تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الرابع والخمسون من حديث 453 ( 2 ) – 454

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الرابع والخمسون من حديث 453 ( 2 ) – 454

مشاهدات: 435

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الرابع والخمسون

من حديث  453 ( 2 ) – 454

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

حديث رقم – 453-

( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدين سيوفهم فقال أنس فكأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وإنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل قال أنس وكان فيه ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه حجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:

   اللهم لا خير إلا خير الآخرة   فانصر الأنصار والمهاجرة   )

تتمة الفوائد :

أن الملأ من بني النجار أحاطوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والملأ هم الأشراف والرؤساء ، سموا بهذا الاسم لأنهم ملئ بالرأي والشجاعة والقوة والمال ، فالرئيس والزعيم المجموعة من هؤلاء يسمون ملأً لأنهم ملئ بالرأي والشجاعة والمال .

ومن الفوائد :

أنه لا حرمة لقبور المشركين ولا لأبدانهم ، ولذلك لما مات أبو طالب أتاه علي رضي الله عنه وقال ( يا رسول الله إن عمك الضال قد مات ، فقال صلى الله عليه وسلم قم فواره بالتراب ) يعني احفر حفرة وضعه فيها وواره بالتراب دون أن يكون هناك تغسيل أو تكفين أو صلاة عليه .

وأما بالنسبة إلى قبور المسلمين فإنه لا يجوز أن يتعرض لها بشيء ، فهذا المكان مكانهم ، فهم أحق به من غيرهم ، ولا يلتفت إلى طريق يُسلك من خلال هذه المقبرة أو إلى أمر آخر ، فهم أحق من غيرهم بهذا المكان ، اللهم إلا إذا لم يبق منهم  شيء بتاتا ، فهذا للرأي فيه مجال ونظر ، وإلا فالأصل أن هؤلاء المقبورين من المسلمين هم أحق بهذا المكان وأولى من غيرهم ، وأما بالنسبة إلى أبدانهم فقد قال عليه الصلاة والسلام ( كسر عظم الميت ككسر عظمه وهو حي )

اللهم إلا إذا كان هؤلاء المقبورون من المسلمين قد دفنوا في بيت مخصوص – يعني ليس مشاعا – فإنهم يؤخذون ويوضعون في قبور المسلمين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا ) وهذا يشمل الدفن فيها ، ويشمل عدم الصلاة فيها ، وقد مر معنا هذا مفصلا في ” كتاب التوحيد ” لما قرأنا الفوائد العقدية ، وذكرنا ما يمكن أن يكون محل شبهة في كون النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته ، فكيف نوفق بين هذا وهذا ؟

ذكرنا ذلك ، ومن بين ما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون ) وهناك أيضا حجج أخرى ذُكرت في الفوائد العقدية ، ولماذا دفن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما معه ؟ هذا كله هناك .

ومن الفوائد :

أن هؤلاء – وهم بنو النجار- قد بذلوها لله عز وجل ولم يأخذوا عليها ثمنا وهو الصحيح كما جاءت بذلك الأحاديث ، بخلاف أهل السير فإنهم قالوا إنهم أخذوا عليها مبلغا معاوضة .

ومن الفوائد :

جواز وقف الأرض المشاعة في الملك ، فإن هؤلاء كانوا يملكون أرضا مشاعة بينهم ، فأوقفوها لله عز وجل ، فجاز وقف المشاع ، فلو كانت هناك أرض لأربعة من الأخوة أو أقل أو أكثر وأرادوا أن يوقفوها ، جاز هذا الوقف .

ومن الفوائد :

أنهم قالوا ( لا نطلب ثمنها إلا إلى الله ) فيكون معنى هذه الجملة : أي لا نطلب ثمنها وإنما هي مفوضة إلى أمر الله .

ويمكن أن تكون ( إلى ) بمعنى ( من ) يعني لا نطلب ثمنها إلا من الله ، وقد قال ابن حجر رحمه الله ” جاءت رواية الإسماعيلي بهذا النص ( لا نطلب ثمنها إلا من الله ) .

ومن الفوائد :

أن القبلة ذكرت هنا في الحديث ، ومعلوم أنه ليست هناك قبلة واضحة كقبلة مساجدنا ، وإنما لعل ذكر القبلة هنا أي جهة القبلة ، وليس المقصود بأن هناك قبلة واضحة مميزة ، لأن هذه المحاريب ما وجدت إلا في العصور المتأخرة ، وليست موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن العضادة وقد ثنيت هنا ( عضادتيه ) هي بمنزلة الخشبتين اللتين تكون في حافة الباب ، هذه تسمى بعِضادة بكسر العين ومن الفوائد :

بيان فضل التعاون ، وظهر هذا جليا في تعاون الصحابة رضي الله عنهم بعضهم مع بعض بوجود النبي صلى الله عليه وسلم لما بنوا هذا المسجد .

ومن الفوائد :

أن ذكر ما يتسلى به الإنسان على عمله من حداء أو جمل منشطة شريطة أن تكون عفيفة في ألفاظها وفي معانيها ، فإنه لا بأس بها ، فإنهم كانوا يرتجزون ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز معهم ، ولذا ثبت بإسناد صححه الألباني رحمه الله ( أن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما كانوا في أسفارهم إذا ملوَّا من السفر جعل بعضهم يأتي بأبيات من الشعر ويلحنها ) من باب أن تذهب السآمة ويذهب الملل عنهم ، لكن شريطة ألا يكون هذا كما أضفنا في الشرط السابق أن يكون الكلام نزيها ، شريطة ألا يغلب على وقت الإنسان ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين ( لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلأ شعرا ) عبَّر هنا بالامتلاء ، فدل على أن الشعر إذا غلب أو كثر على حياة الإنسان فإنه مذموم ، لأنه يشغله عما هو أهم ، ولذلك لما ذم عز وجل الشعراء استثنى منهم من يذكر الله كثيرا لا من يشتغل بالشعر كثيرا ، قال عز { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ{225} وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ{226} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا }

ومن الفوائد :

أن في ظاهر هذا الحديث ما قد يحدث شبهة وهي أن الله سبحانه وتعالى قال عن النبي صلى الله عليه وسلم  { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }يس69فكيف يرتجز معهم ؟ وكان صلى الله عليه وسلم يستشهد ببعض الأبيات ؟

فقال بعض العلماء : إن الرجز ليس شعرا ، فلا يدخل ضمن الممنوع .

وقال بعض العلماء :  بدخوله لاسيما وأن هناك أبياتا ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فماذا عسانا أن نقول ؟

نحن نقول : بأن النبي صلى الله عليه وسلم ما تعلم الشعر ولا ينبغي له ، وذلك  حتى لا يختلط القرآن بالشعر ، ولذلك قال عز وجل  {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ }الحاقة41 ، ولما ذكر الشعراء ذكر قبلهم الكهان { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ{221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ{222} يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ{223} وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ{224} فماذا نقول ؟

نقول : إن كان الرجز ليس بشعر ، فلا إشكال في ذلك .

لكن لو قيل بأنه شعر ، نقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم ما أتى ببيت استشهد به على وزنه ، لابد أن يغير ، فمن تتبع الأبيات الشعرية التي استشهد بها النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بها على وزنها وإنما يقدم شيئا أو يؤخر شيئا ، حتى يختل الوزن .

لكن لو قال قائل : النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة حنين :

أنا النبي لا كذب      أنا ابن عبد المطلب

فنقول هذا ليس بشعر ، وإنما هذه سليقة من فصاحته عليه الصلاة والسلام ، فليس المقصود منها الشعر ولا الرجز ، وإنما من قوة فصاحته صلى الله عليه وسلم واستعظامه لما رأى من انصراف الصحابة رضي الله عنهم في غزوة حنين وإقبال هؤلاء الكفار وبقي عليه الصلاة والسلام ونفر معه ، قال هذه الكلمات وليس فيها ما يدل على أنها شعر ، ويكفينا النص القاطع في قوله تعالى { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }يس69.

سؤال : هل يجوز للإمام أخذ ملك الغير للمصلحة العامة ؟

الجواب : من شروط صحة البيع أن يكون البيع عن تراضٍ من الطرفين من البائع ومن المشتري ، لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ }النساء29، وكذالك قوله عليه الصلاة والسلام في السنن ( إنما البيع عن تراض ) فلا يجوز لأن يكره شخص على بين سلعته أو بيع أرضه من غير وجه حق،  لكن إن كان هناك حق فلا إشكال في ذلك ، كأن يكون هناك مفلس وأخذ أموال الناس فيتدخل السلطان فيبيع ماله من أجل أن يسدد ما عليه من الدين ، فهذا إكراه بحق ، كذلك لو أن المصلحة العامة اقتضت أن يوضع في هذا المكان ما يكون فيه مصلحة للمسلمين وأن بقاء هذا الشيء يكون فيه مضرة على المسلمين كما هو حاصل في مكة أو في المدينة من التوسعة فإن للحاكم أن يتدخل في هذا الأمر وأن يرضي صاحبه بثمنه كما فعل عليه الصلاة والسلام مع هؤلاء ، لأنه رأى أن هذا المكان هو المناسب ، ومما يقوي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عصره رجل دبَّر مملوكه ، ولا يملك غيره ، والتدبير : هو أن يقول السيد إن غلامي هذا حر دُبر حياتي يعني بعد وفاتي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم باعه ، لم ؟ لأن هناك مصلحة تقتضي بيعه ، لأنه إذا دبَّر هذا الغلام وليس عنده ما يملك ، كيف يأكل ؟ كيف يشرب ؟ كيف يُخدم ؟ فإذا كانت هناك مصلحة فلا إشكال في هذا الأمر .

وبالنسبة إلى آحاد الناس لا يجوز لهم أن يجبروا أحدا على بيع أراضيهم أو بيع سلعهم ، لكن إذا كان هذا للمصلحة العامة فلا إشكال في ذلك ، شأنه كشأن وضع محميات ، نص الفقهاء على أنه يجوز أن يحمي الإمام مرعى لمصلحة المسلمين بشرط ألا يكون عليهم ضرر ، ومعلوم أن المكان المشاع ملك للمسلمين فلا يجوز أن يُحجر ولا يجوز أن يحاز لشخص ما ، فإذا وجدت المصلحة فلا إشكال في ذلك ، كذلك الشأن هنا ، وكذلك إذا كان هذا الأمر فيه مصلحة فينبغي للمسلم أن تطيب نفسه كما طابت بنو النجار بهذا ، فحظوا بأجر من الله عز وجل .

حديث رقم – 454-

( صحيح ) حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال كان موضع المسجد حائطا لبني النجار فيه حرث ونخل وقبور المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثامنوني به ، فقالوا لا نبغي به ثمنا فقطع النخل وسوى الحرث ونبش قبور المشركين ، وساق الحديث وقال ( فاغفر )  مكان ( فانصر ) .

من الفوائد :

هذا الحديث يؤكد ما سبق من أن الحائط لهؤلاء إنما هو حائط بستان ، لأنه ذكر فيما سبق النخل ، وذكر هنا النخل وذكر الحرث ، يعني أن هذا المكان قد حرث وأعد للزراعة ، فالحائط المذكور هنا يدل على أنه بستان لما ذكر من النخيل والحرث .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد