يفعلونه في ما يتعلق   بشؤون أنفسهم   مما يفعلونه من الذنوب  أو رمي غيرهم بالبهتان والافتراء أو بأخذ حقوق الغير هنا سبحان الله من رحمته عز وجل ومن لطفه أنه قال هنا فاتحاً لهم باب التوبة ﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ) لما قال أو (يَظلِم نَفسَهُ) دل على أن سوء أنه يظلم غيره فيكون  (وَمَن يَعمَل سوءًا) أي فيما يتعلق بغيره بالمرمى بكذب أو بهتان أو ما شابه  ذلك أو يظلم نفسه أي في خاصّة نفسه (ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ)  هذا يدل على ماذا؟ يدل أن العبد  متى ما أذنب فإنما يظلم  نفسه وإذا عاقبه الله  عز وجل  فبعدله ﴿وَما ظَلَمناهُم وَلكِن كانوا هُمُ الظّالِمينَ﴾ (ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ  يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا )  سبحان الله فتح  أبواب التوبة

 ( وَهُوَ الَّذي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَعفو عَنِ السَّيِّئَاتِ) ﴿ هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ) (قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ) إذً قال هنا ﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا﴾ وتأمل سبحان الله ذكر  هنا ما يتعلق  بالاستغفار ولو تأملت الآيات التي قبلها

(واستغفر الله إن الله كان غَفورًا رَحيمًا﴾ والآيات الذي قبل هذه الآيات

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) ﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ) وذكر السوء لما  لأن السوء  إذا أساء الإنسان إلى غيره أو إلى لنفسه    فإنما الإساءة  تكون عليه قال هنا ﴿وَمَن يَعمَل سوءًا أَو يَظلِم نَفسَهُ ثُمَّ يَستَغفِرِ اللَّهَ  يَجِدِ اللَّهَ غَفورًا رَحيمًا )

(وَمَن يَكسِب إِثمًا) عمم أي إثم يكسبه  الإنسان (وَمَن يَكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ) لا يتعدى إلى غيره.  ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِها لا يُحمَل مِنهُ شَيءٌ وَلَو كانَ ذا قُربى)

(وَمَن يَكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾ فهو العليم عز وجل  بكل شيء،  والحكيم  الذي يضع الأمور والأشياء في مواضعها ومن ذلك    هو عز وجل علم بحال الناس من أنهم ضعفاء يقعون في الذنوب فعلم  بحالهم  فمن حكمته ومن رحمته أنه شرع لهم التوبة  ومن ثم فإنه لا يجوز لأحد أن  يقنط من رحمة الله إذا تاب إلى الله  ولايجوز لأحد أن يقنِّط  عباد الله من رحمة الله عز وجل  ولذا ذكر شيخ الإسلام كلاماً جميلاً  في مجموع الفتاوى من أن العبد مهما أذنب  حتى لو في ذنوب الفحشاء والزنا ولو عظم  قال رحمه الله قال “ويفتح للناس باب الخير بمعنى أنه  يرجّى للناس  ويحث الناس على التوبة ولا يُقَنّط الناس  من رحمة الله عز وجل قال هنا  ﴿وَمَن يَكسِب إِثمًا فَإِنَّما يَكسِبُهُ عَلى نَفسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا﴾

(وَمَن يَكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا) قال هنا  (وَمَن يَكسِب خَطيئَةً) دل هذا  على ماذا؟ دلّ على أن  الذنوب يكسبها  الإنسان فالله جعل له مشيئة خلافاً للجبرية الذين  يقولون ما يفعله العبد إنما هو مجبورٌ على فعله ليس له إرادة  تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فالله عز وجل جعل للعبد مشيئة لكن لا مشيئة لأحد إلا بعد مشيئة الله ﴿وَما تَشاءونَ إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ﴾

(وَمَن يَكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا)

