شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 31 حديث 34
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن علي رضي الله عنه — في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم- قال :
( ومسح برأسه واحدة )
أخرجه : أبو داود ، وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح ، بل قال الترمذي : إنه أصح شيء في الباب .
( من الفوائد )
أن هذا الحديث دليل للجمهور من أن الرأس يمسح مرة واحدة ، وذلك لأن الأدلة الكثيرة التي جاءت منقولة من الصحابة رضي الله عنهم لصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أتت بأن النبي عليه الصلاة والسلام :
( مسح رأسه مرة واحدة )
ولذا قال الترمذي ” إنه أصح شيء في الباب “
وهذه الكلمة تدل على أن هناك روايات أخرى تخالف هذه الرواية ، ولذا تمسك بعض العلماء ببعض الروايات فقالوا :
” إن الرأس يمسح ثلاثا “
ويستدلون على ذلك بأدلة منها :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ذلك الأعرابي الوضوء ثلاثا )
وهذا شامل لجميع الأعضاء .
ولو لم يرد هذا الدليل فإنه يقاس الرأس على بقية أعضاء الوضوء .
ومن أدلتهم : ما جاء صريحاً في بعض روايات أبي داود :
( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثاً )
بل جاء عند أبي داود :
( أنه مسح رأسه مرتين )
وأسانيدها صحيحة ، لأن الرواة لها ثقات .
والصواب / ما ذهب إليه الجمهور من أن ” الرأس يمسح مرة واحدة “
والجواب عن أدلتهم :
فإن حديث ( أراه الوضوء ثلاثا )
على وجه التغليب ، لأن من طرق التغليب – كما سيأتي معنا إن شاء الله في البلاغة – ” أن تغلب الكثرة على القلة ” فالمقصود بقوله ( أراه الوضوء ثلاثا ) المقصود الأعضاء الأخرى التي تغسل .
أو يحمل هذا الحديث – كما قال ابن حجر رحمه الله – على أنه لو ثلث الرأس فيكون المسح للرأس ثلاث مرات استوعبت الرأس مرة .
فيكون مسح ثلث رأسه بمرة ، والثلث الثاني بمرة والثلث الأخير بمرة .
وأما الأحاديث الأخرى التي جاءت صريحة من أنه مسح رأسه ثلاث مرات ، فهي شاذة ، لم ؟
لأن هؤلاء الرواة وإن كانوا ثقات فإنهم خالفوا من هو أوثق منهم ، فيكون الحديث شاذا ، وكل حديث أتى بمسح الرأس أكثر من مرة فيكون شاذاً .
ويمكن أن يحمل ( أنه مسح رأسه ثلاثا ) على ما قاله ابن حجر رحمه الله .
وأما رواية : ( أنه مسح رأسه مرتين )
فهي شاذة ، وإن صحت فإنها محمولة على الإقبال والإدبار ، فإنه لما أدبر بيديه إلى قفاه ، هذه مرة ، فلما عاد مرة أخرى ، هذه مرة ثانية .
ثم إنه لو قيل بالمسح ثلاثا : لأشبه المسحُ الغسلَ في الصورة .
بينما يرى أصحاب القول الثاني : أن الأحاديث ثابتة ، ويقولون : لم لا يحمل هذا على التعدد ، مرة فعل هذا ومرة فعل هذا ، ما المانع من هذا لاسيما وأن الأحاديث نقلها ثقات ؟
فنقول : إن رواة الثقات مقبولة ، ولكن إذا كان هؤلاء الثقات خالفوا الشيء المشهور عن كثير من الصحابة ممن نقل وضوء النبي عليه الصلاة والسلام فيقال إنها غير صحيحة ، ولا يحكم عليها بأنها زيادة ثقة .
ولذا يقول أبو داود رحمه الله : إن جميع الأحاديث التي رواها عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أتت بالمسح مرة “
ومعلوم أن حديث عثمان من أشهر الأحاديث في صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام .