تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الحادي عشر من حديث ( 291 ) حتى ( 304 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الحادي عشر من حديث ( 291 ) حتى ( 304 )

مشاهدات: 489

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الحادي عشر

من حديث ( 291 ) حتى ( 304 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما تفعل النُّفساء عند الإحرام

حديث رقم – 291-

( صحيح ) أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم واللفظ له قالوا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله فسألناه عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم فحدثنا :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لخمس بقين من ذي القعدة وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلي واستثفري ثم أهلي )

من الفوائد :

أن أعظم حديث احتوى على فوائد كثيرة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم هو حديث جابر رضي الله عنه ، فقد بيَّن وفصَّل معظم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذا رجع إليه كثير من أصحابه في أمور الحج ، ومن ذلك ما حصل في أمر النفساء .

ومن الفوائد :

أن الحائض والنفساء إذا أرادتا النسك سواء كان نسك عمرة أو حج فإن الواجب عليها ألا يتجاوزا الميقات إلا بإحرام ، أما ما تفعله بعض النساء إذا كانت حائضا من تأخير الإحرام إلى ما بعد أن تطهر فتحرم في مكة – هذا خطأ- .

ومن الفوائد :

أن الغسل للإحرام مسنون ، ولذا أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم أن تغتسل ، إضافة إلى ما ورد من أحاديث أخرى في هذا الباب .

ومن الفوائد :

أن الإحرام لا يلزم من صحته أن يكون الإنسان طاهرا ، فإنها أُمرت بالإحرام مع أنها غير طاهرة ، والمقصود الطهارة من الحدث وإلا فبدنها كما مر معنا طاهر .

ومن الفوائد :

أن المرأة النفساء وكذلك المستحاضة إذا جرى معها الدم عليها أن ( تستثفر بثوب ) أي تستتر بثوب ، فتضع هذا الثوب على فرجها ، فتشده على فرجها حتى لا ينزل شيء من هذا الدم فتتسخ ملابسها أو بدنها .

باب دم الحيض يصيب الثوب

حديث رقم – 292-

( صحيح )  أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار قال سمعت أم قيس بنت محصن أنها :   سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب قال حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر  )

 

من الفوائد :

أن دم الحيض دم نجس إذ لو لم يكن نجسا لما أمر عليه الصلاة والسلام بهذه المبالغة في تنظيفه من الثوب ، ويكون ذلك بحكه بضِلْع أو بضِلَع ، يصح الوجهان ، إما بإسكان اللام وإما بفتحها ، والمراد منه العود ، لأن الأصل في الضلع هو عظم البهيمة ، فشبه العُود بالعظم باعتبار الشكل أو الحجم ، وهذا من باب تقليل النجاسة قبل أن تغسل ثم يغسل بالماء ويتسحب أن يكون مع الماء السدر مبالغة في التنظيف ، ولو اقتصر على الماء فلا بأس بذلك  ،لما سيتأتي معنا إن شاء الله تعالى ، قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خولة ( يكفيك الماء ولا يضرك أثره ) .

ومن الفوائد :

أن الفرك للنجاسة ليس تطهيرا ، إذ لو كان تطهيرا لبين ذلك عليه الصلاة والسلام ، فلابد من أن تزول النجاسة .

ومن الفوائد :

أن الأفضل في حق المسلم ألا يباشر غسل النجاسة بيده ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تحكه بضلع أولاً حتى لا تباشر النجاسة .

حديث رقم – 293-

( صحيح )  أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وكانت تكون في حجرها أن امرأة :   استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه وصلي فيه )

من الفوائد :

أن الأفضل في حق المرأة الحائض إذا طهرت ثوبها المصاب بنجاسة دم الحيض أن الأفضل لها أن تحكه أولا حتى يتحلل جُرمه ، ثم تقرصه بالماء فتضع عليه ماءً ثم تفركه ، فالقرص المراد منه القبض على الشيء ، ثم يغسل بالماء .

وهل غسله بالماء زيادة في التنظيف أم أنه أمر مشكوك فيه ؟ ذهب إلى ذلك بعض العلماء ، من أن النجاسة إذا شُكَّ فيه يبالغ فيها ، فزيادة الماء مع أن القرص بالماء كافي يدل على أن هناك نجاسة مشكوك في بقائها ؟

ولكن الصواب : أن الأمر بنضحه بالماء زيادة في التنظيف .

