تفسير سورة ( المنافقون ) الدرس ( 250 )

تفسير سورة ( المنافقون ) الدرس ( 250 )

مشاهدات: 478

تفسير سورة ( المنافقون )

الدرس (250 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة المنافقون… وهي من السور المدنية…

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ} وهذا يتضمن أنهم حلفوا على ذلك {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} بيَّن عز وجل وردَّ عليهم من أنه عز وجل يعلم أنه رسول من عنده عز وجل، ثم أكد ذلك فقال {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فيما زعموه.

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يعني سترة {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وهذه الآية مر معنا توضيح لها أكثر في سورة المجادلة فقال تعالى {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي هذا العمل الذي أتوا به فإنه من أسوأ الأعمال.

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا} يعني آمنوا بألسنتهم وإلا فالإيمان لم يلج في قلوبهم كما قال تعالى {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ}

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ختم على قلوبهم فلا يظهر منها نفاق، ولا يدخل إليها خير، {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} ولذلك لم يفهموا دين الله.

{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} يعني من أن الأجسام يعجب بها الإنسان، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} وذلك لفصاحتهم لكنها أجساد خاوية؛ لذا قال بعدها {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} فهم كالخشب التي لا تفقه ولا تعقل، بل إنها مسندة يعني أنها ليست في الأسقف حتى ينتفع بها، فدل هذا على أنه لا نفع من هؤلاء، ولذا قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}  فقال تعالى {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يظنون أن كل أمر رفع الصوت به من أجل الحضور إلى صلاة، أو إلى خطبة، أو إلى أمر، أو إلى جهاد، أو ما شابه ذلك يظنون أن آية نزلت فيهم كما قال تعالى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ} فقال تعالى {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} وهذا يدل على جبنهم وعلى خوفهم. {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} يعني هؤلاء هم الأعداء، ولذلك أنهم أظهروا أنفسهم بأنهم مسلمون لكنهم في بواطنهم هم الأشرار، وهم الأعداء، {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} يعني عليك أن تكون منتبها لهؤلاء، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} يعني لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كيف يصرفون عن دين الله.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ}  وذلك إذا صدر منهم ما صدر من قول معيب وسيء يقال لهم تعالوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لكم، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} يعني أمالوا رؤوسهم {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} يعني من أنهم قد تكبروا عن ذلك، {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} فإن الإنسان إذا صد، وهو من غير تكبر قد يرجع، لكن دل هذا على ماذا؟ على أنهم يصدون وهم في حالة استكبار وكبر.

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} يعني يستوي استغفارك لهم، وعدم استغفارك لهم، ولذلك قال تعالى {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}  أتوا بالفسق الأكبر الذي هو الشرك بالله، والكفر بالله.

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)}

{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} وذلك أن عبد الله بن أبي رأس المنافقين قال لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا من حوله فيبقى وحيدا. {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} لكن هؤلاء جهلة لم يعلموا أن الخزائن بيد الله، فقال تعالى {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} مفاتيح هذه الخزائن، وهذه الخزائن بيد الله كما قال تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}  

{وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} لا يفهمون ذلك؛ لأن الإيمان لم يدخل في قلوبهم.

{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} وذلك في إحدى الغزوات حصل ما حصل من شجار، فقال عبد الله بن أبي لئن رجعنا إلى المدينة لنخرجن محمدا ومن معه، وهو الذليل، ولنكونن ومن معنا نحن الأعزاء فقال الله مخبرا عن حالهم {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} فقال تعالى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وهذه الآية لا تتعارض مع الآية التي هي قوله عز وجل {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} وقال تعالى {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} فالعزة والغلبة والقوة لله لكنه يهبها لمن يشاء، فأعطاها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فقال تعالى هنا {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وذلك لجهلهم بعظمة الله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ} قدم الأموال باعتبار أنها هي المقصودة والأهم، وكذلك لأن الإنسان إنما يطلب الأموال من أجل أولاده، {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} يشمل كل ذكر لله من صلاة ومن قراءة قرآن وما شابه ذلك.

{لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} من الالتهاء بهذه الأشياء {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إذ خسروا ثواب الله وفضله.

{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}  أمروا بالإنفاق، وذلك لأنهم إذا كانوا يطلبون التجارة فإن لديهم أموالا فطلب منهم أن ينفقوا بعض الأموال، {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} قدم أحدكم مع أنه هو المفعول، وأخر الفاعل الذي هو الموت من باب بيان والله أعلم من أن الموت سيصيب كل إنسان كما قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ} {فَيَقُولَ} هنا فعل مضارع منصوب، وذلك لأن الفاء عاطفة على قوله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ} {أَنْ يَأْتِيَ} منصوب، فعطف على ذلك، فنصبت {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} يعني هلا {أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}  يعني إلى زمن قريب حتى أتمكن من الإنفاق، ومن الصدقة، ومن أن أكون صالحا {فَأَصَّدَّقَ} وهنا فعل مضارع نصب بعد فاء السببية، وذلك لأنه تقدمه {لَوْلَا} مما يدل على الحض والتمني {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} فسرها بعض العلماء من أن الصالحين هنا يعني أداء الحج، ولا شك أن أداء الحج  يحصل به الإنسان على صلاح لقلبه ولدينه، لكن ليس محصورا على ذلك، وإنما {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} يعني من صلح فقام بحق الله وبحق المخلوقين.

{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} يعني إذا جاء وقت موتها فلن تؤخر قال تعالى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}

{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فهو خبير بما يعمله العباد وسيجزيهم يوم القيامة على أعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وبهذا ينتهي تفسير سورة المنافقون….