تعليقات على سنن ابن ماجه ( 1 ) من حديث (  1- 26  )

تعليقات على سنن ابن ماجه ( 1 ) من حديث (  1- 26  )

مشاهدات: 468

تعليقات على سنن ابن ماجه

 الدرس الأول / من الحديث  (  1- 26  )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

1- بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الحديث رقم –1-

( صحيح ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»

 

عقد الإمام ابن ماجة رحمه الله في صدر هذه السنن هذا الباب .

يستفاد من هذاالحديث :

 

الإطلاق في وجوب الأخذ  بالأوامر وترك النواهي ، فإنه أطلق في الأوامر ، بمعنى أن أي أمر يأتيك يجب عليك أن تتركه بقطع النظر عن استطاعتك من عدمها ، بينما الأحاديث الآتية ستوضح أن الأوامر مربوطة بالاستطاعة ، بينما النواهي مطلقة .

 

الحديث رقم –2-

( صحيح ) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا» )

في هذا الحديث بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأوامر مربوطة ومقيدة بالاستطاعة ، وهذا يأتي في سياق قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } التغابن16 .

 

ومن الفوائد :

أن الصحابة رضي الله عنهم نُهوا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا ينبغي أن يُسأل ، وهذا أيضا يأتي في سياق قوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } المائدة101، بمعنى أن سؤالكم ينبغي أن يكون عقيب نزول شيء من القرآن لتوضيحه وتبيينه مما خفي عليكم .

 

ومن الفوائد :

بيان أن الأمم السابقة قد أهلكهم الله سبحانه وتعالى ، وأسباب الهلاك الذي نزل بهم متعدد ، من بين هذه الأسباب ما ذكر هنا (بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ) ولا أدلَّ مما فعلته بنو إسرائيل مع موسى عليه الصلاة والسلام في قصة البقرة .

 

الحديث رقم –3-

( صحيح ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ»)

في هذا الحديث بيان وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن طاعته طاعة لله سبحانه وتعالى ، وهذا الحديث يأتي في سياق قوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } النساء80 ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقة ، ليست مقيدة بطاعة غيره ، ولذا لما ذكر سبحانه وتعالى وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة أولي الأمر ، وأولو الأمر اختلف المفسرون في بيانهم ، ولكن أجمع ما قيل فيهم أنهم هم الأمراء والعلماء ، لأن الأمراء هم جهة التنفيذ ، والعلماء جهة التبيين ، في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } النساء59 ، ولم يقل ” وأطيعوا أولي الأمر منكم ” بينما كرر الفعل مع الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مطلقة ، بينما طاعة ولاة الأمر مقيدة بالمعروف .

 

الحديث رقم –4-

( صحيح ) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ «إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ يَعْدُهُ، وَلَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ») .

يستفاد من هذا الحديث :

بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم ولا سيما ابن عمر رضي الله عنهما على الإتيان بنص ولفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ، فهو لا يزيد رضي الله عنه ولا ينقص منه شيئا .

 

وهذا يدل على تحقيق متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبل ابن عمر ، ومعلوم أن ابن عمر له اجتهادات كثيرة في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه كان رضي الله عنه ينزل في المكان الذي علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيه فبال ، أو أن هذا المكان توضأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقف رضي الله عنه ويتوضأ في نفس المكان .

 

 وهذا الفعل كما قال شيخ الإسلام رحمه الله قال : هذا الفعل ليس مقصودا من ابن عمر قصدا حقيقيا ، بمعنى أن ابن عمر لا يذهب إلى ذلك المكان ، وإنما إذا مر به فتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به ووقف ، مر به ووقف في هذا المكان فبال أو توضأ على حسب ما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : إن عامة الصحابة لم خالفوا فعل ابن عمر وجعلوا هذا من اجتهاده ، فإنه حتى ولو مر فإنه لا ينبغي أن يفعل هذا الفعل ، لأنه وسيلة إلى التبرك وإلى الغلو في مثل هذه الأماكن ، ومعلوم أن أباه عمر رضي الله عنه قد قطع الشجرة التي يرتادها الناس .

 

الحديث رقم –5-

 

( حسن ) (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: «آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا، حَتَّى لَا يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِكُمْ إِزَاغَةً إِلَّا هِيهْ، وَايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ»

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ») .

في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما توفي إلا وقد أوضح كل شيء ، حتى كما قال أبو ذر رضي الله عنه : ( ما من طائر يطير بجناحه في السماء إلا ذكر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم علما ) فما ترك شيئا ، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة3 ، فإذا كان قد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، فلا يحق لأحد أن يُنقص من هذا الدين فيكون مفرطا ولا يجوز له أن يزيد عليه فيكون مبتدعا .

 

ومن الفوائد :

بيان أن الناس – ولا سيما هذه الأمة – أنهم سيكونون في نعيم ، ولو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الأمة من النعيم في هذا العصر ورأى الصحابة ذلك لعجبوا أشد العجب ، وبالفعل ما ذكره  صلى الله عليه وسلم قد وقع ، فإنه ما أزاغ كثيرا من الناس عند الدين إلا هذه الدنيا ، وكم نعرف من أشخاص كانوا على خير وصلاح وتُقى ، لكن لما دخلوا في الدنيا وتوسعوا فيها أزاغ الله سبحانه وتعالى قلوبهم أو أضعف إيمانهم .

 

الحديث رقم –6- 

( صحيح ) (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»)

في هذا الحديث بيان أن الحق أبلجّ ، وأن الحق منصور ، وأن أهله منصورون إلى قيام الساعة ، ما قيام الساعة المذكور هنا ؟

قال بعض العلماء : هو ساعة موتهم ، ساعة موت هذه الطائفة المؤمنة التي تكون في آخر الزمن ، لأن الساعة لا يمكن أن تقوم على مؤمن ، وإنما تقوم على شرار الخلق ، فالمقصود من الساعة هنا ليست الساعة التي هي البعث والنشور ، وإنما الساعة موتهم .

 

 

ومن الفوائد:

بيان أن هناك طائفة من الحق منصورة ولا تزال على ذلك ، وهذا دليل لأهل السنة في معتقدهم إذا ذكروا من أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة

وهذه الطائفة اختلف العلماء في وصفها وفي ضابطها ، مَنْ هم ؟

قال الإمام أحمد رحمه الله : إن لم يكن هم أهل الحديث فلا أدري من هم ؟!

وبعض الناس :  قد أخذ بقول الإمام أحمد فظن أن مقصود الإمام أحمد هم أهل الحديث الذين تولوا تدريسه والأخذ به دون غيرهم – وهذا خطأ – ولذلك فسَّر النووي رحمه الله هذه الطائفة بأنها ليست محصورة في زمن ولا في مكان ولا في تخصص ما ، فقد يكون من هذه الطائفة المنصورة أهل التفسير وقد يكون منهم أهل الفقه ، وقد يكون منهم أهل الحديث ، لأننا لو أخذنا بمقولة الإمام أحمد رحمه الله على إطلاقها لأخرجنا مثلا شيخ الإسلام ابن تيمية ، لأنه ليس من المحدثين في المصطلح – في مصطلح الناس ليس محدثا – وكيف لا يكون من الطائفة المنصورة ؟! وغيره كثير .

 

الحديث رقم – 7-

( حسن صحيح ) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا» )

 

في هذا الحديث من الفوائد ، مما يزيد على ما مضى :

أن هذه الطائفة قوّامة على أمر الله ، ما هو أمر الله ؟ ليس مقصودا به الجهاد فحسب ، وإنما هو عموم أمر الله سبحانه وتعالى ، سواء كان جهادا أو حجا أو صلاة أو ما شابه ذلك ، فهم قائمون بأمر الله سبحانه وتعالى .

 

ومن الفوائد :

أن أهل الخير يَقِلون ، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام : ( طوبى للغرباء ) وقال : ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء ) .

 

الحديث رقم –8-

( حسن )

(حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ» )

في هذا الحديث بيان أن الله سبحانه وتعالى يبعث لهذه الأمة مجددين لدينهم ، بمعنى أن آثار الدين لو اندرست يأتي الله سبحانه وتعالى بمجدد ، وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام : ( يبعث الله على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها ) .

 

الحديث رقم – 9-

( صحيح )

(عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ، خَطِيبًا فَقَالَ: أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا وَطَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَصَرَهُمْ» ) .

هذا الحديث ممن رواه معاوية رضي الله عنه ، ومعاوية قد عُلِم ما جرى بينه وبين علي رضي الله عنه ورضي الله عن معاوية ، وما حصل بينهم – هذا اجتهاد ، فالمصيب منهم له أجران ، والمخطئ له أجر واحد ، ولا يجوز أن يلج المسلم فيما حصل بينهم من شجار ، وهو رضي الله عنه يُشير إلى أنه من الطائفة المنصورة ، لأنه جاء في رواية ( لا يزال أهل الغرب )

ومعلوم أن أهل الغرب بالنسبة إلى المدينة هم أهل الشام ، وكان في الشام رضي الله عنه لما جرى ما جرى بينه وبين علي رضي الله عنه ، ومعلوم أن أولى الطائفتين بالحق هو علي رضي الله عنه – كما هو معتقد أهل السنة والجماعة – لكن المسلم لا يخوض فيما شجر بينهم .

