شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 59 ) حديث ( 67 ) ( كان الصحابة ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم )

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 59 ) حديث ( 67 ) ( كان الصحابة ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم )

مشاهدات: 528

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 59 حديث 67

( باب ” نواقض الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال :  

كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ، ثم يصلون ولا يتوضئون )

أخرجه : أبو داود ، وصححه الدارقطني  ، وأصله في مسلم .

قد عقد ابن حجر رحمه الله هذا الباب ، وهو باب ” نواقض الوضوء ” بعد أن ذكر الوضوء وصفته ، وما يتضمنه من المسح على الخفين ، فكان هذا العقد لهذا الباب مناسبا ، إذ إن هذا الوضوء لما عرفتَ صفته وما يتضمنه ، لتعلم أن له نواقض تبطله ، وقد ذكر حديث أنس رضي الله عنه .

( من الفوائد )

أن هذا الحديث في ظاهره أن النوم لا ينقض الوضوء ، فلماذا ذُكر تحت هذا الباب ؟

إما لكي يبين أن هناك من يقول من العلماء : أن النوم ليس بناقض .

أو على قول من يقول إن النوم ينقض الوضوء إذا كان كثيرا ، ولا ينقضه إذا كان يسيرا .

وهل النوم ناقض للوضوء أم لا ؟

خلاف بين أهل العلم :

القول الأول :   من يقول ” إن النوم ليس بناقض للوضوء مطلقا ، ودليلهم :

ما ذكر هنا ، لأن هناك رواية ( يضعون جنوبهم )

وجاء عند الترمذي : ( أنهم يوقظون للصلاة )

ومن يضع جنبه ويوقظ للصلاة هو المستغرق في النوم ، فكانوا يصلون ولا يتوضئون .

القول الثاني : أن النوم ناقض للوضوء ، لحديث صفوان بن عسَّال ، كما مر معنا ( لكن من غائط وبول ونوم )

القول الثالث : أن النوم ناقض للوضوء ” ولكن إذا خفق رأسه خفقات متفرقة ، أو خفقتين متتاليتين فلا ينقض .

الخفقة هي : أن يسقط رأسه إلى أسفل ، لكن إذا كانت ثلاث خفقات فأكثر متتابعة فينقض .

القول الرابع : ” أن النوم ليس بناقض للوضوء ” لكن ينقض الوضوء إذا كان مضطجعا ”

لما مر معنا في السنن :

( لا وضوء إلا على من نام مضطجعاً )

وهذا الحديث ضعيف .

القول الخامس : 

” أن النوم ناقض للوضوء إلا ” راكعا أو ساجدا أو قائما ، في صلاة أو في غيرها “

والدليل : ما جاء عند البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إن العبد إذا نام في سجوده باهى الله به ملائكته فيقول ” روح عبدي عندي وبدنه ساجد بين يدي ” )

لكن هذا الحديث ضعيف  .

القول السادس : هو كالقول الخامس  ، لكن يقصرون الحكم على السجود والركوع ، ودليلهم هو الدليل السابق ، وقاسوا الركوع على السجود المذكور في الحديث .

والحديث كما أسلفنا ضعيف .

القول السابع : ” أن النوم ناقض للوضوء إلا إذا نام في الصلاة “

فمتى ما نام في الصلاة على أي هيئة كانت فإن صلاته صحيحة ، ودليلهم ما سبق .

القول الثامن “ وهو قول الجمهور ” أنه يجمع بين الأدلة ” فنصوص أتت بأن النوم ناقض للوضوء ، ونصوص أتت بأن النوم ليس بناقض للوضوء ، وبالتالي فإن ” النوم الكثير هو الذي ينقض الوضوء ، أما النوم اليسير فلا ينقض الوضوء “

لكن ما ضابط النوم اليسير ؟

ضابطه – وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله – فضابط النوم اليسير ” أن شعوره لا يذهب ” والنوم الكثير ” أن شعوره يزول “

كيف نفرِّق ؟

لو أن شخصاً قد نام ، فقيل له يا فلان حولك أناس يتحدثون ، هل سمعت ما يقولون ؟

فإذا قال لا ، لم أسمع شيئا ، فهذا هو النوم المستغرق الكثير .