ومن الفوائد :

أن ( النضح ) يطلق على الرش ، وقد يطلق على الغسل كما هنا ، فالنضح عبارة يمكن أن تطلق على الرش ويمكن أن تطلق على الغسل .

ومن الفوائد :

فيه بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم من الذكور والإناث على أمور الدين ، فإنهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أشكل عليهم ، وهكذا ينبغي للعبد أن يكون كثير السؤال في شرع الله عز وجل مما لا يعلمه أو مما أشكل عليه .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه الصحابيات رضي الله عنهن من قلة الثياب ، فإن المرأة قد لا يكون عندها إلا ثوب واحد لحيضتها ولطهرها ، مع أنه كما مر معنا أن الأفضل في حق المرأة أن تتخذ ثيابا مختصة بالحيض ، كما قالت أم سلمة رضي الله عنها ( فانسللت فأخذت ثياب حيضتي )

باب المني يصيب الثوب

حديث رقم – 294-

( صحيح )  أخبرنا عيسى بن حماد قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :   هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي كان يجامع فيه قالت نعم إذا لم ير فيه أذى )

من الفوائد :

بيان ما كان عليه صلوات ربي وسلامه عليه من شظف العيش إذ كان لا يلبس إلا ثوبا واحدا وقد جامع فيه .

من الفوائد :

أن الجنب لو صلى في ثيابه التي جامع فيها – كأن يلبس سراويله التي جامع فيها – فلا بأس بذلك ، ولكن الأفضل ألا يكون بها أذى ، فإن وجد بها الأذى الذي هو المني فهل يصلي بها أم لا ؟

هذه مسألة مختلف فيها ، والاختلاف فيها بناء على حكم المني أهو طاهر أم نجس ، أم أن اليابس منه طاهر والرطب منه نجس ؟

ثلاثة أقوال ، والصواب أنه طاهر لما سيأتي معنا إن شاء الله في حديث عائشة رضي الله عنها .

ومن الفوائد :

أن وصف المني بأنه ( أذى ) فيه دليل لمن قال بأن المني نجس ، لأنه قال ( أذى )

ولكن الصواب : أنه لا دليل في ذلك لأن الشيء الطاهر قد يطلق عليه أذى .

وأما فرك النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة في الثوب الذي به أذى ” هذا في بعض الأحوال ” ، لكن عائشة رضي الله عنها روت أنه صلى به ، فيكون هذا الفعل في هذا الحديث من باب بيان الأفضل والأكمل أن ينظف ما أصاب الثوب من المني .

 

 

باب غسل المني من الثوب

حديث رقم – 295-

( صحيح )  أخبرنا سويد بن نصر قال أنبانا عبد الله عن عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت :   كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه )

من الفوائد :

أن بعض العلماء استدل به على نجاسة المني ، لأنه لو لم يكن نجسا لما غسلته عائشة رضي الله عنها .

والصواب : أن هذا الغسل مبني على المبالغة في التنظيف إذ من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحب أن يرى على أحسن حال .

ومن الفوائد :

الرد على ما اشتهر من مذهب الإمام أحمد من أن المرأة لا تخدم زوجها ، وإنما عليها أن تتهيأ له في الفراش ، أما ما عدا ذلك من الخدمة فلا تلزم .

والصواب : خلاف ذلك ، لأن هذا ليس من المعاشرة بالمعروف ، ولأن حال الصحابيات رضي الله عنهن ومنهن أمهات المؤمنين من أحوالهن أنهن يخدمن أزواجهن .

ومن الفوائد :

أن ( المني ) يصح أن يطلق عليه لفظ الجنابة ، وهذه فائدة بلاغية ، وذلك لأن المني سبب للجنابة ، فلما كانت سببا صح أن يطلق عليه لفظ الجنابة ، ويسمونه ( مجازا ) ولكن الصواب أنه لا مجاز في اللغة ، كما ذهب إلى ذلك المحققون من أهل العلم ، وإنما هذه أساليب عربية مرة يؤتى بها بهذا اللفظ ومرة يؤتى بها بهذا اللفظ وليس هناك مجاز ، فالكلام شيء واحد وهو كلام حقيقي وليس له قسيم آخر وهو ما يسمى بالمجاز .

باب فرك المني من الثوب

حديث رقم – 296-

( صحيح الإسناد )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا حماد عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن الحرث بن نوفل عن عائشة قالت :   كنت أفرك الجنابة وقالت مرة أخرى المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

أن فيه دليلا للقول الراجح من أن المني طاهر إذ لو كان نجسا لما كان الفرك مطهرا ، لأن الفرك لا يزيل النجاسة كلها .

 

 

حديث رقم – 297-

( صحيح )  أخبرنا عمرو بن يزيد قال حدثنا بهز قال حدثنا شعبة قال الحكم أخبرني عن إبراهيم عن همام بن الحرث أن عائشة قالت :   لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

أن فيه دلالة وواضحة من أنها صرحت بأنها لا تزيد على الغسل ، فربما يأتي إنسان ويقول إن هذا الفرك مضاف إليه شيء من الماء ، لكن لما خصصت هذا الحكم بعدم الزيادة دل على أنها اقتصرت على الفرك .

حديث رقم – 298-

( صحيح )  أخبرنا الحسين بن حريث أنبأنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عائشة قالت :   كنت أفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم )

من الفوائد :

مما يدل على أن المني طاهر أنها قالت ( كنت أفركه ) و ( كان ) في أصلها تفيد الاستمرار ، ما لم يأت دليل يخرجها عن ذلك ، فدل على أن معظم أحوالها أنها تقتصر على الفرك .

حديث رقم – 299-

( صحيح )  أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة قالت :   كنت أراه في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحكه )

حديث رقم – 300-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت :   لقد رأيتني أفرك الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم )

حديث رقم 301-

( صحيح )  أخبرنا محمد بن كامل المروزي قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت :   لقد رأيتني أجده في ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحته عنه )

كل هذه الأحاديث لعل المصنف رحمه الله أتى بها ليؤكد أن المني طاهر وليس بنجس ، لأن كثرة الأدلة تقوي المدلول .

باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام

حديث رقم – 302-

( صحيح ) أخبرنا قتيبة عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم قيس بنت محصن :   أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال عليه ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله )

من الفوائد :

بيان ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأفراد الأمة حتى الصغار، فكان الصغار يؤتى بهم إليه ويجلسهم في حجره عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن الأصل في الصغار الطهارة حتى لو أصاب ملابسهم شيء من الرطوبة فالأصل فيها الطهارة ما لم نتيقن أن هذا البلل نجاسة ، ولذلك لم يتورع النبي صلى الله عليه وسلم من أن يجلسه في حجره

ومن الفوائد :

أن هذا الصبي لم يأكل الطعام ، فإنه لو أكل الطعام ينتقل حكمه إلى حكم آخر ، فإنه إذا لم يأكل الطعام فإن بوله من النجاسات المخففة ، لأن النجاسة ثلاثة أنواع :

أولا : نجاسة مخففة وهي ” بول الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام “

ثانيا : نجاسة مغلظة وهي نجاسة الكلب ” وقاس بعض الحنابلة الخنزير على الكلب ، ولكن الصواب الاقتصار على الكلب .

ثالثا : نجاسة متوسطة ، وهي ما عدا هذين النوعين

فالنجاسة المخففة تنضح بالماء ، يرش عليها الماء ولا يلزم الغسل .

والنجاسة المغلظة تغسل سبع مرات أولاهن بالتراب

والنجاسة المتوسطة يكتفى فيها بالغسل ولا يكتفى فيها بالنضح .

ومن الفوائد :

أنها وصفت هذا الغلام بأنه ( لم يأكل الطعام ) فدل على أن الطعام إذا وُضع في فمه دون أن تكون له رغبة فإن الحكم باقي ، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون بأبنائهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يولدون فيحنكهم بالتمر ، والتمر طعام ومع ذلك ما خرجوا عن هذا الحكم ، أما إذا اشتاق إليه وبكى إذا رأى الطعام فإنه ينتقل حكم بوله من النجاسة المخففة وهي النضح إلى النجاسة المتوسطة وهي الغسل .

ومن الفوائد :

أن بعض العلماء : لا يرى النجاسة إلا نوعين ” متوسطة ومغلظة ” أما المخففة فلا ، فبعض المالكية ذهبوا إلى أن بول الغلام الرضيع نجس نجاسة متوسطة فيغسل ، ولذلك قالوا في الحديث أن النضح هنا ” هو الغسل الخفيف ” فيكون قد غسله ، وأما قوله ( ولم يغسله ) أي لم يبالغ في غسله ، هذا ما ذهبوا إليه ، ولكنه خلاف النص .

