خطبة كيف تؤثر آية ( ومن يدبر الأمر ) على رزقك وصحتك وسعادتك وعلى كل أحوالك ؟

خطبة كيف تؤثر آية ( ومن يدبر الأمر ) على رزقك وصحتك وسعادتك وعلى كل أحوالك ؟

مشاهدات: 621

خطبة كيف تؤثر آية ( ومن يدبر الأمر )

على رزقك وصحتك وسعادتك وعلى كل أحوالك ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من يدبر الأمر؟ الله جل وعلا وكّل بهذا العالم سفليه وعلويه وكّل به الملائكة يدبرونه، فأضاف التدبير إليهم، كما قال ابن القيم في قوله تعالى {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} فأضاف إليهم التدبير؛ لكونهم المباشرين له، وأضاف التدبير له؛ لأنه لا تدبير لأحد من المخلوقين إلا بإذنه وبإرادته وبمشيئته {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} من يدبر الأمر؟ المدبر هو الله {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}

فإذا تحقق ذلك في قلب العبد، وعلم أن الله هو القاهر فوق عباده، وهو الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، هنا علم هذا القلب أن له ربا يعضده، وأن له إلها يرجوه ويدعوه ويقصده هو الذي يجيب المكروب إذا دعاه، الذي يغيث الملهوف إذا ناجاه، يفرج الهموم، يقيل العثرات، يهدي خلقه في ظلمات البر والبحر، يدبر الأمر، يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، ينزل المطر، فتحيا الأرض بإذنه، يخلق، يرزق، يعطي، يهب جل وعلا {وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} الله، هو الذي يدبر الأمر، وليس لأحد من المخلوقين تدبير، {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)المستعان به في كل فاجعة ونائبة وفادحة، المرجو والمؤمل منه الخير والرحمة والفضل والنعمة، لا تطيب الحياة إلا بذكره، ولا تحيا القلوب إلا بطاعته، ولا تزكو العقول إلا بمعرفته، لا يرفع الكرب إلا برحمته، لا يؤمن الخائف إلا بفضله، لا يعطى المحروم إلا من جوده، يدبر الأمر.

من يدبر الأمور هو الله جل وعلا {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ} رزق المخلوقات في القفار، وفي الصحاري، وفي البحار، وفي قيعان المياه منه جل وعلا، يعلم حالها، يعلم ضعفها، يعلم مستقرها، يعلم مستودعها {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه، يقضي وينفذ ويعطي ويرزق ويمنح، الملائكة منها صاعدة بالأمر إليه، ومنها من هي نازلة بالأمر تعرض حوائج الخلق عليه فيأمر فيها بما يشاء، كيفما شاء، وقتما شاء، لا زيادة ولا نقصان، يقدم ما يشاء تقديمه، ويؤخر ما يشاء تأخيره،  له المنة وله الفضل ومنه العطاء جل وعلا.

من يدبر أمورك، ومن يدبر أمور الخلق، من يدبر الأمر هو الله جل وعلا، هو الله جل وعلا، الله جل وعلا دبر وخلق ورزق وأعطى ومنع، الذي سمع الأصوات كلها لا يشغله سمع عن سمع، ولا صوت عن صوت، لا يتبرم من ذوي الحاجات، لا تزيده كثرة الإلحاحات إلا فضلا وجودا وعطاء، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىقال ابن القيم: السر هو ما أخفاه الإنسان في قلبه، ولم تتحرك به شفتاه، ويعلم ما هو أخفى من السر، وهو ما الذي لم يخطر على قلب العبد، فيعلم جل وعلا متى يحصل هذا الخاطر في قلبه، ومتى يجول في صدره{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَىالذي أحاط بصره بكل الموجودات وبكل المخلوقات، فلا يغيب عنه شيء في الأرض، ولا في السماء.