 

ومن الفوائد :

أن الواجب على العلماء واجب عظيم فليسوا كغيرهم ولا سيما في زمن المحن والفتن ، ولذلك قالها رضي الله عنه ، ولذلك لا يظهر في زمن الفتن والمحن إلا العلماء ، وإذا كانوا يظهرون فالجواب على آحاد وأفراد الأمة أن يتبعوهم ، والمقصود من العلماء هم العلماء الربانيون الذين جمعوا بين القول والعمل .

 

ومن الفوائد :

أن المسلم ما دام متَّبِعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يُصغي بأذنيه إلى ما يقوله المخذِّلون ، فإنه لا يصيبه ضرر ، وهذا يؤكد أيضا أن الهجرة باقية إلى قيام الساعة ، فما دام الجهاد باقيا فالهجرة لا تزال باقية ، لأنه إذا وُجد جهاد فإن هناك كفر وإسلام .

 

الحديث رقم – 10 – 

( صحيح )

(عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يزالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»)

أوضح هذا الحديث ما لم توضحه الأحاديث السابقة  من أن بقاءهم مقيَّد إلى أن يأتي أمر الله .

ما هو أمر الله ؟ هي الريح التي يبعثها الله سبحانه وتعالى – وهي الريح الطيبة وهي من علامات الساعة – فتقبض روح كل مؤمن ، فلا يبقى إلا شرار الخلق فتقوم الساعة عليهم .

 

الحديث رقم – 11-

( صحيح )

(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَّ خَطًّا، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأَوْسَطِ، فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] “) .

 

هذا الحديث يستفاد منه :

أن المُعلِّم ينبغي له أن يتخذ الوسيلة التي تقرب المعلومة إلى أذهان الطلبة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خط خطا مستقيما وخط خطين عن يمين وعن يسار هذا الخط المستقيم ، من باب توضيح هذا العلم إلى الصحابة رضي الله عنهم ، وقد وردت أدلة كثيرة تدل على ما ذكرنا .

 

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبيّنٌ لما في القرآن ، ففيه رد على تلك الطائفة المسماة بـ ” القرآنيين ” الذين يقولون لا نأخذ إلا بما جاء به القرآن ، وستأتي أحاديث تبين حالهم ، ولذلك قال تعالى : {  وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }النحل44 .

 

ومن الفوائد :

أن المسلم متى ما سلك هذا الطريق فحاد عنه أدنى إحادة يوشك أن يقع في سبل الشياطين ، فليتنبه المسلم وليحرص على أن يسلك السنة وأن يسلك الدين السلم وأن لا يزوغ عنه أدنى إزاغة ، لأنه لو زاغ عنه ربما يقع في سبيل الشيطان ، وإذا وقع في سبيل الشيطان ربما أن يستمرأ هذا السبيل ويسير فيه بتسويف وتسويل من الشيطان فيهلك ، ولذلك لما وضع هذا الخط قرأ الآية { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ } ما الذي بعدها ؟ { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }

 

ومن الفوائد :

أن طريق الحق واحد ، بينما طُرق الغواية والضلال وطرق الشيطان متعددة .

 

2- بَابُ تَعْظِيمِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ عَارَضَهُ

 

الحديث رقم – 12-

 

( صحيح )

(عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معْدِ يكَرِبَ الْكِنْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ” ) .

هذا الحديث يرد على تلك الطائفة المسماة بالقرآنيين الذي يقولون لا نأخذ إلا بما جاء به القرآن ، وهؤلاء من أضل الطوائف لأنهم يشبِّهون على عامة الناس ويدلِّسون عليهم ، فقد يظن أنهم على حق ، وهم أهل الشر ، والغالبية أن مَنْ يقول بهذا القول هم أهل الترف وأهل النعمة الذين يريدون أن يشبعوا رغباتهم ، ولذلك قال : ( متكئا على أريكته ) يدل على ترفه وعلى عظمته .

 

ومن الفوائد :

أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي طاعة الله سبحانه وتعالى ، وما ورد من حديث لفظه ( أي حديث يأتي عليكم فاعرضوه على كتاب الله ) فهو حديث موضوع مختلق لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

الحديث رقم – 13-

( صحيح )

 

(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ ” ) .

هذا نفس الحديث السابق ، ولكن فيه تحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فعل هذا الفعل يوشك أن يراه يوم القيامة في حالة غير مرضية ، أو يحذر الأمة من أن تسلك هذا السبيل وتدع سنته عليه الصلاة والسلام ، لأن قوله ( لا أَلفين ) ويصح ( لا أُلفين ) أي لا أجدن .

