تفسير سورة ( الممتحنة ) الدرس ( 247 )

تفسير سورة ( الممتحنة ) الدرس ( 247 )

مشاهدات: 478

تفسير سورة ( الممتحنة )

الدرس (247 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الممتحِنة، وبعض العلماء يقول يجوز الممتحَنة، وهذه من السور المدنية….

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الباء هنا زائدة تلقون المودة إليهم يعني أنكم تحبونهم، وهذه نزلت في حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يذهب إلى قريش ليغزوهم إذا بحاطب يرسل رسالة مع امرأة من أجل أن يأخذ ماذا؟ من أجل أن يأخذ مكانة عند قريش؛ لأنه لا قبيلة له، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على أمر حاطب، وأمر صلى الله عليه وسلم من يتبع هذه المرأة، فوجدوها وأخذوا منها ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم صنعت هذا؟ قال حاطب: والله ليس حبا في الكفر يا رسول الله، ولكن أصحابك لهم نسب في قريش، وأنا ملصق بهم، فأردت أن أتخذ عندهم يدا حتى يحفظوا بذلك أولادي ومالي، فقال بعض الصحابة: دعني أضرب عنقه يا رسول الله، فعفى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:” وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعلموا فقد غفرت لكم”، ومرت معنا هذه القصة مفصلة في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}  فيما يتعلق بالموالاة ومحبة الكفار، {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الباء زائدة يعني تلقون إليهم المودة، {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} كيف تحبون هؤلاء والسبب أنهم {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} هذا هو الأمر الأول يكفرون بالقرآن، {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} هذا الأمر الثاني، {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} من أجل أنكم آمنتم {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} ما أخرجوكم إلا من أجل إيمانكم {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} يعني من أجل مرضاتي، وطلب مرضاتي، ومن أجل الجهاد هنا الجواب محذوف يدل عليه ما سبق إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوهم أولياء فقال الله {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} كررها مرة أخرى باعتبار أن هذا بيان الواقع إذ أسر حاطب بهذه المودة، أو من أجل أن الكلمة السابقة بالمودة شاملة للمحبة في العلانية والسر بين هنا أيضا من أنه حتى من جانب السر فلا يجوز، {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ} يعني بما سترتموه، {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} يعني محبة هؤلاء {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} يعني أنه تاه عن طريق الحق.

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} يعني هذا سبب آخر كيف تحبونهم {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} يعني إن يجدوكم هؤلاء، {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً}  وأمر آخر {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ} يعني يمدوا {أَيْدِيَهُمْ} بأذاكم وبقتلكم {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} ومع ذلك أيضا سبب آخر {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} يعني هم يحبون أن تكفروا، هذه أسباب تمنع من محبة هؤلاء. 

{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} يعني أقرباءكم كما صنع حاطب {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني يوم القيامة لن تنفعكم، ولذلك ماذا قال تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}

{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} ولذلك قال بعض المفسرين {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني تقف {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يعني بين أهل الإيمان وأهل الكفر، وبعض المفسرين قال {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يعني يفصل بينكم وبين أقربائكم، فكل قد أشغلته نفسه، كما قال تعالى {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}

{لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وهو مطلع على أعمالكم كلها، ومن ذلك ما يكون بينكم وبين هؤلاء من مودة.

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) }

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ} يعني قدوة وهذا هنا من باب ماذا؟ من باب الحث على عدم موالاة الكفار اقتداء بإبراهيم، وبمن آمن معه {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} يعني نحن بريئون منكم ومما تعبدون من دون الله، والكافر هنا يتبرأ منه المسلم، من نفس الكافر ومن عمله، من نفس الكافر ومن عمله الشركي.

{إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} يعني جحدنا صلتنا بكم، {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا} يعني ظهر {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} العداوة والبغضاء وقد مر معنا تفصيل للفرق بين العداوة والبغضاء في سورة آل عمران، وفي سورة المائدة، {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} إلا في حالة واحدة {حَتَّى} يعني ستستمر أبدية ذلك {حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} فهذا لا تتأسوا بإبراهيم في هذا الأمر{إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} يقول لأبيه {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} ولذلك لما تبين أنه مات على الكفر قال الله {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} فقال الله عن إبراهيم {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا} يقوله إبراهيم ومن آمن معه {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} فيما يتعلق بأمورنا الدنيوية، وبأمورنا الدينية {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} يعني رجعنا بالطاعة ولذلك ماذا قال تعالى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}

{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} المرجع إليك في يوم القيامة.

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} يعني لا تسلط هؤلاء علينا فيظنون أنهم على الحق ونحن على الباطل فإذا بهم لا يهتدون، أو أنك لا تفتنا في ديننا، فنترك هذا الدين فنكون فتنة لهؤلاء.

{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا} وكرروا ذلك من باب الثناء على الله والإلحاح في الدعاء، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فأنت العزيز القوي الغالب والحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها المناسبة.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ} كرر ذلك مرة أخرى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} يعني في إبراهيم ومن آمن معه، لكن من يتقيد بذلك؟ {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} ولذلك مما يدل على أن الاقتداء بهؤلاء الأنبياء لا يقدم عليه إلا من كان يرجو الله واليوم الآخر، وفي سورة الأحزاب {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ} يعني محمدا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ماذا قال بعدها؟ {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}

{لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} من يعرض عن مثل هذا الدين، وعن هذه الأحكام فإن الله هو الغني ليس بحاجة إليك، وهو الحميد المحمود على جميع أفعاله.

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)}

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ} وعسى من الله متحققة {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} يعني أنتم يا أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام هؤلاء الذين عاديتموهم، وحرم عليكم أن تحبوهم قد يجعل الله عز وجل في قلوبهم الإيمان، فتنقلب تلك العداوة إلى محبة، ولذلك دخل كثير منهم في الإسلام، {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ} لا يعحزه شيء {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن تاب، ورجع إليه.

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ …} هذه الآية فيها دليل على ماذا؟ على أنه يجوز الإحسان إلى الكفار، فكما أنه عز وجل في أول السورة نهى عن محبة هؤلاء الكفار فإنه بيَّن عز وجل هنا أن الإحسان إليهم إذا كانوا كفارا غير محاربين لهم فإن الإحسان والبر إليهم والصدقة عليهم مما هو مستحب، ولذلك لو أن أحدا من الناس في مثل هذا الزمن مثلا في بلاد من بلدان المسلمين رأى عاملا من العمال وهو على ملة الكفر فإن الصدقة تكون عليه مستحبة. {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} يعني من أنكم تقيموا العدل فيهم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} يعني العادلين.

{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ …} لما ذكر ما يتعلق بأولئك الكفار ذكر حال الكفار المحاربين لنا من أنه لا يجوز الإحسان إليهم، وكذلك لا تجوز محبتهم، فقال تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} يعني عاونوا على إخراجكم {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} يعني أن تحبوهم، {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ولذلك قال عز وجل كما في سورة التوبة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} فقد ظلم نفسه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} وذلك كما في صلح الحديبية لما أتى بعض النساء، وذلك كأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من أنها أتت مسلمة، ومن ثم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردها على كفار قريش، قال بعض العلماء ذلك لأن الصلح الذي دار في صلح الحديبية من أن من أتى من الكفار إلى أهل الإسلام من أنه يعاد إليهم قال بعض العلماء النساء غير داخلات هنا، وقال بعض العلماء إنما هن داخلات لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد هؤلاء النسوة، وذلك لضعفهن، ولخيفة أن يفتتن في دينهن، ومن ثم أخذ هؤلاء العلماء من أن السنة تنسخ القرآن فقال الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}  يعني هل هن خرجن ابتغاء وجه الله أم أنهن خرجن لغرض من أغراض الدنيا كمحبة الزواج برجل أو نحو ذلك؟

{اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} بمعنى أن الله عالم بالظواهر وبالبواطن أما أنتم فما عليكم إلا أن تأخذوا بالظاهر .