قال  الإثم هنا والخطيئة ( وَمَن يَكسِب خَطيئَةً أَو إِثمًا)  الخطيئة الذنب الصغير الإثم هو الذنب الكبير فمن فعل ذنباً صغيراً أو كبيراً ثم يرمي به  به إما أن يرجع إلى الإثم باعتبار  أنه المذكّر كما قال عزوجل (وَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبيرَةٌ) تعود إلى الصلاة أو تعود إلى الصبر والصلاة وإنها يعني الخصلة قال هنا (ثمّ يَرمِ بِهِ) أي بهذا الشيء  أو يكون هنا ومن يكسب خطيئةً  يعود هنا إلى الكسب ثم يرمي يعني بهذا الكسب

ثم يرمي به بريئاً ثم يرمي به بريئاً  فقد احتمل  يعني من رمى إنساناً بهتاناً حتى  ولو كان على سبيل القول  وليس على سبيل الفعل فإنه يدخل في هذا الوعيد الشديد ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم قال أتدرون ما لغيبة؟  قالوا الله ورسوله أعلم قال الغيبة   ذكرك أخاك بما يكره قيل يا رسول الله  إن  كان في أخي ما أقول  قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته   وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ولذا ماذا قال( ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ) ماذا؟ (بهتاناً) هذا البهتان الذي وضحه النبي ﷺ.

( ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ ﴾ لأن الذنوب تُحمل تُحمل يحملها صاحبها كما قال تعالى (وَلَيَحمِلُنَّ أَثقالَهُم وَأَثقالًا مَعَ أَثقالِهِم) قال هنا (ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا) وقع في إثم  مبين واضح وظاهر ومن ثم فإن على المسلم  عليه أن يحفظ لسانه  وجوارحه عن إخوانه المسلمين ولذا فإن القدح في الآخرين و رمي الآخرين بما ليس فيهم فإنه جرمٌ عظيم  لأنه  عز وجل قال هنا (ثُمَّ يَرمِ بِهِ بَريئًا فَقَدِ احتَمَلَ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا﴾  ولذا قال برئ  لكن لو كان  الإنسان لو كان  الإنسان ليس بريئاً  فاتّهم باعتبار أن هذا الرجل باعتبار  أن هذا الرجل صاحب شر ومعلومُ بالشر  فهنا  إن اتهم من  غير أن يكسب الإنسان الإثم والذنب  ثم يرمي  به الآخرين لا لأنه  لا يجوز  للإنسان يفعل  ذنب أو خطيئةً ثم يرمي به حتى من هو متهم لأن ذلك  المتهم لم يفعله  لكن إذا اتهم البريء من غير ما تفعله أنت إذا اتهمتهُ فهذا جناية إن فعلت شيئاً ونسبت هذا الشيء الذي فعلته ُ إلى هذا البريء فهذا أعظم  جناية لكن لو لم تفعل شيئاً وكان هناك من هومتهم ومعروف بالشر معروف بالشر فاتّهم لوجود الأدلة عليه فإن مثل هذا لا يكون داخلاً في الآية ولذلك أتت النصوص من النبي ﷺ حبس رجلاً في تهمه حبس رجلاً في تهمه  فدل هذا على  أن من قامت عليه البينات  والأدلة فاتّهم  بشيء فإنه لا يدخل ضمن  هذه الآية ولذلك من يدافع عن شرع  الله  عز وجل ويبين ضلال أهل البدع والأهواء مما نطقت به ألسنتهم  وفعلته  جوارحهم إما في وسائل الإعلام  أو في وسائل  التواصل  فيقول البعض  إنكم  تتهمون  فلاناً  أو تتهمون فلانة  فهذا القول هو البهتان العظيم لما لأن المتعين  على المسلم أن يدافع عن شرع الله  وأنت حينما تدافع حينها تدافع عن من يقدح في شرع الله عز وجل ويأتي بالبدع وأنت تكون  من ضمن من ذكرهم  الله  عز وجل في أول الآية

 ﴿وَلا تُجادِل عَنِ الَّذينَ يَختانونَ أَنفُسَهُم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ خَوّانًا أَثيمًا﴾ فهنا يجب على المسلم أن يكون واضحاً  في طريقته لا إفراط ولا تفريط لا غلو ولا تقصير يكون مع الشرع.