 

الحديث رقم –14-

 

( صحيح )

(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»)

هذا الحديث يستفاد منه :

أن أي بدعة من البدع مرفوضة وغير مقبولة في الشرع ، ولذلك قال ( فهو رد ) أي مردود على صاحبه .

 

ومن الفوائد :

أن من أحدث البدعة وأوجدها وأنشأها – غير مقبولة منه – ولذا جاء في رواية مسلم ( من علم عملا ليس عليه أمرنا فهو ر د ) الرد على من قال ” أنا لم أُحدث هذه البدعة وإنما أنا أخذتها ثم فعلتها ” فيقال : ما صدر في حق المبتدع ابتداءً يصدق في حقك أنت ، فأنت وهو في الحكم سواء .

 

ومن الفوائد :

فضيلة إحياء السنن المندثرة ، لأنه قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ) فهذا يدل على أن من أحدث شيئا في الدين قد شرعه الإسلام لكنه مات فأحياه ، أنه مأجور عليه ، ولذلك عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في رمضان في صلاة التراويح على أُبي بن كعب وتميم الداري قال ( نعمت البدعة ) فهو لم يبتدعها رضي الله عنه ، هي موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى بأصحابه ثلاث ليالٍ أو أربع ليال ثم تركها خيفة من أن تُفرض عليهم ، ثم استمر الحال ، كانوا يصلون أوزاعا في المسجد .

وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلا بحروب أهل الردة ولم يجمعهم

فلما طالت المدة وجمعهم عمر رضي الله عنه قال ( نعمت البدعة ) فليس في قوله حجة للمبتدعين في ابتداعهم .

الحديث رقم –15-

 

( صحيح )

(  عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ، اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» قَالَ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] ) .

يستفاد من هذه القصة :

أن مسايل الماء لا تُملك ، والمسايل : هي الأماكن المرتفعة التي يأتي منها الماء إلى مَنْ هو في السُفل من المزارعين ، فهذه المسايل لا تملك وإنما هي عامة ، ولكن الأحق بالماء هو المتقدم ثم الذي يليه ثم الذي يليه .

 

ومن الفوائد:

أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان مع ابن عمته الزبير ، وإنما كان مع هذا الأنصاري ، وهذه زلة حصلت من هذا الأنصاري ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال 🙁 اسق يا زبير ) يعني متى ما سقيت يا زبير أرسل الماء إلى من هو دونك ، فلما تشدَّد وتكلم هذا الرجل بهذه الكلمة التي لا تنبغي في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يفصل مع أنه غاضب عليه الصلاة والسلام ما جار ، وإنما وضع الحكم الشرعي ، قال 🙁 اسق يا زبير إلى الجدر ) يعني إلى الجدار ، وقد حدَّه بعض العلماء إلى العقبين ، بأن يسقي إلى العقبين ( ثم أرسل الماء ) .

 

الحديث رقم – 16-

( صحيح )

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ» فَقَالَ ابْنٌ لَهُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ، فَقَالَ: فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتقولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ؟ ) .

 

يستفاد من هذا الحديث :

فيه بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم على المتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففيه الزجر الشديد على مَنْ رد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو لم يقصد ، لو ردها ظاهرا لم يقصد ذلك ، فإنه يرد عليه تعظيما لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الابن ما قال هذه المقولة لرد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما لما رأى أن النساء قد توسعن ، ويخاف عليهن من الفتنة ، فقال 🙁 والله لنمنعهن )

وهذا يدل على حرص ابن عمر رضي الله عنهما – كما أسلفنا – على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء في رواية ( أنه ما كلَّمه حتى مات )

 يقول ابن حجر رحمه في الفتح : لعل الزمن الذي بينهما كان قصيرا ، لأنه لا يليق بابن عمر رضي الله عنهما أن يهجر ابنه مدة طويلة ، يقول فلعل الزمن الذي بينهما كان قليلا فلم يتمكن من ترك الهجرة .

 

الحديث رقم –17-

( صحيح )

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا إِلَى جَنْبِهِ ابْنُ أَخٍ لَهُ، فَخَذَفَ، فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا وَقَالَ: «إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكِي عَدُوًّا، وَإِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ: فَعَادَ ابْنُ أَخِيهِ يخذفَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، ثُمَّ عُدْتَ تَخْذِفُ، لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا ) .

هذا الحديث يؤكد ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما ، وهذا يدل على عظم تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الابن الأخ لعبد الله بن مغفل قد حذف .

والخذف : وضع الحصاة بين الأصبعين ثم الرمي بها ، ومعلوم أن الرمي بها لا يستفاد منه شيء ، وإنما له أضرار ، أنه يكسر السن ويفقأ العين .