لكن لو قال أنا أسمع أصواتا من حولي ، لكنني لا أدرك ماذا يقولون ؟ هناك ضوضاء وأصوات ، لكن لا أدرك معنى ما يقولون ، نقول هذا هو النوم اليسير .

لكن كيف يجاب عن حديث ( يضعون جنوبهم ) ؟

ورواية ( يوقظون للصلاة ) ؟

الجواب / أن صاحب النوم اليسير يصدق عليه أنه يضع جنبه ، ولا إشكال ، وأنه يوقظ ولا إشكال ، والواقع يشهد بذلك .

فخلاصة القول /  أن النوم ناقض للوضوء إذا كثر ، وإذا لم يكثر فإنه ليس بناقض للوضوء  ، جمعا بين الأدلة ، ولذا تأتي القاعدة الأصولية التي تقول :

[ إذا أمكن الجمع بين الأدلة فلا يعدل عن الجمع إلى الترجيح ]

وصاغها بعض الأصوليين ، فقال :

[ إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ]

( ومن الفوائد )

” بيان ما كان يصيب الصحابة رضي الله عنهم من جهد وتعب ومشقة في نهارهم إلى درجة أنهم لا يتحملون أن يبقوا كثيرا بعد دخول وقت العشاء “

وهذا خلاف ما عليه حالنا ، فهم ازدادوا نشاطاً وقوة وإقبالا على الخير ، ونحن على العكس من ذلك .

( ومن الفوائد )

” جواز النوم في المسجد ، ولاسيما إذا كان ينتظر الصلاة “

وجوازه من أدلة أخرى ، حتى لو كان لغير الصلاة ، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري :

( أنه كان ينام في المسجد وهو أعزب )

في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

( ومن الفوائد )

” أن هذا الحديث من قبيل الحديث المرفوع حكما “

لم ؟

لأن هذا الفعل صدر من الصحابة رضي الله عنهم في عهده صلى الله عليه وسلم ، ومر معنا الحديث عن الحديث المرفوع بنوعي ” المرفوع حقيقة والمرفوع حكماً “

( ومن الفوائد )

” استحباب تأخير صلاة العشاء “

لأنهم ما ناموا هذه النومة إلا لأنه عليه الصلاة والسلام تأخر عنهم ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :

( لولا أن أشق على أمتي لأخرتها إلى ثلث الليل )

وقال : ( والله إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )

( ومن الفوائد )

” استحباب انتظار الصلاة “

وأن انتظار الصلاة له فضل ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( ولا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه )

وفي رواية :

( ما زال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة )

( ومن الفوائد )

” استحباب النوم على الجنب الأيمن “

هل يجوز النوم على الجنب الأيسر  ؟

الجواب / نعم يجوز ، والدليل :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر  الحلم من الشيطان ، قال (  وليتحول عن جنبه الذي كان عليه إلى الجنب الآخر )

ولكنه مضر بالقلب ، نافع للبدن ، كما قال ابن القيم رحمه الله .

بينما النوم على الجنب الأيمن نافع للقلب .

لم كان النوم على الجنب الأيسر نافعا للبدن ؟

لأن به يحصل هضم الطعام أكثر .

ما حكم النوم على الظهر ؟

جائز ، لكن قال ابن القيم رحمه الله كما في ” زاد المعاد ” قال ” وهو أردأ النوم صحة ” إلا من أراد أن يسترخي فقط ، أما أن يستغرق في النوم ، فيقول رحمه الله ليس بجيد .

ما حكم النوم على البطن ؟

محرم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند :

( لما رأى رجلاً قد نام على بطنه أيقظه وقال ” إن هذه نومة جهنمية )