شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 31 ) حديث ( 34 ) (ومسح برأسه واحدة )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 31 ) حديث ( 34 ) (ومسح برأسه واحدة )

مشاهدات: 528

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 31 حديث 34

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن علي رضي الله عنه  — في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم-   قال :

 

(  ومسح برأسه واحدة )

أخرجه : أبو داود ، وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح ، بل قال الترمذي : إنه أصح شيء في الباب .

( من الفوائد )

أن هذا الحديث دليل للجمهور من أن الرأس يمسح مرة واحدة ، وذلك لأن الأدلة الكثيرة التي جاءت منقولة من الصحابة رضي الله عنهم لصفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أتت بأن النبي عليه الصلاة والسلام :

( مسح رأسه مرة واحدة )

ولذا قال الترمذي ”  إنه أصح شيء في الباب “

وهذه الكلمة تدل على أن هناك روايات أخرى تخالف هذه الرواية ، ولذا تمسك بعض العلماء ببعض الروايات فقالوا :

” إن الرأس يمسح ثلاثا “

ويستدلون على ذلك بأدلة منها :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى ذلك الأعرابي الوضوء ثلاثا )

وهذا شامل لجميع الأعضاء .

ولو لم يرد هذا الدليل فإنه يقاس الرأس على بقية أعضاء الوضوء .

ومن أدلتهم : ما جاء صريحاً في بعض روايات أبي داود :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثاً )

بل جاء عند أبي داود :

( أنه مسح رأسه مرتين )

وأسانيدها صحيحة ، لأن الرواة لها ثقات .

والصواب / ما ذهب إليه الجمهور من أن ” الرأس يمسح مرة واحدة “

والجواب عن أدلتهم :

فإن حديث ( أراه الوضوء ثلاثا )

على وجه التغليب ، لأن من طرق التغليب – كما سيأتي معنا إن شاء الله في البلاغة – ” أن تغلب الكثرة على القلة ” فالمقصود بقوله ( أراه الوضوء ثلاثا ) المقصود الأعضاء الأخرى التي تغسل .

أو يحمل هذا الحديث – كما قال ابن حجر رحمه الله – على أنه لو ثلث الرأس فيكون المسح للرأس ثلاث مرات استوعبت الرأس مرة .

فيكون مسح ثلث رأسه بمرة ، والثلث الثاني بمرة والثلث الأخير بمرة .

وأما الأحاديث الأخرى التي جاءت صريحة من أنه مسح رأسه ثلاث مرات ، فهي شاذة ، لم ؟

لأن هؤلاء الرواة وإن كانوا ثقات فإنهم خالفوا من هو أوثق منهم ، فيكون الحديث شاذا ، وكل حديث أتى بمسح الرأس أكثر من مرة فيكون شاذاً .

ويمكن أن يحمل ( أنه مسح رأسه ثلاثا ) على ما قاله ابن حجر رحمه الله .

وأما رواية : ( أنه مسح رأسه مرتين )

فهي شاذة ، وإن صحت فإنها محمولة على الإقبال والإدبار  ، فإنه لما أدبر بيديه إلى قفاه ، هذه مرة ، فلما عاد مرة أخرى ، هذه مرة ثانية .

ثم إنه لو قيل بالمسح ثلاثا : لأشبه المسحُ الغسلَ في الصورة .

بينما يرى أصحاب القول الثاني : أن الأحاديث ثابتة ، ويقولون : لم لا يحمل هذا على التعدد ، مرة فعل هذا ومرة فعل هذا ، ما المانع من هذا لاسيما وأن الأحاديث نقلها ثقات ؟

فنقول :  إن رواة الثقات مقبولة ، ولكن إذا كان هؤلاء الثقات خالفوا الشيء المشهور عن كثير من الصحابة ممن نقل وضوء النبي عليه الصلاة والسلام فيقال إنها غير صحيحة ، ولا يحكم عليها بأنها زيادة ثقة .

ولذا يقول أبو داود رحمه الله : إن جميع الأحاديث التي رواها عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أتت بالمسح مرة  “

ومعلوم أن حديث عثمان من أشهر الأحاديث في صفة وضوئه عليه الصلاة والسلام .