بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه :
حديث رقم -355-
( صحيح ) حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان ثنا الأغر عن خليفة بن حصين عن جده قيس بن عاصم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر )
من الفوائد :
أن من موجبات الغسل ” الإسلام ” فإذا دخل الكافر في الإسلام وجب عليه الغسل ، بدلالة هذا الحديث ، وهذا الحديث من أقوى الأدلة على وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم ، كما ذهب إلى ذلك جمع من العلماء ، وذلك لأن الأمر يقتضي الوجوب .
وذهب بعض العلماء : إلى أن الاغتسال من الكافر إذا أسلم ليس واجبا ، إنما هو سنة ، قلنا ما دليلكم ؟
قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أمره لكل كافر أسلم أن يغتسل .
وذهب بعض العلماء إلى ما ذهب إليه هؤلاء ولكن دليلهم هو عدم الدليل ، إذ ضعفوا هذا الحديث والحديث الذي يليه .
وذهب بعض العلماء : إلى أن الكافر إذا أسلم لا يلزم بالغسل إلا إذا أتى في كفره ما يقتضي الغسل كأن يكون جنبا .
والصواب / هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الغسل واجب على الكافر إذا أسلم ، فأمره عليه الصلاة والسلام لبعض الصحابة أمر للجميع ، وعدم النقل لا يدل على العدم ، فكون صلى الله عليه وسلم يأمر شخصا واحدا لا يدل على أنه لا يجب على الجميع ، ولذا صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله ( قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة ) فلا ينظر إلى العدد وإنما ينظر إلى الأمر .
ومن الفوائد :
أن من الحكمة في وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم أن يجمع بين الطهارتين ، فإنه لما طهَّر قلبه طهارة معنوية بالإسلام وتلاشى منه الكفر ناسب أن يطهر بدنه بالماء ليجمع بين الطهارتين .
ومن الفوائد :
أن المبالغة في الغسل أمر ندب إليه الشرع ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يضاف السدر مع الماء ، مع أن الواجب في الإجزاء هو الماء ، لكن إضافة السدر من باب المبالغة في التنظيف والتطهير ، وإلا فلا يجب السدر .
حديث رقم -356-
( حسن ) حدثنا مخلد بن خالد ثنا عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده : أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألق عنك شعر الكفر – يقول احلق – قال وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه ( ألق عنك شعر الكفر واختتن )
من الفوائد :
أن هذا الحديث يحسنه الألباني رحمه الله ، بينما يضعفه علماء آخرون ، ولكن للشواهد التي تعضد هذا الحديث قيل بأنه حسن .
ومن الفوائد :
أن المستحب في حق الكافر أن يحلق شعره ، ولماذا لم يقل بالوجوب ؟
لم يقل بالوجوب لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أضاف الشعر إلى الكفر ، ففهم من ذلك أن الشعر المأمور بحلقه هو ما كان علامة على الكفر ، لأن الكفار يجعلون لشعورهم علامات ، كأن يحلق بعضه ويدع بعضه أو أن يربطه ، أو ما شابه ذلك ، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء من أن المراد بالشعر هنا هو الشعر الذي هو علامة للكفار ، ويمكن أن يقال إن الكافر إذا أسلم ولم يكن في شعره علامة للكفر كأن يكون شعره مثلا مثل شعور المسلمين فإنه أيضا يؤمر بحلقه ، من باب أن هذا الشعر نبت حال الكفر فلا ينبغي له أن يظهره ، فيكون التوجيه في هذا الحديث على حسب ما أراه وتوصلت إليه والعلم عند الله ” أن الكافر متى ما أسلم يستحب له أن يحلق شعره على أي حالة كان هذا الشعر من العلامات أو لم يكن له علامات ، لم ؟ لأن هذا الشعر نبت حال الكفر فلا ينبغي له أن يدع شيئا يذكره بكفره “
بينما كما قلت لكم ذهب كثير من العلماء إلى أن المراد بحلق الشعر هنا هو حلق الشعر من الكافر إذا كانت هناك علامة للكفار في شعورهم .
ومن الفوائد :
أن الاختتان مأمور به ، فإذا قلنا إن الحديث ضعيف ، فدل على أن الاختتان ليس واجبا ، وإذا قلنا إنه حسن فإن الاختتان يكون واجبا ، ولذلك ذهب كثير من العلماء إلى أن الاختتان ليس بواجب .
ولكن الصواب وجوبه ، فإن أخذنا بهذا الحديث فبها ونعمت ، وإن لم نأخذ به باعتبار ضعفه ، فإن عدم الاختتان يبقي هذه القلفة التي تجمع النجاسة ، ومعلوم أن النجاسة لا تتوافق في بقائها مع صلاة العبد ، فكيف تصح له صلاة وهو يحمل النجاسة ؟
وستأتي أدلة إن شاء الله تعالى تؤيد ما ذكرناه من أن الختان واجب على الرجال .
ومن ثم فإنه إذا حصل هذا الاختلاف عرف خطأ بعض من يأمر الكافر حينما يُسلم أن يختتن ، فيأبى هذا الكافر فيلزمه بالاختتان فينفر عن الدين ، وهذا خطأ كبير ، لأن الاختتان على قول كثير من العلماء سنة ، وعلى افتراض أنه واجب فإننا لا نقدم على مصلحة في خضم الوقوع في مفسدة كبرى ، كونه يدخل في الإسلام ولا يختتن أهون من ألا يدخل الإسلام .
ومن الفوائد :
الذي يظهر لي أن الرسول صلى الله عليه وسلم عمَّم الشعر ، وهذا يؤيد ما توصلت إليه من أن الشعر من الكفار يحلق سواء كان علامة للكفار أو لم يكن ، لأنه لم يذكر هنا شعر الرأس وإنما عمم ، فيدخل في ذلك جميع الشعور ، لأنه قال ( ألق عنك شعر الكفر )
حديث رقم -357-
( صحيح ) حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثتني أم الحسن يعني جدة أبي بكر العدوي عن معاذة قالت سألت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم ؟ قالت تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة ، قالت ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعا لا أغسل لي ثوبا )
من الفوائد :
أن بعض الصحابيات رضي الله عنهن بل من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من لا تجد ثوبا تحيض فيه ، يعني ليس لديها ثوب مخصص للحيض ، بينما عند الصحابيات الأخريات ثياب مخصصة للحيض ، كما مر معنا في حديث أم سلمة رضي الله عنها ( أنها ذهبت لتأخذ ثياب حيضتها ) فدل على أنها خصصت ثيابا للحيض ، بينما عائشة رضي الله عنها كما هو ظاهر هذا الحديث أنها تحيض في ثوبها الذي تلبسه عادة وتصلي فيه .
ومن الفوائد :
أن دم الحيض نجس ، لأنه جاء الأمر هنا بغسله .
ومن الفوائد :
أن الأثر من اللون إذا بقي من النجاسة فلا يؤثر ، ولذلك أرشدت عائشة رضي الله عنها إلى أن تضع علي الأثر صفرة حتى يختفي لون الدم ، وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يظهر بالمظهر اللائق أمام الآخرين ، فإن الأثر الذي هو اللون لو بقي بعد غسله فالثوب طاهر .
ومن الفوائد :
أن عائشة رضي الله عنها تحيض ثلاث حيض جميعا يعني في ثلاثة أشهر متتابعة ، فتحيض في الشهر حيضة ثم في الشهر الثاني ثم في الشهر الثالث ، ومع ذلك كانت لها ثياب تصلى فيها .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث وأمثاله فيه تربية وعلاج للموسوسين في النجاسة بأن يتقوا الله عز وجل ويأخذوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة رضي الله عنهم ، فإن الأثر وهو اللون قد بقي ومع ذلك ما عجز عنه الإنسان فلا يؤثر عليه ولا على عبادته .
ومن الفوائد :
أن على طالب العلم سواء كان رجلا أو امرأة أن يسأل عما أشكل عليه ، لأن العلم يزداد مع الإنسان إذا كثر سؤاله فيه واهتمامه به ، فهذه معاذة قد سألت عائشة رضي الله عنها عن أمر الحيض ، والشواهد والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن هذا العلم الغزير الذي ظفر به ؟ قال ( بلسان سؤول وقلب عقول )
حديث رقم -358-
( صحيح ) حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا إبراهيم بن نافع قال سمعت الحسن يعني بن مسلم يذكر عن مجاهد قال قالت عائشة : ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها )
من الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أن النجاسة إذا زالت بأي مادة طهرت ولا يلزم الماء ، لأن المادة المنظفة هنا الريق ، ولا شك أن ما ذهبوا إليه هو الراجح ، ولكن هل الريق يحصل به التطهير في مثل هذه النجاسة ؟
الجواب : لا يحصل به التطهير الكامل ، نحن نؤيد ما ذهب إليه هؤلاء العلماء وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله من أن النجاسة عين مستقذرة متى ما زالت زال حكمها بأي مادة من ماء أو غيره ، لأن غير الماء قد يكون أبلغ في التنظيف ولاسيما في هذا العصر ، لكن هل هذا الحديث دليل لهم ؟
الذي يظهر أنه لا دليل لهم فيه ، وذلك لأن الريق لا يحصل به التطهير الكامل .
لو قال قائل : هذا يدل على أن دم الحيض ليس بنجس ؟
الجواب / أن هناك رواية ستأتي معنا إن شاء الله تعالى تدل على أن المراد من هذا الحيض الذي بلَّ بالريق إنما هو قطرة دم ، ليس دما كثيرا .
إذاً دم الحيض دم نجس ، ولكن القليل منه يعفى عنه بدلالة هذا الحديث ، وذلك دفعا للمشقة ، فيكون في هذا الحديث دليل لشيخ الإسلام رحمه الله من أنه يعفى عن يسير النجاسة مطلقا إذا وجد الحرج والمشقة ، ولا شك أن القطرة من الدم لو تتبعتها المرأة ولاسيما في ذلك الزمن فإنه يكون شاقا عليها ، ويمكن أن يظهر هذا فيمن أصيب بسلس البول فقد تتناثر بعض القطرات على سراويله أو ثيابه ، فاليسير منها على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عنه ، لم ؟ للمشقة والحرج ، وليس معنى هذا أن الإنسان إذا أصابه دم أو رشاش بول يسير أن يدعه – كلا – فالمقصود يعفى عن يسير النجاسة مطلقا متى ما وجدت المشقة وحصل الحرج .
حديث رقم -359-
( ضعيف ) حدثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا عبد الرحمن يعني بن مهدي ثنا بكار بن يحيى حدثتني جدتي قالت دخلت على أم سلمة فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض فقالت أم سلمة ” قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه ، وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك ، ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها )
هذا الحديث ضعيف ولو صح فإنه يستفاد منه فوائد وقد دلت عليها أحاديث أخرى :
أن الأصل في الأشياء الطهارة ما لم يتيقن وجود النجاسة ، لأن ثوب الحائض قد لا يسلم من النجاسة ، ولكن الأصل [ بقاء ما كان على ما كان ]
ومن الفوائد :
أن المسلم إذا وقعت على ثوبه نجاسة لا يلزم بتغيير ثوبه ، وإنما متى ما غسل النجاسة جاز له أن يصلي .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال إن شعر المرأة إذا كان مظفورا فإنه يلزمها إذا حثت على رأسها ثلاث حثيات أن يصل الماء إلى أصول الشعر ، فإذا وصل الماء إلى أصول الشعر فإن هذه الحثيات تكفي .
والله اعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد