شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 44 ) حديث ( 47 ) ( ابدؤوا بما بدأ الله به )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 44 ) حديث ( 47 ) ( ابدؤوا بما بدأ الله به )

مشاهدات: 696

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 44 حديث 47

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما  في صفة حج  النبي صلى الله عليه وسلم : قال : صلى الله عليه وسلم :

( ابدؤوا بما بدأ الله به )

أخرجه : النسائي كذا بلفظ الأمر .

وهو عند مسلم بلفظ الخبر .

 ( من الفوائد )

أن هذا الحديث ورد بصيغتين :

الصيغة الأولى : صيغة الخبر ، وهذه جاءت عند مسلم ، لما قرب النبي صلى الله عليه وسلم من الصفا قال:

( أبدأ بما بدأ الله به )

وهذا الأسلوب أسلوب خبر .

الصيغة الثانية : صيغة الأمر ، وهي المذكورة هنا ، وهي عند النسائي .

ومن ثمَّ رأى بعض العلماء : عدم ثبوت ما عند النسائي باعتبار أنها لفظة ” شاذة “

ورأى علماء آخرون : أنها ثابتة ، ولا تعارض بين الصيغتين  .

وإن كان لفظة ( ابدؤوا ) تعطي معنى زائدا على  ( أبدأ بما بدأ الله به )

وهذا يتفرع عليه سؤال : لماذا ذكر ابن حجر رحمه الله هذا الحديث في كتاب الطهارة ، مع أنه متعلق بالحج ؟

الجواب /

لعله – رحمه الله – يشير إلى أن ما ذكر من أحاديث ذُكر فيها غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل القدمين أن الترتيب بينها واجب ، لم ؟

لأن الله عز وجل لما ذكر في آية الوضوء أعضاء الوضوء ذكرها مرتبة ، ذكر غسل الوجه ، ثم غسل اليدين ، ثم مسح الرأس ، ثم غسل القدمين “

ويعد هذا دليلا لمن قال بأن ” الترتيب فرض من فروض الوضوء ولا يصح الوضوء إلا به “

إضافة إلى ما ذهبوا إليه : من أن الله عز وجل فصل بين المغسولات بالممسوح ، فأدخل الممسوح بين المغسولات ، وهذا خلاف ظاهر مقتضى اللغة ، ولكن قالوا :

” ما حصل هذا إلا من أجل التأكيد على فرضية الترتيب “

وبعض العلماء : لا يرى الترتيب ” وهم الحنفية ، ويستدلون بحديث :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل وجهه ويديه وقدميه ثم مسح رأسه )

لكن قال عنه الصنعاني رحمه الله : ” ليس له سند حتى يحكم به وعليه “

وعلى افتراض صحته : فإن هذا حديث واحد خالف الثقات كثيري العدد ، فيكون شاذاً ، مع أنه ليس له سند حتى يعرف الحكم عليه .

فالصواب أن الترتيب فرض

لو قال قائل : لو أنه هذا الترتيب تُرِك جهلاً ؟

فالجواب / أن ما مضى من صلوات سابقة لا يلزم بإعادتها ، وإنما يلزم بالصلاة الحاضرة التي لم يخرج وقتها ، وقد مضى الحديث عن هذا ، إذ إن عمَّار بن ياسر :

( لما أجنب كان يتمرغ كما تتمرغ الدابة ) والتيمم صفته للغسل كصفته للحدث الأصغر ، ومع ذلك لم يلزمه النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلوات السابقة .

وذلك الرجل المسيء في صلاته – كما في الصحيحين – لم يلزمه بما مضى ، وإنما ألزمه بأن يعيد هذه الصلاة التي لم يحسن فيها ، والأدلة على هذا كثيرة .

لكن لو سقط نسياناً ؟

بعض العلماء : يرى أن هذا يلحق بالجهل.

وبعضهم قال  : لا  .

ولو قال قائل :

( ابدؤوا بما بدأ الله به )

ذكر المفسرون وأهل اللغة : أنه يستفاد منها [ أن ما قدَّمه الله عز وجل فهو أحق بالتقديم ]

ولا يعدل عن هذا إلا بدليل ، ولذلك استدل بعض العلماء بقوله تعالى :

{ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ }النساء3

على أن التعدد أفضل من الاقتصار على واحدة ، لأن الله عز وجل قدَّم التعدد .

والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال عند الصفا ( أبدأ بما بدأ الله به )

لأن الله عز وجل بدأ في الذكر ( بالصفا )

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ }البقرة158

( ومن الفوائد )

أن ذكر هذا الحديث مع أنه في سياق الحج يؤصِّل لنا قاعدة – ولها أدلة – لكن هذا من بين أدلتها :

[ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ]

فهذه الجملة وردت على سبب وهو ” الحج “فأتى به ابن حجر رحمه الله في كتاب الطهارة .

( ومن الفوائد )

أن في هذا دليلا على ما قررناه سابقا من أن الترتيب بين اليمين واليسار ليس بواجب ، لم ؟

لأن الله عز وجل لما ذكر غسل اليدين أطلق ، فدل على أن الترتيب يكون بين اليدين مع ما قبله وهو الوجه ، ومع ما بعده وهو مسح الرأس .

كذلك الشأن في المضمضة والاستنشاق ، هو عز وجل أمر بغسل الوجه ، والفم والأنف –كما قررنا – أنهما من الوجه ، فلو أنه استنشق قبل أن يتمضمض جاز ، وإن كان قد ترك الأولى .

كذلك لو أنه غسل وجهه ثم تمضمض واستنشق فلا إشكال في ذلك .

( ومن الفوائد )

أن ( ما ) المذكورة هنا ( موصولية ) وهي تفيد العموم ( أبدأ بما بدأ الله به )

يعني ( أبدأ بالذي بدأ الله به )

فدل هذا على أنها قاعدة مطردة في جميع ما ذكره عز وجل ، ولا يستثنى من ذلك نص دون آخر ، إلا إن جاء دليل يخصص ذلك .