ومن الفوائد :

أن ( النضح ) أُطلق هنا وأريد به الرش ، هل هذا بالاتفاق ؟ لا ، لأن هناك من ذهب إلى أن النضح هنا معناه الغسل الخفيف .

ومن الفوائد :

أن نضح النبي صلى الله عليه وسلم لبول الصبي يدل على نجاسة بوله ، ولكن نجاسته نجاسة مخففة

ومن الفوائد :

أن النص على ( البول ) يخرج الغائط ، وهل يخرج القيء ؟ فقيء الصبي الرضيع الذي لم يأكل الطعام هل يلحق ببوله أم يلحق بغائطه ؟

قولان لأهل العلم ، والأظهر أنه يلحق بغائطه ، وإن كان القيء أخف من الغائط ، لكننا نقف على ما ورد به النص ، والنص ورد في استثناء البول .

مع أن بعض العلماء : يرى أن القيء بجميع أنواعه من الصغار والكبار أنه ليس بنجس .

ومن الفوائد :

لو قال قائل : لماذا هذا التفريق بين الغلام وبين الجارية ؟

الجواب : أن هذا هو تفريق من الشرع ، وما جاء من الشرع فيجب أن يقبل ولذا عائشة رضي الله عنها لما سألتها امرأة وهي معاذة سألتها ( ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي  الصلاة ؟ قالت – معللة بأنها هذا مرده إلى الشرع – قالت كان ذلك يصيبنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) فدل على أن أعلى الحكم هي أمر الشرع ، وهذه قاعدة خذها معك ، يعني إذا سئلت لماذا نهي عن كذا ؟ لماذا أمر بكذا ؟ نقول الشرع أمر بذلك ، والدليل ما ذكرناه آنفا، فإن علمت الحكمة فبها ونعمت ، ما علمتَ فعندك أعلى الحكم وهي أمر أو نهي الشرع

ومن الحكم المستوحاة عند العلماء وهي كثيرة ولا شك أن جميعها يدخل ، وقد تستنبط حكم أخرى في المستقبل ، لكن مما استنبط قال : إن أصل الغلام وهو الذكر أصله من التراب والماء ، لأن آدم خلق من طين ، بينما أصل الجارية خلقت من آدم وهي حواء ، ومعلوم أن اللحم أغلظ من الطين ، فكان هذا التفريق بينهما .

وقيل : إن الغلام لديه قوة في تحليل الطعام وإنضاجه أقوى من الجارية ، فلقوة تأثير حرارته البدنية يكون انضاجه للطعام أقوى من الجارية ، فيكون بوله أخف بخلاف الجارية ، ولأن حرارة الذكر أقوى من حرارة الأنثى .

وقيل : إن الولد يحمل كثيرا في المجالس ، لأن الرغبة فيه أكثر من الرغبة في الجارية ، فلو قيل بالغسل لكانت هناك مشقة على حامليه ، فخفف في ذلك ، والمشقة كما هي القاعدة في الشرع [ المشقة تجلب التيسير ] .

وقيل  : إن بول الغلام لا ينتشر بينما بول الجارية ينتشر فكان التخفيف في شأن الغلام بسبب هذا الأمر والغسل في بول الجارية هو الأنسب .

ومن الفوائد :

أن الألبان الموجودة الآن التي يرتضعها الأطفال من الصيدليات تأخذ حكم الطعام ، لأن المقصود من الحديث الغلام الذي يرضع من ثدي أمه ، أما هذه الألبان فإنها من حليب الأبقار وغيرها .

باب بول الجارية

حديث رقم – 304-

( صحيح )  أخبرنا مجاهد بن موسى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا يحيى بن الوليد قال حدثني محل بن خليفة قال حدثني أبو السمح قال قال النبي صلى الله عليه وسلم :   يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام )

من الفوائد :

أن حكم بول الجارية يختلف عن حكم بول الغلام الرضيع ، فهذا الحديث صنَّف الجارية وصنَّف الغلام .

ومن الفوائد :  الرد على المالكية الذين ذهبوا في الحديث السابق إلى أن النضح المقصود منه ” الغسل الخفيف ” نقول هنا نص وصرح بأنه الرش

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث ورد بسياق الخبر ويراد منه الطلب ، قال ( يُغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام ) يعني ( ليغسل ) فهذا خبر يراد منه الأمر ، لماذا عدل عن هذا ؟

كأنه يقول هذا أمر مفروغ منه يجب أن ينفذ فلا يحتاج إلى أمر .