يا مضيعي الصلاة

يا مضيعي الصلاة

مشاهدات: 665

( يا مضيعي الصلاة )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

” يا من لا يصلي الصلاة كلها ”

” يا من يصلي بعض الصلوات “

” يا من يصلي الصلاة خارج وقتها “

” يا من يصلي ولكنه لا يصلي في المساجد “

” يا من لا يصلي الصلاة إلا صلاة الجمعة وحدها

” اسمعوا ”

لما ذكر الله عز وجل كوكبة من الأنبياء فأثنى عليهم بالخير  :

{ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم58 .

أبان أن هناك خلوفاً أتت  بعد هذه الكوكبة ماذا فعلت ؟ أضاعت الصلاة ،وبتضييع الصلاة اتبعت الشهوات :

{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }العنكبوت45

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59

قال ابن مسعود رضي الله عنه :

( ما أضاعوها بمعنى أنهم تركوها كلية ، وإنما صلوها خارج وقتها )

قال ابن المسيَّب رحمه الله :

( هو ألا يصلي الظهر حتى يدخل وقت صلاة العصر ، وألا يصلي العصر حتى يدخل وقت صلاة المغرب ، وألا يصلي المغرب حتى يدخل وقت صلاة العشاء ، وألا يصلي العشاء حتى يدخل وقت صلاة الفجر ، وألا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس ، ثم قال ” فمن فعل ذلك ولم يتب أوعده الله ” بغي ” وهو وادٍ في جهنم بعيد قرعه شديد عقابه )

” يا مضيعي الصلاة “

“السهو فيما يخص الصلاة نوعان “

النوع الأول : سهو فيها “ ولا يسلم من ذلك أحد

النوع الثاني : ” سهو عنها ” قال تعالى :

{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5}

{ عَن صَلَاتِهِمْ  } يعني أنهم صلوا ولكن أخرجوها عن وقتها ، ولذا أتى بحرف ( عن ) الذي يفيد في اللغة ” المجاوزة ” بمعنى أنهم تجاوزوا بهذه الصلاة عن وقتها إلى وقت آخر .

” يا مضيعي الصلاة “

يقول ابن القيم رحمه الله كما في كتاب الصلاة، قال : ” لا يختلف المسلمون أبداً أن ترك الصلاة عمدا أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، وأن إثم من تركها أعظم من إثم من قتل النفس وأخذ المال بغير حق ، وأعظم ممن زنى وسرق وشرب الخمر ، ومن تركها متعمدا فقد تعرَّض لسخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة “

” يا مضيعي الصلاة “

الذي عمَّ وطمَّ – وللأسف – بعد ذهاب رمضان من الصغار والكبار ، من الذكور والإناث ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كان يوصي الأمراء في الآفاق ويوصي آحاد الناس بها ، إذ كان يبعث في الآفاق فيقول :

( إن أهم أموركم عندي ” الصلاة ” فمن حفظها حفظ دينه ، ومن ضيعها ضيع دينه ، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، والصلاة أول فروض الإسلام ، وآخر ما يفقد من الدين ، فإذا ذهب أول الشيء فقد ذهب جميعه )

انتهى كلامه رضي الله عنه .

” يا مضيعي الصلاة “

” لا تتصفوا بالمنافقين الذين تثقل عليهم الصلاة “

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ }النساء142

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى }التوبة54 .

” يا مضيعي الصلاة “

” احذروا من إطلالة أهل الجنة على أهل النار فتكون حينها من أهل النار “

{ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ{40} عَنِ الْمُجْرِمِينَ{41} مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42}؟

ما هو أول سبب ؟

{  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43}

احذر وتذكر هذا الأمر وهذا الوصف وهذه الحال وهذا المآل قبل أن يفجأك الموت فتندم .

 

 

” يا مضيعي الصلاة “

” هي وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم قبل الممات “

بل هي من ضمن السبع الوصايا في ثنايا حياته ، قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه كما في الحديث الذي عند الطبراني بإسناد لا بأس به – كما قال المنذري رحمه الله – قال :

( أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع )

 قال :

( ولا تتركوا الصلاة متعمدين ، فمن ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة )

 

 

” يا مضيعي الصلاة “

” الصلاة هي علامتك ، هي أمارتك التي تميزك عن الكفار “

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم :

( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )

” يا مضيعي الصلاة “

” لا يحل بك غضب من الله حينها أي خير ترجو ؟

وأي شر تحاذر ؟ “

ابن عباس رضي الله عنهما كما عند البزار بإسناد حسنه المنذري رحمه الله :

( لما ضعف بصره ، قيل له يا ابن عباس نسقيك دواءً حتى يقوى بصرك شريطة ألا تصلي ، فقال ” لا أصلي؟!  ” وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” من ترك الصلاة لقي الله تعالى وهو عليه غضبان )

” يا مضيعي الصلاة “

يا من يخرج من الدوام قبل العصر فينسى ويتناوم عن صلاة العصر ، اسمع إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري :

قال أبو المليح كنا مع بريدة في يوم غيم فقال بكِّروا بهذه الصلاة – يعني صلاة العصر – فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

(  ” من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله )

فما ظنكم بمن ضيَّع الصلوات الأخرى ؟

بل إنا نحرص على دواماتنا وعلى وظائفنا من أجل الدنيا ، وما نعلم أن ترك صلاة العصر وحدها أعظم وأفظع وآلم وأشد حزنا من حزن من سُلب منه أهله وماله أمام ناظريه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما :

( الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتر أهله وماله)

” يا مضيعي الصلاة “

” أي قلب ؟ أي فؤاد ؟ أي جنان يحمله أحدكم إذا نام ووضع رأسه على المخدة وقد عزم على ألا يقوم ” ؟

النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث سمرة رضي الله عنه :

( قال بعد أن صلى الصبح : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم ” أتاني آتيان فابتعثاني فمررت على رجل مضطجع )

قارن بين كلمة ( مضطجع ) وبين من اضطجع في هذا الزمن على فراشه تاركا للصلاة !

قال ( فأتينا على رجل مضطجع ، وإذا برجل قائم عليه بصخرة فيثلغ رأسه بهذه الصخرة فتتدهده فلا يذهب ويعود إليه إلا صح رأسه كما كان )

في رواية أخرى :

( يُفعل به هكذا إلى أن تقوم الساعة )

فدل هذا على أن هناك عذابا أليما فظيعا في القبور لمن ضيَّع الصلاة قبل أن يبعث قبل المعاد .

( فقلت : من هذا ؟ قالا هذا الرجل يرفض القرآن وينام عن الصلاة المكتوبة )

 

 

” يا مضيعي الصلاة “

وأعني بها ( صلاة الجماعة في المساجد ) لا تستحوذ عليك الشياطين فتتألم وتتوجع وتتوهم ويحل بك الشر والبلاء “

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود :

( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )

” يا مضيعي الصلاة “

اسمعوا إلى المروزي رحمه الله في كتابه ” تعظيم قدر الصلاة ” اسمعوا إلى ما نقل من آثار عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم :

ذكر أن عمر رضي الله عنه قال :

( لا إسلام لمن لم يصلِ )

قال علي رضي الله عنه :

( من ترك صلاة واحدة متعمداً من غير عذر برئ الله منه ، وبرئ من الله )

ابن مسعود رضي الله عنه :

(يسأل أي درجات الإسلام أعظم ؟ فقال رضي الله عنه ” الصلاة على وقتها ، فمن ترك الصلاة فلا دين له )

وسئل علي رضي الله عنه عن امرأة لا تصلي ؟

فيقول رضي الله عنه :

( من لم يصل فهو كافر )

سئل جابر رضي الله عنه :

( ما كان يفرَّق بين الإسلام وبين الكفر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؟

فقال رضي الله عنه ” الصلاة ” )

عبد العظيم المنذري رحمه الله في الترغيب ذكر آثارا وقال من ترك الصلاة متعمدا حتى يخرج جميع وقتها فقد أفتى فيه جملة من الصحابة بأنه كافر ، كعمر وابن مسعود ومعاذ وجابر وأبي الدرداء رضي الله عنهم “

بل إن الترمذي رحمه الله ذكر عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي رحمه الله قوله :

( ما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة )

” يا مضيعي الصلاة “

” لا يفتك السرور يوم القيامة “

ابن مسعود رضي الله عنه يقول كما عند مسلم :

( من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله جل وعلا شرع لنبيكم – صلى الله عليه وسلم – سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، وإنكم لو صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف )

” يا مضيعي الصلاة “

” احذروا من الهلاك في دنياكم قبل أخراكم “

نصائح تتابع وتتوالى من الصحابة رضي الله عنهم لمن جاء بعدهم

أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يقولان :

( إياكم والتفريط في الصلاة فإن التفريط في الصلاة هلكة )

 

” يا مضيعي الصلاة ”

” لا تلهُ عن ذكر الله ، وأعظم ذكر لله أن يذكر في هذه الصلاة “

الضَّحاك فسَّر قوله تعالى :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ }المنافقون9

قال : إن  { ذِكْرِ اللَّهِ } في هذه الآية هي الصلوات الخمس .

” يا مضيعي الصلاة “

” لا يفتك النور ، فإذا فات النور حلَّت الظلمة في الدنيا وفي القبور ويوم البعث والنشور “

وإذا فاتك النور حلَّ البؤس والعناء والضراء والأمراض والشدائد وقل ما تشاء من البلايا والرزايا ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند مسلم :

( الصلاة نور )

” يا مضيعي الصلاة “

” ضاعت منكم الحسنات ، بل ضاع منكم تكفير السيئات “

في الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعلى عاتقيه ، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه )

بئس الفعل وبئس الترك ترك الصلاة .

 

 

” يا مضيعي الصلاة “

” والله لو كانت الصلاة يتهاون بها ، أو يتسامح بتركها لتركت حال الحرب “

بل كان نبيكم – أعظم به من أسوة ، أكرم به من قدوة – صلى الله عليه وسلم ، كان يقيمها ليس وحده ، بل جماعة مع أصحابه ، والعدو أمامهم “

قال تعالى :

{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ }النساء102.

بل لو كانت الصلاة يتسامح بإخراجها عن وقتها لحيظات لما قال جل وعلا والسيوف بعضها يحلم بعضا ، والخيول يلتحم ببعض ، لو كان يتسامح بإخراج عن وقتها لحظات لتسومح في مثل هذا المقام ، والقذائف تتساقط ، والرماح والنبال تتساقط أمام وخلف وعن يمين وعن يسار المجاهدين في سبيل الله :

{فَإنْ خِفْتُمْ } إذا لم تقيموا الصلاة جماعة ولم تؤدوها ركوعا على صورة الركوع  ، أو سجودا على صورة السجود {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً }البقرة23 ، صلوها { رجَالاً  } على أقدامكم على أرجلكم { أَوْ رُكْبَاناً } على الخيول ، حتى بالإيماء ، ولكن لا يسمح لكم بأي حال من الأحوال ، فماذا عساك أن تقول يا من لست في الحروب ؟ يا من لست في الكرب ؟ يا من لست في الجوع ؟ يا من لست في الخوف ؟

بل أنت في أمن ، ملأى بطوننا ، عم أمننا ، كثر خيرنا ، ماذا عساك أن تقول وأنت تنام عن الصلاة ، لا تستيقظ إلا من أجل دنياك حينما ينبهك المنبه للدوام ؟

ماذا عساك أن تقول يا من فوَّت صلاة العصر من أجل الدوام ؟

سبحان الله ! متى نفيق ؟

أسأل الله جل وعلا بمنه وكرمه أن يحبب إلينا وإلى أولادنا هذه الصلاة ، وأن يجعلها راحة لنا كما كانت راحة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يجلها قرة عين لنا كما كانت قرة عين لنبيكم صلى الله عليه وسلم ، فالله الله في الصلاة ، اللهم بلغت ، اللهم فاشهد .

الخاتمة : ……………………..