 

الحديث رقم –18-

 

( صحيح )

(عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيَّ النَّقِيبَ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظِرَةً» فَقَالَ: لَهُ مُعَاوِيَةُ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، لَا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ، فَقَالَ عُبَادَةُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ لَا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ، فَلَمَّا قَفَلَ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ، فَقَبَحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: لَا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ، وَاحْمِلِ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ، فَإِنَّهُ هُوَ الْأَمْرُ

) .

عبادة بن الصامت ، قال هو ( النقيب ) لأنه أحد النقباء الذين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصار إلى مكة لمناصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عبادة رضي الله عنه رأى الناس يقعون في الربا ، لأن ( كِسر الذهب ) يعني قطع الذهب ، ومعلوم أن الذهب لا يجوز أن يباع بالذهب إلا مثلا بمثل دون زيادة ، فظن معاوية رضي الله عنه ، وعمر رضي الله عنه قد ولّاه على الشام ، ومعاوية رضي الله عنه ما كان – كما قال شيخ الإسلام رحمه الله – ما كان لا هو ولا علي يريدان القتال .

وإنما مَنْ كان في صفوف الصفين كان يريد القتال ، من أجل أن يخفوا القاتل الذي قتل عثمان رضي الله عنه ، وإلا ما كانا رضي الله عنهما يريدان القتال ،

 

ومعاوية لبث في الشام ولم يترك ولاية الشام ، لأنه في ظنه يرى أن عمر قد ولاه ، وقد أقرَّ عثمان هذا الأمر ، فكيف يليق لعلي رضي الله عنه أن يزيحه ، من هذا المنطلق وقع ما وقع ،

فكان معاوية رضي الله عنه يقول ( يا أبا الوليد ) لأن عبادة له ابن اسمه الوليد ، قال 🙁 ليس هذا هو الربا ، وإنما ما كان في نظرة ) يعني ما كان نسيئة ، فهو رضي الله عنه كان يظن أن الربا لا يكون إلا نسيئة ، أي مؤجلا ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 لا ربا إلا في النسيئة )

وقد كان ابن عباس رضي الله عنهما يرى ما يراه معاوية ، لكنه رجع ، فكان معاوية رضي الله عنه لا يرى ربا الفضل ، أو كان يجهل – الله أعلم بحاله – لكن ابن عباس رضي الله عنهما ما كان يرى ربا الفضل ، وإنما الربا يكون في النسيئة فقط ، فنُوقش في ذلك ورجع رضي الله عنه ، فعبادة سلك مسلك عبد الله بن مغفل وابن عمر رضي الله عنهم ، فقال هذا القول ، ولا يظن بمعاوية السوء ( لا ) لكن عبادة أراد أن يزجر معاوية عن مثل هذا التصرف ، فقال مقولته ، وأيضا مما يؤكد حرص الصحابة رضي الله عنهم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يؤيدون مِنْ يقوم بها ، ولذلك قال عمر رضي الله عنه لعبادة ( ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك فقبَّح الله أرضا لست فيها وأمثالك ) ثم أمر معاوية ألا تكون له ولاية على عبادة ، من باب إبرار قسم عبادة رضي الله عنه ، ومن باب أن يكون في مثل هذه البلد مِنْ هو مثل عبادة .

 

الحديث رقم –19-

 

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظُنُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ، وَأَهْدَاهُ، وَأَتْقَاهُ») .

قال الشيخ الألباني : حديث ضعيف منقطع ( يغني عنه الحديث التالي )

هذا حديث منقطع ، والمنقطع : ما سقط من سنده راوٍ فأكثر ، فإذا كان السقوط متتابعا – كأن يكون السقوط ثلاثة تتابع مثلا – فهذا يسمى معضلا .

فيقول ابن مسعود رضي الله عنه إن صح  – وهو ضعيف – لكن من باب تبيين معناه ، أنه قال ( أهناه ) هو الشيء المستساغ في أكله ( وأتقاه ) يعني لا تظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه أتقى إنسان ( وأهداه ) أي ليس هناك أهدى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلربما أحدثكم بحديث هذا الحديث يتبادر إلى أذهانكم ما لا يليق برسول الله صلى الله عليه سلم ، فهذا الظن أزيحوه من أذهانكم .

 

الحديث رقم –20-

 

( صحيح )

 

(عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ، وَأَهْدَاهُ، وَأَتْقَاهُ» ) .

هذا حديث علي رضي الله عنه ، وكما قال الألباني رحمه الله : هذا الحديث يغني عن الحديث الذي ذكره ابن مسعود رضي الله عنه .

 

ومن باب الظن برسول الله عليه وسلم أنه أهدى وأتقى أنه لا يُعرض عن سنته صلى الله عليه وسلم الكثيرة أو المتواترة إذا وجد كما يخالفها ،فقد يأتي حديث مثلا في إباحة التصوير .