{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} فدل هذا على أن الإيمان يعلم، وذلك حسب ما يظهر من دلائل وقرائن فيما يظهر على حال الإنسان، أما باطنه فإنه لا يعلم به إلا الله عز وجل، فقوله عز وجل {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} وذلك بأن يحلفن على هذا الأمر. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ} وذلك بامتحانهن،

{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} بمعنى أن هؤلاء الكافرين لا تباح نساء المسلمين لهن، وكذلك العكس إلا ما جاء من دليل فيما يتعلق بالكتابيات من زواج المسلم بالكتابية اليهودية والنصرانية، ومر معنا ذلك مفصلا كما في سورتي البقرة والمائدة فقال الله {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}

{وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} يعني أعطوا هؤلاء الكفار مهورهم، {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أي لا إثم عليكم. {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أيها المسلمون {أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} يعني مهورهن، {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فهذا نهي للمسلمين أن يمسكوا بعصم الكوافر يعني بالنساء الكافرات، ولذلك لما نزلت هذه الآية طلق الصحابة من كان تحتهم من أزواج كافرات، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} يعني من أنكم تسألون مهوركم إذا ذهبن هؤلاء النسوة إلى الكفار مرتدات نسأل الله السلامة والعافية، وكذلك هؤلاء الكفار يعطون مهورهم إذا أتى هؤلاء النسوة مسلمات.

{ذَلِكُمْ} يعني ما مضى {حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فهو العليم عز وجل بما يصلح حال عباده، وهو الحكيم إذ شرع هذه الأحكام،

ومن ثم فإن المرأة إذا أتت مسلمة فإنه لا تحل لزوجها الكافر، ومن ثم فإنها إذا أنهت عدتها فإن لها أن تتزوج، ومن ثم فإنه لو أسلم زوجها، ولم تزوج فإنها تعاد إليه، هل تعاد إليه بنكاح جديد أم أنه بالنكاح الأول؟ خلاف بين أهل العلم، لكن دلت الأدلة على أن أبا العاص بن الربيع لما أتى مسلما بعد زينب ردها عليه الصلاة والسلام إليه من غير عقد جديد، وإن عقد بعقد جيد كان أولى وأحسن خروجا من الخلاف، فقال تعالى {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} بمعنى أن المرأة ارتدت نسأل الله السلامة والعافية فتذهب إلى الكفار، فقال تعالى {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} يعني بمعنى أنكم حاربتم هؤلاء الكفار وغنمتم منهم غنائم فإنكم تعطون هذا الرجل المسلم الذي ارتدت زوجته {فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} دل هذا على ماذا؟ على أن من اتقى الله زاد إيمانه، وان من كان مؤمنا فإنه يكون حريصا على تقوى الله.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} هذه مبايعة حصلت من النساء في صلح الحديبية، وكذلك في فتح مكة، وكذلك حصلت مثل هذه المبايعة بالنسبة إلى الرجال، وهن إذا أتين فيما يتعلق بهؤلاء النسوة لما أتين مهاجرات فامتحن، فإنهن يبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} ما هذه المبايعة؟ {عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} وذلك كعادة الكفار يئدون البنات، ويقتلون الأولاد خيفة الفقر، {وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} المشهور والظاهر من أنها نهيت من أن تأخذ ولدا لقيطا تنسبه إلى زوجها نهيت عن ذلك أو قيل من أنها نهيت عن البتهان الذي هو أشد الكذب وقال {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} يعني أن هذا البهتان بهتان عظيم نسب إلى ذاتها.

{وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} وهذا وإن كان داخلا فإن الأولى والأظهر هو القول الأول، فقال عز وجل هنا {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} يعني لا يعصينك في فعل أمر من الأمور التي أمرت بها، {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} يعني مما يبدر منهن من تقصير، وما شابه ذلك {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فهو عز وجل واسع المغفرة وواسع الرحمة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وهنا إثبات صفة الغضب لله، وكما أتت هذه الآية في أول السورة بالنهي عن موالاة الكفار إذ قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}

ختم السورة أيضا بالنهي عن موالاة هؤلاء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ} هؤلاء يئسوا من الآخرة {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} يعني هؤلاء يئسوا كما يئس {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} يئسوا من ثواب الله يعني يئس هؤلاء  الذين ماتوا على الكفر يئسوا من ثواب الله، أو وهو قول آخر كما يئس الكفار يعني الأحياء من عودة أهل القبور إليهم لأنهم ينكرون البعث

{قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}

 وبهذا ينتهي تفسير سورة الممتحنة….