من يدبر أمرك، لا تعلق قلبك إلا بالله هو مدبر الأمور{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)يغفر ذنبا {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، يغفر ذنبا، يفرج هما، يرفع كربا، يغيث ملهوفا، يرشد، يقبل تائبا،  يغني فقيرا، يشفي مريضا، ينصر مظلوما، يقصم جبارا، يستر عورة، ويقيل عثرة، ويؤمن روعة، بيده الخير كله، ومنه الفضل كله، له الدنيا والآخرة، له الخلق والأمر.

يده ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء اليل والنهار، وبيده الأخرى الميزان، يرفع به من يشاء، ويخفض به من يشاء، يقلب الدول، فيذهب بدولة، ويقيم أخرى، له الملك التام، له الغنى التام، لو أن أهل سمواته وأهل أرضه والإنس والجن والرطب واليابس كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكه شيئا، ولو كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكه شيئا، ولو أنه أعطى جل وعلا لو أنه أعطى هؤلاء أعطى كل واحد ما سأل ما نقص من ملكه مثقال ذرة.

لو أن أشجار الأرض كلها كانت أقلاما، والبحر مدادا يعني بمثابة الحبر وبعد هذا البحر سبعة أبحر تمده لنفدت تلك الأقلام، ولنفدت تلك البحار، لم؟ قال ابن القيم رحمه الله: لأن كلمات الله عز وجل لا بداية لها، ولا نهاية، فهى لا تفنى، ولا تبيد، وإنما المخلوق هو الذي يبلى ويباد، المخلوق هو الضعيف.

الله جل وعلا هو الأول هو الآخر هو الظاهر هو الباطن، أحق من عبد، أحق من شكر، أحق من دعي، أحق من سئل، أجود من سئل، أرأف من ملك، بيده الخير، تدبير أمور الخلق، تدبير أمور الكون منه جل وعلا، لا بيد أحد، لا بيد أحد، إنما أمره إذا أراد أن يغنيك، أو أن يشفيك، أو أن يرفع عنك بلاء، إنما أمره في أي شيء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، ليس عنده بواب فيستأذن، ولا حاجب فيدخل عليه، ولا وزير فيؤتى إليه، ولا نائب ينوب عنه في حوائج خلقه، ولا معين يعينه على حوائج خلقه.

له الملك التام، وله الغنى المطلق، هو القيوم القائم بنفسه والمقيم لغيره، الغني عن كل ما سواه، الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم محتاجون إليه فقراء إليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)}

فإذا ألمَّت بك فاجعة، أو مصيبة، أو نائبة، أو تعثر عليك أمر، فلتعلم أن المدبر هو الله، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، بيده كل شيء، بيده مفاتيح الخلق جل وعلا، نعم، إذا تعثرت بك أمور، وإذا ضاقت بك أمور، وإذا نزلت بك فواجع ومصائب، فعلق قلبك بالمدبر، من المدبر؟ هو الله جل وعلا، وكما قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما كما في المسند: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب)

أبو رزين يروي عن النبي عليه الصلاة والسلام حديثا كما في المسند قال عليه الصلاة والسلام: (ضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره) يضحك الله جل وعلا ضحكا يليق بجلاله وبعظمته من قنوت العباد، يقنتون لما تقل الأرزاق بأيديهم (وقرب غيره) ما أقرب تغيير الله لحالتك {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)فلأ تياس، فلا تيأس من روح الله، فالغنى بيد الله، والملك بيد الله جل وعلا.

واعلم وهذا كما أسلفت وتحدثت عن ذلك مرارا ما أرشد العلماء الناس إلى التوحيد، ونحن بينا ذلك وأرشد إليه باستمرار نقول: التوحيد التوحيد، هذا هو التوحيد الذي يجعل قلبك غنيا، قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل قال: بالتوحيد يدخل العبد به على الله والتوبة والاستغفار ترفع الحواجب والموانع من قلبه عن الله فيقول: حينها يسعد، وإن لم يكن كذلك فإن الشرور تأتيه من كل باب، قال: فالتوحيد التوحيد هو غياث الملهوفين، ونجاة المكروبين، وتأمل معي رعاك الله دعوات المكروب الذي به كرب مصدرة بل هي متضمنة للتوحيد مما يدل على أن التوحيد كما قال ابن القيم مفزع الخائفين، في المسند كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام (دعوات المكروب الله ربي لا أشرك به شيئا)