فلا يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح التصوير بناء على هذا الحديث ، وتترك الأحاديث الأخرى الكثيرة التي مثل الجبال ، فيُتنبه إلى هذه النقطة ، قد يأتي حديث مثلا في إباحة الحلف بغير الله فيأخذ به إنسان ، فنقول – سبحان الله – لم تظن برسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ، لم ؟ لأنك تركت وأغفلت الأحاديث الكثيرة التي قد تصل بالمئات في هذه المسألة وأخذت بحديث واحد ، فلو كنت تظن برسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا لجمعت بين هذا الحديث وبين الأحاديث الأخرى .

 

الحديث رقم –21-

( ضعيف جدا )

 

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” لَا أَعْرِفَنَّ مَا يُحَدَّثُ أَحَدُكُمْ عَنِّي الْحَدِيثَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ: اقْرَأْ قُرْآنًا، مَا قِيلَ مِنْ قَوْلٍ حَسَنٍ فَأَنَا قُلْتُهُ “)

هذا الحديث ضعفه الألباني رحمه الله ، ولو صح فيكون معنى الجملة الأخيرة ( فأنا قلته ) الضمير يمكن أن يرجع إلى هذا الرجل المتكبر الذي ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول قولي هو الحسن ، هو الصدق ، وقد يكون الضمير راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمعنى أن ما قلته هو كله حسن وصدق ، صلوات ربي وسلامه عليه .

 

الحديث رقم –22-

 

( حسن )

(عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، «إِذَا حَدَّثْتُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ» ) .

هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فإن أبا هريرة لما ذكر حديث الوضوء مما مست النار ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ( لو كان أقط ) فذكر أبو هريرة رضي الله عنه هذا القول له ، وسيأتي إن شاء الله معنا في السنن الأخرى .

وهذا يدل على تعظيم أبي هريرة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كحال غيره من الصحابة الأجلاء

( فلا تضرب له الأمثال ) يمكن أن يكون كذا ، يمكن أن يكون أراد كذا ، يمكن يقصد كذا ( لا ) الحديث إذا أتاك فخذه ولا تضرب له الأمثال .

 

ومن الفوائد :

 

أن النص العام يجب أن يؤخذ به على عمومه ما لم يرد دليل يخصصه ، وأن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده .

بَابُ التَّوَقِّي فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الحديث رقم – 23-

( صحيح )

 

(عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: ” مَا أَخْطَأَنِي ابْنُ مَسْعُودٍ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ إِلَّا أَتَيْتُهُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ عَشِيَّةٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَنَكَسَ ” قَالَ: «فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَهُوَ قَائِمٌ مُحَلَّلَةً، أَزْرَارُ قَمِيصِهِ، قَدْ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ» قَالَ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ شَبِيهًا بِذَلِكَ )

 

يستفاد من هذا الحديث :

بيان حرص الصحابة رضي الله عنه ولا سيما العلماء منهم على وجه التأكيد أنهم كانوا يقلِّلُون من ذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيفة من ينسوا فيكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، ولذلك يقول 🙁 ما أخطأني مجلسه ) لأنه كان يشهد مجلس بن مسعود رضي الله عنه ، لأن ابن مسعود رضي الله عنهم كان يُحدث أصحابه كل يوم خميس ، فعجب لما قال في يوم من الأيام ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فخاف ابن مسعود رضي الله عنه ، فاغرورقت عيناه ، كأن يعينه قد غرقت في مائها ، مما يدل على كثرة البقاء ، إذا قيل ( اغرورقت عيناه ) يعني كأن العينين قد غرقت في الدموع ، مما يدل على كثرة الدموع ، وانتفخت أوداجه تعظيما لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك ماذا قال في نهاية كلامه ؟ ( أو دون ، أو فوق ذلك ، أو قريبا من ذلك ) من باب أنه قريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

ومن الفوائد :

أن فيه فائدة لطلاب العلم ، وهي أنهم إذا طلبوا العلم وإذا حضروا الدروس أن يستمروا كحال هذا التابعي ، يقول ( ما أخطأني ) مما يدل على أن العلم أن يؤتى بمجالس قليلة ثم ينقطع ، وكذلك لو قرأ في كتاب ، لا يمكن أن يظفر بالعلم إلا إذا استمر عليه وتابع المجيء أو تابع القراءة ، وهذا يدل على حرص التابعين رضي الله عنهم ، ولذلك عظمت منزلتهم لأنهم كانوا حريصين على الالتقاء والأخذ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

الحديث رقم –24-

( صحيح )

(عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، ” إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَفَرَغَ مِنْهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “) .

هذا يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون أشد الحرص على أن يأتوا بنفس لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا استرابوا قالوا ( أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  ) حتى يخرج من العهدة ، لأن الأمر صعب ، فكما أنه يجب على العالم أن يبين للناس ما يحتاجون إليه ، فكذلك يجب عليه أن يتورع عن قول شيء يشك فيه أو يجهله ، لأن الأمر خطير ، فأنت بهذا العلم لا تريد نفع الناس فحسب وإنما تريد أن تنفع نفسك أولا ، حتى تحصل على الأجر ، ولذلك شبَّه الله سبحانه وتعالى العالم الذي ترك العلم ولم يعمل به كالكلب { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }الأعراف176 ، فإن العالم الذي لا يريد بعلمه وجه الله سبحانه وتعالى فهو يلهث – نسأل الله العافية – يمكن يكتب ، ويؤلف كتبا ، ويمكن أن يعقد دروسا ، هذا فيه فهم ، لكنه لا ينتفع ، ينفع غيره لكن هو الخسران – مثل الكلب – يمكن أن يربى ويعلم الصيد فهو ينفع صاحبه ولا ينفع نفسه بهذا الصيد

 

الحديث رقم –25-

( صحيح )

(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قُلْنَا لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَبِرْنَا وَنَسِينَا، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ») . 

هذا أيضا يؤكد ما سبق ، من تورع الصحابة رضي الله عنهم ، ويبين أيضا أن أفضل زمن لطلب العلم هو الصغر ، لأن الكبير قد تضعف حافظته وفهمه .

 

الحديث رقم –26-

( صحيح )

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: «جَالَسْتُ ابْنَ عُمَرَ سَنَةً، فَمَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا»)

 

هذا الحديث يستفاد منه :

أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث لا يحتاج إليه الناس ، ولذلك ورد عنه وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أنهم حدَّثوا ، مما يدل على أنهم متى ما رأوا حاجة الناس تحدثوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتى ما لم يروا فإنهم يتورعون .

 

الأسئلة :

س1: حكم رواية الحديث بالمعنى ؟

 

ج1: الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينقلون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظا ، فإذا اشتبهوا في الأمر قالوا ( أو كما قال ) وهذا يدل على أن رواية الحديث بالمعنى مقبولة على القول الصحيح من قولي المحدثين وأهل الأصول ، ولكنه بشروط من بين الشروط : ألا يكون هذا الحديث من قبيل الأشياء التي جاء بها التوقيف ، فلا يزاد منها ولا ينقص ، مثل ( صيغ الأذان ، والأذكار ) فهذه لا يقال فيها بالمعنى ، وإنما يؤتى بها على حالها .

ومن الشروط : أن يكون الراوي عالما باللغة ، بحيث لو أبدل كلمة بأخرى  يعلم أن هذه الكلمة تقوم مقامها

 

س2: ما معنى حديث ( لا هجرة بعد الفتح ) ؟

 

ج2: النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند أبي داود ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) فكما أن التوبة لا تنقطع إلا بقيام الساعة في أول علاماتها فكذلك الهجرة ، وأما  ( لا هجرة بعد الفتح )

فهذا حديث في الصحيحين ، لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال هذا الحديث ، قاله بسبب أن بعضهم لمَّا أسلم بعد الفتح أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة ، يظن أن الهجرة من مكة إلى المدينة لها فضل مطلقة ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( لا هجرة بعد الفتح ) أي بعد فتح مكة ، لأنها أصبحت دار إسلام ، فلا حاجة إلى الهجرة منها ، والذي يُهاجر منه إنما هو دار الشرك ، ولذلك قال ( لا هجرة بعد الفتح ) قال بعدها ( ولكن جهاد ونية ) فمن أراد أن يري الله سبحانه وتعالى من نفسه خيرا فعليه بالجهاد ، وأن نيته إذا كانت صادقة فإنه يُؤجر عليها فيما لو كان مسلما قبل فتح مكة .

 

س3: هل الفرقة الناجية محصورة في أهل الحديث ؟

 

ج3 : أخطأ من زعم هذا – لم ؟ لأنه ليس كل شيء مرده إلى الحديث ، فأهل الحديث محتاجون إلى التفسير ، لأن الآيات القرآنية لم تُفسر كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما بعضها فُسِّر من قِبل الصحابة بما فهموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تحدَّث به ، وأهل الحديث محتاجون إلى أهل الفقه الذين يستنبطون ، بل ليقال لمن زعم هذا القول ، نقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إن في كلام الله سبحانه وتعالى مع ما جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين فضل الفقيه ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) كما في الصحيحين ( فذلك مثل من فقه في دين الله ) أحاديث كثيرة ، ولا يأت الفقهاء فيقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم أثنى علينا ، نقول ( لا ) أنتم ليست بشيء إلا بأهل الحديث ، لأنكم لا يمكن أن تأتوا بأحكام إلا مبنية على أحاديث صحيحة ، فالأمة أمة متكاملة واحدة يجب أن تعمل على هذا النحو ، ولا يجب أن يصدر مثل هذا الحديث من الأمة فضلا عن طلاب العلم ، فكيف يكون طالب علم وكيف يكون عالما وهو لم يرب نفسه على التواضع ! حتى ولو قلنا – من باب التنزل – أنهم أهل الحديث من باب التصنيف ما كان ينبغي أن يقال هذا الكلام .

 

س4: هل الجهل عذر ؟

ج4: إذا بُيِن للمسلم الحكم الشرعي فخالف في ذلك فإنه يأثم ولا يُعذر بهذا الجهل ، فهو لم يبق جاهلا ، فهو قد علم .

 

س5: ما معنى حديث ( يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها ؟

 ج5 : الحديث صحيح  في سنن أبي داود وغيره ، لكن المجدد ينبغي أن تُعرض أفعاله على الشرع ، وهل هو من المجدين الذين أتوا إلى المجتمع الإسلامي وقد تفشَّت فيه المنكرات والبدع ، وبفضل من الله سبحانه وتعالى جعل هذا الرجل سببا أم لا ؟ ينظر في هذا .

ولذلك السيوطي رحمه الله يزعم أنه من المجددين ، ويقرر هذا ويؤكده ، وقد رد عليه بعض العلماء ، والأمر في هذا واسع .

 

س6: لماذا كان ابن عمر يجلس فترة لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

ج6 : نعم ، ابن عمر رضي الله عنهما يجلس سنة لا يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ولكن لا يعني أنه لا ينشر العلم ( كلا ) يُسأل فيجيب ، ويبين للناس الحلال والحرام ، لكن كان يتورع من أن يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ،

 

ولم الصحابي بالذات ؟ لأن الناس يعرفون أنهم  عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكل ما ينطقون به يؤخذ ، ليسوا كغيرهم ، ولذا كلما عظمت مرتبة الإنسان في الأمة كلما كان وجوبا عليه أن يكون أتقى وأزهد وأورع من أن يتكلم بشيء ، لأن الكلمة إذا قالها أخذت منه ، ويسري هذا على من له مثلا أثره في مجتمعه ولو كان صغيرا ، ليس المقصود في مجتمع الأمة عامة بل في مجتمعه هو ،

إذا كان مما يثق الناس به ،

 

ولذا كثيرا ما سمعت الشيخ ابن باز رحمه الله إذا سئل ، قال : ننظر ، نعرض هذا السؤال على اللجنة الدائمة ، لأنه يعرف أنه لو قال قولا ستأخذه الأمة ، ثم إذا نُقل عنه وتبين له عدم الصواب يصعب أن يُنشر الصواب مثل ما انتشر هذا الخطأ  ، وكما قلت كلما كان للإنسان وقع كلما كان الواجب في حقه أن يكون ورعا ، ولذلك هذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم – وهذا عجب – ترى البعض من الناس في هذا العصر لو حفظ له متنا أو كتابا أو ما شابه ذلك ظن أنه عالم الأمة وأن الواجب على الناس أن يأخذوا منه ، بل بعضهم ممن يمارس تعلم علم الحديث يرى أنه يجب على الناس أن يأخذوا منه وأن يأخذوا التصحيح والتضعيف منه دون غيره – هذا ليس بصحيح – فالأمة بحاجة إلى أن تكون متحدة ، لا يمكن أن يأتي أحد ويقول أنا الأفضل ، أو لا أحتاج إلى أحد ، لا يمكن أبدا ، فالأمة مثل ما شبه النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد ) فلابد أن تكون الأمة جسدا واحدا ، فقد تعلم أشياء – وأنا لا أقولها الآن من باب التواضع – لا والله – قد يعلم بعضهم أشياء لا أعلمها ، فإذاً أنا بحاجة ، عمر رضي الله عنه أوقف وأخبر ببعض الأحاديث التي لم يعرفها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أعلم منا مقاما ، فأنت بحاجة إلى ما لديَّ وأنا بحاجة إلى ما لديك ، قد تسمع حديثا أو تسمع علما جديدا لم أطلع عليه أو تقرأ في كتاب ، فأنا بحاجة إلى ما لديك ، فالأمة واحدة ، لو أن الناس أخذوا بهذا المنطلق لسعدت الأمة ، وأصبحت أمة قوية .