وتأمل في كل دعوة من دعوات المكروب تجد أنها تتضمن التوحيد، نعم، الجبار من أسمائه عز وجل الجبار، بعض الناس لا يعلم من هذا الاسم إلا معنى واحدا وهو معنى القهر والقوة، الجبار كما قال ابن القيم في النونية يتضمن ثلاثة معاني:

1ـ جبر القوة والقهر، فكل جبار تحت قهر الله، وفي سلطان الله، وفي تدبير الله.

2ـ جبر العلو، الله جل وعلا في العلو، ومع ذلك وهو فوق مخلوقاته هو قريب منهم، يسمع دعاءهم ويعلم حالهم.

3ـ النوع الثالث جبر الرحمة، جبر الرحمة أنت تقول بين السجدتين كما ثبت في السنن (رب اغفر لي، وارحمني) من بينها (واجبرني)، يجبر الضعيف فيقويه، يجبرالمريض، تأمل هذه إذا قلت (رب اجبرني)، يجبر الضعيف فيقويه، يجبر الفقير فيغنيه، يجبر الكسير فيشفيه، هو الجبار جبر الرحمة جبر القوة جبر العلو، بيده مقاليد كل شيء.

قال ابن رجب رحمه الله وتأمل إذا ألمت بك الكروبات تتأمل وتدبر ما ذكره جل وعلا من قصص عن أنبيائه بلغت في الكرب منتهاها، فأتى الفرج من الله:

“نوح وهو في السفينة والأمواج تتلاطم كيف نجاه، موسى البحر أمامه وفرعون خلفه كيف نجاه الله، إبراهيم حينما ألقي في النار إبراهيم لما أمر بذبح ابنه، محمد عليه الصلاة والسلام في الغار {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}

ويقول ابن رجب: فإذا بلغ بالعبد الكرب، وعظم هذا الكرب ويئس من أي سبب مخلوق يكشف عنه هذا الكرب وتعلق قلبه بالله، هنا يستجيب الله دعاءه، ويأتيه الفرج، ويأتيه الفرج.

بل يقول ابن رجب يقول: كم من إنسان مكروب، وعظم به الكرب، وإذا به يكثر الدعاء، ويلتجئ إلى الله، ومع كثرة هذا الدعاء، ومع كثرة هذا الإلحاح في الدعاء إلا أن الكرب لم يرتفع عنه، فيقول حينها إذا اعتقد وشعر بأن تلك الدعوة لم تستجب له إلا من قبل نفسه بسبب ذنوبه ولام نفسه، قال ابن رجب: ذلكم اللوم أعظم من كثير من الطاعات، فإذا وجد العبد هذا اللوم هنا يأتي الفرج، فإن الله مع المنكسرة قلوبهم، مع المنكسرة قلوبهم، حينما ينكسر العبد ويضعف وينكسر قلبه هنا يأتي الفرج من الله جل وعلا.

 وليعلم: أن هناك حديثا، وهو (أنا مع المنكسرة قلوبهم من أجلي والمندرسة قلوبهم لأجلي) المندرسة اختفت، اختفت من شدة ما ألم بها من كرب، من ألم، من وجع، من فقر، فإنه وإن قيل يقال كما يقوله البعض  على أنه حديث، لكن قال القاري ليس له أصل في المرفوع، فليس بحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

ولكن لتعلم:

أنه كلما خضعت لله، وانكسر قلبك لله، وعظم بك الألم والوجع والفقر، فلم تجد سبيلا من سبل البشر لكي يرفع عنك هذا الأمر، أو أنه يعينك فعلقت قلبك بالله، وأكثرت من الدعاء فالله جل وعلا لطيف بعباده، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)}.